مستقبل فيروس الكورونا في إسرائيل والعالم

صادفت مقال باللغة العبريّة للدكتور روعي تسازانا Roey Tzezana، وهو عالم في الدّراسات المستقبليّة (من الأسماء المعروفة في هذا المجال: العالم ستيفن هوكينغ والمهدي المنجرة العالم والمفكّر المغربي الكبير)، يتحدّث به عن الكورونا وعن تبعات تفشّي الوباء.

15.03.2020 מאת: دكتور شريف خريس - ايطاليا
مستقبل فيروس الكورونا في إسرائيل والعالم

צילום בית חולים רמב"ם

 ترجمة المقال للعربية :ياسر ابو عريشة, إلى الأحبّة، والأقرباء والأصدقاء ولكل من يهمّني أمرهم وصحتهم وعموم أهلنا في هذه البلاد.

لاقى المقال انتشارًا ورواجًا كبيرًا وتفاعلاً من جميع الأطراف لما فيه من معلومات ثمينة.

حصلت من روعي على إجازة بأن أترجم المقال للعربيّة لكي يسهل إبصال المعلومات الواردة فيه إلى متحدّثي وقارئي العربيّة وأتمنّى أن يعود عليكم بالفائدة وأن تشاركوه مع أقاربكم وأحبابكم.

باعتقادي هذا منشور مهم جدًّا جدًّا لكل شخص فينا.
يحتاج إلى القراءة بعناية لكي نفهم حقًّا ماذا يحدث وتخفيف مستويات الهلع والتّصرُّف بمسؤوليّة.

الشّكر الجزيل للدكتور روعي تسازانا ولرفاقه الّذين عملوا على هذا المنشور.

مستقبل فيروس الكورونا – في إسرائيل والعالم

في الأشهر الثلاثة الماضية، شهد العالم هزة هائلة على المستوى العالمي. فرضت الصين حظرًا للتجوال على مئات الملايين من المواطنين ومنعتهم من مغادرة منازلهم لأسابيع طويلة. بعضهم لا يزالون تحت إغلاق شامل. بعد ذلك بشهرين، عندما وصل فيروس كورونا (الاسم العلمي للفيروس هو Sars-Cov-2، واسم المرض الّذي يسبّبه هو Covid-19، ولكن باختصار سأسمّيه هنا "فيروس الكورونا") إلى إيطاليا، رأينا ردّة فعل مماثلة من قِبل السلطات. وفي الأيام القليلة الماضية فقط، قررت الحكومة في إيطاليا فرض إغلاق شامل على البلاد بأكملها، في خطوة قد تدفن اقتصاد البلاد نهائيًّا.

أوه، وفي إسرائيل أعلنت وزارة الصحة الحرب على العالم بأسره، وأدخلت عشرات الآلاف من المواطنين إلى العزل، بمن فيهم أي شخص يأتي من دولة أجنبية. لكن لماذا؟ ما الذي يسبب القلق الذي هاجم العالم فجأة من مجرّد فيروس يقول البعض إنه ليس أكثر خطورة من الأنفلونزا؟

في هذا المنشور، أريد أن أشرح سبب كل هذه الخطوات الدرامية - على المدى القصير والطويل. أحذر مسبقًا من أن هذا المنشور سيثير الذُعر، لكنني على يقين أنه يجب على الجمهور أيضًا فهم أبعاد انتشار الفيروس، والسّبب وراء اتّخاذ الحكومات إجراءات وقائية شديدة، لكنها تخشى في الوقت ذاته شرح السّبب وراء هذه الخطوات للجمهور العام.
إذا لم نفهم مدى احتماليّة تفاقم الموقف وخطورته، فلن نعرف أيضًا لماذا من المهم جدًّا أن نتبع إرشادات الحكومة ووزارة الصحة. الأمر الّذي يقلقني بشكل جدّي هو أن الأشخاص الذين لا يتبعون إرشادات وتعليمات الحكومة - هم الذين سيدفعون إلى تحقق السيناريو الأسوأ على الإطلاق.
ولذلك رجاءًا: اقرؤوا المنشور بعناية لكي تفهموا ما الّذي يمكن أن يكون عليه المستقبل الأسوأ، ولكن استمرّوا في القراءة حتى النهاية لاكتشاف نقاط الضّوء أيضًا، ولماذا يوجد هنالك أمل - إذا تصرّفنا بشكل صحيح.

عندما يظهر فيروس جديد

في منتصف كانون الأول/ ديسمبر، بدأت المختبرات في مدينة ووهان بالصين في تلقي عيّنات لعاب تمّ أخذها من مرضى بالالتهاب الرئوي في المدينة. لقد استغرقت المختبرات حوالي أسبوع لكشف تسلسل الشيفرة الوراثية للفيروس الموجود في العينات، ليدركوا بعدها أن هناك تشابهًا بنسبة ثمانين بالمائة بينه وبين مرض السارس المشؤوم ... ولكن أكثر من ذلك، هو فيروس جديد غير مألوف للبشرية..
دخلت المختبرات إلى حالة من التّوتُّر والضّغط وأبلغت كبار المسؤولين بالحدث، وهؤلاء من جانبهم طلبوا منهم بلطف أن يغلقوا أفواههم وأن لا يتسببوا بإثارة الهلع في صفوف الجمهور. وهذا ما التزمت به المختبرات، حتى قام أحدها بخطوة شجاعة عندما أقدم على إشهار الشيفرة الجينيّة للفيروس.

تمّ إغلاق هذا المختبر على الفور في اليوم التالي، بناء على طلب من السلطات، ولكن الموضوع في حينها كان قد أصبح مكشوفًا وكان واضحًا للجميع بأنّ هنالك فيروس جديد في الصين

استغرقت الحكومة الصينية بعض الوقت لفهم خطورة الوضع، لكنها وجدت بسرعة كبيرة أنها تواجه مشكلة خطيرة في منطقة ووهان: تدفق السكان إلى المستشفيات مع صعوبات في التنفس، الحمّى والالتهاب الرئوي. لحسن الحظ ، على الرغم من أن الفيروس الجديد كان يشبه السارس، إلا أن معدل الوفيات المرتبط به كان أقل من ذلك بكثير.

في حالة السارس، يموت عشرة في المائة من المصابين، أمّا في حالة فيروس كورونا المستجدّ، فإن معدل الوفيات المقدر في ووهان كان 2 في المائة فقط (وربما يكون هذا تقدير مبالغ فيه لأننا لا نعرف العدد الدقيق للمصابين بالعدوى).

هنا يجب أن نتوقف للحظة ونشرح ما نعرفه اليوم عن المرض. من بين كل 100 شخص مصاب بالفيروس، يصاب حوالي 80 منهم بأمراض خفيفة فقط، أو حتى من الممكن أن يظلوا بصحة جيدة ظاهريًّا. أربعة عشر منهم سيصيبهم مرض أكثر حدة، مع صعوبات تنفسية متقدمة والالتهاب الرئوي، مما يستدعي تلقّي العلاج في المستشفى.

يحتاج خمسة إلى علاج طارئ بسبب الصدمة المعدية، الفشل التنفسي وانهيار أنظمة الجسم. واثنان من كل مئة مريض، سيموتون.

هذه المعطيات غير دقيقة، حيث أن نسبة كبيرة من المصابين بالفيروس لن يُصابوا بمرض جديّ، وحتّى أنهم لن يذهبوا حتى لإجراء فحص عند الطبيب، لذا فهم غير مدرجين في الإحصائيات. ولهذا السبب، ربما يكون عدد الإصابات أكبر بكثير - ربما ضعفين أو ثلاثة أضعاف أو عشرة وأكثر – هذا وفقًا لما نعرف.

إذا اعتمدنا على البيانات الآتية من كوريا الجنوبية، حيث تم بالفعل اختبار أكثر من مائة ألف شخص - بمن فيهم أناس لا يشتبه في إصابتهم - - يبدو أن معدل الوفيات هناك 0.6 في المائة فقط. ومع ذلك، لا يزال الفيروس أكثر فتكًا بست مرات من الأنفلونزا الموسمية (التي تقتل 0.1 في المائة من المصابين) [3]. بالإضافة إلى ذلك، فإن 1.3 في المائة فقط من مُجمل مرضى الأنفلونزا في الولايات المُتّحدة كانوا بحاجة إلى دخول المستشفى في العام الماضي، هذا مقارنة بواحد وعشرين في المائة بفعل فيروس كورونا.

العائق الكبير

لم تكن الصين مستعدة لتعطيل اقتصاد مقاطعة هوبي الّتي تحتضن مدينة ووهان، دون سبب وجيه. ووهان هي واحدة من المدن الصناعية الأكثر تقدما في الصين، مع 11 مليون نسمة واقتصاد واسع النطاق. أو على الأقل كانت كذلك. ومع ذلك، في غضون شهر من بداية تشخيص المرض، رأت السلطات الصينية أن عددًا كبيرًا من الناس يحتاجون إلى العلاج في المستشفى بسبب صعوبات التنفس والالتهاب الرئوي.

اتضح أن فيروس كورونا شديد العدوى. كل شخص مصاب بالفيروس ينقل العدوى بالمعدل إلى 2.2 أشخاص آخرين. في هذا الصدد، فإن فيروس كورونا مُعدي أكثر بضعفين من الانفلونزا الموسمية .

لا عجب إذن أن عدد المصابين في مدينة ووهان تزايد بسرعة.

هل تذكرون إحصائيات منظمة الصحة العالمية؟ من بين كل 100 مصاب بالفيروس، يحتاج واحد وعشرون إلى علاج طارئ. لنفترض للحظة أن معظم المصابين في الواقع لم يتم تشخيصهم على أنهم مصابين، وبالتالي فإن نسبة المرضى المُعرّضين للخطر هي أصغر بكثير. لنفترض، على سبيل المثال، أن هناك فقط 20 مريضًا خطيرًا من بين كل 500 مصاب، وليس 20 من كلّ 100 مصاب (حسب إحصائيّات منظّمة الصّحّة). هذا خصم كبير، لكن لا بأس. لنفترض.

لنفترض أيضًا أن الفيروس - الذي ، كما ذُكِر، له عدوى أقوى من الإنفلونزا - سيصل إلى مستويات العدوى كما في وباء الإنفلونزا عام 1889، والذي أصاب بحسب التّقديرات ما يصل إلى ستين بالمائة من سكان العالم (كانت لدى الفيروس الذي خلف هذا الوباء قدرة عدوى بنفس معدل قدرة فيروس كورونا، بحيث تمكن كل شخص من نقل العدوى إلى حوالي شخصين).

لنجري الحسابات بسرعة. إذا كان ستون في المئة من سكان ووهان البالغ عددهم 11 مليون نسمة مصابين بالفيروس، فإن مستشفيات ووهان يجب أن تعالج 264000 شخص قد يموتون دون عناية طبية عاجلة.

ليس من المفروض أن تكون المستشفيات قادرة على تحمل مثل هذا الحمل. على سبيل المقارنة، يحتوي مستشفى متوسط الحجم في الولايات المتحدة على 190 سريرًا فقط، ونسبة كبيرة منها ليست مخصصة لمرضى في حالات الطوارئ [9]. لا أعرف عدد الأسرة الموجودة في المستشفيات في الصين، ولكن ما هو مؤكد - هم أيضًا لم يتمكنوا من التعامل مع حالة الطوارئ التي تسبب بها فيروس كورونا.

أدركت الحكومة على الفور أن لديها مشكلة، فرضت إغلاقًا شاملاً على مدينة ووهان بالكامل، وأنشأت مستشفيين جديدين في غضون أسبوعين، في حملة لا يمكن إلا للصين من فعلها. بعد ذلك مباشرة، فرضت حظر التجول على جميع السكان، ومنعتهم من مغادرة منازلهم طيلة أسابيع كاملة (ربما باستثناء الخروج السّريع لمرة واحدة في الأسبوع لشراء الطعام)، فقط لمنع الفيروس من الانتشار وإصابة الأشخاص الأصحاء.

ستقولون الآن - ما الذي كانت الصين خائفة منه إلى هذا الحدّ؟ لنقل أنّ المستشفيات ستنهار - ماذا في ذلك؟ هل البديل المتمثّل بإيقاف كل الحياة في المدينة أفضل من انهيار المستشفيات؟?

أهمية المستشفيات

الجواب هو أن المستشفيات مهمة وحيويّة للاقتصاد وللمجتمع أكثر ممّا نتصوّر

فيما يلي بعض الأشياء التي ستحدث في حالة امتلاء المستشفيات. أعتذر مسبقًا عن الصورة المروعة، لكنها ليست بعيدة عن الموقف الذي وجدت فيه المستشفيات نفسها في ووهان، والتي نجت منه أساسًا بفعل ردّة الفعل "المبالغ بها" من جانب الحكومة الصينية، التي فتحت مستشفيين آخرين كما ذُكِر، وفرضت الحظر لمنع انتشار الفيروس.

- سيعمل الطاقم الطبي على مدار الساعة، سيتعبون، سيرتكبون الأخطاء - وكذلك سيصابون بفيروس الكورونا عاجلاً أم آجلاً. إضافة إلى ذلك سينقلون العدوى إلى كلّ شخص يأتي إلى المستشفى.

 سينفذ بسرعة مخزون الأدوية اللازمة لخفض الحرارة، لمنع ووقف النوبات (الناتجة عن الحمى) ، لتخدير المرضى (أمر مطلوب في حالة إدخال أنبوب تنفُّس)، وما إلى ذلك - في غضون بضعة أيام - وبالتّالي لا يمكن للمرضى الحصول على الخدمات الطبية الحديثة التي يرجونها.

العدد القليل من أجهزة التنفس لن يكون كافيا لجميع المرضى في الموجودين بحالة حرجة. سوف ينفذ تزويد بالونات الأكسجين أيضًا.

سوف يموت مرضى الكورونا الّذين يعانون من حالة حرجة في أسرّتهم دون أن يتمكنوا من تلقي العلاج من طرف الطاقم الطبي – فبعض أفراد الطّاقم مصابون بالمرض، الحمى، القشعريرة وغيرها من النّوازل. على أي حال، لا يوجد ما يكفي من أجهزة التنفس، العقاقير أو الأكسجين لمساعدة الجميع، هل قلنا أمرًا بهذا الصّدد؟ في الواقع، هناك بالفعل شهادات تأتي من إيطاليا - حيث يوجد نقص حاد في أجهزة التنفس - على أن المستشفيات تنقل أجهزة التنفس من العُجّز إلى ضحايا كورونا الأصغر سنا.

المرضى المزمنون لن يتمكنوا من الذهاب إلى المستشفيات لتلقي العلاج. الحديث هنا عن مرضى السرطان، ومرضى الأمراض القلبيّة، الأمراض العصبية، أمراض الأيض من أي نوع، وهلم جرا. ستكون المستشفيات مكتظّة بمرضى كورونا، وعلى أي حال - لن يكون هناك ما يكفي من الطواقم الطبية لعلاج المصابين بأمراض مزمنة. وإذا تفرّغ أحد من أفراد الطاقم من علاج مرضى كورونا لعلاج المصابين بأمراض مزمنة - فسيصيبهم أيضًا.

لن تتمكن النساء الحوامل من الولادة في المستشفيات: لن يكون هناك ما يكفي من أفراد الطّاقم الطّبّي لرعايتهن وضمان سلامتهن، وسوف يُصبنَ بالفيروس فور الولادة. ستختار الكثيرات الولادة في منازلهن - وهو أمر خطير وغير بسيط، خاصة عندما يكون أولئك الذين حصلوا على تدريب طبي متخصص مُجبرين على المكوث في المستشفيات وغير قادرين على المساعدة في الولادة.

ضحايا حوادث الطُّرق سوف يجدون أنفسهم يُعالَجون ويتمّ صرفهم مباشرة. أتيت إلى المستشفى ولديك كسر معقد؟ سيتم تثبيته لك بالطريقة الأساسية، وسيتم تحريرك إلى المنزل مع مُسكّن آلام. ونعم، لن يشفى الكسر على النحو الأمثل، ستعاني بعض العجز ومن الألم لبقية حياتك، ولكن لا يوجد خيار آخر عندما تكون المستشفيات ممتلئة.

أي شخص يأتي إلى المستشفى مصابًا بمشكلة صحية تتطلب علاجًا فوريًا - مسن مصاب بنوبة قلبية، طفل ابتلع بنّورة - سيجد أنه يجب عليه الانتظار لأيام لتلقي العلاج الطبي المناسب، هذا إن كان موجودًا أصلاً.

الآن فكروا للحظة في كل هؤلاء الأشخاص الذين ليسوا على صلة مباشرة بالفيروس: مرضى السرطان والقلب، ضحايا حوادث الطرق، النساء اللّواتي ولدنَ على عجل في أحسن الأحوال والبقيّة ... لا يمكن للمستشفيات مساعدتهم، وسيتم إرسالهم إلى بيوتهم، حيث سيحتاجون إلى رعاية مستمرة ومساعدة دائمة.

من سيوفر لهم هذه العناية؟ عائلاتهم، بالطبع. هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين كان من المفترض أن يخرجوا إلى العمل، و يستمروا في الحفاظ على الاقتصاد ونشاطه النابض - ويجدون أنفسهم عالقين في البيوت، يعتنون بأبناء عائلاتهم، بدلاً من العمل.

أوه، هذا على افتراض أنهم هم أنفسهم، كما ذكرنا، قد تعافوا بالفعل من الفيروس. لا تنسوا أنه يسبب أعراضًا شبيهة بالإنفلونزا، مع ارتفاع درجة الحرارة والضعف. هل سبق لكم أن حاولتم العمل وأنتم مصابون بالأنفلونزا؟ ليست بتلك التجربة الممتعة، على أقل تقدير.

بكلمات أخرى، إذا سمحت الحكومة الصينية للفيروس بالانتشار بين السكان دون التّدخّل، فقد كانت هنالك فرصة حقيقية لأن ينهار الاقتصاد هناك على أي حال، أو على الأقل كان سيعاني بشدة.

يبدو المشهد مروعًا؟ حسنا، نعم. ولكن هذه هي الطريقة التي نسمع بها عن أحداث كهذه دائمًا من الجانب. حتى في حالة حدوث زلزال شديد أو حرب واسعة، فإن المستشفيات تمثّل نقاط الضعف. يوجد دائمًا نقص في الموارد في المستشفيات، وعدد كبير جدًا من الأشخاص الذين يهرعون للحصول على المساعدة سيؤدّي لتعطيل عمل المستشفيات أو لإجبارها على اتخاذ قرارات صعبة مثل تصنيف المرضى حسب الأولوية، إرسالهم إلى البيت حتى عندما يكون البقاء بالمستشفى مفضلاً، والأهم من ذلك - الكثير، الكثير من الفوضى ستحول دون أن يحصل النّاس على أقصى قدر من الرعاية الطبية.

وكل هذا يمكن أن يحدث في إسرائيل أيضًا.

دعونا نطبق الإحصاءات التي ذكرتها على إسرائيل للحظة. يعيش في إسرائيل 9.1 مليون شخص. نستبعد من الحساب 2.9 مليون طفل (الذين تظهر عليهم علامات طفيفة جدا للمرض، إن وجدت أساسًا) ونحصل على 6.2 مليون إنسان محتمل للإصابة بالعدوى. لنفترض أن ستين بالمائة فقط منهم سيصابون، وأن واحدًا فقط من كل 25 (أي 20 من أصل 500) سيحتاج إلى رعاية مكثفة. إذا كان هذا هو الحال، فسنحتاج بعد بضعة أشهر إلى 150.000 سرير في المستشفيات الإسرائيلية. في حين لدى مستشفى شيبا - الأكبر في البلاد - 1500 سرير فقط.

أكرر الرقم مرة أخرى: 150.000 سرير.

ينبع هذا الرقم من افتراضين متطرفين: أن عددًا كبيرًا من الناس سوف يصاب بالمرض، وسيمرض جميعهم في فترة قصيرة نسبيًا من شهر إلى شهرين. قد تتحقّق كل من هذه الافتراضات، ولكن هناك سبب جيّد للتفاؤل: وزارة الصحة تبذل كل ما بوسعها حتى لا يكون الأمر كذلك.

أسباب للتفاؤل

هل أخفتكم؟ جيد جدا. نحتاج أيضًا إلى معرفة ما هو أسوأ السيناريوهات وأن نكون قادرين على الاستعداد له والتخفيف من آثاره. تقوم وزارة الصحة هنا في إسرائيل بعمل جيد جدًا حتى الآن.

ما الذي تحاول وزارة الصحة القيام به، مع كل الخطوات المتطرّفة الأخيرة؟ يدعو نظام الرعاية الصحية الخاص بنا الكثيرين للدّخول إلى العزل. هناك سبب وجيه لهذا. يمكن أن يؤدي العزل إلى إبطاء انتشار الفيروس بين السكان، مما يحول دون وصول 150.000 شخص إلى المستشفيات معًا.

بدلاً من ذلك، حتى إذا استمر انتشار الفيروس في إسرائيل، فإنه سيصيب الناس ببطء حتى تتوزّع زيارات المستشفى بشكل "قطرات" لمدة ستة أشهر أو سنة. سيظل ذلك يشكل ضغطًا كبيرًا على المستشفيات، لكنه سيكون مقبولًا.

إغلاق الحدود يخدم غرضًا مماثلًا. لقد أخفقت الولايات المتحدة بصورة كبيرة، حتى الآن، وتواجه تبعات لتفشّي خطير للفيروس. كل سائح يأتي من هناك دون الانتقال للعزلة يزيد من خطر انتشار الفيروس في إسرائيل. توجد هناك فعلاً طرق لتحسين مواجهة التّفشّي - توفير وسائل نقل بديلة بدلاً من قطار إسرائيل لأولئك المشتبه في حملهم للفيروس، أو تطوير تطبيق يتطلب من السياح الإبلاغ عن حالتهم الصحية (كما فعلوا في كوريا الجنوبية). لكن الطلب بدخول العزل أمر منطقي بشكل عام.

أعلم أن هناك الكثير من الاستياء من هذه التدابير المتطرفة، لكننا رأينا بالفعل في الصين أنه يمكن إيقاف الفيروس عن طريق هذه الخطوات. من الممكن في أكثر الحالات تطرفًا أن نضطر إلى فرض حظر التجول على مدن بأكملها، والسماح لاقتصاد الهايتك بمواصلة العمل عن بُعد عبر الإنترنت، وإعداد حالة يكون فيها المزارعون قادرين على مواصلة إنتاج الغذاء للاستهلاك والتصدير في ظل ظروف معزولة نسبيًا.

ربما سيتعين علينا عزل الفئات السُّكّانيّة الحساسة - أي كبار السن - وإنشاء نظام تطوعي يخدمهم في الحجر الصحي. هذه خيارات متطرفة، لكنها موجودة بالفعل.

هذه فرصة لنذكر فيها بأن وسائل التّعقيم والتّطهير الأساسية مثل المطهرات الأوتوماتيكية في الأماكن العامة، التطهير المتكرر للقطارات، الحافلات وسيارات الأجرة، وإرشاد الجمهور للحفاظ على قواعد النظافة الصحية، كل هذا من شأنه أن يساعد في تقليل نقل العدوى و"التعايش مع الفيروس" في البلاد.

هناك سبب حقيقي للتفاؤل: فقد تمكنت البلدان التي اتبعت كل هذه الطرق بفعالية من وقف انتشار فيروس كورونا. تجري كوريا الجنوبية أكثر من 10000 اختبار يوميًا، بعضها في محطات على جانب الطريق، وتتابع بيانات العزل عن طريق مجموعة متنوعة من التدابير التكنولوجية لأجل ضمان عدم انتهاكها. يتحقق المسؤولون الحكوميون مرتين في اليوم من أنّ المُلزمين بالحجر الصحي لا يخالفون التّعليمات، وعلى أي شخص يدخل البلاد تثبيت تطبيق على الهاتف الذكي والإبلاغ عن صحته كل يوم .

نتيجة لهذه التدابير ، انخفض عدد الإصابات الجديدة في كوريا الجنوبية في الأيام الأخيرة. تتخذ كل من سنغافورة وتايوان خطوات مماثلة، بنجاح مماثل. السكان في هذه البلدان أكثر انضباطا، وأنظمتها الصحية في حالة جيدة منذ البداية. تستفيد اقتصادات هذه البلدان من مساحة للتنفس. وأين إسرائيل على هذه الخريطة؟ أعتقد أننا في مكان ليس بسيء. ربما باستثناء موضوع السكان المنضبطين.

حتى لو لم نتمكن من استئصال الفيروس تمامًا، في هذه الأثناء، في حيّز التنفس الذي يوفره لنا العزل والإغلاق الحدودي، فإن النظام الصحي يفعل شيئًا كبيرًا ومهمًا: هو يستعد للفيروس ويجهز له.

يمكنني أن أؤكد لكم أن كل مستشفى وصندوق مرضى في هذه الأيام يحاولون شراء كل جهاز تنفس لا يزال متاحًا للبيع في السوق، يقومون بإنعاش وتجديد المعدّات القديمة في المستودعات وبطلب الكثير من الأدوية والأقنعة استشرافًا للمستقبل. بفضل هذا التجهُّز، نأمل أن يتمكنوا من علاج المرضى حتى في حالة الإجهاد الشديد.

وفي خضمّ كل هذا، يتوقّع النّظام الصّحّي أيضًا حدوث "معجزة" - أي حدث غير متوقع ولا يمكن التنبؤ به رأسًا.

الجوكر المخفي في كم القميص

هناك جوكر واحد - بطاقة يمكن سحبها من حزمة البطاقات وقد تغير الصورة بأكملها في الأشهر المقبلة. ولكن لأجل ذلك علينا أن نكون جدًّا محظوظين.

"المعجزة" التي أتحدث عنها هي أن فيروس كورونا سوف يختفي ويتلاشى مع حلول الصيف. في الأيام الأخيرة، نشرت دراسة جديدة (لم تتم مراجعتها حاليًا من قِبل الزّملاء)، توضح أن الفيروس قد انتشر في الصين بأعلى سرعة عندما بلغت درجة الحرارة 8.7 مئوية بالضبط. عندما يصبح الجو أكثر دفئًا، يجب أن ينتشر بشكل أقلّ سهولة. لكن الدراسة لا تأخذ في عين الاعتبار بيانات أخرى كالرطوبة، والباحثون أنفسهم يعترفون بأن "الطقس في حد ذاته ... لن يؤدي بالضرورة إلى انخفاض في عدد الحالات دون تنفيذ تدابير للتدخل الشامل بالصحة العامة." 

كما هو الحال مع الدراسات العلمية ، هناك أيضًا وجهات نظر متعارضة. ويقول الخبراء إنه لا يوجد دليل على أن الأقارب الأكثر فتكاً بفيروس كورونا المستجدّ - سارس و MERS - قد تضررا من الصيف. وعلى أي حال، عندما يحلّ الصيف على جانب واحد من الكرة الأرضيّة، يحلّ الشتاء في الجانب الآخر. سيستمر الفيروس في الانتشار ببساطة إلى بلدان أخرى - ويعود إلينا في ذروة قوّته بعد بضعة أشهر.

مايك رايان، أحد كبار المسؤولين في منظمة الصحة العالمية، حذر بالفعل من الأمل في أن يؤدي الطقس الحار إلى وقف انتشار الفيروس. كما قال - "يجب أن نفترض أن الفيروس سيظل يتمتع بالقدرة على التفشّي. إنه أمل خاطئ في أن نقول أنّه سوف يختفي مثل الأنفلونزا ... لا يمكننا افتراض ذلك."

ولكن يمكننا أن تأمل، أليس كذلك؟

سيكون كلّ شيء بخير - إذا تصرفنا بحكمة

في الختام، كلمات أخيرة: سيكون كلّ شيء على ما يُرام.

ولكن فقط إذا تصرفنا بحكمة.

قال عالم المستقبل ستيوارت براند ذات مرة إنه "متشائم على المدى القصير ومتفائل على المدى الطويل". هو متشائم على المدى القصير لأنه يرى كل شيء يمكن أن يتعطّل وجميع المشاكل التي يمكن أن تقع على العالم. هو متفائل على المدى الطويل لأننا، نحن البشر، بارعون في إيجاد حلول لجميع هذه المشاكل.

لا أعتقد أن أسوأ وضع - السيناريو الذي تنهار فيه المستشفيات بالكامل - سيتحقّق في إسرائيل بالكامل. يهدف هذا المنشور إلى توضيح سبب قلق المسؤولين بوزارة الصّحّة، ولماذا يتخذون الخطوات المتطرّفة التي نسمع عنها في وسائل الإعلام. بالضبط هذه الخطوات من شأنها أن تمنع السيناريو السّيّء وأن تؤدي إلى مستقبل أفضل، ولكن لهذا علينا مراعاة تعليمات المهنيين والانصياع لها.

أنا لا أقول أنّ الأمر لن يكون صعبًا. من المزعج وغير المريح الجلوس في العزل، تطهير اليدين كل بضع ساعات، أو الضغط على زر المصعد بالكوع بدلاً من الإصبع. ليس من المريح استقلال سيارة أجرة من مطار بن غوريون، بدلاً من استخدام القطار. وليس من اللطيف أن تتجوّل مع قناع في الشارع عندما يكون لديك فقط قليل من الحكة في الأنف. ولكن وظيفة هذه التّعليمات هي منع السيناريو الّذي تنهار به المستشفيات، وهو سيناريو سيضرّ بالأساس بالفئات الضّعيفة: جدّ وجدّة كل واحد منّا. أي شخص يتبع هذه التعليمات يجب أن يعلم أنه ينقذ الكثير من الأرواح في البلاد.

من منظور طويل الأمد، سوف تظهر لقاحات التّطعيم الأولى بحلول نهاية العام أو بعد ذلك بقليل، وهناك فرصة جيدة لأن تقوم بتخفيف وكبح الهجمات القادمة للفيروس. إذا حدث ذلك، فسيختفي تمامًا، أو أنّه سيصبح نوعًا آخر من أمراض الشتاء التي ستُثقل كاهل نظام الرعاية الصحية لدينا. لكن وقته محدود. سوف تقدم التطورات الهائلة في العلوم الطبية حلًا لهذا الفيروس على مدى العقد أو العقدين المقبلين، مهما كان ماكرًا.

من منظور طويل الأمد، وضعنا جيد وسوف يكون أفضل على مر السنين. حتّى في هذه اللّحظات، يدفع الفيروس إلى تطوير التقنيات الطبية والتشخيصية عن بعد، ونحن نشهد افتتاح المستشفيات المُزوّدة بخدمات روبوتية متقدمة.

إن فيروس كورونا - أحد أعداء البشرية الجدد - يجعل حياتنا صعبة على المدى القصير، ولكنّه ومن خلال ذلك، يساعد الخدمات الطبية على إحداث قفزة إلى الأمام. الأنظمة الصحية، التي واجهت دائمًا صعوبة في اعتماد أحدث التقنيات، سوف تنتقل إليها مرغمة. من المتوقع أن نرى تبنيًا سريعًا للأنظمة المتقدمة والتقنيات المبتكرة التي من شأنها أن تحسن حياتنا وصحتنا.

الصّحّة والمعافاة الدائمة، لنا جميعا.
 

תגובות

1. يعقوب לפני 4 שנים
مقال قيم جدا

מומלצים