في رثاء الكاتب والاديب والشاعر والفيلسوف معين حاطوم

افتقد  الكرمل كنزا ادبيا من كنوزه وعنقودا داليا من عناقيده  وجهبذا  من جهابذة الحكمة وعملاقا عبقريا  وارهاصا  فلسفيا وشهيدا شغوفا بذل نفسه للعلم والمعرفة والادب  سطع اسمه في ارجاء المعمورة شرقا وغربا وخاصة عند الناطقي بالضاد.

10.02.2019 מאת: منير فرو
في رثاء الكاتب والاديب والشاعر والفيلسوف معين حاطوم

بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله

قال تعالى : " كل نفس ذائقة الموت وكل من عليها فان  ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام  " صدق الله العظيم

" الفيلسوف يقتنص الحقيقة برصاص عقله حتى ولو كانت على شبابيك داره" من كتاب همس الحكمة لمعين حاطوم

افتقد  الكرمل كنزا ادبيا من كنوزه وعنقودا داليا من عناقيده  وجهبذا  من جهابذة الحكمة وعملاقا عبقريا  وارهاصا  فلسفيا وشهيدا شغوفا بذل نفسه للعلم والمعرفة والادب  سطع اسمه في ارجاء المعمورة شرقا وغربا وخاصة عند الناطقي بالضاد وكما قال الكاتب الراحل في كتابه "كأن يكون" : "شمس الشرق ينقصها ضوء "  فمعين كان  ضوء شمس الشرق الادبي والفلسفي والشعري لكرملنا ولكل قطر من اقطارنا العربي ارتشف من نبعه الفياض وجدوله الرقراق فوجوده كان عبارة عن بؤرة اشعاع للابداع الادبي والفلسفي في كل مكان كما كانت اثينا بؤرة اشعاع لحكمة الفلاسفة اليونانيين .

معين حاطوم كان  عبارة عن "مزيج" من عباقرة غابرين، مثل "فلاسفة اليونان" الباحثين في اسرار الوجود، وكـ "هوميروس" واضع ملحمة اسطورة "الالياذة والاوذيسة" الشعرية، المستوحاة من قصة "طروادة"، والقديمين كأمثال "ابي العلاء المعري"، في انتقاء الكلمات المعجمة، و"دانتي" كاتب "الكوميدية الالهية"، وكـ "شكسبير" في "روميو وجوليت"و"هملت انطونيو"و"كيلوبترا" والجديدين كـ "أرنست همنغواي" في كتابه "الشيخ والبحر"، و "جبران خليل جبران" في فلسفته خاصة كتاب "النبي"،و" ميخائيل نعيمة"في شعره وأدبه، و"إيليا أبو ماضي" في فلسفته ونفسيته التسائلية لمعرفة سبب وجوده في هذا الكون، وكمهاتما  غاندي في فلسفته اللاعنف وكالمعلم الشهيد كمال جنبلاط في عبقريته التحررية السلمية وادب الحياة ، كما وتشمل فلسفته اسلوب الاساطير التوراتية المستوحاة من الحضارة الاشورية السومرية والبابلية والفرعونية المصرية، كقصة خلق ادم وحواء وقصة الطوفان المشابهه لقصة جلجامش وقدموس، اضافة الى المعتقدات والافكار الاخرى كالحياة والموت وتجسيد الالهة ، والحياة الفردوسية بين الانهار العذبة الصافية الرقراقة ، والعشق المبالغ به ليصل الى حد الالهة الى حد " الآنا "، والقوانين الحمورابية وفلسفة الرياضيات في النسبيات والجزئيات والبعضيات والكماليات والتقاسيم الموسيقية التي هي أصل الرياضيات في تربيعها، وقصص الالهة اليونانية والمصرية والحتشبوتية، فمعين هو مفكر واديب وشاعر وفيلسوف قديم غابر وحديث معاصر  ورسام ثنائي وثلاثي الابعاد، تعتمد رسوماته على الخطوط، الظل، الاشكال الهندسية، كالدوائر والمثلثات والمربعات والمسدسات، وتوحي عن عمق فلسفته وعبقريته النادرة،،وكتاباته ورسوماته كلها تخضع لانغام موسيقية، فهو مبدع مرهف، وفنان يحس بكل ما يدور حوله، ويحاول رسمها ونثرها على اوراقه، متجاوزا كل الحدود والافاق.

ان قيمة الكاتب معين حاطوم الأدبية والنثرية والشعرية والفلسفية واستعاراته البلاغية، وصيغتها بجمل وكلمات من صنعه الشخصي، دلت على عبقريته الفريدة والمتميزة، فقد بحث في علم العروض، وموسيقى الشعر العربي، وبحور الشعر الضائعة، والنغمات التي تهمشت واهملت، فقام بمحاولة فريدة من نوعها عجز غيره ممن سلفه القيام بها، وهي اضافة وبناء اوزان وبحور جديدة على الشعر العربي، لاقت صدى عالميا، حيث بلغ عددها خمسة بحور، أطلق على كل بحر منها اسما مميزا وهي "بحر الغزل"، و"بحرالطرب"، و"بحرالكرمل"، و"بحرالسمر"، و"بحرالدوالي"،  ووضع على كل بحر منها نموذجا شعريا يقتدى به، وأيضا  قام معين بادخال بعض الغرائب في قصصه ، لم نعهدها قديما، ولم نسمع أن كاتبا ما قد استعملها، كمثل "السيمفوسرديّة" ،والتي عبّر عنها بأنها السيمفونيّة المسرودة سردًا، كما جاء في كتابه " وجه الطفل العابس "، وهي تقطيع كلماته، ليجعل منها صدى ،او كأن كلماته تتحرك، وتركض بسرعة، وتخرج منها صدى، كما كلمات السيمفونية التي هي كلمات سجينة على الورق، حتى جاء النطق بها ليفتقها ويوقظها من سجنها وجمودها، كما يفتـّق ويوقظ قطر الندى الزهر باكرا في عيد النيروز كما جاء في "وصف الربيع" للبحتري ، وعلى رأي الفلاسفة أن الكلمات ليست هي التي تتحرر، بل جواهرها الاسيرة بداخلها، وذلك بعد ان تتصور في جواهر الانفس البشرية ، هكذا فعل الكاتب والأديب معين حاطوم، أيقظ الكلمات من سباتها، كمن أحيا الميّت ،وجعلها حية متحركة، تعطي بتحركها نغما موسيقيا سيمفونيا كونسرتيا، فهو بعمله الجبار هذا تشبه بابطال اهل الكهف الذين ناموا 309 سنين ليبعثوا من جديد ليحيوا عقيدة البعث بعد الموت والعودة من جديد مع تجديد .

لقد اصدر راحلنا الكثير من الإصدارات  وهذا ان دل على شيء، فانه يدل على ما ينضح به وعاءه الأدبي الواسع والكبير، وان وعاءه هذا كالنهر الجاري لا ينضب، فهمسه حكمة، وزمهريره كرملي، وديوانه العشق والادراك، وضحكه وميض الحزن، وذاكرته أنت دم يقطر، وألمه فلسفة، ونبيه الرائع الفلسرالي، وطفله في وجهه العابس، وبسمته من الله ذوت، وشعره بكل اللغات يتكلم، ونبوئته في كل ما يقول، وكأنه في كتابه " كأن يكون"يقول :" لا تخشوا ان تقولوا لا نعلم الشيء فتتعلموه، استيقظوا من جهلكم، عودوا الى اصول المعرفة،اطفئوا وقد الجمر بالرماد، حاولوا الطيران لانكم تقدرون عليه،لا تكتفوا بالبدايات وتنسوا ان الاعمال بنهاياتها".

لقد تحلى معين بكثير من الصفات الحميدة لانه تربي في بيت تغمره الاخلاق وحب العلم والناس والتواضع وبشاشة الوجه والكرم وروح النكتة وحسن العشرة والمعاشرة .

وكان لي الشرف ان اتعرف على شخص معين عن قرب لصلة القرابة والنسب ولاني اعتدت منذ صغري ان اقصد مطبعته المتطورة دائما  والتي كانت عبارة عن صومعة لذاك المتامل العابد الزاهد والمفكر العبقري والاديب المبدع والرسام الفنان والفيلسوف الملهم  الذي ما كان يهمه لبسه وهنكاله الخارجي بقدر ما يهمه تغذيه روحه وفكره من علوم وحكمة وفلسفة وادب فقد وهب نفسه وجسده لهذا الشيء العظيم .

ان مطبعة معين انطلقت من حارة مغرب مسقط راسه حيث استاجر غرفه صغيرة تحت بناء شاهق للشيخ ابو جاد سعيد حسون اطال الله بعمره ثم انتقل الى مركز البلد حيث عمل بالتداوي بالاعشاب والطب التقليديثم انتقل الى  بيت المرحوم ابو ناظم توفيق حلبي ثم الى مكانها اليوم حيث افتتحها مطعما فلوكلوريا  لتغذية الروح والجسد لتكون مجمعا وقبلة للادباء والشعراء ومحبي اللغة العربية والفلسفة .
لقد بدا معين مطبعته بطباعة او منشوراته وقصص اطفال والبومات صور كسلسلة العالم العجيب لمعدها الاستاذ الشيخ سميح ناطور محرر مجلة العمامة  وايضا سلسلة قصص كقصة طرزان الاسطورة الممتعة باسلوبها وايضا طبع كراريس رسومات من رسمه ليقوم الطفل بتلوينها بعنوان " فكر ولون  " مما ساعد الطفل على نضوجه الفكري والعقلي والحسي والادراكي والقدرة على تمييز الالوان واختيارها.

لق قد هداني معين الكثير من الكتب والمؤلفات كما لغيري وهذا من جوده وكرمه  ومنها كتابه الذي استغرق بتاليفه 24 ساعة بعنوان :" كان يكون " حيث افتتحه بتوجيه خطابا للناس، يريد منهم أن يتعرفوا عليه، مع أنه هو نفسه يجهل ذاته ، لكن يريد أن يتعرف على ذاته من خلال الناس ، ويعتبر هذا الجهل لذاته هوسا ، يصيبه باستمرار . كما ان جهلنا لحقيقة ذاتنا، يسبب لنا التعب والعناء المستمر ، وكانه يردد قول الحكيم سقراط والفلاسفة : " يا انسان اعرف نفسك لتعرف حقيقة وجودك  واسرار عالمك".

لقد تطرا معين في كتابه " كأن يكون"  الى قضية الصراع العربي اليهودي وقال كونهم يعلمون مدى القرابة بينهم ما زال الصراع بينهم قائما السبب في نظره انهم يحاولون عدم التذكر بانهم اقرباء  ويحملون نفس الجينات وايضا عبر عن العرب بقوله  كم نحن العرب نخاف الامور الغريبة " فيستعبدنا جهلنا وتخذلنا معرفتنا" ويصف ذلك بقصة  " الجمرة " التي لا تنطفيء بالرغم من المحاولات باطفائها بشتى الطرق ولكن دون جدوى فاصبحت هذه الجمرة عقدة متوارثة ولكن دون معين الحكيم يشخص العلاج ويصف الدواء للداء ويقول ان اطفاء الجمرة  يكون " برمادها" .

واخيرا نبقى عاجزين عن اعطلء شهيد الادب والفلسفة حقه ويبقى  فقدان ابو شادي غروب لشمس الادب وخسارة لثروة ادبية ثرية ونادرة  وسيبقى حيا بمؤلفاته وابداعاته وفلسفته ورسوماته لتكن ذكراه خالدة
ونتعوض باهله وذويه ومحبيه ومرتشفي ادبه وشعره
وانا لله وانا اليه راجعون

 

תגובות

מומלצים