مسؤولية دون مساءلة وقضاء لا يضمن العدالة

وسط توافق زمنيّ جمع بين أحداث منفصلة، وتزامن خلق صدفة ذات معنى، وفق مفهوم مبدأ التزامن لواضعه عالم النفس السويسريّ كارل غوستاف يونغ، مؤسّس علم النفس التحليليّ، حملت الأيام الأخيرة سلسلة من الأخبار والمعلومات المتعلّقة بالجهاز القضائيّ في إسرائيل، أكّدت ما كنت قد حذّرت منه كرجل قانون ومتابع للأحداث منذ سنوات أنّ الجهاز القضائيّ في إسرائيل.

14.01.2022 מאת: المحامي زكي كمال
مسؤولية دون مساءلة وقضاء لا يضمن العدالة

 

تنازل طوعًا عن مهامّه وأهدافه، وأنّه بكافّة هيئاته ومراتب محاكمه وبتركيبته المهنيّة والإنسانيّة من قضاة ومحامين، يؤكّد للقاصي والداني أنّه جهاز عاجز يكتفي بالقضاء دون العدل. 

 

 

كان آخر هذه الأحداث والتطوّرات ما كشف عنه خلال مؤتمر حيفا للقضاء الذي جرت أعماله مؤخرًا بالتعاون مع نقابة المحامين، بمشاركة رئيس الدولة، يتسحاق هرتسوغ، ووزير القضاء، جدعون ساعر، ورئيسة المحكمة العليا، إستير حيوت، والمستشار القضائيّ للحكومة، الدكتور أفيحاي مندلبليت، والمدعي العام للدولة عَميت إيسمان وغيرهم، إذ اتضح وفقًا للمعطيات التي تمّ الكشف عنها وجود انهيار تام في ثقة المواطنين في إسرائيل بالجهاز القضائيّ، حيث بلغت نسبة من يولون هذا  الجهاز ثقة عالية جدًّا، 7 % فقط من الجمهور مقابل 30% عبّروا عن ثقة متدنّية جدًّا حتى متدنّية بالجهاز القضائيّ

 

يضاف إلى ذلك انخفاض ثقة الجمهور بالمحكمة العليا والنيابة العامّة والمستشار القضائيّ للحكومة إلى حضيض غير مسبوق منذ العام 2008، إذ عبَّر 52% من الجمهور عن ثقة متدنّية جدًّا حتى متدنّية بالمحكمة العليا، مقابل 25% فقط عبّروا عن ثقة مرتفعة أو مرتفعة جدًّا، بينما عبّر 61.5% عن ثقة متدنّية جدًّا حتى متدنّية بالمستشار القضائيّ للحكومة، و6% فقط عبّروا عن ثقة مرتفعة أو مرتفعة جدًّا، علمًا أن سبقت هذه المعطيات بأيام معدودة قرارات قضائيّة شرعنت خلالها المحكمة العليا خاصّة والمحاكم الأخرى عامّة، خطوات حكوميّة ورسميّة إسرائيليّة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالعدل والعدالة، بل إنّها تشير إلى أنّ الجهاز القضائيّ في إسرائيل يكتفي بالنصف الأول من دوره" فهو قضاء فقط"  لا يسعى إلى العدالة، بل إنّه يتجنّبها أحيانًا رغم أنّها على مرمى حجر منه أو حتى أقرب منه بكثير، ما يشكل حالة  إسرائيليّة خاصّة، بل حصريّة، هي غير معهودة في الدول التي تعتبر نفسها ديمقراطيّة، حتى لو كان ذلك تصريحًا وليس فعلًا، وتتغنى بديمقراطيتها أو بكونها واحة الديمقراطيّة في منطقة الشرق الأوسط.

 

 

حديثي عن القضاء وعن العدل ليس حديثًا نحويًّا أو لغويًا فحسب، رغم أنّنا نُركِّز في اللغة العربيّة على نعت "القضائيّة " عند الحديث عن المحاكم والقضاة، ولكننا عندما نتحدّث عن جهاز الحكم الذي ترتبط به سلطة القضاء نركّز على كلمة العدل حتى أنّ بعض الدول تسمّي الوزارة المعنيّة بالقضاء والمحاكم وإنفاذ القانون والتشريعات بوزارة العدل، وهي وزارة القضاء في إسرائيل. وليس ذلك فحسب فالتطوّرات والأحداث المرتبطة بجهاز القضاء في إسرائيل وقراراته خاصّة عندما تتطرّق تلك إلى قضايا تتعلّق بالفلسطينيّين في الضفة الغربيّة وقطاع غزة وشرقي القدس والعرب داخل إسرائيل وحقوقهم، أو عندما يتعلّق الأمر بنشاطات الجيش الإسرائيليّ والمستوطنين وأفراد الشرطة وبالقضايا التي تصنّفها إسرائيل أمنية، أو تندرج ضمن تصنيف حالات الحرب وفق قاموس المصطلحات الإسرائيليّ، وهو قاموس فضفاض لغاية في نفس يعقوب،  يؤكّد خصوصية إسرائيل من حيث الفارق الكبير والبون الشاسع بين القضاء والعدل، رغم أنّه من المفروض أن يكون الحال عكس ذلك،  وأن يكون الفرق بينهما هو الفرق بين الوسيلة والغاية، أو بين الهدف وأداة الوصول إليه، فالقضاء هو جهاز يعمل فيه القاضي للنطق بالحكمِ العادل، بل النطقِ بالعدل، ولن يكون القضاء سليمًا بدون عدل صحيح حقيقيّ،  أمّا القضاء الذي لا يحقّق العدل فهو سلطة ستفقد الثقة، ولن يستمر لها وجود دون ضمان العدل،  فهو الذي يحمل الناس على الانصياع للسلطة طوعاً واختيارًا،  وقديمًا قيل: «العدل أساس المُلْك»، وبالتالي فالمُلْك بدون عدل يؤول إلى التداعي والانهيار.       

 

 

كثيرة وعديدة هي الأمثلة التي تثبت "أنّ العدالة في إسرائيل ليست عمياء" بمعنى أنّها لا تحكم دون انحياز، بل إنّها منحازة في المجالات سابقة الذكر إلى دولتها، أو إلى سياسات دولتها وإلى المواقف التي تخدم الأغلبيّة، أو تخدم القوة سواء كانت الحزب الحاكم أو النهج السائد، وأنّ القضاة هم بشر كسائر البشر يتأثرون بعدّة عوامل، مثل أي شخص آخر، خلافًا لما يتوقّع المجتمع من القضاة أن يتصرفوا وفقًا لمبادئ العدالة لدى اتخاذ القرارات التي تؤثّر في حياة الناس، وأن يطبّقوا القوانين وفقًا لذلك، استنادًا للحقائق والحيثيّات المتاحة لهم، أو كما قال البروفيسور تيري ماروني، وهو بروفيسور في القانون في جامعة فندربيت في الولايات المتحدة الأميركية :" كنا حتى اليوم نتمسّك بالاعتقاد الخاطئ أنّ المشاعر ليست مرتبطة بالقانون، وأنّ القوانين مرتبطة بالعقلانيّة فقط".

 

 

الأمثلة كثيرة ومتعدّدة، وأوردها في هذا السياق، للدلالة على ما أقول، ومنها قضية الدكتور عز الدين أبو العيش من قطاع غزة، والذي خسر آخر استئناف في قضية أمام المحكمة العليا الإسرائيليّة للحصول على تعويضات عن مقتل بناته الثلاث ميار والتي كانت تبلغ 15 عامًا، وآية (13 عامًا)، وبيسان (21 عامًا)، وابنة أخيه نور (14 عامًا) في غارة إسرائيليّة على منزله في غزة عام 2009، حيث أيّدت المحكمة العليا حكم المحكمة المركزيّة في بئر السبع  برفض طلب عز الدين أبو العيش، واعتبرت أنّه كان نتاج "عمل حربيّ"، متبنيّة بالكامل، ودون أيّ تلعثم رواية الجيش إنّ قوّاته أطلقت النار بعد أن اعتقدت أنّها رأت مقاتلين تابعين لحماس في الطابق العلويّ من منزل الطبيب، ولم تكتف هيئة القضاة المؤلّفة من ثلاثة بردّ الدعوى بل أضافت: "قلوبنا مع المدّعي... لكن في إطار الإجراءات التي أمامنا ليس هناك سبيل لقبول الطعن، أو تصحيح قرار المحكمة المركزيّة". لكنّ الأهمّ كان ردّ الدكتور أبو العيش الذي قال إنّه يحاول منذ المأساة، وبكلّ الوسائل المتحضّرة والسلمية والقانونيّة والأخلاقيّة تحقيق العدالة لبناته دون جدوى، ولكن كان الردّ طوال الوقت بالإنكار والتهرب والأعذار الزائفة، ما ضاعف الألم والمعاناة التي تحملها مع عائلته وكأَنَّ المحكمة كما قال،  تقتل بناته مرارًا وتكرارًا، واختتم قائلًا:" آمل أن يفعل كبار فقهاء القانون الإسرائيليّين ما هو أخلاقيّ، وما هو صحيح وما هو قانوني أيضًا. فحيث لا توجد مسؤوليّة لا توجد مساءلة".

 

 

وهنا بيت القصيد فالقضاء الإسرائيليّ وكعادته، يسارع إلى تبني الرواية الأَمنيّة الإسرائيليّة والرواية الرسميّة اليهوديّة، فمقتل بنات أبو العيش هو نتيجة عمل عسكريّ نفّذه الجيش الإسرائيليّ، ورغم هذا الاعتراف الصريح بأنّ الجيش الإسرائيليّ هو من أطلق النار، فإنّ المحكمة ذاتها تقول إنّه لا يمكن تحميل الجيش أو دولة إسرائيل مسؤوليّة ما يحدث خلال الحرب، ما يعني أنّ الجيش يمتلك إمكانيّة وصلاحيّة ارتكاب ما يريد من أعمال خلال الحرب ضمن مسؤوليّاته وصلاحيّاته الأمنيّة، دون أن يتحمّل مسؤوليّة أعماله هذه، فها هي المحكمة تسارع إلى اعتبار كلّ مواجهة عسكريّة مع الفلسطينّيين حربًا أو عملًا حربيًّا لتجنيب الجيش مسؤوليّة أعماله خلالها، وهي نفسها التي رفضت اعتبار حرب لبنان الثانية بكاملها "حربًا"، بل صنّفتها على أنّها عمليّة أو حملة عسكريّة تجنّبًا لتعويض المواطنين وأصحاب المصالح التجاريّة الذين تضرّروا جرّاءها: العمل العسكريّ في غزة هو حرب لتجنّب تعويض المتضررين، والحرب في لبنان هو حملة عسكريّة لتجنّب تعويض المتضرّرين، وهو نفس الحال في قضية عائلة "الداية" التي ردّت المحكمة العليا التماسها رغم أنّها  فقدت 22 فردًا من أفرادها خلال حملة عسكريّة إسرائيليّة في قطاع غزة، بحجّة أنّ القتلى سقطوا في إطار عمليّة عسكريّة، وأنّ إسرائيل ليست مسئولة عن الأضرار التي طالتهم، وهو الموقف نفسه من مقتل  16 من أفراد عائلة القياديّ في "حماس" نزار ريان عام 2009، ضمن حملة "الرصاص المصبوب"، إذ قتل ريان مع 11 من أبنائه ونسائه الأربع، وهي نفس الهيئة (الجهاز القضائيّ الإسرائيليّ)، التي أقرّت  في تشرين الأول عام 2021 ، استنادًا إلى ادّعاءات تقنيّة صرفة ، قدّمتها مجموعة "عطيرت كوهانيم" الاستيطانيّة في شرقي القدس، إخلاء 26 فردًا من عائلة  الدويك، في حي سلوان من منازلهم التي يقيمون فيها قبل عام 1967، مؤكّدة بقرارها أنّ مصلحة اليهود هي ما يحدّد عملها وتوجّهاتها وقرارات أفرادها، ليرفض القضاة موقف السكان الذي أشار إلى قضية التقادم، أي مرور 55 سنة على احتلال شرقي القدس، وتقبّل موقف الجمعيّة الاستيطانيّة الذي يعتبر المنازل وقفًا يهوديًّا، في تناقض صارخ لقرارات أخرى رفضت اعتبار أراضي المقابر وأملاك الغائبين التابعة للأوقاف الإسلاميّة وقفًا ، وبالتالي إجازة بيعها، أو مصادرتها وإقامة مبانٍ عليها( مقبرة القسام في نيشر، ومقبرة مأمن الله في القدس حيث يقام على جزء منها متحف التسامح !!!).

 

وكلّها قرارات تشرعن استيلاء المستوطنين على أملاك وأراضٍ في شرقي القدس والضفة الغربيّة لإقامة بؤر استيطانيّة غير قانونيّة لا تتوانى المحاكم والحكومات عن منحها الشرعيّة لاحقًا، مستغلّة كون المستوطنين الطرف الأقوى في الضفة، وكون إسرائيل الطرف القويّ ضمن معادلة طرفها الثاني السلطة الفلسطينيّة أو فلسطينيّو القدس، في تصريح أنّ القوي لا ينتظر العدالة ولا يحتاج القانون لفرض مواقفه وسياساته وتنفيذ مآربه، بل إنّه يفرضها فرضًا فهو صاحب القوة،  في تكرار لحالات تاريخيّة كثيرة تشير إلى أنّ أكبر الجرائم على مرّ التاريخ وفي مختلف مواقع العالم إنّما تُرْتَكَب باسم القانون.

 

 

ما سبق يؤكّد أمرًا واضحًا وحقيقة ساطعة ملخّصها أنّ الفلسطينيّين في غزة والضفة لن يجدوا العدل والإنصاف في المحاكم الإسرائيليّة في قضيتين، الأولى ما يتعلّق بالادّعاءات الأمنيّة بما فيها الاعتقالات الإداريّة على خلفيّة القضيّة الحاليّة للمعتقل الأمنيّ هشام أبو هواش ومن سبقوه، وتعويض العائلات الفلسطينيّة التي ألحقت بها العمليّات العسكريّة الإسرائيليّة أضرارًا في الأرواح الممتلكات، كما في قضية الدكتور عز الدين أبو العيش وعائدة الداية وغيرهما، والثانية قضية  الأملاك والممتلكات، فها هي المحاكم الإسرائيليّة تقرّر إعادة منازل في شرقي القدس يقيم فيها فلسطينيّون منذ أكثر من سبعين عامًا ليهود قرّرت المحكمة أنّهم أصحابها، بينما آلاف العقارات التي يملكها فلسطينيّون في غربي القدس قبل 1948، تمّ نقلها إلى يهود يقيمون فيها، وهكذا تعيش مدينة القدس حالة من الانفصام، فأملاك اليهود في شرقي القدس تُعاد إليهم كاملة أمّا أملاك الفلسطينيّين المنتشرة في كافّة الأَحياء وخاصّة الراقية في غربي القدس،  نقلتها الدولة بموافقة المحاكم ووفق قانون "أملاك الغائبين"، بعد تحويل وتحريف محتواه، إلى عائلات يهوديّة رافضة إعادتها لأصحابها القانونيّين والأصليّين.

 

 

الأمر لا يقتصر على أملاك الفلسطينيّين في شرقي القدس والضفة الغربيّة وقطاع غزة وعلى حياتهم وممتلكاتهم، بل إنّه يطال حتى مواطني إسرائيل العرب، الذين يُفتَرَض أنّهم " ينعمون بالمساواة في قضاء واحة الديمقراطيّة"، والأمثلة كثيرة وقضيّة قريتي إقرث وبرعم أبرزها على الإطلاق، فالسلطات الإسرائيليّة ترفض السماح لأهالي إقرث العودة إلى قريتهم التي غادروها فعليـًا في 20/11/1948 بناءً على وعد والتزام رسميّ موثق يتعهّد بعودتهم بعد أسبوعين،  وترفض تنفيذ الوعود التي كانت قُطِعَت  في الماضي أمامهم كمواطنين في دولة إسرائيل. كما ترفض قرار محكمة العدل العليا  الذي صدر بتاريخ 18 كانون الثاني 1952 الذي  جاء فيه: "يحتاج المدّعوون كي يعودوا للقرية إلى تصريح خاصّ من الحاكم العسكريّ"، وهو تصريح لم يعطه الحاكم العسكريّ، ولم تلزمه المحكمة بذلك، في تجسيد آخر لانعدام المساءلة، وليس ذلك فحسب، بل قامت الحكومة في شهر آب 1953 بمصادرة أراضي المهجّرين ،  وفي الشهر التالي (16-17 أيلول 1953) قامت القوات العسكريّة بقصف ونسف القرية بالديناميت أمام عيون أبنائها، وهم ينظرون لما يجري من موقع قرب قرية الجش، وهكذا تبقى العدالة بعيدة المنال، رغم أنّ "القضاء" أخذ مجراه، لكنّ الاعتبارات الأمنيّة والإجماع على عدم إعادة الأملاك إلى أصحابها العرب هنا، جعلت الأمر يقتصر على القضاء(الوسيلة)، دون العدل(الغاية)، رغم اعتراف المحكمة بالمسؤوليّة(السلطة والصلاحيّة لمنح الأهالي تأشيرات العودة من جهة واعتراف بتعهدات بإعادتهم خلال أسبوعين) دون اعتراف بالمساءلة، أي دون إحقاق الحق ونشر العدالة، ودون إلزام السلطات بتنفيذ القرارات لتبقى حبرًا على ورق ، تمامًا كما حدث في قضية مقتل 13 شابًّا عربيًّا في مواجهات أكتوبر من العام 2000، وهو ما بحثته لجنة "أور" الرسميّة للتحقيق حتى عام 2008، وحتى أعلن المستشار القضائيّ للحكومة، ميني مازوز أنّه لن توجّه لوائح اتهام ضدّ أيّ من رجال الشرطة، ولن يتمّ تحميلهم مسؤولية قتل الشبان في المواجهات عام 2000

 

رغم الأدلّة والشهادات،. وهو قرار متوقّع جاء في أعقاب قرار دائرة التحقيق مع أفراد الشرطة في وزارة القضاء- وليس العدل-   في أيلول( سبتمبر) 2005  إغلاق القضية بسبب نقص الأدلة، لينتهي الأمر إلى اتفاق تم التوصل إليه بين مكتب المدّعي العام للمنطقة الشمالية وبين أقارب الضحايا توافق الدولة بموجبه على تعويض كلّ عائلة من عائلات الضحايا  بمبلغ 1100000 شيكل، بشكل  يلغي أيّة ادّعاءات قانونيّة مستقبليّة للعائلات ضدّ دولة إسرائيل، ما يعني مرّة أخرى: قضاء دون عدالة، وانعدام المساءلة والتنصّل من المسؤوليّة، وهي حالات تتكرّر في قضايا الأرض والمسكن وهدم البيوت في القرى العربيّة التي لا يتم توسيع مناطق نفوذها ومسطحاتها، أو إقامة قرىً ومدن جديدة، وهي مسؤوليّة الدولة والسلطات المحليّة التابعة لوزارة الداخليّة، وتكون النتائج معاقبة المواطن، أي مساءلة الضحيّة وليس المسبِّب.

 

 

خلاصة القول، حين تعتبر المحكمة في قرارها أنّ مقتل 22 أو 11 أو 4 فلسطينيّين في غزة جرّاء قصف منزلهم هو عمل حربيّ، سببه الجيش الإسرائيليّ، ورغم ذلك فإنّه لا يتحمّل مسؤوليّته، ولا يمكن مساءلته عنه، فهذا الدليل على أنّه قضاء لا يريد العدالة ولا يحقّقها، وحين تقبل المحاكم القضاء- بهدم قرية بكاملها في النقب (قرية العراقيب التي تم هدمها حتى اليوم أكثر من 140 مرة)،  أو هدم منازل في الضفة، أو داخل إسرائيل، لأنّها فقط "تطبيق القانون" فإنّها بذلك  تنوب عن الدولة بأمانة تامّة وتضع الاعتبارات السياسية والأمنيّة الإسرائيليّة  اليهوديّة في مقدّمة سلّم الأولويّات جاعلة من القضاء وسيلة لشرعنهتا، وليس لإظهار العدالة،  وتحوّل مسألة التخطيط والبناء داخل إسرائيل وفي الضفة الغربيّة إلى مجرّد مسألة بناء مخالف للقانون، وكأنّه لا توجد خلفها غايات بعيدة المدى.  وكأنّما ليس لهذه المسألة إسقاطات وآثار بعيدة المدى على حقوق الإنسان، وضمن ذلك، على قدرته على المعيشة وكسب الرّزق وإدارة حياته، رغم أنّها ليست هدمًا للحجر بل هدمًا للبشر، إذًا، هل القانون هو للعدل والحقّ أم أنّه رغبة الحاكم؟

 

תגובות

מומלצים