الاقتراع حق وواجب

كي نجسد الديمقراطية كحكم الشعب بشكل مباشر او غير مباشر، على الشعب ان يمارس حقوقه وواجباته بما في ذلك واجب اختيار وانتخاب القيادة السياسية والممثلين عنه، لآرائه ولتوجهاته في الهيئة التشريعية والتنفيذية.

19.03.2021 מאת: د. رضوان منصور
الاقتراع حق وواجب

 

للديمقراطية اشكال وانواع عديدة الا ان القاسم المشترك بينها، ان الشعب هو مصدر الصلاحيات الاول ومنه تنبثق الى الممثلين عنه في السلطات الحاكمة. هذه الصلاحيات تُوضع بين أيدي المواطنين مع كل عملية انتخابية وهي الفرصة الكبرى لهم كي يضعوا على مقاعد مجالس الشعب مصممي قرار كفؤٌ لهذه المسؤولية وفق رأيهم وانتخاب مَن يخدم مصالحهم ويرعى شؤونهم وكلما زاد عدد المقاعد التي يختارونها, كلما كَبُر احتمال عناية، رعاية وخدمة أمورهم، مبادئهم واهتماماتهم.

بدأ حكم الشعب في العهد اليوناني القديم حين كان المواطنون يجتمعون في البولِس لاتخاذ القرارات باقتراع مباشر وفق مبدأ الحسم بالأكثرية، وقرار الاكثرية كان ملزماً للجميع. عُرفت هذه الطريقة بالديمقراطية المُباشرة وبما ان التعداد السكاني قد ازداد وكثر فقد تعسر الاستمرار بهذا النهج وعليه فقد تطور حكم الشعب الى تمثيلي، به ينتخب المواطنون مندوبين عنهم كي يمثلونهم ويعوا اهتماماتِهم. هنا نَقَل الشعب قسطاً من صلاحياته واودعها بأيدي مندوبيه، صلاحيات وبجانبها مسؤولية وثقة كبرى.

بعض الدول الحديثة جمعت بين الاسلوبين وتركت امكانية القرار في القضايا العالقة والمصيرية بيد الشعب وذلك عن طريق استعمال الية الاستفتاء، بها يتم التوجه الى المواطنين لإبداء رأيهم، ووفق نتائج الاستفتاء يتخذ مجلس النواب قراره. سويسرا تتصدر قائمة الدول التي تستعمل وسيلة الاستفتاءات الا ان العديد من الدول الاخرى تستعملها ايضاً مثل: استراليا، نيوزيلندا، الدنمارك، ايرلندا، فرنسا، ايطاليا، السويد...

على جميع الاحوال فان اتخاذ القرارات يُحسم بأكثرية المصوتين عليهم، في دولة اسرائيل ايضاً يقوم المندوبون باتخاذ القرارات وفق مبدأ الاكثرية، السؤال الذي يُطرَح كيف يمكن ان يمثل مندوبو الشعب اغلبية الشعب على الاقل؟ المشكلة الاساسية تدور حول نسبة الاقتراع فمع ازدياد تعداد المصوتين تزداد امكانية توسيع رقعة تمثيل الشعب في الكنيست.

ممارسة حق الاقتراع هي الضمان الوحيد لتمثيل الشعب او أكبر قسط منه والعكس صحيح، ولو عمَّقنا البحث حول منتخبي الاحزاب اليمينية في اسرائيل لوجدنا انها لا تقترب من نصف المجتمع الاسرائيلي الا انها قد حصّلت على أكثر من نصف المقاعد في الكنيست في الانتخابات الثلاثة الاخيرة. السبب المركزي لذلك ان المواطن اليميني يعي هذه المعادلة جيداً وحفاظاً على مصالحه يخرج، يُقنِع ويُخرِج للاقتراع كل من باستطاعته التأثير عليه. اما المنتمين الى الاحزاب اليسارية او الوسطى فهم في حالة من الخذلان واليأس على إثر الاخفاقات في اخراج المواطنين الى صناديق الاقتراع، كونهم غير مبالين، غير مهتمين، متأثرين بالتخدير اليميني لهم وبالحرب السيكولوجية التي يمارسونها عليهم، اضافةً الى كون غالبية المحاربين اليساريين إذا صح التعبير، قد أصبحوا مُسنين بالغين ولم ينقلوا حماسهم الى الاجيال التي تبعتهم ولم يحافظوا على الأيديولوجيا اليسارية.

اسلوب السيطرة وتضليل المواطنين، دخول بعض السياسيين الى السجن بتهمة الفساد، كون تصرف المندوبين في مجلس الشعب - الكنيست بعيد عن القدوة والمثال المرتَقبين منهم والسعي لإرضاء فئة أكثر من غيرها لأغراض سياسية بدلاَ من خدمة جميع المواطنين وذلك عبر سنوات عديدة دون المقدرة على احداث تغيير في السلطة الحاكمة، ادى الى ضعضعة الثقة بين المواطن والسلطة ومؤسساتها، ضعضعة مشحونة بخيبة امل وبفجوات في التوقعات، والنتيجة عدم الخروج الى صناديق الاقتراع وممارسة حقهم في التأثير وانتخاب مندوبين عنهم.

الا ان حق الاقتراع منبثق من حق اساسي أكبر الا وهو الحق في المساواة، حق ذو اهمية كبرى، مرَّ في مراحل تطور مع الزمن. قسم من شرائح المجتمع ناضلت من اجل الحصول على حق الاقتراع ومساواتهم بالآخرين. حتى ان بعض الدول الحديثة اعطت حق الاقتراع للمرأة فقط في القرن العشرين مثل الولايات المتحدة وبريطانيا (1920), فرنسا (1944), وسويسرا (1970).

لأهمية حق الاقتراع قامت بعض الدول بمعاقبة وتغريم المواطنين الذين لا يخرجون الى صناديق الاقتراع لممارسة حق وواجب الاقتراع، بلجيكا اضافت عقاباً اخراً وهو سلب حق الاقتراع لمدة عشرة سنوات لمن لا ينتخب في أربع جولات مُتتالية، اليونان تعاقب بالسجن، لكسمبورغ تعاقب وغيرها

اذاً لماذا مهم جداً ممارسة حق الاقتراع؟

  • من باب المسؤولية والحفاظ على مبدأ حكم الشعب وتأثيره.
  •  في الاقتراع جانب قيمي تربوي من خلال التداخل بما يدور في الدولة والمشاركة في الاحداث والاقتراع وتجسيد للثقافة الديمقراطية.
  •  ممارسة الاقتراع حق وواجب تزيد من نسبة الاقتراع وبالتالي تُعزز من شرعية مندوبي الشعب ومن التمثيل الحقيقي لأكبر عدد ممكن من المواطنين / من الشعب.
  •  ممارسة حق الاقتراع تُقلص في الموارد المخصصة لتحفيز الخروج للانتخابات والاقتراع حيث تُستثمر في امور اخرى.

الخلاصة ان الاقتراع حق وواجب يخدم مَن يمارسه، مجتمعَه ودولتَه ويعود عليهم بالفائدة من حيث التمثيل الذي يلائم اهتماماتِه، توجهِهِ ومصالحِهِ، وان لم يكن ممثلاً يطابق نفس التوجه فالأقرب اليه افضل من عدم المشاركة لأن مُقاطعة الانتخابات تخدم التوجهات الاخرى والتي قد تختلف كلياً والخسارة تكون مُضاعفة.

 

תגובות

1. מגזים לפני 3 שנים
מוגזם

מומלצים