ترتيب جديد للأولويات واعتراف بحدود القوة العسكرية

في تزامن غريب لا بد أنه سيشكل مادة دسمة للباحثين في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات الأمنية والإقليمية والدولية، ومع استمرار شبح الكورونا في العالم كله منذ نحو عامين تتواصل وتتسارع على الساحة السياسية الدولية عدد من التغيرات بل التحولات الهيكلية التي تجد تعبيرها الأفضل في تحول سياسات الدول وانتقالها من حال الى حال

26.08.2021 מאת: المحامي زكي كمال
ترتيب جديد للأولويات واعتراف بحدود القوة العسكرية

 

 

في حالة تشكل من باب الوصف فقط، ترتيبًا جديدًا او مبتكرًا  للأَولويات والمواقف والسياسات، وأقول ذلك  قبل الخوض في تفاصيلها وملابساتها وهي مختلفة بين حالة وأُخرى بل قد تكون متناقضة، خاصة مع اختلاف الدول التي نتحدث عنها، تحديدًا في الأسابيع الأخيرة وهي الولايات المتحدة والصين وايران وإسرائيل وبعض الدول العربية، ترتيب يعيد الى الأذهان التوتر الأزلي في مجال السياسات بين الأمن القومي من جهة والأمن العالمي من جهة وخاصة في حالة اميركا وأفغانستان ، وبين  تضخيم التهديدات الخارجية وتكريسها او تحديدها وترتيبها من جهة أخرى في حالة اسرائيل وموقفها من النووي الإيراني ومن التهديد الأمني في الشمال( حركة حزب الله) او الحدود الجنوبية( حركة حماس)، علمًا ان ترتيب الأولويات في هذه الحالات  ليس مجرد شعارات وإنما هو حل عملي يخرج الدول والشعوب من مآزق كثيرة قد تقع فيها نتيجة للفوضى الكبيرة وما تخلقه من تعقيدات وعراقيل تسهم بشكل كبير في تغيير مجرى الحياة.

 

 

من جهة أخرى وإضافة الى ما سبق لا بد من الإشارة الى ان ما شهدته الساحة الدولية في العامين الأخيرين خاصة من انتشار للكورونا، وما شهده العالم منذ العام 2001 والاعتداء على مركز التجارة الدولي في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر، اضطر الدول كما اضطر الباحثين الى تغيير مفهومهم وتفسيرهم التقليدي للأمن القومي والتأكيد على انه يشكل مزجًا بين  مجموعة من العناصر التي تتجاوز الجانب العسكري البحت، بل تتناول المكونات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية وغيرها من المكونات يقوم عليها أمن الدولة والشعب وتشكل استراتيجية للأمن القومي تكون تعبيرًا عن قيم الدولة ومصالحها واهدافها .

 

 

هذا بالضبط ما كان في قضية سحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان، وهي خطوة لا يمكن لعاقل ان يتصور او يتخيل انها جاءت وليدة اللحظة او بين ليلة وضحاها بل أنها نتاج استراتيجيات يتم الإعداد لها سنوات، فمن غير المعقول أن أمريكا عند اتخاذها قرار الانسحاب من أفغانستان لم تكن تعلم أن حركة طالبان لديها القدرة العسكرية على إعادة السيطرة على معظم أفغانستان مرة أخرى، ولكن  ولمصلحة سياسات وحسابات أخرى، يبدو أن الولايات المتحدة تريد إعادة أفغانستان إلى حكم طالبان كجزء من استراتيجيتها الجديدة لمواجهة الصين وروسيا.. فهي تعلم تمامًا أن طالبان كحركة متشددة دينيا تعتبر كلًا من الصين وروسيا دولًا كافرة وهو ما حدث قبل ذلك أثناء الغزو الروسي لأفغانستان من ١٩٧٩ حتى ١٩٨٩، ناهيك عن ان الولايات المتحدة بإدارتها الحالية تدرك ان القضايا الداخلية واعتباراتها وحساباتها المختلفة تملي أحيانًا تغيير التحركات والسياسات الخارجية، بما في ذلك في الجوانب الاستراتيجية ربما، ما يعني ان الانسحاب من أفغانستان رغم تكلفته على كافة الأصعدة بما في ذلك تراجع شعبية الرئيس بايدن وظهور أميركا بمظهر الهزيمة لما في ذلك من تأثير على شرطي العالم وزعامته، هو التضحية المطلوبة والتي لا بد منها لمواجهة القضايا الثلاث التي تعتبرها إدارة بايدن مقومات رئيسية   للأمن القومي الاميركي الذي يجب الاهتمام به  ، وهذه المقومات او القضايا هي الكورونا والحرب الاقتصادية والسياسية مع  الصين وروسيا، وقضايا المناخ والإقليم، بدلاً من الاهتمام بالأمن العالمي او النظام العالمي الجديد الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش عام   1990قائلًا تزامنًا مع حرب الخليج الأولى انه "يهدف الى دحر الإرهاب والظلم  والاستبداد  وخلق عالم جديد يكون متحرراً من الإرهاب، فعالاً في البحث عن العدل، وأكثر أمناً في طلب السلام؛ عصر تستطيع فيهِ كل أمم العالم غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، أن تنعم بالرخاء وتعيش في تناغم فيما بينها"، ليأتي قرار سحب القوات من أفغانستان مخالفًا تمامًا بل عملاّ بما قاله كبير حكماء الصين كونفوشيوس: "إنّ كسب معركة من غير حرب أفضل من مئة معركة لتحقيق الانتصار" وكذلك الاستناد إلى ما قاله رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية إنّ "أميركا قد تتأخر في فعلها لكنها في النهاية سوف تفعل ما هو صواب"، ونقصد هنا تأخر أميركا في الانسحاب من أفغانستان.

 

 

وعملًا بالقول السابق فإن اميركا ارادت من انسحابها من أفغانستان ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، اي انها ارادت تحقيق أكثر من هدف او " كلمة باطل اريد بها حق" فأميركا بايدن وكما جاء في مؤتمره الصحفي الأول بعد تنصيبه في العشرين من كانون الثاني2021 هي أمريكا التي تريد " تحديد أهدافها بدقة دون ان تكون شرطي العالم" وبالتالي عليها تحديد خصومها ومنافسيها ولذلك ما من مبرر يقبل او يبرر استمرار استنزاف الجيش الأميركي والخزينة الأميركية في حرب في أفغانستان نتائجها فاشلة مسبقًا ونهايتها انسحاب اميركا منها(من الواضح انه يمكن لدولة كبرى مثل أمريكا او غيرها ان تحتل منطقة ما او دولة ما بسرعة وسهولة مستعينة بقوتها العسكرية ولكن من المستحيل البقاء في تلك الدولة المحتلة او مواصلة احتلالها الى الأبد، كما حدث في العراق حيث انسحبت اميركا منه في النهاية بعد ان فشلت جهودها في مواصلة البقاء ولكن ليس قبل ان ترتكب كافة الأخطاء الممكنة ومنها تفكيك الجيش الى مليشيات مسلحة متناحرة وتفكيك الجهاز القضائي والمحاكم وكذلك هدم القطاع العام وتدمير عمل الوزارات الحكومية) وصولًا الى اختيار خصومها وخصوماتها وهو ما عبر عنه بايدن في المؤتمر الصحفي المذكور حين قال  إن هناك “معركة بين الديمقراطيات في القرن الحادي والعشرين والأنظمة الاستبدادية”، مشيرا إلى أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، يمثل أحد أكبر الأنظمة الاستبدادية، وان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يعتقد أن الاستبداد هو “موجة المستقبل وان الديمقراطية لا يمكن أن تعمل في عالم دائم التعقيد”، ناهيك عن ان سعي الصين لأن تصبح قوة عالمية  اقتصادية وسياسية هو بمثابة التهديد الأكبر للأمن القومي الأمريكي( الصين تحتل الدول اقتصاديا فتدوم سيطرتها بخلاف الاحتلال العسكري الأميركي الذي لا يدوم)، وفقاً لتقرير للاستخبارات الأمريكية، وهو ما عبرت عنه صحيفة وول ستريت جورنال"، منتصف أبريل الماضي، حيث قالت ان الرئيس جو بايدن اتخذ قرار الانسحاب، ضمن عملية تسعى لإعادة ترتيب أولويات أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وأن ادارة البيت الأبيض تعيد توجيه تمويل الحرب نحو الاهتمامات المحلية، اي التحديات التي تأتى من  الكورونا وروسيا والصين والمناخ، أي ان الإدارة الاميركية قررت طوعًا ومنطقًا وعن طيب خاطر، الكف عن استجداء واختراع التهديدات الخارجية وتضخيمها احيانًا كمبرر لعدم معالجة القضايا الداخلية الملحة او لمواصلة إلهاء الشعب ومنعه من الاحتجاج او لأسباب أخرى، وذلك بخلاف ما حدث في إسرائيل خلال السنوات الماضية وتحديدًا منذ اعتلاء نتنياهو سدة الحكم.

 

 

لقد أبدع نتنياهو طيلة نحو عقدين من حكمه في منح نفسه دور المنقذ والمخلص كما تفنن في وصف التهديدات الخارجية التي تحيط بإسرائيل واصفًا كلا منها بانه خطر وجودي، سواء كان الخطر هو "حماس" او " حزب الله" او إيران او السلام مع الفلسطينيين ومنحهم حق إقامة دولة مستقلة او كيان مستقل لهم، أي عبر تضخيم الخطر الوجودي دون حق وتكريسه لتحقيق اهداف سياسية وحزبية، لكنني لم اكن لأذكر ما سبق لو اقتصر الأمر على ذلك فالمصالح السياسية  الضيقة احيانًا هي ما يحرك الزعماء، لكن ما يجعل الامر أكثر أهمية إن لم يكن خطورة هو ما نشرته صحيفة " يديعوت احرونوت" ضمن لقاء يوم الجمعة الماضي مع وزير التربية السابق الحاخام شاي بيرون والذي روى فيه تفاصيل لقاء مع نتنياهو في معسكر الإبادة اوشفيتس، تحدث فيه نتنياهو عن المحرقة والكارثة وأضاف ان العالم كله ضد اليهود وانه يعج باللاسامية وبالتالي فإن أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين او الدول العربية هو خطر استراتيجي على الشعب اليهودي لأن اتفاق سلام يعني ان يفقد اليهود" الخطر الخارجي الوجودي الذي يوحدهم" وبالتالي لن يبقى بين اليهود في إسرائيل أي رابط وكأنه أي نتنياهو يقول:" لا يمكن لليهود في إسرائيل العيش جيدًا او ان يكونوا متحدين اذا لم يكن هناك عدو خارجي لهم"، ما يؤكد صحة الاعتقاد او الشعور أن عددًا من السياسيين في إسرائيل  يبالغون في تصوير الخطر الخارجي على بلدهم ويصورون أنفسهم حامي شعبهم من هذا الخطر، وأن نتنياهو يضخم الخطر الإيراني منذ التسعينات، وأنه يحذر من أنها بصدد صناعة القنبلة النووية ويتحدث منذ أعوام عن شن غارة جوية على إيران، ولكنه لم يفعل، وهذه طبيعة السياسيين، مستغلًا قاعدة سياسة راسخة في السياسة الإسرائيلية مفادها انه " يجب ان يكون لإسرائيل عدو مشترك مع الولايات المتحدة" وهذا العدو هو ايران  بعد الثورة التي أسقطت حكم الشاه عام 1979 ، وهو الامر الذي ينطبق على ايران ايضًا التي اعتاد قادتها بعد الثورة الإسلامية " انتقاء تهديد خارجي والتلويح به" كما فعلوا عبر الحرب الدامية مع العراق التي استمرت 8 سنوات وعبر تصوير صدام حسين بأنه خطر وجودي وقومي ومن ثم " اختيار" اميركا الشيطان الأكبر  وإسرائيل الشيطان الأصغر، عدوًا وفزاعة ينشغل بها الايرانيون  وينسون الجوع والفقر والمرض، اما في اسرائيل فإن تضخيم الخطر الخارجي والتهديد الوجودي ، ناهيك عن استخداماته السياسية الداخلية ، فإنه يأتي للحفاظ  على الأمن الإسرائيلي إزاء المخاطر والمهددات الداخلية والخارجية من خلال التشديد على تجنيد مختلف الطاقات الذاتية والتحالفية في اتجاه يهدف للحفاظ على الأمن القومي المتعلق بظروف استراتيجية تخضع لمعطيات الواقع الراهن وتحولات السياسة الدولية، فمسألة الأمن  القومي والوجودي بالنسبة لإسرائيل تعتبر في غاية الأهمية، حيث يجري تصوير الأوضاع والمتطلبات الخاصة بهذه المسألة على أنها تشكل مرادفًا لوجود دولة إسرائيل، وهذا ما زال حتى اليوم رغم إن التطورات والتحولات الاستراتيجية في المنطقة، التي وإن قلصت أو حدت من مستويات التهديد الموجه للأمن الإسرائيلي مثل معاهدة السلام مع مصر ومعاهدة أوسلو مع الفلسطينيين واتفاقية السلام مع الأردن والنتائج المترتبة على حرب الخليج عام 1991 من تدمير البنية العسكرية العراقية التي كانت تشكل خطرا على الوجود الإسرائيلي، إلا أن إسرائيل لا زالت ترى أن هناك تهديدات متزايدة لأمنها، فمنذ قيامها عام 1948 واعتراف العالم بها، وضعت إسرائيل مسألة الأمن في قمة أولوياتها، وبلورت استراتيجية متكاملة لمفهوم أمنها وسبل تحقيقه، ووظفت إمكانات مالية واقتصادية وتعليمية وثقافية كبيرة لخدمة استراتيجيتها الأمنية. ويسجل للقيادات الإسرائيلية أنها أجادت صياغة روايتها التاريخية لجذور الصراع ومسبباته، وأقنعت جمهورها وأقسام واسعة من الرأي العام الأمريكي والأوروبي بروايتها فترة زمنية طويلة، عملًا بقول دافيد بن غوريون:" أمن دولة اسرائيل ليس قضية حماية الأراضي أو الحدود أو السيادة، وإنما هي قضية البقاء على قيد الحياة من الناحية الفيزيائية، أي إن أمن إسرائيل ليس مسألة حدود مهددة أو خوف من السيطرة الأجنبية، وإنما هو مسألة تمتد لتشمل الوجود ذاته".

 

 

ما قاله نتنياهو في تلك المحادثة مع الوزير بيرون يعني انه، وربما غيره من قادة إسرائيل يعرفون ويعترفون ان اسرائيل تعيش حالة خطيرة من الانقسام الداخلي بل العداوات الداخلية بين مركباتها العرقية والإثنية والسياسية وبين المتدينين والعلمانيين وان هذه الخلافات الداخلية ما زالت بل ستبقى  تحت السيطرة والضبط، ما دام هناك عدو خارجي وخطر وجودي على الدولة ومن هنا كان دخول اسرائيل في عملية التسوية منذ مطلع التسعينات مثار موجة من التوقعات، حول مصير الانشقاقات والخلافات الداخلية وتأثيرها على تماسك المجتمع الإسرائيلي، أي ان التسامح بين القوى السياسية والفرق المختلفة في اسرائيل مرهون بتفاعلات الصراع مع العرب والفلسطينيين ووجود الخطر الخارجي وهو ما ينذر بان التناقضات الداخلية قد تطغى بعد حلول السلام, وقد ينفرط عقد الاجماع بعد زوال الخطر الخارجي وذلك لأسباب وجيهة، ومن هنا فإن إسرائيل  لا تأمن لمحيطها الاقليمي ولا تستسيغ  أي نوع من السلام، الامر الذي يحدوها للاستنفار وادعاء الخطر الى ما لا نهاية، وهو ما لم يعد  ممكنًا اليوم بعد تغيير دول الخليج وغيرها سلم أولوياتها وتوقيعها اتفاقيات الصلح والتطبيع واتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل،  وبعد ما لحق بالدول العربية من دمار ضمن "الربيع العربي" ما جعلها ضعيفة هشة ودفعها الى تخفيف دعمها للفلسطينيين وتقهقر القضية الفلسطينية في سلم اهتمامات القيادات والشعوب في الدول العربية، لتشهد إسرائيل معه من التنافر السياسي ما لم تشهده من قبل، إضافة الى الحقيقة الواقعة ومفادها ان نتنياهو الذي اجاد إيجاد الأخطار الخارجية واعتبر " حماس" واحدًا منها لم يحرك ساكنًا لكبح جماحه ، تمامًا كما لم يفعل مع ايران، بل ابقاه قائمًا وماثلًا ومنحه 30 مليون دولار شهريًا من أموال الدعم القطري.

 

 

ولكن يبدو ان تغيير سلم الاولويات وصل اسرائيل عبر حكومة برئاسة نفتالي بينيت تشق طريقها تزامنًا مع الإدارة الجديدة في واشنطن وتبشر ربما بتغييرات بدت بوادرها عبر دعوة رئيس الوزراء بينيت للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ( دون ان يتم ربط ذلك كما اعتادت مصر خلال فترة نتنياهو بإحراز تقدم على الساحة الفلسطينية) الذي سوف تعود عليه هذه الزيارة بالفائدة لتزامنها مع الإعلان عن زيارة بينيت هذا الأسبوع الى واشنطن ولقاء الرئيس جون بايدن نحو فتح صفحة جديدة من العلاقات بين اسرائيل والإدارة الديمقراطية بعد انحياز نتنياهو الى جانب الجمهوري دونالد ترامب( السيسي استغل علاقة نتنياهو بترامب لتحسين علاقة مصر والولايات المتحدة وعلاقته هو شخصيًا بترامب) وتعكير العلاقات مع الديمقراطيين، إضافة الى بوادر إيجابية أخرى منها تعزيز الدور المصري مقابل "حماس" في غزة وزيارة وزير الخارجية يائير لبيد الى المغرب ولقائه وزير الخارجية في الامارات العربية المتحدة.

 

 

تغيير وإعادة ترتيب الأولويات ينعكس ايضًا في " اختصار " عدد الأعداء وساحات المواجهة التي تخوضها اسرائيل، والتركيز على العمل ضد أهداف إيرانية في سوريا حتى لو كان ذلك يعني الرد" المقتضب" على إطلاق الصواريخ من " حزب الله" باتجاه المناطق الشمالية في إسرائيل وخاصة الجولان، او التغاضي عن إطلاق اول قذيفة من غزة باتجاه الجنوب في اسرائيل لأول مرة منذ انتهاء حملة" حارس الأسوار" قبل ثلاثة أشهر كأفضل تعبير عن قول الكاتب كارل فون كلاوزفيتش في كتابه" معنى الحرب" قبل نحو 200 سنة، حيث قال ان " الحرب ليست سوى استمرار الجهود السياسية ولكن بوسائل أخرى" مع تعديل القول ليصبح" المساعي الدبلوماسية- مقابل مصر وقطر- هي الحرب مع حماس ولكن بوسائل أخرى".

 

 

إذن.. دول تعيد ترتيب اوراقها وسلم أولوياتها خدمة لمصالحها وأهدافها الداخلية بعيدًا عن " دول الساحة الخلفية" التي ستبقى رهينة لحروب داخلية ونشوء حركات دينية أصولية تفرض الظلم والاستبداد وتحد من حريات مواطنيها وخاصة النساء، أملًا ان تبقى هذه المنظمات محصورة في دولها هي وان لا تمد ايديها الى دول العالم، وهو ما اثبت التاريخ انه حلم بعيد المنال، فالحركات الأصولية تملك سمة رئيسية هي انتهاج القتل والقمع وتدمير بلادها هي قبل تدمير الدولة التي تحتل أراضيها، وهذه الحركات تريد مواصلة السيطرة والظلم لكن هذا الظلم لا يدوم، ناهيك عن ان هذه الحركات الأُصولية تغذيها كراهيتها لمن حكم واحتل بلادها وتحركها ضده ولو بعد حين خاصة اذا كانت الدولة المحتلة هي أمريكا، التي وصفها جنرال تركي عام 1952 مع انضمام تركيا الى حلف الناتو ، ونقلها عنه المؤرخ برنارد لويس، قائلاً:" المشكلة مع الاميركيين هي انك لن تعرف ابدًا الموعد الذي سينقلب فيه موقفهم وسيطعنون نفسهم في الظهر".


 

 

תגובות

מומלצים