قصة ابراهيم ابن ادهم رحمة الله

ايها الشيخ: بما يصل العبد الى الكل؟ قال الشيخ: بترك الكل. قصة ابراهيم بن أدهم رضي الله عنه, سبب زهده في الدنيا وخروجه منها

11.12.2012 מאת: منير فرّو
قصة ابراهيم ابن ادهم رحمة الله

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذي جعل عباده الصالحين، قدوة للمتقين، واوجد منهم وعنهم آثارا محمودة للسالكين، وسبيلا قاصدا يسلكه العباد الناسكون المدققون، فصارت مناقبهم الميمونة نائبة عن وجودهم في سلوك طريق الآخرة وعمدة للعالِمِين العاملين، وحجة قاطعة على من خالف ما استن عنهم الى يوم الدين، فلا أخلى الله تعالى الوجود من امثالهم في العالمين، خلفا عن سلف هداة مهتدين مرشدين، وصلى الله على خاتم رسله المصطفى الامين، وسيد المرسلين، وعلى آله وصحبه الغرر الميامين، الطاهرين المتطهرين، وسلم تسليما الى يوم الدين وبعد :

ابراهيم بن أدهم رضي الله عنه،هو أبو إسحاق إبراهيم بن ادهم بن منصور بن زيد بن جابر العجلي ويقال التميمي، من أعلام التصوف في القرن الثاني الهجري وهو شيخ الزاهدين

كان من أبناء الملوك الصالحين، والده ادهم رضي الله عنه، كان من الاولياء عابدا زاهدا ورعا، قيل انه مر في طريق وكان يتضور جوعا، فوجد تفاحة على الطريق فأكلها من شدة الجوع، وعندما جمع فكره، تفكر في التفاحة وكيف اكلها دون اذن صاحبها؟ ومن يكون صاحبها؟ فالتفت فوجد بالقرب من الطريق كرم تفاح، فسأل عن صاحبه؟ فدلوه عليه، فأخبره بقصته، فقال له صاحب الكرم : ان الكرم لي ولملك كسرى انوشروان بالتساوي فانا اسامحك بنصف التفاحة وعليك ان تذهب الى ملك كسرى انوشروان وتسأله عن النصف الثاني، فذهب اليه وسُرّ الملك بورعه وتقواه، وكان له ابنة صالحة، فعرض عليه الزواج منها، فوافق، فانجب منها ولدا اسماه ابراهيم، وهكذا انتقل الملك الى ادهم ثم الى ابنه ابراهيم  صاحب السيرة رضي الله عنهما وطيب ذكرهما.

روى الشيخ ابو الوليد رحمة الله عليه ان سبب زهد ابراهيم ابن ادهم وبدو توبته وخروجه من ملكه وسبب طريق الزهد والعبادة ولم يكن في دولته احد مثله، وانه كان يخطب له على اربعة الاف منبر واربعمائة منبر، وكان له في كل مدينة اثنعشر قائد، تحت يد كل قائد اثنعشر الف فارس، وكان اذا ركب الى الصيد يمشي بين يديه اربعة الاف غلام، وفي يد كل غلام جوكان من الذهب الاحمر بمناطق الذهب،
فركب ذات يوم الى الصيد وفي يده باز وسائر اجناس الملوك قدامه الى المدينة، وإذا هو بشيخ بين يديه، قد نصب له كرسيا ليجلس عليه وقاية له، فجلس الشيخ وأرباب دولته ينتظرون خروج ابراهيم، فخرج والغلمان بين يديه، وهم بالقضبان الذهب يضربون الناس ليتنحوا عن الطريق، فاتا بعض الغلمان الى الشيخ فقال له الشيخ: ما شانكم ؟
قالوا: قد جاء اليك الملك.
فقال:  ويلكم لا تقولوا الملك، ولكن قولوا المملوك، العبد الخاطئ، الفقير، الحقير، الذليل، العاصي، وانشد الشيخ يقول شعرا :

انا ميت وعز من لا يموت
قد تيقنت انني ساموت
ليس ملك يزيله الموت ملك
انما الملك ملك من لا يموت

قال فلما سمع ابراهيم كلام الشيخ فنادى على الغلمان، وقال لا تضربوا احدا، فلما وصل ابراهيم الى الشيخ، فقال له:
ايها الشيخ بما يصل العبد الى الكل؟
 قال الشيخ: بترك الكل.
 فجائته العناية السابقة، وعلم كلام الشيخ،، فرجع عن الطريق، ودخل قصره، وأمر بغلق الابواب، ويتضرع ثلاثة ايام بلياليها، فتقاتلت الناس على الابواب، وأرادوا كسرها، فدخلوا الخدم على ابراهيم، وقالوا:
 ايها الملك اتاذن لنا في فتح الابواب؟
فقال: افتحوا.
 فلما دخلوا على ابراهيم، قالوا:
 ايها الملك ما الذي اصابك؟
 فقال: جئتم تقولوا ايها الملك؟ وإنما انا عبد فقير عاصي مولاه، ذليل حقير.
 فقالوا: ايها الملك اخبرنا بقصتك!
 فقال: قد زهدت في الدنيا ولذاتها، وقد عزمت على الخروج منها، واسلك طريق الاخرة.
 فقالوا: بما زهدت في الدنيا؟
 قال: بثلاثة اشياء؛ علمت ان القبر بيتي، وليس معي مؤنس، ورأيت الطريق بعيدا، وليس معي زاد، وعلمت ان قدامي جبار يحاسبني، وليس علي حجة.
 فقالوا له: ان كان ولابد من ذلك، فاعبد الله تعالى في مكانك.
 فقال لهم: لا تصح الدنيا والآخرة في مكان واحد.
 فقالوا له: دعنا نكون معك، وفي خدمتك، ونسلك الطريق الذي تسلكه.
 قال: انا ما كنت في بطن امي إلا وحدي، ولا ادخل القبر إلا وحدي، ولا احاسب إلا وحدي، فما اصنع بكم معي؟
 فقالوا له الحجاب والنواب والخواص: لو قطعتنا اربا اربا ما فارقناك.
 قال: معاذ الله ان اقطع منكم احدا، ولكن نمضي الى الشيخ الواعظ،
 فلما دخلوا عليه، قال له ابراهيم:
 ايها الشيخ؛ بما يصل العبد الى الكل؟
 قال: بترك الكل!
 قال ابراهيم: سمعتم ما قال الشيخ؟
 قالوا: نعم.
 قال ابراهيم:  لا حاجة لي بكم، ولا بصحبتكم.
 قالوا له:  فما نصنع في هذه المماليك والأموال؟
قال: كل مملوك هو لي فهو حر لوجه الله تعالى، وكل مملوك هو لغيري فهو مردود على اهله، وكل من بيده مدينة او قرية فانا بريء منه، يعمل ويخلص نفسه.
 ثم ان ابراهيم صبر الى الليل وخرج ولم يعلم به احد، هاربا الى الله تعالى، ولم يأخذ معه من ملكه شيئا، سوى مصحفه، وسيف نقمته، وجواده الذي كان يركبه،وكان اذا اطلق عنانه يسير في ليلة واحدة اربعين فرسخا، وكان لأولاده اربعمائة سرير.
 فلما كان ليلة خروجه جاز على بعض الرعاة، فقال له:
 يا راعي ما تأخذ وتعطيني جبتك هذه؟
 فقال: نعم.

فخلع ابراهيم ما كان عليه من الثياب من ملابس الملوك وأعطاهم للراعي، واخذ منه جبة الصوف ولبسها، ولم يزل سائرا طول ليله حتى اصبح عليه الصباح، وقد قطع ثمانين فرسخا على ذلك الجواد، اربعين في العمار واربعين في الخراب، فنظر ابراهيم وإذا هو بمرج اخضر وفيه عين ماء تجري، فنزل عن جواده واخذ لجامه وأطلقه، وحفر حفيرة ودفن السيف فيها خوفا ان يؤذي به احدا من الناس بعده، وكان ذلك السيف له في كل اسبوع له جهاز جديد يعني حفيرا من حدته وعظم سقايته.

ثم عمد بعد ذلك الى مسجد فأقامه بالحجارة، وأقام في ذلك المكان اربعين يوما لا يأكل ولا يشرب إلا قليلا، فلما كان بعد الاربعين يوما، جلس يتفكر في شانه وهو يقول في نفسه: يا ليت علمي هل قبل الله توبتي ام لا؟

قال فبينما هو متفكر في امره، اذ غلب عليه النعاس، فوضع جنبه الى الارض فنام، فجاءه اسد ولبوءة، ففرشت جنبها برفق، ووقف الاسد فوق رأسه بالطول يمنع عنه المطر، فانتبه ابراهيم فحس بشيء لين تحته قبل ان فتح عينيه ففزع وظن انه يكون قد رجع الى الفراش واللحاف الذي كان له، ففتح عينيه وإذا هو بأسد فوقه يمنع عنه المطر، ولبوءة تحته تمنع عنه الخشونة والبرودة من الارض، فقال ابراهيم: لا اله إلا الله، صدق الشيخ الواعظ في قوله، من ترك الكل وصل الى الكل، هؤلاء هذا وان كانوا اعداء فقد جعلهم الله اصدقاء، قال فكان من كلام لسان اللبوءة ان قالت: يا ابراهيم انت رفه البدن ولا تقدر على المشي، ولكن اجعلني من بعض دوابك واركبني الى ان تصل الى العمار وسرحني فان الله تعالى قد امرني لك بالطاعة

قال فركب ابراهيم ولم يزل سائر الى ان وصل الى اطراف البلاد والعمار، فنزل عن اللبوءة وسرحها، وجعل على وجهه برقعا حتى لا يعرفه احد، ثم انه دخل الى المدينة، فسال عن حاكم المدينة، فقالوا: فلان المتولي من بعض مماليك ابراهيم، فجاء ابراهيم الى رجل بقال فدفع اليه المصحف على شيء يأكله بدرهم، قال: فلما اكل ابراهيم حمد الله تعالى وشرب ومضى يطلب انسانا يعمل معه، ويأخذ اجرته ويستفك المصحف من الرهينة، فراه بعض غلمان المتولي، فقال له: احمل لي تلك الحملة على راسك الى دار المتولي وأعطيك درهما، قال: نعم.
 فحمل الحملة على رأسه الى دار المتولي، فعرق عرقا شديدا من التعب، فلما حط الحملة، قال: اعطوني اجرتي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعطوا الاجير اجرته، قبل ان يجف عرقه

فلما سمع المتولي كلام ابراهيم، ونظر اليه، وكان جالسا على سرير، وعليه ثياب من الديباج، وعلى رأسه شاش من الذهب، وبيد ميل يلعب به، وقد ثنا رجلا علا رجل كأنه جبار عنيد واوما بالميل الى ابراهيم، وقال: من هو الذي يأخذ منا اجرة؟ وإنما نحن نأخذ ولا نعطي، فقال له ابراهيم: يا هذا ان اعطيت فما خرجت عن العدل.

قال وكان المتولي قد سمع بخروج ابراهيم من ملكه، وزهده في الدنيا، فظن به في تلك الساعة، فنزل عن سريره وكشف البرقع عن وجه ابراهيم فعرفه، قال: يا مولاي انت في هذه الحالة وأنا حي في الدنيا؟ ثم انه عمد الى سكين ليقتل بها روحه، فقبض ابراهيم يده، وقال له: لا تفعل، ما امر الله بهذا، ولكن اعطني اجرتي درهما حتى انصرف عنك قبل ان يعرفني احد، وأنا اقسم عليك بالله ان تكتم امري، قال: يا مولاي انا مملوكك، وقد جمعت لك من مدة عشرين سنة خزائن ذهب وفضة، قال له ابراهيم: ان كنت مملوكي فأنت حر لوجه الله تعالى، وان كانت البلد بلدي فقد وليتك امرها، فاستعمل العدل، فاني قد برئت منك، وان كنت قد جمعت لي مالا فرده الى اهله، وأعطِ كل ذي حق حقه، اعطني درهما استفك به المصحف، واصرف انت باقي المال على الفقراء والمساكين، قال فاحضر بين يديه كيسا فيه عشرة ألاف درهما، فاخذ منه درهما، وترك الباقي، واقسم عليه ان لا يتبعه

فأتى ابراهيم الى البقال وأعطاه الدرهم، واخذ المصحف، وخرج هاربا على وجهه الى الله تعالى، ولم يزل سائرا الى ان وصل الى انطاكية، فدخل الى مسجد، فلما صلى العشاء اتى اليه البواب، وقال له: اخرج يا فقير حتى نغلق باب المسجد

قال له ابراهيم: يا اخي انا رجل غريب، وليس لي موضع اوي اليه، وهذه ليلة شتاية،
 قال له البواب: اخرج ولا تطول فأننا لا ناوي الغرباء في مساجدنا،
 قال وكانوا يخافون من الروم، فسكت ابراهيم ولم يرد جوابا، قال له البواب:
 قم وإلا جررت برجلك ولو كنت ابراهيم ابن ادهم، قال له: انا ابراهيم ابن ادهم، قال له البواب: ما كفاك حتى تكذب على ابراهيم، ثم عمد الى ابراهيم واخذ برجله ،ولم يزل هكذا يجره حتى اخرجه الى الزقاق، وقد غشي عليه مما ضربه يمينا وشمالا

ثم ان ابراهيم طلب مكانا يتاوى فيه من المطر، وقد صار كل شيء عليه طين، فنظر الى مكان قريب منه وفيه سراج، فتقدم اليه ابراهيم، وإذا هو بعبد اسود يوقد في تنور الحمام، فدخل ابراهيم على العبد وسلم عليه فلم يرد عليه السلام، وهو يهمهم بشفتيه، فخشي ابراهيم ان يكون العبد اقسى قلبا من القيم الذي اخرجه من المسجد، فلم يدنُ من النار، وجلس على ناحية من الزبل، فعمد العبد الى قرصين من شعير ووضعهما بين يديه ورجع الى شغله، قال ابراهيم: الظاهر ان في قلب هذا الاسود رحمه

فأكل ابراهيم القرصين، وتقرب الى النار ونشف جبته، ولم يزل العبد يوقد النار طول الليل ولسانه لا يفتر عن ذكر الله تعالى، فلما اصبح الصباح بطل العبد الوقيد ورد السلام على ابراهيم، قال له ابراهيم: يا سبحان الله سلمت عليك اول الليل، وترد السلام علي اخر الليل، قال له: يا عبد الله ابسط اليك العذر، اعلم اني مملوك وأنا في خدمة مولاي الاكبر ومولاي الاصغر، فقلت لمولاي الاصغر اتختار مني اخدمك في الليل ام في النهار؟ فاختارني في الليل في هذا المكان، فخشيت ارد عليك السلام فتسألني عن شيء اخر فاشتغل بك عن الخدمة، فلم اكن قد نصحته، وأنا الساعة قد خرجت من خدمته، وقضيت نوبته، وجاءت نوبة مولاي الكبير وهو كريم

قال ابراهيم: كيف ما تسال الله تعالى ان يعتقك من الرق؟
قال: ان مولاي الاصغر، قد عاهد الله عز وجل انه ان وقع بصره على ابراهيم ابن ادهم ورآه يعتقني!
قال: انا ابراهيم ابن ادهم.
قال له: انت ابراهيم؟
قال: نعم.
فانكب العبد على رجلين ابراهيم يقبلهما، إلا وسيد العبد داخل عليهما

قال للعبد: من هذا؟
قال: يا سيدي من هو الذي قلت ان وقع نظرك عليه تعتقني؟
قال: ابراهيم ابن ادهم؟
قال: هذا هو.
قال:  يا سيدي صحيح انت ابراهيم ابن ادهم؟
قال: نعم.
فوقع على يديه يقبلهما،
وقال له: يا سيدي امضي معي الى البيت.
قال: حبا وكرامة،
فمضوا جميعا الى البيت، فدخل الرجل واتاهم بشيء من الزاد،
قال له ابراهيم: لا اكل شيئا حتى تقوم بالذي قلت لهذا العبد،
قال: نعم هو حر لوجه الله تعالى

فأكل ابراهيم حتى اكتفا، وودعه وسار الى داخل المدينة،
فبينما هو سائر وإذا برجل ضرير تعلق به، وقال له: يا سيدي انا اهل عيال فهل معك شيء تعطيني لله تعالى استغيث به؟
قال له ابرهيم: ما املك شيئا، ولكن خذني الى السوق بعني وانتفع بثمني،
قال له: وكيف ذلك يا سيدي؟
قال: رضيت بذلك.
فاخذ بيده وسار به الى السوق فوجد تاجرا من اعيان التجار التي في تلك المدينة ،فقال له: الى اين هذا الرجل؟
قال: الى السوق ابيعه.
قال: هل لك ان تبيعني اياه بهذه الخمس دراهم، وأنا اخذه واستعمله عندي اياما قلائل، فإذا فرغ شغله عتقته؟
قال له : رضيت؟
قال: نعم.

فقبض ابراهيم الثمن ودفعه الى الضرير، وقال له: اذهب الى عيالك،
ثم اقبل ابراهيم على التاجر، وقال له: يا سيدي في أي شيء تستعملني؟
قال: لي بستان وفيه تل تراب كبير، ان نقلته عتقتك،
فاخذ التاجر ابراهيم واتى به الى البستان، واذا به تل تراب كبير، فلما نظر اليه ابراهيم قال استعنت بالله، ثم قال للتاجر اتيني بزنبيل ومجرفة وقرص شعير، وبدا في نقل تل التراب بالمجرفة والزنبيل، وبعد بذل جهد كبير تعب وارتكى جانب تل التراب الكبير، الذي نقص شيء بسيط لا يذكر بالنسبة لحجم التل

وكان في المكان القريب من التل حية سامة، حيث ان كل من حاول نقل التل من العمال التي اتى بها التاجر، قد قتلت بسبب هذا الحية، ولكن عندما ارتكى ابراهيم جنب تل التراب فاتت الحية وفي فمها عرق وريحان، وجعلت تنش الذباب، واثناء نومه انتقل تل التراب بقدرة الله تعالى، وهذا حدث اثناء فترة نوم ابراهيم ، فبعد زمن اتى التاجر فلم ير ذلك التراب، فتعجب ثم نظر الى الحية وهي عند راس ابرهيم تنش عنه الذباب وهو نائم، فصاح التاجر صيحة عظيمة، فانتبه ابراهيم وقال: ما شأنك يا مولاي؟ فهل انكرت من امري شيئا؟

قال التاجر: ايها العبد الصالح، لا تقل لي مولاي، بل انت مولاي، وأنا المملوك،
قال ابرهيم: وكيف ذلك؟
قال: رأيت منك امرين عجيبين؛ الاول: التراب الذي ما كان ينتقل ولا ينتزح في مدة طويلة، والثاني: الحية التي قتلت لي ثلثمائة مملوك تروح عليك

قال ابرهيم: ما كان بيننا اذا فرغ التراب تعتقني؟ وقد زال التراب بقدرة الله تعالى
قال له التاجر: اقسمت عليك بعزه العزيز من انت؟
قال اذا قلت لك تعتقني؟
قال: انت حر لوجه الله تعالى،
فقال: انا ابراهيم ابن ادهم،
قال التاجر: كل شئ معي من بعض احسانك، واني قد اشتريت مائة مملوك، وكنت مسافرا بهم الى بعض بلادك، اشهدك على انهم كلهم معتوقون لوجه الله تعالى، لأنك قد بعت نفسك، وقد اوهبت لكل واحد منهم نفسه،
قال ابراهيم: ما احسن المعامله مع الله تعالى

ثم انه خرج هاربا الى الله..ثم بعد عشرين سنه وهو في مكه وحوله جماعه من الفقراء، فقالو له يا شيخ اوصنا بما ينفعنا?
قال: اوصيكم بتقوى الله تعالى، ولا تتذللوا لغير الله، وإياكم والنظر الى المردان، فما استنم ابراهيم كلامه في تلك الساعة ومن احسن الشباب قد جاز عليه، ومعه عشرون غلاما وفي اجيابهم دنانير يتصدقون بهم على الناس، فجعل ابراهيم يطيل النظر اليه، فخطر في بال الفقراء انه ينهي عن شيء وهو يفعله
فقال لهم ابرهيم: لعلكم انكرتم علي؟
قالوا: وقد كان ذلك،
قال: لو علمتم من هذا ما انكرتم علي؟  هذا ولدي تركته في الرضاع من مدة عشرين سنة، فلما رايته عرفته، وقد جاء يسال الله بان يراني في الدنيا، قالوا: لم لا تعرفه بمكانك؟
قال: لا اقدر على ذلك، وانشد يقول شعرا

هجرت الخلق طوي رضاك
ويتمت العيال لكي اراك
فلو قطعتني في الحب اربا
لما حن الفؤاد الى سواك
قال ثم انه نهض ودخل الى الشام واتى الى جبله واللاذقيه ومات بها وهذا ما انتهى الي من حديثه ونعوذ بالله من الزياده والنقصان وصلى الله على رسوله واله وسلم... وله في الجولان بالقرب من بانياس مقام يدعى السلطان ابراهيم يزار للتبرك به .
من أقواله رضي الله عنه :

سئل إبراهيم بن أدهم لم لا تخالط الناس ؟ فقال : إن صحبت من هو دوني أذاني بجهله وإن صحبت من هو فوقي تكبر علي وان صحبت من هو مثل حسدني ,فأشتغلت بمن ليس في صحبته ملل ولا وصلة انقطاع ولا في الأنس به وحشة
الفقر مخزون في السماء، يعدل الشهادة عند الله، لا يعطيه إلا لمن أحبه.

على القلب ثلاثة أغطية: الفرح، والحزن، والسرور. فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص، الحريص محروم. وإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط، والساخط معذب. وإذا سررت بالمدح فأنت معجب، والعجب يحبط العمل. ودليل ذلك قول القرآن: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)
قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تكثر الهم والجزع.

كان يقول: الزهد ثلاثة احرف ز ه د الزاي ترك الزينة، والهاء ترك الهوى، والدال ترك الدنيا،
وكان يقول: لو علم الملوك ما في قلوبنا من السعادة لقتلونا عليها بسيوفهم .
كان إبراهيم بن أدهم يمشي في البصرة فاجتمع إليه الناس فقالوا : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا، والله تعالى يقول : ((وقال ربكم ادعون أستجب لكم))

فقال : يا أهل البصرة قد ماتت قلوبكم بعشرة أشياء: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه. قرأتم القرآن ولم تعملوا به. ادعيتم حب الرسول صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته. ادعيتم عداوة الشيطان وأطعتموه. ادعيتم دخول الجنة ولم تعملوا لها. ادعيتم النجاة من النار ورميتم فيها أنفسكم. قلتم الموت حق ولم تستعدوا له. اشتغلتم بعيوب الناس ولم تنشغلوا بعيوبكم. دفنتم الأموات ولم تعتبروا. أكلتم نعمة الله ولم تشكروه عليها
وكان يقول: (ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا ولا نسأل كشفه من ربنا)
قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل
فصف لي دواء؟!! فقال : لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف.

يقول إبراهيم بن أدهم : إذا كنت بالليل نائما وبالنهار هائماً وفي المعاصي دائماً فكيف تُرضى من هو بأمورك قائماً ؟!

وقال رحمه الله : إنما يتم الورع بتسوية كل الخلق في قلبك، والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل، فكر في ذنبك وتب إلى ربك ينبت الورع في قلبك واقطع الطمع إلا من ربك.
    
رحمه الله ونفعنا ببركاته وأعاد علينا من صالح دعائه آمين

תגובות

מומלצים