أنا وصديقي القنفذ حكاية بلا نهاية

24.04.2020 מאת: عبد العزيز النضّام
أنا وصديقي القنفذ حكاية بلا نهاية

صديقي : " القنفذ "،لا يأتمن أحداً ..!!

رغم إحساني إليه، بعد عملية اختطافه ، لازال يخيم عليه شبح الخوف والشك، بأنني حيوان إنساني  أليف، ويمكنني الغدر به، وذبحه،في أية لحظة، وجسده مسكون بالرعشة.

لن أنس مقاومته الشرسة، تلك الليلة وأنا عائد إلى البيت ،حين تحول إلى كرة أشواك حادة، أثناء محاولة التقاطه من الأرض بيدي ،فشعرت بألم كوخز إبر تغرز في أصابعي، حتى سالت بالدم ،ولم أجد معه حلاَّ، سوى قذفه بقدمي الأيسر، بعيدا عن أي جحر، يخفيه عن أنظاري، فكان يموت ويحيا في كل لحظة لتمويهي، كي يلوذ بالفرار، لكني ألحقت به، فوق بساط ربيع حديقة الحي، يركض نحو شجيرات قصيرة محاديات لبعضها، وممرات لا تتسع لجسدي،كانت قد اخترقت أغصانها ملابسي، فألقيت عليه القبض، بانحناءة سريعة، ووضعته في كيس بلاستيكي أبيض كان في جيب معطفي، وحملته معي إلى البيت، ووضبت له بيته الصغير، بزاوية في الحمام،عبارة عن صندوق بلاستيكي صلب له ثقوب ، مخصص للخضر، وهيأت له مأكله ومشربه، ثم عجلت بإعداد وجبة عشائه،في المطبخ، قبل وجبتي،وكانت من أنواع خضر، وفواكه ،لقطع صغيرة من الجزر والبطيخ ،وكنت في كل لحظة، أغادر صالوني،لأتفقده، وأحاول محاورته، ثارة يخرج من قوقعته، مرتعش الجسد، وأخرى ينكمش بإخفاء رأسه، في أول ليلة يقضيها معي،خارج طقوسه المعتادة، وفكرت في تحويل بيته إلى الشرفة، لكني خشيت عليه من لسعات برد قاتلة، ومن عواصف مطرية مفاجئة، عند تقلب أحوال الطقس بأوروبا، في فصل الصيف.

 وعملت ما بوسعي ، كي أفهم لغته ،عبر ذبذبات صوتية يصدرها،من حين لآخر، وحركاته، ونظرات عينيه ، حين يشعر بالإطمنان معي.
وبدأت أحلل المشاكل التي تتعرض إليها الحيوانات، مثل الإنسان
لقد اختلط عليه الأمر، من شدة الخوف ، لِما عايشه من مآسي الحروب ، والإقتتال بين البشر ..!!
التي تسببت في قتل بعض أفراد عائلته، وعدد كبير من أقاربه 
بقصف كيماوي يخنق الأنفاس، 
ومن نجى من القنافذ ،باعوهم بعض البشر للعطارين، ومنهم ما قدموهم بعض السحرة، قرابين للشياطين.
 وما عاد يثق بأي كائن حي ..!!
مذ أن صادفته على الطريق، هاربا 
من غابات حيوانات ، مجاورة لغابات البشر، فوجد نفسه في غابة لاتشبه غابتهم، وهو : يبحث عن بقعة تنعم بالأستقرار،للعيش في أمن وسلام،
ولا اقتتال فيها ، إلا للضرورة، لسد رمق الجوع اللعين فقط ، وإذا شبعت بطون الحيوانات، يمكنهم، التخلص من العنف والإقتتال، فيما بينهم.

وما أزعج صديقي : القنفذ هو : سماع أصوات غريبة قوية للمفرقعات الإصطناعية ،التي تُستعمل في المناسبات الإحتفالية، وأعياد الميلاد ، والتي تخصصُ لها ميزانية ضخمة باستهلاك أموال طائلة تحترق في السماء لتصبح هباءً منثورا، فيتمنونها الجياع أن تُمْسَخَ شكولاتة.

وما عاد  يُفرق بين سماع أصوات السيارات ،وبين أصوات الراجمات والصواريخ  والقاذفات، وضجيج الطائرات، لأن غابتهم سليمة من التلوث، وبعيدة عن المصانع ، وأصوات المدافع، وأكد لي بإيماءت وحركات بلهوانية غريبة، أنه لا يمكن للحيوانات  قصف بعضهم، بالصواريخ، وبأسلحة كيماوية وجرثومية سامة، ولاحتى بالبراميل المتفجرة، أو بتصفيات بعضهم بالمسدسات، ولا بسلاح أبيض ولا حتى بالهراوات، مثل البشر.

وبدأ المسكين يشهق من شدة حزنه، وأومأ إلي برأسه، وعيناه دامعتان، وأردف قائلا: حرام حرام عليكم يابني إنسان، أيعقل أن يطوق عاقل جسمه بحزام ناسف، ليفجر نفسه ، ويقتل معه أرواح الأبرياء.

وأضاف لو تطورت عقول الحيوانات مثلكم يا معشر الإنس، وتمكنوا من صناعة أسلحة فتاكة، وتدربوا على استعمالها ،ولاسيما القردة القريبين إليكم في التقليد ،فلن يجرأوا على استعمالها ، لانهم يستعيدون بالله من أفعال البشر.

ثم استأنف حديثه بإيماءت عجيبة،  بجسد مرتعش، ووضعت الماء أمامه ليشرب وزودته بقطع من البطيخ، واستأنف حديثة ، أبداً ومهما حدث من خلافات بين القنفذ والكلب مثلا ،فلا يمكنه أن  يغدر به ،ولا أن يقدم وشاية ضد القنفذ، وباقي الحيوانات.

لقد كره أفعال البشر صديقي القنفذ أمره فظيع، فكلما سمع خشخشة اي شيء ،ينتفخ ويحدث صوتا كالأنين من شدة خوفه ،لتتصاعد زفراته ،  كقطة تستعد للهجوم على من يقترب من صغارها ،إلا أنه يُصلب عضلاته وينطوي على نفسه ،ككرة حديدة من شوك حاد، يمكنه أن يدمي من يلمسه بيديه ،كما حدث لي معه ، ويتظاهر أحيانا بالبلادة وقلة الحيلة ، ويقوم بحركات وسكنات تمويهية للتخلص والفرار من قبضة ساجنه، له حكايات عجيبة وغربية  ،وهو يروي لي مغامراته  بإيماءات رأسه وتنهيدات تحدث ارتعاشات في جسده المنهك ،تارة ينظر من حوله، وأخرى يدفن رأسه  داخل كرته الشوكية ، وزفيره يتصاعد من حين لآخر، وأنا أحاول تعلم لغته التعبيرية بالجسد وهو كذلك ينظر إلي في لحظات شعوره بالأمان ، ويلتقط ذبذات صوتي ، لنوحد لغة تقربنا إلى بعضنا، إضافة إلى لغة الإشارة ، والأحاسيس فوق الحسية وبلغة الأرواح، وعندما أحضر له مأكله ومشربه ، وأغادر المكان، يخرج من قوقعته ويتجول في فضائه بحرية، وفي لحظات انتشاء، سرد علي قصته البطولية مع إحدى الأفاعي، التي أنهكها عند مبارزتها في الحلبة، وكان يتشكل في كرة شوكية حادة تؤلمها، كلما حاولت مهاجمته لافتراسه، وهي تستعرض عليه ذاتها، بحركات تسخينية بالإلتواء, وتزغرد، لشن هجوم مباغث على صديقي:

القنفذ، فلولا اكتسابه قدرة تسلق المسالك الوعرة ،بفضل مخالبه المقوسة، لما استطاع اصطياد أي فريسة، وفي معركته الطاحنة ، كان ذكيا في اختيار المناسبة للإنقضاض على الأفعى من مقدمة رأسها ،ليحبسها بين فكيه ، والتخلص بالعضّ من لدغة سمها ، ولم يهنأ له بال حتى مزق بطنها بأنيابه ،وجعلها تستسلم أمامه ،وتتمرغ على الأرض ،إلى أن حبست أنفاسها، وهو : ليس لقمة سائغة ، كي تبلعه الأفعى، بأشواكه الحادة والجارحة، ولا يحب النوم  صديقي القنفذ ،في  الهواءالطلق ، إلا في جحر عميق يحفره بأظافره ،أو في أي مخبئ يُصادفه في طريقه على الأرض،لينعم  بالدفئ ،لأنه لا يتحمل قسوة البرد وقد يموت من شدته. وينام في النهار طويلاً ، ليخرج للإصطياد في الليل ،وهو على أتم الإستعداد لأي خطر يداهمه.

آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها  Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108

תגובות

מומלצים