وتبقى أشرعة الحرية

28.10.2019 מאת: املي القضماني
وتبقى أشرعة الحرية

 

كانت كفراشة ملونة ترفرف بأجنحتها على قلوب أهلها ومحبيها لا تعرف من الحياة الا الحب والأهل والسعادة ورغد العيش,قادها قدرها الى رجل من غير بلدتها..
سكن الحزن فؤادها وكانت تتسائل:كيف ينتشلون الانسان من بيئته ويسوقونه الى قدر غريب؟كيف تقلب الايام صفحة جديدة في حياتنا دون ان نتدخل؟
كيف تعبث اصابع الدهربكتاب حياتنا وترسم خريطة وجودنا خارج الحدود؟

لم تعد تحتمل الفراق,ستعود حتما الى هناك الى الى رائحة الارز وبرد الجبل ونار الطابون,نار الحرب تشتعل وتحرق احلامها وترسم حدودا جديدة ويصبح وطنها الجديد مسبيا وتصبح الغربة غربتين,,
شفّ قلبها حزنا على بلادها، نسيت نفسها، قويت نظرتها للحياة، ضجت حياتها بمعان مختلفة، رفضُ، مقاومة، تصدِِّ لغريب أحتل أرضها.......
كانت نائمة في آخر الليل، حين هدرَخبط عنيف على الباب، وصوت يصيح"افتحوا" فتحت الباب،بنصف اغفاءة وبقميص النوم، كانوا مجموعة يحملون السلاح، يرطنون بلغة غريبة

خاف الاطفال وإرتعبوا، وتلاصقوا ببعضهم، أعتقلوا زوجها، عصبوا عينيه، وكبلوه بالاغلال.....جلست غاضبة.
ترى؟ ما هي فاعلة؟؟
أطفالها لا زلوا صغارا، همست، غدا سابدأ حياة جديدة، سأشمر عن ساعد الكد، والجد، أختلست النظر لاطفالها الاربعة، إنهم ما زالوا صغار، راحت تذرع الغرفة جيئة وذهابا، أحست بشموخ، وكبرياء، هذا الوطن علينا حمايته والدفاع عنه، لن أضعف كلنا فداه...طلع الصباح، تراءت الانوار عبر زجاج النافذة لماعة براقة، لا زالت تحتضن أطفالها، ضربات خفيفة على الباب، أكيد انهم جيراني قالت في سرها ونهضت.

ألباب لا زال مفتوحا،"دخلوا"كلمات، مجاملات، مصطلحات خاصة لهذه المناسبة، الله (بِيهوِنْها)، سنكون بجانبك،نحن أهلك، (لكنها كانت تقول في سرها سأشمر عن ساعد الكد، والجد )الرد بأدب ولطف من ضرورات اللياقة، لكن رصيدها الكلامي بتلك الليلة كان ضئيلا، كل الذي كان في رأسها هو، أنها ستكون على قدر المسؤولية، ولن تضعف.كل ما ترجوه هو تطهير هذه الارض من مغتصبيها، قالت مخاطبة ذاتها،(هناك على برج قيادة الحياة، تختبر القوة)....مضت حياتها متأرجحة كسفينة مشرفة على الغرق، تلعب بها الرياح العاتية، لم تعش من قبل عواصف، ولم تتنشق هواء ثقيلا مالحا..

لم تمتلك ناصية اللغة بعد لتعبر عما يضطرب في أعماقها، فقط عرفت انها الان ذات مناعة ضد الضعف، هناك بعضُ من مشاعر متوحشة تلف قلبها، الذي يخفق متقلبا على هواء الرادارات المختلفة....أسرعت لاحتضان أطفالها من جديد، فهم ما زالوا صغارا،( ستحدثهم عندما يستيقظون عن أبيهم المناضل ورفاقه)وعن وطنهم السليب وواجب الدفاع عنه، وأنقضّت على رأسها المثقل كتلة هائلة، من شظايا أفكار متعددة، ( أكيد هناك عاصفة اّتية، ومواجهه صعبة مع قوات الاحتلال)....ظهرت الشمس وظهر معها قوس قزح، بعض الغيوم تتراقص، وتترنح، الفضاء بين السماء والارض أصبح صغيرا جدا، رفرف طائر أسود فوق رأسها، توترت أعصابها وانشدّت كاوتار الكمان...فتحت ( الراديو) فسمعت: في الساعة الثانية بعد منتصف الليل داهمت قوات العدو، المدججة بالسلاح العديد من بيوت البلدة واعتقلت أصحابها بتهمة مقاومة الاحتلال.

الحياة، الوجود، الماضي، الحاضر، المستقبل، الوطن، الهزيمة، المقاومة، كل هذا دار برأسها الصغير..... زارها أصدقاؤها الطيبون، لديها أصحاب نادرون، يملكون كمية كبيرة من الطيبة، والاستعداد للمساعدة، هي تملك أيضا هذه الصفات، لكنها تخجل عندما يقدمها أحد لها، وتشعر بالارتباك الخفي بسببها.

كان ضابط السجن ذا وجه مجعد، وجسم ممتليء، قصير القامة، ذو ضحكة ساخرة، الشيطان وحده كان يعرف بماذا يفكر، لماذا يصرعنا بهذه الضحكة القبيحة؟؟ حدثت نفسها.

أمام باب السجن الحديدي يقف ذوو المعتقلين ، يحملون ما تيسر من أمتعة، ومن شوق كبير، وحنين مكتوم للأحبة يلامس شغاف قلوبهم جميعا،.

حدقت هي بالارض وكأنها تراها لاول مرة، أنها تبدو أكثر جمالا وإشراقا، وخطوطها أكثر حدة، سألتها؟ أيتها الارض الطيبة، ماذا تريدين منا؟؟ وماذا تترقبي أن نعطيك؟؟؟ اجابتها : أنّ هذا الحب، والحنان، الذي يكبر ويتعاظم في قلوبكم لأبنائكم، وأزواجكم، هذا العطاء ذاته أنه لي وهو ما يزيدني، بهاء وجمال، بوركتم.

أعادها من شرودها صوت الحارس ينادي بالاسماء، بصوته الحاد الذي يشبه قرقعة التنك، (فلان) إدخل، (فلانه) تعالي، وعندما يعبرون الباب الخارجي للسجن، تخفق القلوب وتغادر أماكنها،هؤلاء الاحبة يلوحون بايديهم ، من خلف قضبان زنا زينهم، ويرسمون شارة النصر، (يا لهم من صناديد،) لقد رأووهم، نعم اليوم يعرفون إنه يوم الزيارة،فتشوا أمتعتهم بدقة وإذلال، فتشوا أماكن حساسة من أجسادهم، مما زاد شعلة القهر في قلوبهم،

وصلت ومن معها لغرفة الزيارة، هناك توقف الزمن، وباتت الأرواح ترقص تلك الرقصة الرهيبة التي تعكس الدرجة العليا من عدم تحديد المشاعر، وإنضباطها، ولا يمكن أن تقرأ النظرات، أو تفهم الهمسات، والتنهدات، المشتعلة في الصدور، نعم فخلف الغيوم العاصقة، يهدر الرعد، لكن الحنين للحرية، وأشراقة العشق للوطن تكبر مع المعاناة، وغنوا مع المعتقلين الابطال....

أتعذب في
زنزانتي
أتقلب على جمر
وحدتي
أشتاق لبيتي
وأسرتي
لكنك يا
وطني
الغالي يا
عشقي
تضيء قمرا
وتشع
نجوما
تتلألأ في ظلام
سجني
ودفئا في صقيع
جدران زنزانتي


آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها  Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108

 

תגובות

מומלצים