​​​​​​​نعم لوجود الإنسان غاية هي غاية الغايات كلها !

14.05.2020 מאת: شاهين شاهين الاْردن
​​​​​​​نعم لوجود الإنسان غاية هي غاية الغايات كلها !

 


شاهينيات 1434

يتساءل صديقي الأستاذ أحمد ماضي استاذ الفلسفة في الجامعة الأردنية ، على صفحته في الفيس بوك عن الغاية من وجود الانسان قائلا :

"هل ثمة سر أو غاية لوجود الإنسان على وجه هذه البسيطة؟ لا أعتقد ذلك،لأن الإنسان وجد نفسه على هذه الكرة، ولا إرادة أو دور له في ذلك. وسيغادرها،إذا لم ينتحر، ولا رغبة له في ذلك.هذا،إذا أردنا أن نتناول هذا الموضوع، بواقعية، وجرأة"
رأيت البوست في حوالي الخامسة صباحا ، وهو حدود الوقت الذي أحاول فيه أن ألجأ إلى السرير لأقرأ فيه إلى أن أنام ، هذا إذا نجحت في جلب النعاس إلى عيني .. لم يتح لي البوست أن أقرأ أو أنام ، فنهضت لأشغل الكومبيوتر وأرد على البوست . ومن عادة الأستاذ أحمد أن يطرح علينا أسئلة ببضعة أسطر محدودة وعلى المهتم مثلي أن يرد بأضعاف أسطر الأسئلة ، رغم الاختصار الذي ألجأ إليه كي لا أطيل .

إن أول ما تبادر إلى ذهني هوتساؤلي عن الغاية من دراسة الفلسفة . فهل ندرس الفلسفة لنجتر ما قاله  الفلاسفة الماديون والمثاليون أم لنتفلسف بدورنا ونجتهد لعلنا نضيف ولو لبنة إلى الفكر الفلسفي . وهل الفلسفة إما أن تكون مادية وإما أن تكون مثالية ، أليس هناك طريق ثالث لفلسفة تفيد من المادية والمثالية والعلوم ؟ هل ستظل عقولنا منغلقة على فلسفتين وما يتبعهما ويدور في فلكهما ، وليس هناك طريق ثالث للفلسفة ؟ هل يعقل هذا ؟

ليس لوجود الانسان غاية .. بل إن الوجود بحد ذاته عبثي ! هذا ما يقوله الفلاسفة الماديون وأتباعهم . يبني الانسان المدن ، ويصنع الطائرات والسفن ، ويشق الجسور ويبني السدود ، ويقيم حضارة ، لا لغاية بل من أجل العبث !! فهو ليس في حاجة إلى حضارة ! غريب وعجيب هذا المنطق ، فلماذا الحضارة إذن ، ليبقى الانسان على العيش في الكهوف ، وركوب البغال والحمير ، والحياة على ضوء السراج ، بل ولماذا تم خلقه ووجوده في الأساس إذا لم يكن لوجوده غاية ؟ لينتحر ، أو يموت ، وليذهب إلى الجحيم . هذا هو منطق الفلسفة المادية ! لكن لماذا يطالب بعض الفلاسفة الماديين بالحرية والعدالة والمساواة بين البشر إذا لم يكن لوجود الانسان غاية ؟

ولماذا يرى انسان مثلي أن للوجود غاية، وأن لوجود االانسان غاية هي غاية الغايات كلها ، أن يكون فاعلا في عملية الخلق ذاتها وأن يقيم الحضارة الانسانية التي تتحقق فيها قيم الخير والعدل والمحبة والجمال !

لو أننا تأملنا كائنات الوجود لرأينا أن لكل موجود في الكون غاية، بدءا من الكون بشموسه وأقماره وكواكبه ونجومه ، مرورا بنباتاته وحيواناته وأنهاره وبحاره وجباله ،وأخيرا بإنسانه . لو كان الوجود عبثيا وبلا غاية لافتقر إلى النظام ،وافتقر إلى الجمال ، ودمر الكون والكائنات أو شوهها . ولما حرصت الوردة على أن تكون جميلة . ولما حرصت الشجرة على أن تمنحنا ثمارا ناضجة ، ولما حرص الإنسان على أن يكون جميلا ، وأن يظهر بمظهر جميل.

لماذا لا تنبت الشجرة زقوما أو سماً، ولماذا لا تريد الورود أن تكون بشعة . لماذا تحرص الكائنات كلها على الجمال ، ليبدو الجمال وكأنه غاية لكل الكائنات، وهو كذلك بالفعل ، لما يبعثه في نفوسنا من أمل بحياة أجمل ، وراحة نفس، ومتعة نظر، وحب للحياة والأمن والسلام والمحبة .

قد نتفق مع بعض العلماء حين يتنكرون لبعض حقائق العلوم لأنها تكاد تكون فوق مستوى العقل البشري ، فحين ثبت عبر الفيزياء الكوانتية أنه لا يمكن رؤية المرصود دون أن يكون هناك راصد له ، وأن حالاته تتغيربنوع الراصد، استغرب آينشتاين الأمر قائلا : هل يعقل أن يكون القمر غير موجود طالما لم أنظر إليه ؟ والأمر نفسه كان مع قصة الإلكترون الذي يمكن أن يكون في أكثر من مكان ، وأن هناك تناغما بين هذه الالكترونات وأن مايحدث لإلكترون منها يمكن أن يحدث للإلكترونات الأخرى في الوقت نفسه حتى لو كانت المسافة التي تفصل بين الالكترونات ضوئية ! وهذا ما صدم آينشتاين لاعتقاده أن سرعة الضوء هي السرعة القصوى ، وهذا الأمر( التناغم اللحظي ) يعني أن هناك سرعة أكثر من سرعة الضوء ! ولم تتوقف الأمور مع آينشتاين عند هذا الحد ، فقد كان يعتقد أن معادلته في النسبية هي خاتمة المعادلات.. إلى أن جاء بول ديراك وكشف نقص المعادلة .. ولولا معادلة ديراك لما كنا نرى التلفاز والحاسوب والفيديو والراديو والهاتف كما هي عليه اليوم .

هذا الأمر وارد في العلوم ومع ذلك تم تجاوز أو تطور معظم النظريات السابقة وما زال الأمر في تطور مستمر .. أما أن لا يتقبل الفيلسوف فكرة أن للوجود غاية وأن لوجود الانسان غاية أيضا فهذا أمر لا يتقبله العقل .. لا يتقبل العقل المادي الغايات الدينية للخلق من عبادة وغيرها، لكن أن لا يتقبل الغايات الانسانية فهذه مأساة !

سأكتفي بهذه المقدمة لأنقل لقرائي وأحبتي من متابعي كتاباتي ردي على صديقي الأستاذ أحمد ماضي :

حين لم يكن في الوجود إلا العقل الطاقوي المطلق الذي يعبر عنه في الفيزياء التقليدية بالعدم أي الخلاء الخالي من العناصر المادية والزمكان ( الزمان- المكان ) قرر أن يكون شيئا فعمل ما يعرف بالتذبذب الكمي في الفيزياء الكوانتية " وهو عبارة عن النشاط الذي تتأرجح فيه الطاقة في الفراغ كأمواج البحر، راقصة بين نشوء الجسيمات واندثارها في دورة مستمرة من الحياة والموت، تتفاعل فيها الأجسام الافتراضية التي تنتج من العقل الطاقوي في عربدة صاخبة مكتظة بالحياة " وهو ما يطلق عليه الفيزيائي الفلكي سليم زاروبي "التموج الهادر من نقطة لأختها" أي التذبذب الكمي .

من هذا التذبذب وصراعاته نشأ الانفجار الكوني الذي جاء منه الوجود . أي نحن أمام وجود شبه عدمي ينشئ ذاته من عقل طاقوي. غير أن هذا العقل له قدرة على أن يوجد ذاته في مادة وطاقة مختلفتين . رغم أنه عقل غير متطور. ويمكن القول إنه عقل بدائي .. وظل هذا العقل يعمل ويطور نفسه بنفسه طوال مليارات الأعوام قبل التذبذب الكمي وبعده ، وما عرفه العلم هو ما بعد الانفجار ولا يعرف ما قبله غير الخلاء العدمي ، إلى أن اكتشفت الفيزياء الكوانتية التذبذب الكمي .دامت عملية خلق العقل الطاقوي لأجسام مادية يتجسد فيها قرابة أربعة عشر مليار عام بعد الانفجار . وكان أفضل ما تجسدت فيه حتى يومنا هو الانسان . الذي منحه العقل الطاقوي الكوني الخالق عقله ليكون مشاركا له في عملية الخلق . فقد وجد العقل الطاقوي أنه غير قادر على بناء مدن وإنشاء صناعة وتطورعلوم وإقامة حضارة وخلق ثقافة .

فكان لا بد من خلق الانسان ليضع عقله فيه، ليرى الخالق ( العقل الطاقوي ) ذاته فيه وليعمل معه على تطوير عملية الخلق نفسها، بما في ذلك فهم الخالق لنفسه .

فعملية الخلق أصبحت تكاملية – بعد خلق الانسان - بين العقل الطاقوي والعقل الانساني الذي هو جزء من العقل الطاقوي الكوني .. وهذا يعني أن الوجود واحد وليس وجودين خالق ومخلوق . نحن أمام خالق يخلق نفسه بنفسه لنفسه . وأن غايته من الخلق التي لم تكتمل بعد بل إنها ما تزال تحبو، هي بناء حضارة انسانية تتحقق فيها قيم الخير والعدل والمحبة والجمال.

وما الأفكار التي يطرحها البشرحول الأمر نفسه إلا أفكار الخالق نفسه . وكل فكر ظهر في التاريخ البشري هو بفعل طاقة هذا العقل الطاقوي .. وقد شاء هذا العقل الخالق أن يكون العقل مخيرا لا مسيرا لإغناء العقل الكلي الكوني ، فالحضارة لا يمكن أن تنشأ من عقل منغلق على نفسه . فلو أن الخالق جعل عقل الانسان محدودا كعقل النحلة لا تنتج إلا شيئا محددا لما كان هناك حضارة، ولما نشأ ما يسعى إليه الخالق .مشكلة الانسان أنه لا يدرك حتى يومنا الغاية من الوجود، وبالتالي الغاية من وجوده، وأن الألوهة (إن تقبل العقل الخالق أن تطلق عليه ) موجودة فيه .

غضبي عليك يا احمد ماضي قومتني من السرير وأنسيتني تناول دواء الضغط والساعة الآن تقترب من السادسة صباحا!

 

آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها  Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108

 

תגובות

מומלצים