نظــــرة في الإنســــان (الجزء الثاني)

الإنسان هو مخلوق من قالب أي جسم وهذا الجسم من عالم الخلق والجسمانيات ومن قلب هو من عالم الأمر والروحانيات وتركيب البدن الذي هو من عالم الخلق مقدّم على إعطاء القلب الذي هو من عالم الأمر كقوله تعالى: "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي".

26.02.2010 מאת: פורטל הכרמל והצפון
نظــــرة في الإنســــان (الجزء الثاني)

 وفي آيات أخرى بحسن التركيب, قال تعالى: "في أيّ صورة ما شاء ركّبك", وبحسن التعديل: "الذي خلقك فسواك فعدلك" وهذا فضل عناية بهذا المخلوق المكرّم وإشارة إلى أنّ لهذا الإنسان شأنا عند الله عز وجل, وأنّ له وزنا في نظام الكون.

وقد قال بعضهم: "فهذا الإنسان الذي اعتقد آلة في الكون, في خلاياه, وأنسجته, وفي أعضائه, وأجهزته في التعقيد, والدقّة, والإتقان ما يعجز عن فهم بنيتها, وطريقة عملها حقّ الفهم أعلم العلماء. وفي هذا الإنسان نفس تعتلج فيها المشاعر والعواطف, وتصطرع فيها الشّهوات والقيم, والحاجات, والمبادئ, حيث يعجز عن إدراك خصائصها تمام الإدراك أعلم علماء النفس. وفي هذا الإنسان عقل, وفيه من المبادئ, والمسلّمات, والقوى الإدراكية, والتحليلية, والإبداعية ما يؤهّله ليكون سيّد المخلوقات وأفضلها, كقوله تعالى: "ولقد كرّمنا بني آدم".

وإحدى البراهين التي تدل على أن الإنسان خلق في أحسن تقويم جهاز المناعة المكتسب, أو خط الدفاع الثالث في جسم الإنسان. فقد خصّ تعالى الإنسان بأجهزة دفاع بالغة الدقة, وأوّل هذه الأجهزة الجلد, وهو درع سابغة على البدن, تردّ عنه الجراثيم, والأوبئة, وهو خطّ الدفاع الأول, وخصّ المولى جل وعلا كل عضو في الإنسان, وكل جهاز, وكل حاسة بجهاز دفاع خاصّ به.

فالعين مثلا خصّت بالأهداب, والأجفان, والدمع, وهذه الأجهزة الخاصة هي خطّ الدفاع الثاني. وأما خطّ الدفاع الثالث فهو الدم بجنوده من الكريات البيضاء, وعدد هذه الكريات التي هي جنود خطّ الدفاع الثالث خمسة وعشرون مليون كرية في أيام السّلم, ويتضاعف هذا العدد في حال الاستنفار, وقد يصل إلى مئات الملايين في حال القتال, في فترة لا تتجاوز الساعات, أو الأيام, ولهذه الجيوش الجرّارة من الكريّات البيضاء سلاح إشارة مؤلف من بضع مواد كيماوية, يعدّ وسيلة الاتصال والتفاهم فيما بينها.

أمّا خطة جهاز المناعة في الدفاع عن الجسم فهي من الدقّة, والتنسيق, والفعالية, والذكاء الخارق, على نحو عجيب, إنها خلايا الدم البيضاء, التي أدهشت العلماء في نظام عملها, أو في توزيع الأدوار القتالية على أفرادها, أو في تحقيق المهمات المنوطة بها, فبعد ثوان معدودات من اجتياز أيّ جسم غريب لخطوط الدفاع الأولى والثانية تتوجّه إلى الجسم الغريب.

وثمّة كريّات مهمّتها أخذ الشفرة الكيماوية الخاصة بهذا العدوّ, والاحتفاظ بها, ثم نقلها إلى المراكز اللمفاوية, حيث تقوم الخلايا المحصّنة بتفكيك رموز هذه الشفرة تمهيدا لصنع المصل المضادّ. وبعد صنع المصل المضاد تتوجه الخلايا المقاتلة حاملة هذا السلاح, وهو المصل, لتهاجم به الجسم الغريب, وبعد أن تصرعه بهذا السلاح الفعّال تأتي الخلايا اللاقمة لتنظيف ساحة المعركة من بقايا جثث الأعداء, ليعود الدم كما كان نقيا سليما. وهذه الكرية البيضاء التي هي العنصر الأساسي في جهاز المناعة, لا يزيد قطرها على خمسة عشر ميكرونا".

فالخالق تعالى طوى سر هذا العالم في الإنسان وجعل كل ما في الكون مودوعا في عالمه الأصغر فكما أن الكون يحوي 75% ماء كذلك جسم الإنسان فيه 75% سوائل وعدد أيام السنة 365 يوما كذلك عدد مفاصل جسم الإنسان 360، وعدد الثقوب في جسم الإنسان اثنا عشر ثقبا على عدد البروج الاثناعشر وهما العينان والأذنان والمنخران والفم والسرة والثديان والسبيلان أي المخرجان.

وأيضا فيه نظير الأفلاك السبعة الرأس واليدان والفخذان والشفتان وتصوير الإنسان في بطن امه متعلق بالأفلاك والكواكب ودورانها كالأسابيع وكذلك العقل في الجسد وإشراقه كالشمس المشرقة والعلم وضوءه كالقمر المنير وأيام الصبا كفصل الربيع والشباب كالصيف والكهولة كالخريف والشيخوخة كالشتاء ووجه الإنسان كالمشرق والقفا كالمغرب واليمين كالجنوب والشمال كالشمال وأمام ووراء كالقبول والدبور وأشياء كثيرة وبذلك يصح قوله تعالى في الإنسان: "وفي أنفسكم  أفلا تبصرون".

لذلك يقول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ك) عن الإنسان :

دواؤك فيــــــك ولا تبصـر ----- وداؤك منــــك ولا تشـعر 
أتحسب انــــك جرم صغير----- وفيك انطوى العالم الأكبر 
وأنت الكتـــاب المبين الذي ----- بآيــــــاته يظهر المضـمر

فلما تم مراتب الإنسان من تغيـًُّرات الأجسام قال تعالى: "ثم انشأناه خلقا أخر" وذلك إشارة على أن الإنسان أكمل أوصافا من جميع المخلوقات وان الهداية إنما تحصل من الروح تلك الروح التي نفخها الرب فيه من لدنه ليتميّز بها عن الحيوان ويكون له قدرا عند الله بفضل العقل المميز بين الخير والشر والخطأ والصواب فيكون مخيرا في أعماله يفعل ما يشاء  ليصح من هذا التخيير العدل في يوم الجزاء على أعمال الإنسان من خيرها وشرها وهذا نوع من تميّز الإنسان عن الحيوان.أيضا أن الحيوان مصنوع من غريزة ثابتة لا تتغير إلى الأبد أما الإنسان فهو قابل لعلم البيان واللغات والصنائع والحرف والعمل بيديه.

وباختصار من أراد أن يعرف الخالق فليعرف اجمل ما صنع وهو الإنسان وليمعن النظر في كيفية تركيبته فيتحقق عندها كم عظمة هذا الصانع الذي قال عن ذاته:"الذي خلق فسوّى والذي قدّر فهدى" فالإنسان مركب من ثلاثة أشياء العقل، الروح والجسم. فالروح تابعة للعقل والجسم تابع للروح ثم الحواس التي قال عنها تعالى: "وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون" فالخالق جعل الحواس لتستفيد المعارف والعلوم  ثم جعل المخ وامتداداته ممدا بتأثيراته للقلب وأوعيته وجعل القلب وأوعيته ممدا للمخ وامتداداته وجعل الإحساسات والتصورات والتركيب والتحليل تحت استيلاء الأفئدة. لذلك قال: "والأفئدة" وهي جمع فؤاد والتي جعلها تعالى مراكز للحياة.

وأخيرا أقول قول بعضهم: "تيقّظ أيها الغافل!.. والحظْ الجهة التي صرت بها إنسانا ً، وكذلك سمّاك ربك، فإن كنت ترى نفسك من أهل الشقاوة، وعن السعادة نائياً، فاعلم أيها المسكين أنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. واحذر أن تكون شيطاناً في صورة إنسان، واعلم أنك إن اخترت لنفسك ذلك فقد أضعت توجّه العناية الإلهية إليك، وأفسدت العالم كله بفسادك، وكدّرت قلوب الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين، وجميع أهل السموات والأرضيين، وضجّت الأرض إلى الله من مشيك عليها، والسماء من استظلالك".

وكما قال تعالى: "ولا تمشي في الأرض مرحا انك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا" وأيضا: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا". وأيضا: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" لأنه كما قال جل ثناؤه: "وفوق كل ذى علم عليم".

תגובות

1. متابع לפני 14 שנים
"جلَ الصانع"

מומלצים