فارس البدوي الاشقر ذو العينين الزرقاوتين

"عاش "أبو فارس" شبابه بما يقرب من ثلاثة عقود من سني عمره في الصحارى العربية بين البدو الرُّحل، وقد انجذب إلى الصحراء العربية وهام في آفاقها، وبقدر ما كان مخلصاً في عشقه للصحراء وحبه للبداوة، فقد بادله بدو القبائل هذا الشعور العاطفي.

27.04.2010 מאת: عماد بلان
فارس البدوي الاشقر ذو العينين الزرقاوتين

فأحبوه وأخلصوا له وأطلقوا عليه ألقاباً محببة عندهم منها "راعي البويضة" نسبة إلى الناقة البيضاء التي كان يتجول بها بين العشائر والقبائل وأحياناً عابراً من بوادي العراق إلى بوادي الأردن والجزيرة العربية. .

كما عُرِف بلقب "أبو حنيك" لأثر جرح غائر في أحد فكيه نتيجة إصابته خلال الحرب العالمية الأولى.

كان البدو يحسبون حسابه بكل صغيرة وكبيرة في كافة شؤونهم يستشيرونه ويأخذون بآرائه، يجتمعون حوله خلال الولائم العامرة ويتعجبون من طريقته البدوية الصرفة في تناوله لطعامه بيده وأصابعه وبأسلوب تفوق فيه على البدو أنفسهم، والأجدر بالذكر أنه وبعد كل وليمة كان يمضي السهرات منصتاً إلى شعراء الرباب وقصائدهم النبطية ليتدخل كثيراً في تصحيح كلمة أو عبارة بردها إلى أصلها البدوي، أو تقويم اعوجاج في وزن قصيدة نبطية وسط إعجاب البدو واستغرابهم.

تزوج من فلسطينية من الأردن وأنجب منها طفله الأول وأسماه "فارس" فكان الجميع ينادونه بأبي فارس، وكان يبدو سعيداً فخوراً بهذا الإسم.. إنما من هو "أبو فارس" هذا ؟؟

إنه "جون باغوت غلوب ( John Bagot Glubb‏) المعروف باسم "غلوب باشا" المولود في 16 أبريل 1897 - 17 مارس 1986 ضابط بريطاني كان قائداً للجيش الأردني بين العامين 1939 و1956.

خدم غلوب باشا في فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم تم نقله إلى العراق عام 1920، حيث كان العراق تحت الإنتداب البريطاني في ذلك الوقت. ولعب دوراً مهما في شكل العلاقات البريطانية - العربية في تلك المنطقة.

درس في كلية تشلتنهام، وأصبح ضابطاً في الجيش العربي عام 1930. وفي العام التالي أسس حرس البادية وهي قوة مكونة من البدو بشكل حصري، وذلك للسيطرة على الأزمة التي أصابت جنوب البلاد. وفي سنوات قليلة استطاع أن يوقف الغزوات المتبادلة بين القبائل البدوية، وبسرعة أصبحت الأزمة شيئاً من التاريخ.

في عام 1939 خلف " غلوب " الجنرال " فريدريك جيرارد بييك " في قيادة الجيش العربي الأردني، وفي تلك الفترة حول الجيش إلى أفضل قوة تدريباً في المنطقة العربية. بقي في منصب قيادة الجيش العربي الأردني حتى 2 مارس 1956.

يعدّ الفريق "جون باغوت غلوب" أو " غلوب باشا " من أهم الشخصيات العسكرية والسياسية البارزة في بريطانيا التي ارتبط تاريخها بتاريخ الأمة العربية في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وبدأت صلته بالشؤون العربية بوصوله إلى العراق في سنة 1920.

وكان " غلوب باشا " يؤكد على الدوام أنه كان موالياً ومخلصاً للقضايا العربية وأنه ترك جانباً ولاءه لبريطانيا، ولكن العرب المعارضين له يرون أنه أثناء قيادته للجيش العربي الذي دخل فلسطين لمقاومة الصهاينة في الحرب العربية الإسرائيلية كان يقوم بتنفيذ السياسة البريطانية التي كانت سبباً في قيام الكيان الصهيوني وذلك امتداداً للدور الأعظم الذي لعبه أستاذه " لورانس العرب "، الذي سأخصص له مُستقبلاً حلقة مُستَقلة لتسليط الضوء على دوره خلال الثورة العربية الكبرى!!

بعد تقاعده وعودته إلى موطنه بريطانيا ألف " غلوب باشا " كتباً عديد ومنها كتاب "حرب في الصحراء " واستعرض فيه عبر مذكراته الشخصية أحداث فترة مهمة في التاريخ العربي هي الفترة الممتدة من 1920-1930 كما ويوثق حوادث البادية وحياة أبنائها وعاداتهم، ويتحدث عن طبيعة العلاقات العربية – العربية ، والعلاقات العربية - الانكليزية – الفرنسية- ولا يخفي المؤلف في مذكراته مدى إعجابه بشخصيات عربية حكمَت خلال تلك الحقبة رغم أنه كان يضمر آراءه الخاصة ضد الكثير من القيادات العربية عندما اتهمها بأنها كانت السبب الحقيقي في ضياع فلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني.

" عودة النيص " مواطن عربي من الجزيرة العربية وكان السائق الخاص عند " غلوب باشا " ، ويروي هذا السائق الذي تحدث بعفوية عن مناقب " غلوب باشا " فقال:

(في عام 1947 زار الاردن وفد من كبار المسؤولين البريطانيين ليأخذوا رأي الجنرال " غلوب باشا " في تقسيم فلسطين فقالوا له: ( نحن نخشى يا جنرال ردود الفعل العربية ضد بريطانيا التي تؤيد تقسيم فلسطين، جئنا للوقوف على رأي القادة العرب ورأيك بصفتك الخبير في المنطقة فما هو رأيك بردود فعلهم تجاه التقسيم ؟)

فقال لهم غلوب باشا: سأعطيكم الجواب يوم غد، وكان الوقت ليلاً، وفي الصباح الباكر طلب الجنرال غلوب مني – والحديث ما زال لسائقه - أن أشتري له خمسة أرطال من اللحم وأن أطلب من القصاب أن يقطعها قطعاً صغيرة، ففعلت، وبعد أن أحضرتها طلب " غلوب باشا " من ضيوفه الركوب معه فركبوا، وقدتُ بهم السيارة والجميع في دهشة من تأخير الجنرال " غلوب باشا " في رده على سؤالهم عن "رد الفعل العربي فيما لو حدث التقسيم"؟! 

وفي غمرة تساؤلاتهم تلك، ابتسم " غلوب باشا " ثم طلب منهم التريث لحظات وهو يقول لي اتجه يا " عودة " نحو أقرب مضارب للعربان بسرعة لكي يكون الجواب سريعاً!!

وما إن وصلنا إلى جانب من مضارب العشيرة حتّى ثار عدد من الكلاب تنبحنا بشراسة مدافعة عن الخيام مبدية عدم الرغبة بوصولنا وما إن تكامل عقد الكلاب وأحاطت بنا من كل جانب ولاحظ " غلوب باشا " انزعاج ضيوفة الإنكليز من صولة الكلاب وثورتهم، أخذ " غلوب " يقذف بقطع اللحم ذات اليمين وذات الشمال فخمدت ثورة الكلاب، بل انعكست ثورتها إلى ترحيب بنا بترقيص ذيولها احتراماً وترحيباً، وأخذت تنبطح أمام سيارتنا مقدمة لنا الولاء والطاعة والاحترام المتزايد!! الشي الذي أضحك الإنكليز كثيراً.

وبينما هم في غمرة الضحك من فعل الكلاب والفعل المعاكس.. قال " غلوب باشا ": هكذا هم زعماء العرب تماماً!! أما الشعوب العربية فهي أشبه بأصحاب الكلاب الذين فوضوا أمر حماية البيوت والخيام لدفاع الكلاب عنها بالنباح، وبعد أن رأت الكلاب قطع اللحم تركت الدفاع عن مضارب أصحابها فاذهبوا أنتم الآن لتقسيم فلسطين دون تردد ودونما أخذ أو اهتمام لرأي قادة وزعماء العرب فهم مثل هذه الكلاب تماماً. 

ثم تسائل غلوب قائلاً لضيوفه: "هل اقتنعتم بعد الآن ؟" قالوا له: " اقتنعنا " قال لهم: " مع السلامة ". وحدث التقسيم بعد فترة وجيزة من تلك الحادثة التي استعرضها الجنرال غلوب هذا بينما كان الزعماء يتلهُّون بقطع شهية من لحوم .. شعوبهم !! ). 

هذا ما اجتزءناه ونقلناه لكم بتصرف أدبي من تاريخ " غلوب باشا "، ومما رواه السائق الخاص لقائد قوات الجيش العربي آنذاك والقائد الفعلي للجيوش العربية السبعة التي دخلت فلسطين لتحريرها من قطعان المستوطنين اليهود الصهاينة، فبقيت القطعان وانهزم الشجعان ولم تتحرر فلسطين!!..

هذا على ذمة الراوي .. ونحنا ما دخلنا!!

תגובות

מומלצים