أَفَلَ النَجْمُ .. وغاب الأمينُ العَلَمُ

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمدلله العلي العظيم ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم ، على رسوله الأمي الكريم ، وعلى آله وصحبه أولي الفضل العميم .. ومن تبعهم على الطريق القويم .. ونهج الصراط المستقيم. وبعد .. فإنّ العين لتدمع .. وإنّ القلب لَيَحْزَن .. وإنّا بفقد شيخنا ومعلمنا ، واستاذنا ومرشدنا لمحزونون .. ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وبقضاءه راضون .

20.12.2013 מאת: اسعيد نزيه ستاوي
أَفَلَ النَجْمُ .. وغاب الأمينُ العَلَمُ

إن لله ما أخذ .. وله ما أعطى .. وكل شيء عنده بأجل مسمى .. ولا حيلة لنا إلا الصبر والإحتساب .. والرضى بمشيئة الملك الوهّاب !!

يقول تعالى في كتابه العزيز :- من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .. صدق الله العظيم

ولله دَرُّ ملاك الوحي الجليل .. الرّوح الأمين جبرائيل .. في قوله مخاطباً النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام .. بأسطع درر الكلام :-
عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به (مُلاقِيه) ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس !

وأنت شيخنا .. وُلِدتَ رشيداً .. وعشتَ مديداً .. وأخلفتَ سعيداً .. وقضيتَ سديداً ..
وأحببت الصالحين وكنت منهم .. وعلّمتهم وأرشدتَهُم ، وأحبوك وها قد فارقتهم ..
وعملت لآخرتك .. ولقيتَ عند ربّك الحسنى ..
وكفاك عزاً ، إستغناؤك عن الخلق .. وشرفاً ، قيام الليالي لوجه الحق ..
 
ليلة البارحة ... أَفَلَ النجمُ .. وقَضَى الأمينُ العَلَمُ ..
نعم .. في هذه الليلة الحزينة الفائته .. وعند قرابة تاسعة المساء .. شاء القدَرُ وحَلَّ القضاء .. فغيّب عنا شيخاً قلّ مثيله وندر .. وسما في سماء التوحيد واشتهر .. وسطع نور نجمه وبهر !
غاب عنا وهو على عزيمته ما عدّل .. وعلى سلكه القويم وما بدّل .. وعن سَمته المستقيم ما تحوّل ..
شيخنا الأمين .. يا بقية من تبقى من الثُّلَّة الطّاهرة .. والجماعة النَّيِّرة الزّاهرة ..  المُجِدّة المُكِدّة المثابرة .. المكابدة المجاهدة السّاهرة .. قامات صدق شامخةٍ بالحق عامرة .. تتلمَذَتْ لسيدنا الشيخ أبي حسين محمود فرج رحمة الله على روحه الطاهره .. وأخذَتْ عنه درر الكنوز الفاخره .. ومسالك وَرَع وَبِرٍّ وافره .. فشكّلَتْ مدرسة توحيدية زاخره .. بل أكاديمية التوحيد الأرقى .. وجامعة التقوى الأصدق الأنقى .. غيّبها عنا الموت وما أبقى .. وكُنْتَ آخرهم شيخنا فَبِظِلِّهِ عليك ألقى .. فطوبى لك غداً تلقى الأحِبَّه ، مُعَلِّمَكَ وصَحْبَه !

رحل الأمين المأمون .. ورزين الفعل الموزون .. وقد قارب الأول من القرون .. وما زادتها السّنون .. إلا إشراق اللؤلؤ المكنون .. حتى دارت رحى المَنون .. فغيّبته عن بلده عرمون .. تاركاً وراءه نهضة دينية صنعها .. وثورة عرفانية أبدعها .. وكنز مآثرٍ أصّلها وفرّعَها !!

ترك عرمون عامرة بميراثه وتعاليمه .. حزينة في اقامة حفل وداعه ومراسيمه .. مقتدية بمآثر صبره وتسليمه .. تبكي من شدة مصابها وأليمه ..وترثي حدة الفراق وعظيمه ..
رحل عنا الأثيلُ المحامد .. الحليمُ عند الشدائد .. الجَلِدُ كالغضا بل كالحدائد ..
رحل عنا الوثيق العُرْوَه .. والمثَل القُدْوَه .. والصَّدُوق الأُسوه ..لكن وإن رحلت شيخنا عنا .. تاركاً في الصدور لوعة وأنّه .. فإن سيرتك الطاهره بيننا لم تزل دليلاً ومنهاجا .. وتعاليمك الزاهره لم تزل سراجاً وهّاجاً .. وستبقى لنا نبراساً وسلّماً ومعراجا .. وكفى فخراً طلاب نهضتك الكثيرون ، ومن أتى من بعدهم أفواجا ..
شيخنا إن الزمان ليضيق ، عن تعداد مزاياك .. وإنّ المكان لا يطيق ، لو أردنا ترداد سجاياك .. وإنّ المقتفي لَحقيق ، إنّ أدمَنَ سُقياك .. وإنّ المقتدي لدقيق ، إن تودد تكرار لُقياك !

 وان مُفارقكَ ما أصبرهُ .. وإن مُحَيّاك لفي خيالنا ما أبشَرَهُ .. وإن شخصك النيّر ما أشعّه وأنوَرَهُ .. وإن الظمآن يكفيه من الماء أيسره .. لكننا لم نزل عطشى نبغي منه أكثره ..

كنا قد كتبنا عن شيخنا الطاهر الرزين .. الندب الصادق الأمين .. الراحل في هذا الحين .. الشيخ أبي سعيد أمين .. مقالة قبل عدة سنين .. وعلى الأدق سنة 2006 عند تتويجه بالعمامه المكوره مع الشيخ الأمين الآخَر .. أبو يوسف أمين الصايغ حفظه الله .. عند تتويج الشيخين الأمينَيْن .. على يد الشيخ الراحل الجواد .. شيخنا الشيخ أبي محمد جواد .. رحمه الله تعالى .. وكانت بعنوان "من يدِ جواد لا أعدمها الله"

الشيخ أبو سعيد أمين أبو غنام

شيخ الحلم والعقل والرزانة، والطهارة والنزاهة والأمانة، وزهرة الشيوخ الأحياء الذين بقوا على سلك السادة الراحلين، والشيوخ الأقدمين، وعلى رأسهم سيدنا الشيخ أبو حسين محمود فرج (عبيه) الطاهر السادق الأمين، معلمه وأستاذه على نهج البررة الميامين، والذي حظي شيخنا عنده وجعله من أبرز التلامذة المقرَّبين، والطلبة المقدَّمين، فكان سوية مع شيخنا الراحل الشيخ أبو سعيد حمود بقية ما تبقى من ورثة سلك سيدنا الشيخ ومنهاجه في الدين، وتطبيق طريقته بين الأخوة الموحدين.

ولد شيخنا، الشيخ أبو سعيد أمين يوسف أبو غنام، في عرمون في شهر آب من سنة 1915، ونشأ في كنف أسرة دينية متوسطة الحال، وظهرت عليه معالم التقوى والورع باكراً، فنشأ أحسن النشوء وكان مع مجموعه من إخوانه في ذلك الوقت يشكلون العصب الديني في وقت انتشر فيه الضعف، وكان سيدنا الشيخ أبو حسين محمود فرج سنداً لهم وذخراً، حتى أصبح كالمرشد لهم والمعلم، وهم كالتلامذة الذين يستقون هديهم من أستاذهم ودليلهم، فكان نعم المرشد المفيد، وكانوا نعم الطالب المكمّل المستفيد، والداعم المعاضد.

امتاز شيخنا بالورع والتقوى، وتميز بالحلم والروية ، بعد أن روّض نفسه على ذلك، حتى أصبح مضرب الأمثال في البلاد، بحلمه ورجاحة عقله وسداد رأيه ، فأضحى من المراجع، واكتسب ثقة الشيوخ، وأصبح ذا مكانة خاصة وكبيره عندهم، وعند سيدنا الشيخ أبو حسين محمود فرج، فكرمه سيدنا الشيخ أبو حسين بإلباسه العباءة البيضاء المقلمة، ليصبح من أعيان البلاد.

ذلك رغم أن شيخنا لم يتوجه إلى خلوة ليتخلوت، أو إلى مسجد أزهر ليتعلم، بل كانت خلوته بيته، ومنزله مسجده وموضع عبادته ومجاهدته، كل ذلك لتجنب الشهرة، اللهم إلا مرةً واحدةً أصر فيها المرحومان الشيخ أبو حسين إبراهيم أبو حمدان (ميمس) والشيخ أبو علي مهنا حسان (حاصبيا) شيخا البياضة الشريفة تلك الأيام رحمهما الله، على الشيخ  بالقدوم للبياضة، المحل الأزهر للتعبد هناك ، فذهب الشيخ ومكث أسبوعاً واحداً فقط، نزولاً عند خاطرهم ثم عاد بعدها حالاً.

اقترن شيخنا بالمرحومة الفاضلة، سليلة الأفاضل العنداريين، وهي كريمة الشيخ المرحوم أبو سليم حسين العنداري، وأخت الشيخ أبو يوسف سليم العنداري من العبادية رحمهما الله، وكان (سابقـًا) عديلا ً للشيخ الفاضل الراحل الشيخ أبو علي محمد الحلبي (عرمون) رحمه الله ، رفيقه وصاحبه في درب التقوى والفضل ، وتوفيت رحمها الله في حياته ، واقترن لاحقاً بغيرها .
كان شيخنا من أعيان الشيوخ الداعمين لفقيد الأمة وسيد العشيرة ، سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف رحمه الله ، وكان من الموقعين على الوثيقة التي أرسلت دعما لسيادته مسانداً له، وكانا على صلة وبينهما مراسلات.

שיך גנאםأخذ شيخنا الكثير من السلوكيات والمعاملات كالورع والتدقيق والحلم والتريث عن سيدنا الشيخ أبو حسين معلمه، وسلك سلكه في عدة أمور حساسة ، منها تركه للسياسة وحتى السياسة الدينية، وابتعاده عن كل هذه الأمور، حيث كان يتركها قديما لسيدنا الشيخ أبو حسن عارف، ولاحقاً لشيخنا الشيخ أبو محمد جواد، على خطة سيدنا الشيخ في هذا الأمر، وكذلك من جهة العمل بالنوايا، فإذا نوى على عمل أو مسعى خير فينطلق إليه ويسعى جاهداً في تنفيذ نيته الشريفة بغير توان ٍ كل هذا على خطة معلمه وأستاذه سيدنا الشيخ ، الذي لم يزل يعتبره المثال الأرقى والقدوة الأسمى ، فكثيراً ما نراه يحدث عن سيدنا الشيخ ويستشهد به وبأفعاله وسيرته مع الإطراء والإعجاب الكبيرين لشخصية سيدنا الشيخ التي كان يجلها كثيرا. وكان شيخنا في غالب الأحيان اذا زاره سيدنا الشيخ أو ضاف في بلدته فيرافقه إلى أطراف البلدة لوداعه هناك تقديرا لشخصه الطاهر.

ومرت الأيام وتتالت السنون وبقي شيخنا متمسكا بكثير من المواقف والعادات الدينية الشريفة التي ورثها عن الشيوخ الأقدمين ولم تزدها السنون إلا تواضعاً وديناً ووقاراً فكانت له مهابة خاصة عند الجميع بالرغم من البسمة الدائمة التي تعلو مُحيّاه .

وبذل الشيخ كل ما بوسعه لتطبيق الأوامر والنواهي على منهاج السيد الأمير (ق) وكان حريصاً على تطبيقه بإصرار وعزيمة كبيرين ، وعمل جاهدا لحفظ الإخوان وجمع الشمل ونبذ الخلافات الدينية، حتى أصبح مقصداً يقف الجميع عند خاطره.

في العام 1991 دعا الشيخ إلى تشييد خلوه في عرمون وأقام بها نهضة دينية واسعة ، فأصبحت محجة للشيوخ والشباب التائب تعج بالمستجيبين والمريدين .

وقد سمعنا من بعض الإخوان الثقات أن المرحوم سيدنا الشيخ أبو حسن عارف (ر)، كان ينوي تتويج الشيخ بالعمامة المكلوسة، لكن لم تشأ الظروف ولم تساعده الأحوال على ذلك، واستجابة وكرامة لنية سيدنا الشيخ أبو حسن عارف الشريفة، وبعزيمة شيخنا المقدام الشيخ أبو محمد جواد، تم تتويج الشيخ أبي سعيد بهذه العمامة المكرمة في بيته في صوفر، التي تبعد ما يقارب 35 كم عن بلدته عرمون، قبل ما يقارب الشهرين، وبالتحديد في يوم السبت الرابع من تشرين الثاني من سنة ألفين وستة (2006-11-04)

وبرفقة العديد من المشايخ الثقات، من عاليه وبيصور وبطمة والمنطقة، بعد أن كان الشيخ قد أتم عامه الواحد والتسعين، وقد أفاض شيخنا، الشيخ أبو محمد جواد في مديحه والشهادة له، بما هو أهلا له وقابله التواضع والاعتراف والتذلل من شيخنا مما أتى على ذكره الأخ نادر في خبر التتويج ورآه الأخوة في الشريط المصور فلا حاجة للإعادة .
 

ونحن إذ ننتهز وجودنا على هذا المنبر .. نعزي الأمة التوحيدية في كل مكان .. بفقد عميد الأركان .. وشيخ الأعيان .. كما ونرفع أسمى آيات التعازي والمشاطره .. لشيوخنا في لبنان عامة .. وفي عرمون خاصة .. وعلى الأخص الإخوة الأعزاء .. والأصدقاء الأوفياء .. آل أبو غنام .. بوفاة شيخنا الأمين .. والركن الحصين .. أبي سعيد أمين .. سائلينه تعالى أن يجمعنا به في جنة الرضوان .. وفسيح فردوس الجنان .. وأن يلهمنا وإياهم جميل الصبر والسلوان .. وإنا لله وإنا إليه راجعون .

الفقير لعفوه تعالى :- اسعيد نزيه ستاوي - المغار

תגובות

2. سميح לפני 10 שנים
افضل مقاله اقرأها من سنين وبلاغه على مستوى عال جدا
1. موحده לפני 10 שנים
الله يرحمك يا سيدنا الشيخ

מומלצים