وقتُ الامتحان "القادة لا يحاسبون على ما يفعلُون فقط، وإنما أيضاً على ما لا يفعلون"(دانتي)

هو وقت الامتحان، وفيه يكرمُ المرءُ أو يهان. أضعفُ الإيمان، في هذا الظرف الخطير والذي يشكل سابقة أخطر، هو التجندُ لمساندة المشايخ ورفع صرخة مجلجلة وإعلان الإضراب العام، واتخاذ كل الإجراءات القانونية، نعم القانونية، ضد هذا الإجراء السياسي الظالم.

24.03.2014 מאת: فريد قاسم غانم (لمغار)
وقتُ الامتحان "القادة لا يحاسبون على ما يفعلُون فقط، وإنما أيضاً على ما لا يفعلون"(دانتي)

من المنتظر أن تبحثَ محكمةُ الصلح في الناصرة، يوم 25.3 الجاري، في مسألةِ العقوبات التي ستفرضُ على المشايخ أبناء الطائفة الدرزية، بعد إدانتهم بزيارة "دولة معادية" والتآمر لتنظيم زيارات إليها.

نشرنا، يوم 10.12.2013، مقالةً تحت عنوان "لا يجوزُ السكوتُ على هذه المهزلة"، تناولتُ فيها حيثياتِ محاكمة ستةَ عشرَ شيخاً من أبناء الطائفة المعروفية، على خلفية مشاركتهم في تنظيم زيارات ٍ للأهل والأقارب والمواقع الدينية في سوريا.

وذكَّرنا، في سياق المقالة، أن القرار بمحاكمة المشايخ دون غيرهم من عباد الله، وفرض "سلطة القانون" بشكل انتقائي، يتناقضان مع مبدأ "سلطة القانون"، وأن القرارَ بمحاكمتهم واستمرار المحاكمة هو قرارٌ سياسيٌّ بامتياز، هدفُهُ تدجينُنا وبسطُ سلطةِ مجموعة اوليغاركية على تحركاتنا، وتنصيب فئةٍ لاحتكار المسموح والممنوع، تلبية لمشيئة أوساط عليا.

وإن لم نكن واضحين بالشكل الكافي، في المقالة المذكورة التي نرفقها في ذيل هذا الكلام، فإننا نعودُ ونطالب القيادات الدينية والدنيوية بالامتناع عن التواطئ وعن التزام الصمت، حين يستدعي الوضعُ إطلاقَ صرخةٍ مجلجلة، والامتناعِ عن وضع الرأس في الرمل أسوةً بالنعامات.
 اقتبسنا، وها نحن نعودُ ونقتبس، أقوال الشاعر الشهير ابن القرون الوسطى أليغييري دانتي في "الكوميديا الألهية"، بأن القادة لا يحاسبون على ما يفعلُون فقط، وإنما أيضاً على ما لا يفعلون.

ومن غير المعقول أن تقف قياداتنا مكتوفةَ الأيدي، إزاء هذا المس الخطير بكرامتنا وحقنا الإنساني الأول، في التواصل الإنساني والتقاء الأقارب وزيارة أماكن العبادة، أسوةً بسائر الطوائف والفئات والمجموعات.

تمخض نشرُ المقالة السابقة عن مجموعة من المٰداخلات والمناقشات، المكتوبةِ والشفوية، منها أنه لا يجوز لأحد انتهاك القانون، بدعوى أن سلطة القانون هي حجر أساسٍ في أية دولة معاصرة. ردنا تلخص في أننا نوافق على أهمية سلطة القانون، مبدئياً، غير أن سلطة القانون تعني أيضاً تطبيقه على الجميع، بدون انتقائيات أو عشوائيات أو استثناءات. التعامي عن الانتقائية في هذه المحاكمة، هو موافقةٌ على التنازل عن سلطة القانون. بكلمات أخرى، المساواة أمام القانون والمساواة في تطبيقه هما شرطٌ أساسٌ لا غنى عنه في مفهوم "سلطة القانون".

ادعاٌء آخر يقول إنه يمكن التقاء الأقارب والأهل في مكان آخر، في دولة مسموحة زيارتها، مثل الأردن. يجوز. لكن، لماذا يُطبق هذا الكلام على مجموعة واحدة ويستثنى منه الآلاف وسائرُ المجموعات والفئات؟ وكيف يمكن التقاء الأقارب، جميعهم، خارج حدود سوريا، وماذا مع التكاليف الباهظة والعقبات واستحالة نقل عائلات بأكملها للالتقاء في فندق في عمّان؟ والأهم من كل ذلك، كيف يمكن نقلُ أماكن العبادة من دولة إلى دولة؟ فالقضية ليست قضية خِدَعٍ سينمائية بَصَرية أو فيلماً هوليوودياً من طراز الخيال العلمي.

من يشأ، يجد الذرائع للتواطؤ. لكن الذين يختارون أن يكونوا قادة، من المفروض أن يشربوا من عين الماء التي قد تكونَ سامة قبل جنودهم، وعليهم أن يكونوا في المقدمة ليس في سحق أبناء رعيتهم، وإنما في الدفاع عنهم. والسكوت، ووضع الرأس في الرمل، في هذه الحالة هو مشاركة في الاستفراد بالمشايخ وما يمثلونه من دفاع عن حق العبادة والتقاء الأحبة والمساواة أمام القانون وسلطة القانون وأولوية الحقوق الطبيعية على الحقوق الوضعية.

هذا هو وقت الامتحان، وفيه يكرمُ المرءُ أو يهان. أضعفُ الإيمان، في هذا الظرف الخطير والذي يشكل سابقة أخطر، هو التجندُ لمساندة المشايخ ورفع صرخة مجلجلة وإعلان الإضراب العام، واتخاذ كل الإجراءات القانونية، نعم القانونية، ضد هذا الإجراء السياسي الظالم.
 أما السلوك بغيرِ ذلك، فهو تطبيق لحكمة ابن المقفع في "كليلة ودمنة": "أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثورُ الأبلقُ". ومن يتفاخرُ بالوعاء النحاسي (صِدر النحاس)، عليه أن يلبيَ الدعوةَ لهذه الضربة الموجهة إلى أحد أطراف الوعاء، بمؤازرة المشايخ بكل ما أوتيَ، لئلا يتحولَ "صِدر النحاس" إلى فخار مكسَّر أو خشبٍ ينخرُ فيه السوس.

תגובות

מומלצים