كلمة فضيلة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية بمناسبة عيد النبي شعيب ع

فضيلة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية: "أن هذه الزيارة المباركة، التي ما زالت تجمعنا، في هذا الموعد من كل عام منذ مائة وثلاثين سنة، هي إحدى الدروع الواقية، للحفاظ على كينونتنا كطائفة مميزة لها عاداتها وتقاليدها الخالدة، والمكملة لمسيرتنا التوحيدية المجيدة".

24.04.2014 מאת: פורטל הכרמל והצפון
 كلمة فضيلة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية بمناسبة عيد النبي شعيب ع

ننعم هذه السنة بزيارة المقام الشريف، ونحتفل بمرور مائة وثلاثين عاما على تنظيم أول زيارة للمقام، والاحتفال بتدشينه، بعد ترميمه على يد جدنا، فضيلة المرحوم الشيخ مهنا طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية آنذاك، والذي كان قد انتدب أربعة من المشايخ الأفاضل من مشايخ هذه البلاد، من أهل الثقة، هم المشايخ: الشيخ خليل طافش من كفر سميع، الشيخ محمد فرهود من الرامة، الشيخ محمد فارس من حرفيش والشيخ سلمان حمود من يركا، لزيارة التجمعات الدرزية في سوريا ولبنان، طلباً لجمع التبرعات لدعم عملية ترميم المقام. وقد سهل الله عز وجل مهمتهم، وحقق لهم النجاح، فعادوا سالمين موفقين، وتم بفضل الله إكمال الترميم، وتوسيع المقام، والاحتفال بتدشينه، في الخامس والعشرين من عام 1884، بحضور جماهير غفيرة من مشايخ الطائفة، من التجمعات الدرزية عامة، وباشتراك الوالي العثماني للديار المقدسة، والمسئولين من أصحاب المناصب، ووجهاء المنطقة من باقي الطوائف التي كانت تقطن منطقتنا آنذاك.

ولا شك أن هذه الزيارة المباركة، التي ما زالت تجمعنا، في هذا الموعد من كل عام منذ مائة وثلاثين سنة، هي إحدى الدروع الواقية، للحفاظ على كينونتنا كطائفة مميزة لها عاداتها وتقاليدها الخالدة، والمكملة لمسيرتنا التوحيدية المجيدة.

في السابق، كانت كل زيارة للمقام، تنبع من شعور الموحد بالانتماء إلى الدوحة المعروفية، وبزيارتهِ للمقام، كان يقوي صِلته الروحية بالباري, عز وجل, ويعزز الثوابت التوحيدية في نفسهِ. كما وكانت كذلك سببا ومحفِّزاً للفرد منا من أجل الاجتماع بإخوانه ومحبيه من القرى والتجمعات الدرزية الأخرى، على الرغم من صعوبة السفر، فكانت الزيارة الرسمية، فرصة طيبة للجميع، في تحقيق هذا الهدف المنشود, ألا وهو التبرك بقدسية المكان مِن جهة, ولقاء الأهل والأحبة مِن جهةٍ أخرى.

أما اليوم، وقد وصل بنا التقدم إلى ما وصل إليه, وتطوّرت وسائل النقل وتنوعت، وبات الإنسان لا يعجز عن التنقل والسفر واللقاء، في أي وقت يشاء، وفي أي مكان يريد، بمن يرغب بزيارته، نجد مع كل هذا، أن الزيارات الرسمية للمقامات، ازدادت وازداد، مع ازديادها، عدد المشاركين بها. من هذا المنطلق يمكننا القول، إن هناك سرا وراء ارتباط الموحِّد بمقدساته، سواء كان روحانياً أو جسمانيّاً، وهذا مما يثلج صدورنا، ويزيد اعتزازنا وخاصة بشبابنا الناضج الواعي، وبأهلنا في هذه البلاد.

المجتمع الدرزي كأي مجتمع، لا يخلو من بعض المشاكل والأحداث، إنها طبيعة الإنسان، مع هذا، وعلى الرغم من كافة المشاكل التي  تواجه طائفتنا، نبقى مميزين، ويبقى الأمل يحدونا بأنه لا بد مِن يومٍ يأتي تتحسّن فيهِ الأوضاع، بعون الله وبفضله. ولكي يحدُث هذا علينا أن ننفذ ونطبق التعاليم التوحيدية التي حبانا بها ديننا الحنيف الشريف، التي تدعونا للتعاون والتكاتف والتعاضد فيما بيننا، عاملين على بناء جيل جديد، تنعم فيه الطائفة الدرزية بالهدوء والرغد والاستقرار، وما زيارتنا للمقام الشريف إلا لتطمئن منا النفوس وتستقر السرائر وتهدأ، ولنستمد منه الطاقة والقدرة والقوة والعزم لمتابعة العطاء.

لقد أصبح المقام الشريف، جزءا من واقعنا وكياننا، وكل مواطن توحيدي في هذه البلاد، لا يشعر بالراحة والطمأنينة والهدوء النفسي، إلا بعد أن يقوم بزيارةٍ للمقام الشريف، ليقف أمام الضريح المقدس بخشوع وإيمان وسكينة وترقب، مُتوجهاً إلى النبي الكريم، داعيا، راجيا، آملا ومتضرعا، أن تتحقق أمانيه، وأن يحظى بالصِحةِ والعافية والنجاح.

هذا الخشوع، وهذا التوجه الصريح العفوي الحقيق، يعبران عن الإيمان، ففي تلك اللحظات القليلة التي يقف بها الموحد، في حضرة الخالق، جل وعلا، ونبيّهِ الكريم، يشعر بأنه مدعوم من قِبلهما، وأن هناك من يحميه ويصونه ويرعاه. علينا أن نعلم، أنه أمام الضريح المقدس، لا يوجد كبير أو صغير، غني وفقير، مهم وغير مهم. لقد خلق الله بني البشر وساوى بينهم بمنه عليهم بدين التوحيد، والإيمان، وأفسح لهم في طلب العلم والتقوى، وجعل لهم من علمهم وتقواهم مراتب ودرجات، لقوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكُم"، ومع هذا، ترك لهم باب التوبة والتقرب منه مفتوحاً يلِجهُ مَن يشاء إلى الباري سبيلا.

لا شك أننا نعاني، في مجتمعنا، من أمور كثيرة بحاجة إلى معالجة، يجب علينا العمل على حلها، ولذلك علينا ألا نيأس، وأن نبقى متفائلين، وأن نحاول الإصلاح وأن نطلب الخير والنجاح للآخرين، وأن نتمسك بتقاليدنا ومبادئنا الكريمة، وأن نحافظ على تراثنا وعاداتنا الحميدة، وأن نطور ونحسن مجتمعنا وقرانا بأن ندعم أحدنا الآخر، وأن نصلح العلاقات فيما بيننا، وأن نقتلع الحسد والكراهية والضغينة والحقد من نفوسنا، ونفعل ونعمل ونتصرف، بوحيٍ من الضمير والدين والعرف والتقاليد، فإذا فعلنا ذلك، كسبنا الأجر ورضا الخالق ودعمه ورعايته، ونلنا منهُ جزيل العطاء.

قد يحدُث عادة أن الإنسان الناجح، الذي يشعر أن أموره تيسرت، أن ينسى مِن أين جاءتهُ ثروته, فينسى ذكر الله، ويعود إليه تعالى، عادة، عندما يواجه مصيبة أو مشكلة، أو عندما تنغلق أمامه الأبواب، ولهذا علينا أن نحمد الله ونشكره دائماً على نِعَمِهِ، ونطلب منهُ دوام النعمة والرحمة والمحبة في قلوب الجميع .

שיך טריף

إن كل من يطلع على سيرة النبي شعيب (ع) يعرف أنها مليئة بالعبر، وبالدعوة لعمل الخير والتقوى والأمانة، وإلى الكرم وإيواء الضيف، والتوجيه إلى الخير والفضائل المتعددة. وهكذا ففي كل زيارة رسمية أو عادية لنا للمقام الشريف، علينا أن نجدد مخزون الإيمان في نفوسنا، وأن نحصن قلوبنا بالإيمان، وأن نملأ عقولنا بعبق وريح التوحيد، وأن نستوعب ونتقبل جميع الإرشادات والتعاليم والفضائل التي يوجهها إلينا كبارنا، وأولو الأمر بيننا، وأن نقوي عزائمنا، ونشمِّر عن سواعدنا لعمل الخير، ونتزود بالإيمان الذي لولاه لما كنا لنتواجد في هذه الرحاب المُشرَّفة في هذه الأيام.

ومع حلول العيد السعيد، والزيارة المباركة، أتوجه إلى كافة أبناء الطائفة الدرزية في كل مكان، مُتمنياً لهم عيداً سعيداً مُباركاً، راجيا من الله، أن تكون زيارة الزائرين منهم مقبولة عندهُ تعالى، وأن يحمي، وسيدنا شعيب (ع) أبناء الطائفة مِن كلِّ ما قد يسيءُ إليهم، ضارعا إليه، جل وعلا، أن يحقق لكل منهم ما يرجوه ويتمناه، وأن نحتفل في العيد المُقبل بلقاء مشايخنا وأهلنا من سوريا ولبنان والأردن وكافة الجاليات الدرزية أينما وجدوا في رحاب مقام النبي الكريم وأن يعيد هذه الزيارة في السنة القادمة على الجميع والأزمة في سوريا قد حُلت، والهدوء والطمأنينة والاستقرار والسلام  تُخيِّم فوق ربوعها وربوع شرقنا الحبيب، بعد أن يحصل كل ذي حق على حقه، وأن يبقى جبل الدروز الأشم، صرحا عاليا شامخا وعنواناً لكل صاحب حاجة أو طلب.

زيارة مباركة ومقبولة وكل عام وانتم بألف خير.

תגובות

מומלצים