اخواني وأخواتي الى متى هذه الرقدة وقد انتهت المدة وأظهر الزمان عجائبه؟
قال تعالى : " إن في خلق السموات والأرض * واختلاف الليل والنهار * لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم * ويتفكرون في خلق السموات والأرض * ربنا ما خلقت هذا باطلاً * سبحانك فقنا عذاب النار" * صدق رب العزة.
إخواني وأخواتي * ان نعم الله لا تعد ولا تحصى * واكبر هذه النعم هي معرفته تعالى حق المعرفة * والإيمان به حق الإيمان * والتقرّب إليه بحقيقية القربان * لان من أمات نفسه لأجل الله فقد أحياها * والموت هنا قتل النفس الأمارة بالسوء من اجل مرضاة باريها * لان النفس كما قال عنها بارئها :
" إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي " * وهي مركبة من أخلاط ممتزجة متضاددة القوى* مركوزة فيها شهوات مختلفة * وهذه الشهوات أشبه بأحجار كبريتية كامنة فيها نيران * في حال إذا اشتعلت لا تقدر أن تطفئها الناس جميعا لو اجتمعت على اطفائها * والنفس في حال تغلب الشهوات عليها * تصبح صريعة للغضب * الذي هو ثمرة من ثمار الجهل * والذي هو ضد العقل * والحلم والاناءة والسكون* وهو احد مهلكات النفس والجسد * لأنه يعمي البصر والبصيرة * وتصير النفس في حال الغضب كالسفينة في لجة البحار تتلاطمها الأمواج * فلا للقبطان عليها سلطان * ولا لركابها أمان * ولا يعلم مصيرها إلا الرحيم الرحمان * فأقول وبالله المستعان :
إخواني وأخواتي * إني أدعو نفسي وادعوكم إلى التوبة والاستغفار لعلكم تستغفرون * والرشد والاسترشاد لعلكم تسترشدون* والهدى والهداية لعلكم تهتدون * واعلموا إنكم عن قريب لمسؤولون * وعلى ربكم لمعروضون * وعما فرطتم من أوامر الدين مطالبون * وعلى جهلكم تسألون * وعلى الإسراف والتبذير والتسويف والتحريف تساقون * فانتم غارّون مغرورون * ظالمون مظلومون * تنظرون ولا تبصرون * ترون آيات الله ولا تتفكرون * ولا تعتبرون * وتسمعون ولا تعون * وتعلمون ولا تدرون * ولا تعقلون * كلا لو تعلمون * ما انتم إليه واصلون * من عذاب نار لها واردون * وزقوم انتم آكلون * لكنتم بدنياكم تزهدون * ولأنفسكم تزهقون * وعن الأكل والشرب والنوم كنتم تمتنعون * وان تكونوا ترابا كنتم تتمنون * لان غضب الله شديد فوق ما تتصورون * بعد أن كنتم مُهَلا لا إهمالا تمهلون * فقد اقتربت الساعة وانتم عنها غافلون * وعما قليل يظهر ما كنتم به توعدون * وستجزون عما كنتم تعملون * فيا فوز المفلحون * ويا شقاوة المبطلون البطالون * لا ينفعكم يومئذ لا مال ولا بنون * ولا مقتنيات فانية ولا ما كنتم تكنزون * فإذا جاء ربكم ماذا تقولون؟ وأي الإجابة تجيبون؟ وأي العذر ستقدمون؟ وأي الحجج تتحججون؟ قال تعالى : "ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " * أفي ذلك عندكم شك تشكون ؟ أو ريبة ترتابون ؟ أو أنكم تتعامون وتتجاهلون ؟ أو أنكم على ربكم تتمردون ؟ أو برسله تكذبون وتكفرون ؟ بل أنتم المجرمون الظالمون * الطاغون * المتكبرون *المعتدون لغلبة شقوتكم عليكم وكنتم في مضمار الجهل والمعاصي تتبارزون * وبزخارف الدنيا الفانية وزينتها تتبهرجون * وبكثرة الأولاد تتباهون وتتفاخرون * وبالدين وأهله والآخرة تستهزئون * بئس القوم الذين هم عن طاعة ربهم قاعدون * وعن الإسراع إلى التوبة يتباطئون *وعن عمل الخير يتقاعدون * وكلما نصحهم الناصحون * يصدون ويتقاعسون * وكأنهم فوض مهملون * قطيع بلا راعي ولا مراعيون * فبأي الذنب تعتذرون * بعد أن جاءتكم بالبينات الأنبياء والرسل وانتم عن سماعها لأذانكم تصمون * وفي وادي الجهالة والمعصية تغرقون * استحوذ عليكم الشيطان فظننتم أنكم ناسيون منسيون * فانتم في قبضة مالككم كعصفور مسجون * وكسمكة تغوص في سبعة أبحر ولا تهتدون* فأين تهربون والى غير الله أين تلتجئون ؟
إخواني وأخواتي * لقد تقضت المدد والأزمان * فلا تكونوا كالنائم الوسنان * الغافل عما يكون وعما كان * الذي إذا وقع في محنة فرّ ولهلان * فالمؤمن الدّيان شجاع غير جبان * لا يخشى بشرا ولا حيوان * ولا إنس ولا جان * ولا محن ولا امتحان * بل يرضى بما يكتبه عليه الرّحمان * ومهما يعلو الباطل على الحق يخمد كما يخمد الماء النيران * وألان فقد ضاق بنا وبكم المكان * وصار الناس للشيطان إخوان وأعوان * والملوك مردة وطغيان * وعبيدا للهوى والدور والنسوان * أشادوا العمران * وعلـّوا البنيان * واقتنوا المقنيات الحسان * ولم يعد شيء ينفع الإنسان * سوى الصبر على الامتحان وعلى مردة هذا الأوان * والرضا بقضاء الرحمن * والعمل بمرسوم المليك الدّيان * كما نصت عليه الأديان * وكان خاتمها الفرقان * الذي يفرق بين الحق والباطل والطائع والعصيان* " يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا" * فيا سعادة المؤمن الصابر المنصان * يوم نصب الميزان * والعرض على الواحد المنان * فروح وريحان * ويا ذل الكافر الخسران * فتصلية النيران * حيث وادي السكران * وجب الأحزان * فانتذروا واعتبروا يا أولي الإيمان * واقبلوا على طاعة الرحمان * تكونوا من أهل الفوز والغفران * وتنجون من النيران * يوم وقوع الحدثان وهجوم الطامة الكبرى وثوران الدخان* وارتجاج الارضون وتفجر البركان * وتزعزع الأركان والبنيان * وخروج دابة الأرض والصرخان * يوم لا ضل إلا ضل الرحمان * والعمل الصالح مع الإخوان * فبأي ألاء ربكما تكذبان * هل جزاء الإحسان إلا الإحسان * "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم إن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " * رب المشرقين ورب المغربين كل يوم هو في شأن *
إخواني وأخواتي * أما آن الأوان ان تقلعوا عن الدنيا وأن تستفيقوا من مهمهة الحيرة والغفلة * وان تداووا قبل أن تتمكن منكم العلة * قبل أن تأتيكم الصيحة وتدهمكم الرجفة * وتتحسرون على أوقات المهلة * فاليوم عمل بلا حساب * وغدا حساب بلا عمل * عندها توفون أجوركم وانتم لا تظلمون * وتجازون على أعمالكم وانتم لا ترحمون * فيخسر حينئذ المبطلون * ويندم الشاكون * ويفلح العاملون المتطمئنون * الذين اقتنعوا بالقليل إلى يوم يبعثون * وأيقنوا انه لا بد من يوم فيه راحلون * وعلى الحساب يعرضون * وأمام الله سيقفون * فأي الأحوال تنتظرون وأي الساعات تستشعرون ؟
إخواني وأخواتي * لقد جاءكم المنذرون وايقظكم المنبهون افلا تتيقظون ومن غفلتكم تتنبهون والى ربكم ترجعون وتتوبون ؟ " فقد بلغ العصر آخره * وحكم فيه خالقه وقادره * وعما قليل يظهر الجزاء * ويعرف العامل عمله * أوله وآخره * ولا يضيع مثقال ذرة ناهيه وآمره" *
إخواني وأخواتي * أتظنون أنكم إذا اعترضتم على ربكم * تبلغون مرادكم * أم إذا أهملتم طاعة مولاكم *وركبتم هواكم * تخلصون من بلاكم ؟ كلا بل الله خلقكم * وأسبغ عليكم من نعمه وعطاياه * وفرض عليكم الحق وقبله منكم وارتضاه * ونهاكم عن الباطل وحذركم من سخطه فويل لمن عصاه * فلكم عند الله من الخير ما تكنزون * ومن الشر ما تكسبون " * فهل انتم لله تشكرون ؟ أم برضاه تطمعون ؟ وإياه تعبدون ؟ ولرسوله تطيعون وتتبعون ؟ أم عذابه انتم تخافون ؟ أم ثوابه ترجون ؟
إخواني وأخواتي * احذروا الندم * قبل أن تزل بكم القدم * فالدنيا دار لا إقامة فيها ولا بقاء * والآخرة هي الدار السكنى والبقاء * فاعملوا الصالح من الأعمال في دنياكم * ولا تبيعوا آخرتكم بدنياكم * فالدنيا دار الهموم والأحزان * فلا تطيلوا الاشتغال بها إلا فيما ينفعكم * فكلوا من الطعام ما يسد الجوعة * والبسوا ما يستر العورة * واشربوا ما يسد الضماء * فان الضمآن يكفيه من الماء أيسره * فالقناعة كنز لا يفنى * فالدنيا ساعة * اجعلوها طاعة * والنفس طماعة *عودوها القناعة * والدنيا دار ممر فكونوا فيها كعابر سبيل *وكونوا على أهبة السفر والرحيل * وتزودا من دنياكم لأخرتكم واتخذوا التقوى زادا ودليلا * فماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه وكان عليلا ؟ وكما قال سيدنا الأمير قدس الله سره أيضا : " فالدنيا ميدان سباق * والأجسام خيل * والنفوس فرسان * والسباق هو إلى اللّه * فلا يلحق بالقوم إلا من شمّر * ولا يفوز بالسبق إلا من ضمّر * فاعملوا لدنياكم كأنكم تعيشون أبدا * واعملوا لآخرتكم كأنكم تموتون غدا * فاعملوا لآخرتكم قبل الموت واطلبوا نجاتكم قبل الفوت * فبالجد والعزائم * تحصيل الغنائم * وهل يستوي المستيقظ والنائم ؟ فلا راحة لمن تعجل الراحة * ولا لذة لمن انهمك في اللذة * ولا ملك لمن كان عبدا للشهوة * ولا يبلغ التمام * من لم تكن سيرته على نظام * فلا جعل الله للعبدين جنتين * ولا قدر له راحتين * فمن أراد عز الدين والدنيا معا *كان هو والكافر سوى* فدرجات الدين العاليات * تنال بالصبر على المكاره والمضرات * والانسفال والدنو والانخفاض تأتي بفساد الظنون والرايات * والاستسلام للهوى والشيطان والمغريات * فمن اعتز بقوته ذل * ومن اعتز بماله قل * ومن اعتز بربه جل * وطوبى للعبد الذي ملك نفسه عما لا يريده خالقه * وهذّب أخلاقه * وتجرد من أهوائه *ليصير بذلك عقلا خالصا * وحقا محضا * وروحا صافيا * ونورا إلهيا * وجوهرا كليا * وكمالا حقيقيا * وجمالا انسيا * وملاكا ملائكيا * وحيّا أزليا * لاتصاله بالإله الأزلي *والعقل الكلي * والشرف الألمعي* والعلم الزكي * لأنه من اتصل بالحي الذي لا يموت * صيره ذاك الحي الذي لا يموت * حيا لا يموت * لقوله تعالى : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا * بل أحياء عند ربهم يرزقون " *
إخواني وأخواتي * إني أدعوكم و نفسي إلى ملازمة الاستغفار * وترك الذنوب والأوزار * والتسويف والأعذار * واحذروا الزنا والفسق والفجور وشرب الخمور وباقي الشرور والأقذار * تسلموا من غضب الجبار * والخلود في النار * وغضوا الأبصار * عن المحرمات * واستروا العورات * وتجنبوا الشهوات * فإنها تعمي القلوب * وتنسي علام الغيوب * "وما أسألكم عليه من أجر إن اجري إلا على رب العالمين" * "وما أريد منكم من رزق وما أريد أن تطعمون"*" الذي خلقني فهو يهدين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين" * " إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "* "استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا" * "ويزيدكم قوة إلى قوتكم" *ولا تتولوا مجرمين" * "فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين" * ولا تصغوا إلى ما زخرف الشيطان * فانه يدعوكم إلى الكفران *ويقودكم إلى النيران * وكفى بقوله تعالى : " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر* فلما كفر قال إني بريء منك * إني أخاف الله رب العالمين" * فأعجب العجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح * وأيقن بالحساب كيف يجمع المال * وأيقن بالقبر كيف يضحك * وأيقن بزوال الدنيا كيف يطمئن إليها * وأيقن ببقاء الآخرة ونعيمها كيف يستريح * فالله قد شهد لذاته المقدسة انه وحده لا شريك له * من لم يرض بقضائه * ولم يصبر على بلائه * ولا يشكره على نعمائه * ولم يقنع بعطائه * فليطلب ربا سواءه * وليخرج من تحت سمائه * وكيف يكون ذلك؟ وهو الرازق العظيم *والمعطي الكريم * والرب الرحيم * وهو الخبير العليم* " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور"* وهو أقرب إلينا من حبل الوريد * سبحانه علام الغيوب * سبحانه ستار العيوب * سبحانه يعلم ما كان وما يكون * وما لم يكن إذا كان كيف يكون * نسأل الله تعالى أن يُصلح ظواهرنا وكذا سرائرنا * وأن يحفظ أعيننا من النظر إلى الحرام * وقلوبنا من التفكير فيه * ويسامحنا على خطايانا وما أسأنا فيه * وأن يحفظنا من شر الأشرار * ومن كل محنة تأتي في الليل والنهار* ويرزقنا رضا نبيه المختار* وصحبه الأطهار *
فهو الله * الرحمن * الرحيم * الملك * القدوس * السلام * المؤمن * المهيمن * العزيز * الجبار * المتكبر* الخالق * البارئ * المصور * الغفار * القهار * الوهاب * الرزاق * الفتاح * العليم * القابض * الباسط * الخافض * الرافع * المعز * المذل * السميع * البصير * الحكم * العدل * اللطيف * الخبير * الحليم * العظيم * الغفور * الشكور * العلي * الكبير * الحفيظ * المقيت * الحسيب * الجليل* الكريم* الرقيب * المجيب * الواسع * الحكيم * الودود * المجيد * الباعث * الشهيد * الحق * الوكيل * القوي * المتين * الولي * الحميد * المحصي* المبدئ * المعيد * المحيي *المميت * لحي * القيوم * الواجد * الماجد * الواحد * الأحد * الصمد * القادر * المقتدر * المقدم * المؤخر * الأول * الآخر * الظاهر * الباطن * الوالي * المتعالي * البر * التواب * المنتقم * العفو * الرءوف * مالك الملك * ذو الجلال والإكرام * المقسط * الجامع *الغني * المغني * المانع * الضار* النافع * النور * الهادي * البديع * الباقي * الوارث * الرشيد * الصبور * جل جلاله * فتلك أسماء الله الحسنى فادعوه بها * انه أهل التقوى * ورب المغفرة * ورحيم الدنيا والأخرة * والحمد لله رب العالمين * وصلى الله على سيد المرسلين * واله الطهرة الميامين * وسلم تسليما إلى يوم الدين *