طبق نحس

نحن أكثر قوم يجيد الخطأ ، ويتقن الغلط لأننا نعرف ونحرف ! نحن امّة كسيحة كُسِرَت عكازها فنسير على اعوجاج ! نحن طائفة تطفو على شبر ماء ، ويتملكنا التيه حين يثني احدهم علينا . أصابنا الزهو حين نعتَنا من نعتَنا ببني معروف ، وغزانا الكبر حين وصفونا بالموحدين . نحن شعب لا يحب احدنا الآخر ، ولا نحب الخير لبعضنا .

نحن شعب متفرق ممزق ، بعد أن وافقنا على تمزيق هويتنا ، لاْن القيادة تريد ذلك ، وقيادة القيادة تُملي ذلك ! نحن فئة تغذّي نفسها بالجوز الفارغ ولا تستطيع الوصول إلى اللب المفيد ، لأننا لا نريد أن نعمل . نحن قوم يدّعي الديانة بعد أن لم نعمل بآدابها . نحن شعب يندفع بالعاطفة التي تهبّ ، ويتبيّن لاحقا أنها عاصفة في كوب ماء . نحن طائفة " نقعد صحيح ونحكي اعوج " ، لأننا لا نحب بعضنا ونُعيب نجاح احدنا .

نحن ملة طغى عليها الحسد وحب الجاه ، حتى عشيَت أبصارنا عن واقع الحياة كأننا ما زلنا نعيش في الفضاء . فليقف كل منا على تلة في الهواء النقي ، وليأخذ نفسا عميقا ، ولينظر إلى المرج الأخضر ليرى الاصفرار يتفشى به ، (وليس بسبب نضج السنابل ) ، وليفكر كل منا بجدية وعقلانية دون انفعال ودون الانجراف وراء عواطف زائفة : مَن منا ، متدينا أو زمنيا ، يسير وفقا لتعاليم الدين الحكيم ومبادئ الحكمة الشريفة وإرشادات الأمير السيد قدّس الله سره  إلا قلة قليلة من رجال الدين ؟! فأولى التعليمات هي صدق اللسان وحفظ الإخوان ! أين نحن من هذا ؟ فغالبيتنا تحفظ الإخوان ( لتدق عنقها ) عند أول فرصة ، وغالبيتنا لا تنطق بالصدق لان حب الدنيا وإغراءاتها استولى على قلوبنا فاقساها ،  وحب الجاه طغى على عقولنا ففقدنا البصيرة .

والوصية الثانية هي التواضع : هل نعرفه أم أننا نسير مشرأبي الأعناق منفوخي الصدور ، زهوا وخيلاء وغرورا على ما ليس فينا ؟! والوصية الثالثة هي الشجاعة : فالمؤمن الديان بتوحيد مولاه شجاع غير جبان ! هل نملك الشجاعة لنقول آراءنا بصراحة ؟ هل كلامنا يطابق تفكيرنا  ؟ هل نملك الشجاعة لنقول للخطأ خطاْ ؟ ألا ترى الأكثريةُ الأغلاطَ وتتعامى عنها ، لان القيادة تأمر بهذا ! هل هناك من يعترض للقرارات الخاطئة ، أم أن المعارضة ممنوعة وإبداء الرأي جريمة . هل يجب أن نطاْطاْ الرؤوس ونقول بعد كل جملة : أمرك سيدي ؟!

أما الوصية التالية فتنهى عن النميمة والاستغياب ، وقد أصبحنا ضليعين بهذه الكبائر ، التي يحاسب الله عليها حسابا عسيرا ! والنميمة اشد وطأة من الزنى والقتل العمد ، لأنها تخرب بيوتا عامرة ، وتهدم عائلات وحمائل وأقواما وبلدانا . وقد تفشّت فينا هذه القبائح ، بل نقلها البعض إلى ما وراء الحدود ، وهنا نصل إلى صلب الموضوع ، وكمَن صعد التلة وليس البرج العاجي  وراقب المرج :  بعد وفاة فقيد الطائفة والإيمان والشجاعة ، والورع والديانة ، التقي النقي المغفور له المرحوم سيدنا الشيخ أبي محمد جواد ولي الدين ، قامت جماعة محترمة من المشايخ الشباب الأبطال ، بنية سليمة وقلب يعترف بالجميل بمحاولة لتخليد ذكرى مرحومنا العطرة ، فبذلوا الغالي والرخيص وتبرعوا بالمال والوقت والجهد والفكر  لهذه الغاية . ويظهر أن هذا الأمر لم يرُق لبعض ابناء  الطائفة ، فأوعز من أوعز ومدّ مشايخ لبنان بمعلومات خاطئة ومغرضة ، لغاية غير نقية في نفس يعقوب ، كاْنّ مشايخ الكرمل ينحتون الصخر لصنع تمثال لفضيلة الشيخ ، فثارت مشايخ لبنان ، ودون أن يتأكدوا من الخبر اليقين أصدروا حكمهم بإبطال العمل ! إن من قام بنقل معلومات غير صحيحة إلى ما وراء الحدود ، لا يحق له اسم موحد ، ونار جهنم أولى به من جنة عدن .

ومع كل الاحترام ليس لمشايخ لبنان الحق بالتدخل في شؤون دروز فلسطين ، ومع كل الاحترام ، فهُم مع مشايخ الهضبة والجليل لا يفقهون بأصول الدين والديانة  أكثر من مشايخ الكرمل ! كيف تصوّرَ من تصور في خياله المريض أن مشايخ الكرمل يفعلون هذا ؟! وكيف يحكم من يحكم دون أن يرى المكان بإزاحة كل اثر لهذا العمل ؟ هل نحن عبَدَة أوثان ؟! أليست الأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ؟ هل مشايخنا شياطين والعياذ بالله ؟! يجب أن تبقى الصخرة مكانها ، مبنية على هيئة خلية النحل الذي كان  فقيدنا الفاضل يربيه ويرعاه  .

سيكون هناك مكان نظيف مرتّب مسيّج يليق بمقام المرحوم ، دون تماثيل أو صور أو بدَع كما يدّعي المغرضون . سيكون هذا مَعلَما من معالم عسفيا والكرمل  ، لن نسمح لكم بطمسه ! سيكون منظرا روحانيا خلابا ، وليس كصِوَر صبايا نصف عريانة ، والتي تشمئز منها النفس الخيّرة .

وانتم يا مشايخنا الشباب الأشاوس في عسفيا ، نحن نحبكم ، نحترمكم نجلّكم ونفخر بكم . انتم تزرعون البركة في كل مكان تحلّون به . انتم مستقبل هذه الطائفة مع إخوانكم في باقي القرى ،  لأنكم تنشرون كلام الخير وتدعون إلى طريق الصواب ، فلكم في ذلك  الأجر العظيم إن شاء الله ! لقد أرادوا زرع الفتنة في صفوفكم والتفرقة بينكم ، عن طريق مبعوثين ومراسيل يتقنون هذا الأمر ! فلا تدَعوهم ينجحون . كونوا يدا واحدة ورأيا واحدا للخير لان يد الله مع الجماعة . عليكم بالتواضع والجلوس معا والمشاورة بينكم . وأنا بكل تواضع وإجلال اقترح عليكم نقل صور المرحوم باحتفال ديني مهيب ، ولتضعوا صورة في مقام " سيدنا أبي إبراهيم " ، وأخرى في مقام " سيدنا أبي عبدالله " صلى الله عليهما ، والثالثة في مزار الست خضرا . وأما انتم يا كبار الطائفة فدعوا الخزعبلات واهتموا بأمور أعظم ، فأمر صخرة لا يحل مشاكل الأمة ! اعتنوا بالجوهر وامسحوا الصدأ عن الطبق عسى يرجع صوت النحاس ليرنّ !!  

ملاحظة : كُتِبت عام 2012 ولم تُنشر لاسباب قاهرة, ولكن تبدو ملائمة لهذا الوقت.