نظرات في الخصوصية

في أعقاب مصادقة لجنة العمل والرفاه والصحة البرلمانية على محْو البند الذي يُجبر الطبيب على تحديد المرض في التقرير الطبي الذي سيُقدمه الموظف إلى المُشَّغِل. قانون حقوق المريض في إسرائيل، أن المريض يملك الحقّ في المحافظة على خصوصيته أثناء تلقي العلاج الطبي.

03.07.2015 מאת: د. حسام خليل منصور
نظرات في الخصوصية

يتعلّق هذا البند بموضوع الخصوصية، والخصوصية هي كلمة مشتقّة من الكلمة اللاتينية ""Privatus التي تعني "غير تابع للدولة" أو"ليس في الحياة العامّة"، وهي تشمل حق الإنسان في أن يختار لنفسه الحفاظ على أية معلومات تخصّ شخصه، تصرّفاته وأفكاره، وكذلك منْع التدخّل في كيان شخصه الجسماني وفي ممتلكاته. وكذلك تشمل حقّ الإنسان في خيار التواجد على انفراد، وبعدم التجسّس واستراق النظر إلى داخليّته.

ولا يقتصر مفهوم الخصوصية على مجتمع معيّن أو دين معيّن، وإنما يختلف بالأمور المعرّفة خصوصية في كل مجتمع. وهو يتخذ معاني متعددة، فيشير إلى العزلة، العالم الخاص بالفرد، الطمأنينة، الهدوء، الوحدة، حماية المسكن، حماية الفرد من استراق السمع، حماية الفرد من إشاعة أسراره وأيضا من تهديده بإفشاء هذه الأسرار، الاعتزال والانسحاب من الحياة العامة.

تظهر الخصوصية في حالات عديدة منها، أثناء العلاج الطبي، وذلك عندما تتعلق الخصوصية والسرية بمظهر جسد المريض، صفاته، أحواله، فضائله وعيوبه، مشاعره، مخاوفه ومساوئه، وكذلك بغية نجاح العلاج حيث يتيح الانفراد للمريض/المريضة بإخبار معالِجه/معالِجته عن كل ما يجول في خاطره ويؤثر على نفسيته من مغامرات، هوايات، ترددات وغير ذلك، فهو يتمكّن بذلك من التكلّم بحرّية ووضوح دون خوف أو تردّد، وهو على تمام الاطمئنان بأن الطبيب سيحفظ سرّه وسيكتم حديثه الذي حدّثه إيّاه، وتشكّل بذلك خصوصيّة الفرد حدّا فاصلا بين الأمور الخاصّة بالإنسان وحده من جهة واحدة، وبين الأمور الظاهرة للآخرين من جهة أخرى.

وقد جاء في أحد المبادئ لقانون حقوق المريض في إسرائيل، أن المريض يملك الحقّ في المحافظة على خصوصيته أثناء تلقي العلاج الطبي. ولا يقتصر حفظ السرّ والخصوصية على المعلومات التي يدليها المريض لطبيبه حول مرضه فقط، وإنّما يتعدّاه أيضًا إلى كلّ المعلومات الوراثية التي يعلمها الطبيب بخصوص مريضه، وذلك لأنّ فيها حساسيّة خاصّة من حيث خطورتها وتأثيرها على حياة الفرد ومستقبله، بل وعلى مستقبل عائلته أيضا.

فالخصوصيّات الوراثية للإنسان، هي حقّه في تقرير الأشخاص التي يرغب في إطلاعهم عليها وحقّه أيضا في تحديد المعلومات المطّلع عليها. ولا تختلف قاعدة التعامل مع المعلومات الوراثية عن القاعدة التي تختصّ بالمعلومات الطبية العادية، حيث أنّ  العالِم بها والمطلِع عليها سواء كان طبيبًا أو غير ذلك، ملزم بإبقائها سرّا.

تبرز خصوصيات الإنسان أيضا بعد مماته. كما هو متّبع، فإنّه عند موت إنسان يجب غسْله وفقط بعد ذلك تكفينه ودفنه. والواجب على مَن يغسل الميت أن يكتم كلّ ما يراه منه، وأن يمتنع عن ذكْر مساوئه، ويشمل ذلك عيوبه ونواقصه، وأيضا أمراضه وسيّئاته. ويشمل ذلك أيضا كذلك كلّ ما يراه منه لحظة الوفاة، فلا يقوم بنشر ما شاهده في المجالس والدواوين والمؤسسات العامة وإن كان عن غير قصْد وانتباه. إضافة إلى ذلك، يجب الحفاظ على خصوصيات أبناء أسرته واحترام مشاعرهم، عواطفهم وأحاسيسهم، وعدم التشهير بهم وإعلان نقاط ضعْفهم أمام الجميع. 

والظاهرتان الأخيرتان منتشرتان في مجتمعنا بشكل كبير، وكثيرًا ما يُعاني أفراد مجتمعنا من سلبياتهما، خاصة أقرباء الفقيد الذين هم في نهاية المطاف بَشَر وعلينا أن لا ننسى ذلك، وكُلّنا بَشَر، ولكلّ واحد منّا نقاط ضعْف. ويجب الحثّ أيضا على إظهار الأعمال الحسنة التي قام بها الميّت قبل مماته وتبيينها للملأ، الأمر الذي قد يشجّع الآخرين على القيام بنفس الأعمال. كذلك يفيد هذا الأمر المؤرّخين والباحثين في كتابة التاريخ والبحث العلمي وخصوصًا إذا كانَ رجلا مشهورًا في خدْمة الدين والبلاد.

ويجب الانتباه إلى القانون الجديد الذي أقرّته الكنيست مؤخرا والذي قدّمته عضو الكنيست "يفعات كريف" بصدد نشر أو إرسال أشرطة شخصية من خلال شبكة "الواتس اب". ويفرض هذا القانون أن من ينشر فيلما شخصيا أو صورة على شبكات التواصل، الفيس بوك أو الوات ساب بدون إذن صاحبه أو معرفته، سيتلقى عقابا  تصل مدته السجن لخمس سنوات، خاصة إذا كان الشريط أو الصورة يشهران في الأشخاص واسمهم بين الناس، ويَعتديان على خصوصياتهم القانونية.  

أطلب من العاملين في الحقل الطبي الاهتمام أكثر بأمور الخصوصيات والأسرار الطبية التي وردت في قَسَم الطبيب اليوناني أبقراط- أبو الأطبّاء (يُقسِم الأطباء على هذا القَسَم قبل البدء بمزاولة عملهم) وفي قانون حقوق المريض في إسرائيل، لما في ذلك من أهمية، وأيضا تأثير على نفسية المرضى خاصة، وأدعوهم من على هذا المنبر للقيام بورشات عمل، محاضرات ونقاشات في هذا الموضوع المهمّ وغيره مما يتصل بموضوع الطبّ والعلاج الطبّي كالاختلاف بين الحضارات من حيث اللغة والعادات، وقد تحدّثت عن ذلك في مقال سابق (راجع مقال: تأثير الفروق الحضارية على جودة العلاج الطبّي).                                              

ملاحظة: تعتمد هذه المقالة على رسالتي في الماجستير بعنوان "السرّية الطبّية في الإسلام- اتجاهات نظريّة وعمليّة"، جامعة تل أبيب، 2005

د. حسام خليل منصور
باحث ومتخصص في مجال الأخلاقيات الطبّية

תגובות

מומלצים