رثاء والدتي رحمها الله 22/9/2015

بسم الله الرحمن الرحيم , انا لله وانا اليه راجعون، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، عليه توكلت وبه في مُصابِنا وفي  كلِ الامور استعين وهو حسبي ونعم المعين النصير

24.09.2015 מאת: منير فرّو
رثاء والدتي رحمها الله 22/9/2015

قال تعالى : " كلُ نفسٍ ذائقةُ الموت ونبلُوكُم بالشرِ والخيرِ فتنة وإلينا ترجعون" صدق الله العظيم
 
قال الشاعر
 
نسيرُ الى الآجالِ في كلِ لحظةٍ      وأيامُنا تُطوَى وهُنَّ مراحلُ
ولم أرَ مثلَ الموتِ حقًا كأنَّهُ          إذا ما تَخطتْهُ الأماني باطلُ
وما أقبحَ التفريطُ في زمنِ الصبَا     فكيفَ بهِ والشيبُ للرأسِ شاملُ
ترحلُ من الدنيا بزادٍ من التقَى      فعُمرُكَ أيامٌ وهنُّ قلائلُ
يا مَن يُخبرُني عن جيرةٍ  رحلوا  اين استقاموا وايُّ الارضِ قد نزلوا
 
 
ايُّها المشايخُ الاجلاء والمشيعونَ الكرام
 
يطوي العُمرَ الجديدان، ولا فوت من الموت لانسان،  كلُّ مَن عليها فان ويبقى وجهُ ربِّك ذو الجلالِ والاكرام قال تعالى : " ولكلِ أمةٍ أجلٌ فإذا جاءَ أجلُهُم لا يستأخرونَ ساعة ولا يستقدمون" صدق ربُ العِزة
 
بالرضى والتسليم تقبلْنَا قضَاه، وحَمَدنَاه، وهو الذي لا يٌحمَدُ على مكروهٍ سِواه، خلقنا اطوارا  من  اصلابِ الرجال،  وصَوَّرَنا وّسَوَّانا  في ارحامِ الامهات،  واخرَجَنا الى فسيحِ الدنيا وأطعَمَنا وسَقانا وأمَاتنا وأحيَانا واليهِ نرجع ونعود، وليس  في الدنيا خلود، لاي مولود، فسبحانَ من حكمَ على عبادِهِ بالموت وهو الحيُ الذي لا يموت.
 
 تفرّدَ بالبقاء، وحكم على مخلوقاته بالفناء، فلهُ الحمدُ على ما حكم، وله الشكر على ما انعم، وهو العدل الذي لا يجور، والموفي كلِ الاجور، وهو الرقيبُ المثيب يومَ العرضِ عليه، والوقوف بين يديه.
 
المشيعونَ الافاضل
 
اِنَّ الموتَ يفرقُ بينَ الاحباب، وينغصُ العيشَ بافتقادِ الغُياب، ويا حسرةَ فَلِذةِ الكَبِد، برحيلِ  المُعتمَد، وغيبة صورتِهِ الى الابد، فعلى الله الاعتماد والاسناد، وهو الفردُ الصمد.
 
 في الطفولة كانَ العيدُ يُفرِحُنا ، ولم نكن نُدرِكُ معنى المَمَات .
 
وفي الشبابِ باتَ الموتُ يُقلِقُنَا حتى أفسدَ علينا فرحةَ العيد
 
كبرنا ومَضَينا في دربِ الحياة
 
توالتِ الأعياد والأفراح
 
وتوالتِ الوَفيات
 
وباتت الحقيقةُ الوحيدة في هـذهِ الدنيا أنها دارُ ممرٍ لا دارُ مقر
 
فأحْبِب من شئتَ فإنك مفارقُهُ. أو هـو مُفارقُكَ
 
وتشبَثْ بما شِئتَ من مَتاعِ الدنيا فإن أحدَكُما سيُغادرُ الآخرَ لا مَحالة
 
واعصِ اللهَ أو أطِعــهُ فإنما هي أيامُك وأعمالُك
 
وسوف تقفُ بعدها وحيداً بين يَدَيِ مَلكِ الملوك الأعظم . حينَ أيقنتُ لقاءَ ربي ..
 
حينَ أدركتُ حتميتَهُ حينَ استشعرتُ جمالَ ذلك اللقاء وجلالَهُ لم يَعُد الفرحُ يُضحِكُني
 
ولا الموتُ يُبكيني.
 
 
 سيدي سندي لا اوقفَ اللهُ يا قومُ  أحدا موقفي
 
ما اصعبَ لحظاتي هذهِ، وفي هذه الايامِ المباركة، اعادَها اللهُ على الجميع باليُمنِ والبركة، عندما اقفُ امامَكُم امامَ ابي واخوتي مُودِعا من والدتني قبل 48 عام في تاريخ مثل هذا اليوم 22/9 مَن جَسّدَ اعذبَ كلمة سَمِعها كلُ مولودٍ جاءَ الى هذا العالم، وهي كلمة " امي "، تلك الكلمة التي ادخلت السعادة الى احشاءِ كلِ واحدٍ منا  وعليها ترعرعْنا  في ابتسامَتِنا وبُكائِنا حركاتِنا وسَكناتِنا، امي ذلك الحُضنُ الدافيءُ الذي يبعثُ في النفسِ الامنَ والاطمئنان، وهو منبعُ الحياة والمدرسة او الكلية التي تتخرجُ منها الاممُ والشعوب، فالعظماء جميعُهُم ولدتهُم امهاتُهُم ومنهم الانبياء والرسل والحكماء والفلاسفة الى من دونِهم، الأمُ هي كلُ شيء في هذه الحياة. هي التعزية في الحزن، والرجاءُ في اليأس، والقوة في الضَعف. هي ينبوعُ الحنان والرأفة والشفقة والغفران، قال تعالى : " ووصينا الإنسانَ بوالديهِ حملتْهُ أمُهُ وهْنا على وَهْنٍ وفِصالُهُ في عامين أنِ اشكرْ لي ولوالدَيكَ إليَّ المصير ".
 
امي التي قدَّرَ ربي ان يخلقَنِي من احشائهِا بحكمتِهِ وعظيمِ قُدرتِهِ، وسَخَّرَ كلَّ ما في الكون من اَجرامٍ ودوائر ومدبرات وافلاك وكواكب مسؤولة عن ولادة المواليد من تلكَ الامِ لتُجسِدَ لنا معنى الرحمة والعظمة وهي رحمةُ الخالق وعظمتُهُ بقوله تعالى : " والله أخرجكم من بطونِ أمهاتِكُم لا تعلمونَ شيئا وجعلَ لكم السمعَ والأبصارَ والأفئدة لعلكم تشكرون" فجلَّ الخالقُ المنعمُ الرؤوف الرحيم.
 
نشأت امي في بَيتِ جدي الكريم المرحوم  ابو علي نعيم علي بيراني احدِ مخاتيرِ ووجهاءِ البلد، جاء من بيرةِ حلب، وجدتي الفاضلة الدينة الصينة المرحومة ام علي عفيفة ابنة المرحوم الشيخابو عبد الله  حسون حسون  واخوها المرحوم الشيخ ابو صالح عبد الله حسون رفيق المرحوم سيدنا الشيخ ابو يوسف امين طريف من قرية شفاعمر من بيت دين وتقوى، فترعرعت على حب الخير، وفعلِ الخير، وذكرِ الخير، والاحسانِ الى الغَير، الذي رافقها الى لحظاتِها الاخيرة وهي في كنف والدي الفاضل الكريم، اطالَ الله بعمرِهِ، واجزلَ ثوابَهُ الحسنِ السيرة والسريرة والاسرة والعشيرة، الشيخ ابو زياد فؤاد ابن المرحوم الشيخ ابو نايف صالح حسن فرو.
 
تسمت امي بملكة، فكانت ملكة بكل ما للكلمة من معنى ، ملكة في الاخلاق، وملكة في الاداب، وملكة في التواضع، وملكة في كرم وسخاء النفس، وملكة في التضحية والوفاء والامانة والسدق،  فقد ملكت نفسَها عن كلِ ما لا يريدُهُ الله، فكانت دينة صينة عاقلة رزينة عفيفة نظيفة شريفة  حافظة لعينِها وقلبِها ولسانِها بالغةِ الحياء لا لا منانة ولا نمامة مغتابة ولا حسودة ولا حقودة، بل عينُها لا تنظرُ نظرةَ خنا،  وقلبُها يَفيضُ بالخير، ولسانُها ينطقُ بكلام الخير، تُحبُ الجميع وتكن لهم الاحترام فبادلوها بالمثل فكانت عزيزةٌ عليهم جميعا دون استثناء، فكانت والدتي المرحومة  مثالُ المراة الفاضلة، والسيدة الكاملة، التي تعجَزُ الكلمات عن ذكرِ مناقِبِها الحميدة ، وفيها من مُجمَلِ ما قال اميرُنا السيد جمال الدين عبد الله التنوخي قدس الله سرَّهُ في وصفِ المراة الحرة الفاضلة  بقولِهِ :
 
"هي المؤمنة ناظره في عيبِها ...مقبله على ربِها ....خفيٌ صوتُها... كثيرٌ صمتُها  لينة الجَنان، عفيفةُ اللسان، ظاهرةُ الحياء، طاهرة نقية ورعة، بعيدة عن الأذى، واسعةُ الصدر طويلةُ الصبر، قليلةُ المكر ، كثيرةُ الشكر، لها قناعة بالعَفاف، وإيثارٌ بالكَفاف ورحمة للأهل، ورفقة للبعل، لا تُسيء إليه، ولا تغلَظُ عليه، ولا تكون له حيثُ النكد، ولا تكلفُهُ ما لا يَجِد، تُخلصُ له وُدَها، ولا تترك منه خفرَها، ولا تجفوهُ في عُسرِه، ولا تقلاه في فَقرِهِ، بل تزيدُهُ في الفقر ودا، وعلى الإقتار حُبا ، تلقى غضبَهُ بحلم وصبر، ومعاشرتَه بوِدٍ وشكر".
 
 هكذا كانت والدتي بلا زيادة ولا نقصان، مؤمنة مراقبة لخالِقِها في خَلوتِها وحضورِها، تذكرُ حسابَهُ، وتخشى عِقابَهُ، وترغب في ثوابِهِ، وتردد اقوال الصالحين في المراقبة فتقول: "من راقب الله سلم من المعاصي ومن راقب الموت زهد في الدنيا ومن راقب القيامة رغب في الثواب" كانت تميلُ الى الزهد في مأكلِها ومشربِها ومَلبسِها، لا تقتير ولا تبذير وليس لحطام الدنيا عندها من مقدار  تأكلُ القديدَ من الخبز، والبائتَ من الطعام، تصونُ النعمة فلا ترمي بالفاكهة والخضار المعطوبة، بل تاخذ منها ما يمكن اخذُهُ فتصنع من بقايا البندورة الدبسَ ومن الفاكهة المربى والبودينك وغيرَهُ، حرصا على النعمة وشكرا للمنعم وعبرة للزمن الفائت المليء بالفقر،  وتقول لنا "عشان تروحوا مع سيدكن سلمان (سلمان ذاك الصحابي الفارسي الذي قال عنه الرسول العربي صلى الله عليه وسلم :" الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إلى الجنة")  انتو ما عشتوا اللي عشناه الله يجعلها نعمة دائمة علينا "، وكانت تدعو ربها بدعاء الانبياء ومنهم دعاء الملك سليمان عليه السلام بقوله : "ربي لا تجعلني غنيا فانساك ولا فقيرا فاتحير يا اكرم الاشياء علينا "،  ومرارا كان ابي يقولُ لي وهو مبتسم متى سآكل خبزا طازجا ؟ شهورٌ عدة وأنا آكلُ الخبزَ البائتَ من الثلاجة؟

  كانت والدتي منذ عَهِدتُها لا تتزين ولا تتجمل بل تجلب الماءَ من العين والحطبَ من الوعور لتخبزَ العيش ووتجلي تغسلُ في اللجن مع التقتير في المياه وتقول على المراة ان تكون كذا وكذا لبيتها وزوجها سميعة مطيعة قنوعة .
 
 وهكذا عاشت مع ابي الزوجة الرفيقة، والصاحبة الشفيقة، تسانِدُهُ وتعينُهُ في السراء والضراء، والشدة والرخاء في اعالةِ اسرتِنا، وفي بناءِ بيتِنا، تجبلُ مع والدي الطينَ، فكان والدي يشرحُ لنا افضالَها ووقفتَها الى جانبِهِ في حياتِها قبل مماتِها، فكان ابي في الستينات حيث لم تتوفر طرقُ المواصلات يعملُ في جنوب البلاد ويَغيبُ اشهرا متتالية، فكانت امي تُتقِن فنَ الخياطة والرسم على الوسادة للعرايس، فتبيعُ مما تصنعَهُ يداها طلبا لرزقِ الحلال، تربي الدواجنَ ، وتقوم بزراعةِ الارضِ مع اولادِها الصغار، وتاكل معهم من خيراتِها، فتعتني باخوتي في غيبةِ والدي، وعندما يعود يجدُها قد اذدخرت مالا اكثرَ منه فتعطيَهُ اياه، فعاشا مؤتلفَين تغمرُهُما السعادة فكانت امي لنا رحمة وابي لنا كالنور .
 
 عاشت امي مُضحية بنفسها من اجلِ الاخرين من الاقارب والاباعد، تفكر فيهم اكثر من نفسها، وحتى وهي في مرضِها تنصحُ الشاكي بنصائحَ طبية وروحية ، كانت تشاركُ الناسَ جميعَهم  افراحَهم واتراحَهم، وكانت في الافراحِ لها حضورُها مميز وتتقنُ الطبخَ  فكان طبخُها معروفا عند الجميع بتقانتِهِ ولذيذِ طعمِهِ، تواضعت امي للناس فرفعوها، اكرمت صغيرَهُم فكبُرَت مودتُها عندَ كبيرِهم،  سدقت لسانَها فشاركت الناسَ اموالَهُم،ا عاملتِ الناسَ كما تحب ان يعاملوها بالرفق  والعطف واللطف واللين والشفقة والحنان وتلاقيهم  بالبِشر والسرور والامتنان دون تأفف او تذمر بل بسعة الصدر وطول الصبر ومودة وفخر فعاملوها، وكان تعامُلُها مع الكنات كالامِ الحنون والصديقة الوفية تتمنى لهنّ الخيرَ ولا تتدخل في شؤونِهِنَّ ولا تقل لهن لا لِم ولا كيف حتى احبُوها واخلصُوا لها المحبة والود واكنُوا لها كلَ التقدير والاحترام .

والدتي رحمها الله عاشت من العمر 75 عاما فهي من مواليد عام 1940  قضتْهَا في مرضاة خالقِها وفي تربية اسرتِها كما ارادَ خالقُها، تقصدُ بيوتَ العبادة، ملازمة المواجب الدينية تقضي حقوق الاخوان والاخوات، ملازمة كتابِ اللهِ العزيز، تقرأ منه كلَ يومٍ جزء معلوما، قائمة بفرضِها وصلاتِها ذاكرة ربِها ورسلِهِ في قومِها وقعودِها صباحِها ومسائِها وقتَ سُقمِها وصحتِها وابتلائِها وامتحانِها  تصطحبُ معها كتابَ الله العزيز الى المستشفى خاصة وقتَ مكوثِها فيه الى جانبِ ابنِها البِكر زياد الذي تكنت هي وابي باسمِهِ ابو زياد وام زياد وكان لهُما بَهجةُ حياتِهم .

ربت امي وابي اسرة كريمة من الاولاد والبنات زياد اسامة معاد منير بشير زيدة اخلاص ايمان وعلا فاحسنا تربيتَهُما حتى ضُربَ المثلُ فيهم بحسنِ الاخلاق والتربية وحسنِ السيرة والسلوك والمعاشرة والعلم والتعليم والمنصب والمقام فكان الناس يقولون اولاد ابو زياد وام زياد نعم التربية، كما قال احد كبار زعماء العالم الحر: " أعظمُ كتابٍ قرأتُه : أمي ، و أني مدينٌ بكلِ ما وصلتُ إليه وما أرجو أن أصلَ إليه من الرِفعة إلى أمي الملاك ".

المشيعون الافاضل

لقد ابتلى الله امي في مسيرةِ عيشِها بمحنٍ وبلايا وامتحانات كما يبتلي الصالحين في الاهلِ وفقدانِهم  والصحة واسقامِها واليسرِ والعُسرِ وصعوبة الزمان في وقتِهِ وكان اعظمُها مرضُ بكرِها الغالي الذي نزلَ علينا وعلى من عرفَه وعرفنا بغتة كالصاعقة، وهز بنيانَ اسرتِنا في ليلةِ الوقفة الصغرى لعيد الاضحى  بتاريخ 17/1/2005 المأسوف على شبابِهِ وخصالِهِ الحميدة ابو ايال زياد، وهو ما زال في سن السادسةِ والاربعين، اثرَ جلطةٍ دماغية، بقي فاقدا للوعي 6 اعوام وكانت وفاته في 6/1/2011  ، فبقيت والدتي صابرة راضية حامدة شاكرة هي وابي ملازمين سريرَ اخي ليلَ نهار مُتحدِّينَ المسافات والصعاب دونَ كلل او ضجر، وبقوا ملازمين العبادة والصبرَ على قضاءِ الله فكان لهم الثناءُ الجميل على ما تحملاه وفعلاه وصبراه من قريب وغريب واجنبي .

ولكن بما أن المؤمنينَ اشدُ بلوة فابتلاهَا الله بأمراضٍ وعللٍ متواصِلة زمنَ وبعدَ وفاة بكرِها بقيت راضية هي وأبي حتى المَّ بها المرضُ الأخير واجري لها عملية صعبة عاشت أوجاعا لا تتحملُها الجبال، ولكنَّها بقيت على ما كانت عليه  من الحمدِ والشكرِ لله تعالى  والرضى والتسليم والاحتمال على قضاءه، دونَ ان تشكو او تتذمر بل كانت تبث بنا القوة والإيمان والصبرَ والعزيمة والجلادة والاملَ بزوالِ الشدائد وتبشُ في وجهِ كلِ من يزورُها مرددة كعادتِها ابياتٍ من شعر شبلي الاطرش شاعر المنفى  المرتبِ على الابجدية المليءِ بالحكمة والوعظ والارشاد :

على الحاء حي الضيف ان جاك زاير

اضحك في وجهه لا تكون عبيس

على الخاء خلي الناس تذكر خصايلك 

بــــــالخير ما هو في كلام بخيس

على الذال  ذل النفس لله وحـــــده

 يمحص ذنوبــــك في غد تمحيص

ولقد قالت لي وهي في اشدِ مرضِها متحسرة على فواتِ تلاوةِ كتابِ الله العزيز عليها لوضعِها الصحي.

ايها المشيعونَ الكرام

عذرا منكم اذا اطلت الكلمة فمثل امي يستحقُ التقديرَ والاكرام وليعلمَ الحضور ان الخطبَ جلل ومُصابَنا اليم وخسارتَنا فادحة، ولكن الصبرَ العظيم مطيةُ من اتقى، والرضى والتسليم منارةُ من ارتقى لقوله تعالى : " وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون" و:" ولنبلوكم ايكم احسن عملا"

فان جئت اسردَ لكم سيرةَ حياةِ والدتي رحمَها الله وافضالَها على اهلِ بيتِها  وما ظهرَ منها من عملِ خير وفعلِ خير وذكرِ خير وإحسانٍ وأمانة وسدق في المعاملة والاخذِ والعطا والقرضِ والوفا ومؤازرة للناس وكرم وعطاء وتضحية وبذل ورشد وارشاد وافادات ومواعظ وحكم ونصائح وعلم ومعرفة وادعية وقصص الانبياء والاولياء الصالحين وأقوال وأشعار دين ودنيا وهي لم تكمل الصف الرابع وأيضا ما كنا نسمعُ من محاورات في الشعر هي وأبي بسرعة خاطر وذكاء  وأيضا دعوتِها الى المصافاة وإصلاح ذات البين ورأبِ الصدع بين الناس وخاصة زوجين مختلفين دون جنحة ولا ميل لعجزَ قلمي ولساني عن سردِها ورسمِها وايفاءها حقِها  لان عملَ الخير والحسنات مرتبطٌ بخالقِ الارضِ والسموات فلا يمكن ان يسطرَهُ بَنان ولا يُعبر عنه لسان، وقد شهدت لها اخوانُ الدين بتقواها وملقاها وسلوكِها وطيبِ معشرِها وكرمِها وسخاها وغذاها وشرابِها النابع عن نفسٍ زكية، فاطلقوا عليها الرحمة في حياتِها قبل مماتِها ذاكرين افضالَها، ودعوا لها بالخير والصلاح ، واكبر شهادة لها ان توفاها الله في الايام العشر المباركة وحضور هذا الجمع الغفير لجنازتها فهنيئا لمن خُتم له بالسعادة وكان عند ربهِ واخوانِه مقبولا .

وقبل ان اختمَ كلامي لا بدَّ من كلمة شكر عظيمة لا تقدر باوزان لوالدي الفاضل المفضال الحنون والمثالي الذي لا يقلُّ عن والدتي بالعرفان والإيمان والصبر، الذي وقف وقفةَ المؤمن الشجاع المخلص المحب الوفي والغيور في كل مسيرتِهِ مع والدتي المرحومة ومعنا وخاصة مرضِ اخي وامي لا يعترض ولا يتسخط بما جلبه القدر، بل بقي حامدا شاكرا صابرا راضيا بقضاء خالقه  معتصما بحبله  طالبا المعونة والثبات باعثا فينا الامل والاحتمال وأيضا اخوتي واخواتي والانسباء والكنات والاحفاد والاقارب والجيران واهل الدين واهل البلد وخارج البلد من قريب وبعيد واجانب واطباء ممن عرفنا وتعرفنا عليه .

واردد هنا  شعرَ والدي في مناجاة الخالق عندما امتحنَهُ الله بابنِه  زياد :

يا خالقي يا خالق الكون الوسيع

حمدا إلك عطفك رجانا ما يضيع

نحنا ضعاف ومهما كنا أقوياء

بيظل عنا المرجع لأمرك نطيــع

الانسان مهما عاش في دار الفناء

فترة تجارب عم بمروها الجميع

وآخر مقرو ومرجعو لدار البقاء

 راضي مسلم لا مفر ولا مناص

غير أعمال إلـ معو مالو شفيع

ان فقدانَ والدتي خسارة لا تعوض لنا جميعا، ولكن تمسكَنا بحبلِ الله يقوينا كما كانت تقول في دعاء الصباح : " بسم الله الرحمن الرحيم أصبحنا والصبح للله والهيبة والعظمة للله واذا وقعنا في شدة او في ضيقة تنشلنا منها يا كريم الله يا كريم الله".

سلام عليكِ يا امي الغالية  ووداعا على الاحباب الذين سبقوك  جَمَعَنا الله بك في الاخرة كما جَمَعَنا بكِ في الدنيا : " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".

عزاءي بوالدي واخوتي واخواتي ومن يدور في فُلكِنا من الاهلِ والاصحاب ألهمنا الله الصبرَ والسلوان انه كريم منان متطاول بالمانة والاحسان 

رحم الله والدتي ام زياد ملكة نعيم بيراني فرو واسكنَها فسيحَ جنِانِه وابقاكم

 باسمي واسم عائلتي فرو في دالية الكرمل وعسفيا وبيراني والاقرباء والانسباء نشكر كلَ من واسانا وشاركنا مُصابَنا هذا لا اراكم الله مكروها بعزيز وانا لله وانا اليه راجعون

ملاحظة في هذه الايام نعيش فترة العيد والايام المباركة والافراح فارجو من الجميع ان يستمروا بعيدهم وافراحهم فلا نعلم على من تعود وكل عام والجميع بالف الف خير  واجركم الله

תגובות

4. بدر بدريه לפני 9 שנים
الله يرحمها ويحسن اليها
3. פאידחלבי לפני 9 שנים
لها الرحمه
2. رامي לפני 9 שנים
الله يرحم الخاله ام زياد
1. توفيق ابراهيم לפני 9 שנים
الله يرحمها

מומלצים