نقد + حقد = تمويه

يقول العالِم النفسي" نايف ذوابة " في تشريحه نفسيّةَ الحاقد الناقد إلى" تضخّم الأنا " : " تضخم الأنا في الإنسان يجعله قيّما على الآخرين ولا يرى فيهم إلا عيوبا ونواقص

10.10.2015 מאת: سامي منصور
نقد + حقد = تمويه

وهناك نفوس تشعر بالقفر فترى في نفوس الناس قفرا, ولا تبصر من عظَمة انجازها شيئا لأن عظَمة انجاز الغير ازدراءٌ بهؤلاء الذين خمدَت فيهم الموهبة وهمدَت جذوة اجتهادهم",

وهذا تشخيص دقيق لحالة ترضية متفشيّة عند أولئك المُتعالين الذين يظنون أنهم يحسنون صنعا ببثّ الحقد, لكن تناقضاتهم وعشيَ إبصارهم عن رؤية محاسن مخالفيهم تفضحهم وتُسقِطهم من أعين مَن يرى الحقيقة.

أما النقد فهو التعليق على الأحداث وبيان عيوبها ونواقصها, وهدفه تصحيح الأخطاء وفيه تُذكَر الايجابيات والسلبيات ويكون بنّاءً إذا كانت النوايا صادقة, ولكن حين يكون النقد مدفوعا بالحقد يكون زعما للحقيقة وليس اعترافا بها, وفي الحقد الناقد تُذكَر السلبيات فقط, بل تُضاف إليها التلفيقات والأضاليل, لأنه شعور بالضغينة والكره ويأتي بالتجريح والإساءة بالافتراءات, وتقزيم الانجازات والتحريض المغرض حتى ضد المنفعة العامة , وأسلوب الناقد الحاقد يؤكد على " قيمته " الذاتية كما يراها بأعين نفسه, وفيه استعلاءٌ بسبب سلاح اللغة أو المال كقوله تعالى:

"وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعزّ نفرا " ( الكهف 34 ). هذا, ولا يمكن أن يجتمع الإيمان والحقد في قلب واحد, لأن في الحقد تخليا عن المبادئ الولية للإنسان وأهمها الحق, فالناقد الحاقد يفقد البصيرة ولا يتورع عن أية وسيلة لتصفية غرمائه الذين يرى بهم, بحقده وحسده, أعداءً عليه الانتقام من نجاحهم. والحقد في اللغة هو" حمل العداوة والبغض والنقمة والغضب في القلب, وهو إمساك العداوة في القلب والتربص لفرص إثارتها",

واصطلاحا هو طلب الانتقام وقيل هو سوء الظن في الخلائق لأجل العداوة, وهو يعمي صاحبَه عن كل خير ويفتح قلبه على كل شر, إذ ينبت في القلب ويُغلي الدّم في العروق ويرتفع إلى الرأس حيث يحمرّ الوجه والعينان والأذنان, والإفراط فيه يُخرِج الحاقد من مسار الدين والعقل, ويُفقده البصيرة والفكر,

ولو رأى الحاقد صورَته في هيجان حقده لخجلَ من صورته لأن الظاهر هو انعكاس الباطن, وإذا قبُحَت صورة الباطن انتشر قبحها إلى الظاهر, وأثّرَت سلبيا على جوارح الإنسان, فيرى عيوب الآخرين دون أن ينتبه لعيوبه, ويُؤْثر سماع نفسه فيفقد منطق الحديث.

وللحقد أسباب كثيرة منها الحسد والكراهية والأنانية, وإيثار النفس والوراثة والعنصرية والعصبية القبلية التي قال فيها الرسول( ص ):" دعوها فإنها منتنة ", وهو علامة دامغة للجهل المدقع والقصور الذهني.

وعندما يجتمع النقد والحقد في قلب واحد يعملان عكس ما ينويه المرء, بل قد يعودان وبالا عليه وعل مَن حوله لأن الحقد من الكبائر التي يعاقب الله عليها في الدنيا والآخرة, والناقد الحاقد لا يرى في الآخَر إلا سوادا قاتما, ويسكت لسانه عن كل حسنة أو خير أو منفعة عامة قد تتحقق على أيدي غرمائه, وفي اغلب الأحيان يتّجه إلى اتهام النوايا ويقرر أن في أفعال مخالفيه أهدافا خبيثة, فيأخذ بإطلاق الإشاعات الكاذبة وتعكير الأجواء والافتراء والخداع والتمويه وانتظار سوء العاقبة.

ويظهر أن موضوع الحاقد الناقد يلامس ما يجري في مجتمعاتنا العربية, لا سيما أن ما يسيّرها هو العاطفة بدلا عن العقل, والمصلحة الفردية أو الحمولية عوضا عن المصلحة العامة, عدا عن بعض مَن يظهر بمظهر "المنقذ " لأحوال بلدته " البائسة ", بل إن البعض يحمل خططا سياسية من خارج البلدة, ويحمل ولاءً فكريا للغريب ومن الممكن أن يربط علاقة مباشرة معه, فيوعز الغريب بوضع" العصيّ في دواليب العربة" لعرقلة سيرها,

ويحول دون الاستقرار والنهضة لغاية في نفسه, والقبول بالارتباط بالغريب انتحار سياسي وخيانة للموطن, سواء كان الارتباط سياسيا أو فكريا أو اقتصاديا, لأن الغريب, مهما يدّعي" القرابة والعرفان بالجميل", إلا انه لا يخطط إلا لبناء نفسه خاصةً إن كانت " أوراقه قد حُرِقَت" في عقر داره.

والنقد والحقد يقودان على الغالب إلى سياسة التمويه, وهو من علامات صراع البقاء التي وهبَها الخالق لبعض مخلوقاته التي تغيّر لون بشرتها حسب البيئة, وبالتلوّن تمنحها الطبيعة احتمالات الحياة.

والتمويه هو تغيير الشكل أو اللون بقصد الخداع, وفي السياسة هو زخرفة الباطل بهدف التضليل وإخفاء الحقيقة, وفي علم الاجتماع هو تلبيس شيء لستره وإعطائه مظهرا مختلفا, ويجمع العلماء والمفسرون انه نوع من التزيين بالباطل والكذب.

والغريب أن البعض يعتبر سياسة التمويه فنّا من فنون السياسة, ولكن مَن يعتقد انه "يتقن" هذا الفن لا بدّ أن يُكشَف أمره بعد أن تتبخر" مصداقيته " التي يدّعي.

من هنا نرى أن الناقد الحاقد, بانتهاجه سياسة التمويه, يمارس نوعا من نظام الحياة من أجل البقاء, فهو يبادر بالهجوم وإن كان عشوائيا, لأن في نظره الهجوم خير وسيلة للدفاع, وهذا يدل على ضعف سياسي واجتماعي وربما اقتصادي, لأنه يستغل ضعفه لتبرير مواقفه وتغطية صفاته وتمويه طباعه, وهذا لعمري شذوذ عن سواء السبيل.

مصادر: " جغرافية الغضب " للباحث " ارجون ابادوراي " "نظرية التأويل" للباحث" بول ريكور " وغيرها.

תגובות

2. עיספאויי לפני 9 שנים
כל הכבוד סמי
1. תושב לפני 9 שנים
קולע ומדוייק

מומלצים