سياسة وسياسيون

منذ فجر التاريخ والتعامل مع السياسة قائم في شتى أرجاء المعمورة , لكنها كانت على مدى التاريخ ، مقصورة على قلّة من الناس ، وتعامل معها وجهاء القوم وأغنياؤهم ، ولكن في عصرنا هذا أضحَت السياسة مركِّبا من مركبات الحياة ، ودخلَت في كل المجالات ، وصار كل غادٍ ورائح يعمل بها ،

02.11.2015 מאת: سامي منصور
سياسة وسياسيون

حتى أصبحَت رخيصة مقززة تعافها النفس الحرة الأبية .

والكثير من الناس تنفر من السياسة وطريقها الوعر المليء بالعثرات .

والحقيقة أن ليس كل إنسان يستطيع ممارسة السياسة ، لاْن السياسي شخص ذو صفات خاصة ، لا تليق لكل ابن امرأة ، فهو مزيج من عناصر المحاباة والمداهنة والمغالطة ، وحب الذات والثقة الكبيرة بالنفس ، و"التمتع "  بذاكرة قوية ليذكر " نجاحاته " و" فشل " غرمائه ، كما أن له حباً خاصاً " للحقيقة " الخاصة به ويحاول نشرها بواسطة مُرسَلين ، كأنه دوما على صواب وغرماؤه على خطاْ ، كما انه ينشر نظريته ويلصقها بواقعهِ ، غير عابئ بمدى الصدق في هذا الواقع أو مدي ارتباطه بالحياة . 

ولا يستطيع كل إنسان إتقانَ اللعبة السياسية ، إذ أن لكل سياسي نهجا وطريقا وخلفية تختلف من واحد لآخر ، فهناك من هو سياسي بالفطرة ، يعشق هذه اللعبة ولا يستطيع عنها ابتعادا ، ولا يطيق بُعدَها عنه وهو يشعر بفقدانها ويستمتع بممارستها ، وهناك السياسي المحنك وهو الذي يتعلم من تجارب الغير وأخطاء  من سبقه ، فتلقاه  حذرا بالتعامل مع الناس، ويحتفظ ببعض أسرار " المهنة " لنفسه ويكثر من الاعتماد على القلة  من المعاونين .

وهناك مَن " ورثَ " العمل السياسي عن أسلافه ، فأكل وشربَ سياسة حتى لم يعُد في غنى عنها ، ويكون سياسي كهذا على الغالب متواضعا وأمينا لمحيطه . 

وهناك مَن  يتقن فن الخطابة ويُحسن انتقاء الكلمات والعبارات الرنانة ، فيخلب الألباب بكلامه ويشد إليه الأنظار بلغته الفصيحة ، رغم ما  في كلامه من مغالطات وأحيانا وعود يعلم مع مستمعيه أن لا رصيدَ لها ، وهذا النوع من السياسيين يجيد انتقاء الكلمات، وعادةً يرتجل الكلام ويطيل خطبته حتى ينسى المستمع في نهاية الكلام ما وردَ في بدايته ، وإصغاء الجمهور له يعطيه ثقةً بنفسه فيبالغ في تمجيد نفسه ، إلى درجة انه يقنع مستمعيه بصدقِه، والتقليل من انجازات غرمائه، وان طريقَه هي الصواب وغيره على خطاْ فيصدّق البسطاء ذلك ويصفقون هازّين رؤوسَهم إعجابا . 

إن سياسيا كهذا يُطلَق عليه في العامية لقب  بياع كلام وتعبان على لسانو.

 وأما ما يثير العجب ألذي يدعو للاشمئزاز  فهو ذلك " السياسي " الذي يحاول الاصطياد في المياه العكرة  ، متناسيا خروج اسماك فاسدة ، غيرَ مكترث حتى لو تسممت الناس بأكل صيده ، بعد أن باع ضميره من اجل مكسب ما ، ومتجاهلا أن من يملك هذا الشيء الذي لا يُقدّر بثمن وهو الضمير الحي لا يسعى إلى الربح الشخصي بكل وسيلة ، محطما في طريقه المبادئَ السامية ، ضاربا بعُرض الحائط الآداب والقيَم الاجتماعية والدينية .

وهناك دخيلون على السياسة يعتقدون أن لكل إنسان ثمنا ، ويظنون أن الناس عبيد أو قطيع ماشية ،  يُشتَرى ويُباع بهم ، فيمدّون ضعفاءَ النفوس بمغريات مختلفة كالمال أو وعود لوظيفة ، بينما يتناسى عديمو المبادئ الطلبَ بدفع ثمن هذه المغريات حين تأتي الساعة .

وسياسي بهذه الشاكلة يتطلع إلى الناس من فوق برج عاجي ، ويرى في نفسه قائدا رغم يقينه بعدم قدرته على القيادة .

وما يثير حقا للقلق والاستهجان والاحتقار هو " توكيل " بعض " السياسيين " أذنابا لهم شغلها الشاغل بذرَ الفساد والتضليل والتهديدات الجوفاء ، وهي تحاول زرع البلبلة وتقويض الحقائق لغاية مكسب ذاتي ، وهذه الأذناب تحاول المسّ بالشرفاء من الناس بكلام بذيء ودعايات كاذبة ، وهي تحرض على القيام بالتخريب على شتى أشكاله وتمنع بذلك سير العيش بنظام وأمان .

كل هذه ومرسلوهم يقهقهون ضحكا ويُعجبون " ببسالتهم وبطولتهم " ، وبراءة الأطفال في عيونهم ، فتمعن الأذناب في اختلاق الأكاذيب والأضاليل كاْن لهم جملا ، أو ربما يحلمون بناقة يبغون تصفية لبنها ، حتى بدت هذه الأذناب كالأقزام المهرجين في بلاط الملك ، ففقدَت ومرسليها الكرامة الذاتية والاجتماعية .

سياسي مثل هذا يجلس في الظلام ويرسل خيوط " العنكبوت " علّه يصطاد ذبابة ، فأصبح وأذنابَه سواء ! وتذكّرني هذه الحال بما كتب الكاتب الشاعر العبري " عاموس كينان " إذ قال : " كان للكلب ذنبٌ ( حاشا القارئين ) يهزه باستمرار . وفي احد الأيام تمرّد الذنَب : " لماذا يجب أن يهزني الكلب دون أن أهزه أنا " ؟ ضحك الكلب ولكن بعد حين انفرد الذنب ، واخذ كل منهما يهز للآخر.

ولكن ما العمل فقد بقي الكلب كلبا والذنب ذنبا ! وطالما كان الذنب ذنبا والرأس رأسا كانت الرأس تنبح على القطط والذنب يطرد الذباب ، ولكن حين تمرد الذنب انقلبَت الأمور فأضحى الذنب ينبح والرأس تهز .

وقال قسم من علماء الحيوانات إنهم لم يرَوا مصيبة اكبر من قيام الرأس بدور الذنب ، وقال قسم آخر إن لا شيءَ مخيفٌ أكثر من ذنب ينبح ! وهنا تقف الناس في حيرة أمام هذه الظاهرة المخيفة : هل تذهب وراء الرأس وتهز أم تسير  وراء الذنب فتنبح ؟!

وفي هذه الأثناء عقدَت القطط مع الذباب اتفاقية أخوّة ، ولكن بعد مدة قصيرة نقض الطرفان الاتفاقية ، فكان الذنب يقول للقطط : " أنا الكلب الحقيقي " ، وكان الكلب يقول للذباب : " أنا الذنب الحقيقي " ،  فبقي على الناس أن تعرف من الصادق " !!

תגובות

מומלצים