ذاكرتان في آذار لا تنسيان في تاريخ الطائفة والأمة

في شهر آذار فقدت الطائفة المعروفية شخصيتين عظيمتين قل مثيلهما في العالم، وقل أن يجود الزمان بمثلهما، وقد دعيا لوحدة الوطن كل حسب مفاهيمه ، الاول دعا الى العلمانية لا الى  الطائفية لحفظ  الوطن من التمزق الطائفي، والاخر كان شعاره " الدين لله والوطن  للجميع"

16.03.2017 מאת: منير فرو
ذاكرتان في آذار لا تنسيان في تاريخ الطائفة والأمة

وسيبقيان قبلة يُأم إليهما في الأزمان الباقية، وفي الأيام الحرجة التي يمر بها القطر العربي عامة والسوري خاصة، لفقدان القيادة الوطنية الحكيمة، ولتغلب التيارات الدينية التكفيرية والمتعصبة التي هي اسباب هزيمة البلدان العربية امام الهيمنة الغربية والغزو الفكري و الحضاري،  فكلما تقدم زماننا المادي ضعفت القيادة وتقلص حجم الزعامة، وأصبحت غير مقبولة على الناس لتعلقها بالمادة وابتعادها عن مسك زمام الأمور بكل إخلاص

 فالشخصية الأولى لرمز الثورة الفكرية، المعلم كمال جنبلاط  الذي دعا الاوطان العربية من التحرر من كابوس الطائفية والدعوة الى النزعة الفكرية التقدمية نحو الانفتاح والحضارة مع التمسك بالقيم الروحية التي بفقدانها تنبيء كمال جنبلاط بسقوط الشيوعية الروسية.

والشخصية الثانية  رمز الثورة الوطنية، القائد سلطان باشا الأطرش القائد العام للقوات السورية ضد الانتداب الفرنسي، والمحرر الاول لسوريا الوطن، والفاتح لباب استقلال الدول العربية من الاستعمارين الفرنسي والبريطاني، ولولا ثورته ضد لفرنسيين لما تحررت، ولا استقلت، ولا رفعت علما، أي دولة عربية في قطرنا العربي .
 
الشهيد المعلم كمال جنيلاط :

16 آذار عام 1977 كان يوما مشؤوما ليس لأبناء الطائفة العربية الدرزية ، وإنما للإنسانية جمعاء، ففيها سقط رجل العلم والعبقرية، رجل الفلسفة والحكمة اليونانية الإغريقية، والفيثاغورية الافلاطونية الارسططاليسية ، والهندية البوذية الكونفوشية الغاندية، والاسطورة التيبتية الصينية ، وما تخفيه حضارة الحكمة والحكماء من وراء مرتفعات القمم الثلجية ، قمم جبال همالايا ، حيث بنى ذو القرنين سدّه الشهير، والمصرية الفرعونية،المرتبطة بتوت عنخ امون ، والملك امحوتبوحتشبوتورعمسيس ، وهرمس إدريس القرآني المثلث بالحكمة الباني الاهرام لتكون مستودعا ومكمنا لعلوم الكون واسراره ، لتتجلى فيه الذات الالهية التي هامت بحبها ارواح الصوفيين كامثال الشيخ حسين منصور الحلاج ، وابو قاسم الجنيد ، وسري السقطي ، وابراهيم بن ادهم ، ورابعة العدوية ، وحسن البصري ، وذو نون المصري وغيرهم من اتباع المذهب الصوفي التوحيدي ، الممتد من حكمة اخوان الصفا، والبابلية الاشورية الحمورابية السومرية ، الممتدة من بلاد فارس ، وما تحمل في طياتها من امثال كليلة ودمنة، ثم ما حملته الشرائع الدينية،والرسالات السماوية من اشراقات توحيدية منذ خلافة ادم في الأرض إلى طوفان نوح –ع- إلى عبور سيدنا إبراهيم –ع – ارض كلدان وظهور الأسباط الاثنعشر وقصة النبي يوسف –ع- الى ظهور النور من طور سيناء ( التوراة ) إلى سعير( يسوع الناصري ) إلى أن تلألأ في جبل فاران (الرسالة المحمدية ).

لقد سقط هذا الإنسان متخضبا بدمه كالأسد الضرغام الذي تحلى بوصفه المتنبي في قصيدة "وصف الاسد" ، ولكن هذا الرجل الذي طالما كره العنف وحمل السلاح ها هي يد الغدر تغتاله بوابل من الرصاصفي مفرق "دير دوريت" اللبنانية حيث كان الشهيد في داخل سيارته المرسيدس مسافرا فنـزف الدم منه الى ربطة عنقه، فمال بجسده الى اليسار حيث حمل جانبه كتابه : "نكون او لا نكون" ،تلك العبارة التي ارغم كمال جنبلاط الصوفي والنباتي الذي كره اكل اللحوم ان يرددها أبان ثورة 1958 ضد كميل شمعون حيث قال : " كم هو مجرم هذا الذي اضطرني على حمل السلاح أنا الذي لا اؤمن بالعنف ، ولكن اذا كان الخيار بين العنف والذل فقط فلا مجال لنا سوى العنف ".

لقد نذر الشهيد كمال نفسه للعلم والمعرفة التنويرية والفلسفة وجعل العقل اسمى هبة وهبنا اياه الخالق فعرّج عن طريق العقل الى المعرفة فغاص في علوم الفلاسفة اليونانيين والبوذيين والمصريين والصوفيين والهنديين والصينيين، واقتفى حكمة ووداعة الناصري يسوع المسيح عليه السلام ، فتعلم منه نصرة الفقراء والمعوزين وحب السلام لقول المسيح : " طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون " .

لقد ساهم شهيد الفكر في انشاء مدرسة العرفان التوحيدية في لبنان ووضع فكرتها لان المجتمع يرقى بالعلم والمعرفة والتوحيد هو اساس تلك المعرفة الممتدة الجذور منذ القدم والمتقمصة الادوار الكونية منذ تلك الكلمة الالهية الاولى  كن فيكن .

في نظر المعلم الدين يجب ان يكون متطورا وروح العصر وان لا يبقى صنما يقف مكانه لئلا يصبح عبئا ثقيلا على اتباعه لان الله سبحانه كتب لنا الحياة "والإيمان بالحياة هو الايمان بالتطور فلولا التطور لما كانت الحياة "، ويقول : " خطيئتنا الكبرى هي أننا نتطلع دائما الى الماضي الذي جعلنا منه صنما في هيكل الاصنام الذي نتعبّد ولا يمكن ان ننهض الا بالأمل وبالنزعة الى ما فوق الاوثان وما هو فوق المعتقدات والقوميات والعنصريات والتكتلات ".

لقد رأى المعلم ان تأخرنا نحن الشرقيين عن الغرب بسبب دخولنا في تفسير القومية والتي هي مستنقع ضحل تدعو الى الطائفية والتعصب الطائفي والمذهبي اللذان يولدان البغض والحقد والكراهية ويسببان الفتن والمنازعات التي تشل حركة التطور والازدهار ولبنان اكثر عرضة من غيره لتعدد طوائفه ومذاهبه وعليه يجب التغاضي عن المعتقدات والعنصريات والقوميات والتوحد تحت دستور يضمن حياة مشتركة ذات منهج تعايشي واحد ينصهر في بوتقة واحدة – وحدة وطنية وتعايش مشترك – يتبع في العدد القادم.

תגובות

מומלצים