ذاكرتان في آذار لا تُنسيان في تاريخ الطائفة والامة

تعجز الكلمات عن مدح من كان بطلا في الواغات، من كان شجاعا لا يخاف الموت والآهات، ولا يطلب الموت إلا بكرامة، ولا يهمه كثرة الأعداء ورهبة سلاحهم.

26.03.2017 מאת: منير فرّو
ذاكرتان في آذار لا تُنسيان في تاريخ الطائفة والامة

القائد سلطان باشا الاطرش

قال الشاعر القروي : فيا لك "أطرشا" لمـا دعينـــــــا         لثـــــــأر كنت أسمعنا جميعا

ها قد مرّ على رحيل المغفور له سلطان باشا الأطرش 35 عاما، ما زلنا نتذكره وكأنه توفي في الأمس، كيف لا؟ وهو الذي ولد في الخامس من آذار عام 1891 وتوفي في الـ 26 من آذار عام 1982، فهو باق ببقاء الدهر كبقاء " أبو الهول" في الجيزة المصرية، ومجايلته الدهر، والذي أحسن أمير الشعراء "أحمد شوقي" في وصفه، مناجيا إياه 

أبا  الهول:  طال عليك العصر         وبلّغت في الأرض أقصى العمــر
                          فيـــا لدة الدهر: لا الدهر شبّ          ولا أنت جاوزت حد الصّـــــغــر
                          أبا الهول ما أنت في المعضلا          ت لقد ضلت السبل  فيك الفكــــر ّ
تحـــــــــــيّرت البدو ماذا تكو          ن وضلّت بوادي الظنون الحضر
                          فكنت لهم صورة العنفـــــــوا           ن  وكنت مثال الحجى والبصــر

تعجز الكلمات عن مدح من كان بطلا في الواغات، من كان شجاعا لا يخاف الموت والآهات، ولا يطلب الموت إلا بكرامة، ولا يهمه كثرة الأعداء ورهبة سلاحهم، ولا تغره  الزعامة والجاه  والمناصب، ولا النساء وحب الدنيا وزينتها، نعم ذلك الرجل المتواضع بالرغم من الشهرة التي نالها واهتزت له السلاطين والملوك وكبار الدول المستعمرة وجنرالاتها،

"سلطان باشا الأطرش"القائد والثائر والإنسان الرّوحي البسيط البعيد عن حنكة السياسيين دهائهم أكاذيبهم وخداعهم، الذي خاض حروبا ضد الأتراك الطاغيين المتجبرين، الذين أعدموا والده ذوقان، فكان أول من رفع العلم العربي فوق داره معلنا بنفسه الأبية التي لا ترضخ للعتاة الكفاح والنضال،

 ثم أعلن الثورة عام 1925 على المستعمر الفرنسي، الذي لا يعرف عن العرض والشرف والدين سوى التعدي والهتك والسفك والاستحلاء والاستباحة، وهذا تالله تأباه كل نفس تجري بها دماء عربية معروفية أصيلة، رضعت ثدي العزة والكرامة والمروءة والشهامة، فأذاق الإفرنسيين كأس الحنظل مرّا زعاقا، حتى أتاه الجنرالات مطأطئين الرؤوس، أذلاء مقهورين، منهاري العزيمة، قد خارت قواهم أمام هذا المجاهد العملاق والعجيب الذي قل مثيله،  فاحتاروا في أي مدرسة عسكرية تعلّم هذا البطل ورفاقه،

كما كانت شهادة أحد هذه الجنرالات "ويغان " الى الكابيتان "بورون" : " يمكننا القول أن الدّروز عنصر حربي لا غنى عنه لنجاح كل ثورة، فيجب إذا لإدارتهم واجتذابهم أن تنظر إليهم فرنسا بعين الحقيقة غير مغترة بالتباينات المدهشة التي تبدو في كل مكان بسوريا سواء في الطبيعة أو في الناس ... وأتعجب كجندي بشجاعتهم التي لا تقمع وبجسارتهم في المعارك ..." ،

 وأيضا أدلى الكابيتان الفرنسي "بورون" بشهادته للدروز قائلا : " فحسبنا أن نجاهر بالحقيقة هي رائدنا فنقول: " إن الدرزي بشجاعته أو ببراعته في ساحة الحرب يوازي أحسن جندي أوروبي، ولسنا نعمد الى الثناء على فروسية الدروز لنبيّن فضلنا في الإنتصار عليهم، بل إننا مرغمون على إعطائهم حقهم من المدح والإطناب لنكون من المنصفين، فمعدات الدروز وهجماتهم المتتابعة واستبسالهم وثباتهم في وجه عيارات البنادق وقنابل المدافع وقذائف الطيارات تجعل منهم خصما عنيدا جبارا ومقاوما لا تلين قناته"،

وأيضا الجنرال "ديغول" الذي أصبح فيما بعد رئيسا للجمهورية الفرنسية والذي حضر محاكمة "نواف غزالي" الذي اغتال الطاغية الديكتاتور "أديب الشيشكلي" رئيس سوريا عام 1945 بعد فراره الى البرازيل بعد 10 سنين انتقاما لشهداء الدروز الذين قتلهم الشيشكلي الذي كان يبغي قتل سلطان باشا لو أمكنه الأمر، ولكن سلطان فضّل اللجوء الى الأردن لمنع حرب بين السوريين أنفسهم، وعند دخوله الأراضي الأردنية رفض أن يركب سيارة تحمل العلم البريطاني لرفضه الاستعمار، وبعد خروج الشيشكلي من سوريا أعيد سلطان معززا مكرما، وذلك من خلال زيارة كان يقوم بها ديغول للبرازيل وكان لشهادته في الدروز الأثر الكبير في تخفيف مدة الحكم على نواف غزالة حيث قال : "العشيرة المعروفية من أشرف العرب وأكرمهم... إنها تحب الحق وتموت في سبيله، لا تتعدى على أحد ، ولا تنام على ضيم... حاربناها لكنها هزمتنا، ولم يذلّ الجيش الفرنسي إلا أمام العشيرة المعروفية فقط، رغم كل الإنتصارات التي حققها في أكبر المعارك المصيرية "

سلطان باشا الاطرش

 وليس عجيبا أن بعث ديغول لصاحب الذكرى عند سماعه خبر وفاته تابوتا من زجاج تقديرا لبسالته وشجاعته  التي لا تقهر وعزيمته التي لا تنثني. نعم كان المغفور له سلطان باشا في ساحة الحرب كالوحش الكاسر والليث الهزبر والأسد الضرغام الذي لا يعرف الهزيمة  والفشل، بل يعاود الكرة كرات ليوقع الهزيمة في عدوه، يتبع في العدد القادم.

תגובות

מומלצים