دجاج بمناقير بولاد

جاء في التوراة(سفر التكوين) أن الله سبحانه, حين قرّر إبادة مدينة "سدوم" بعد أن تفشى فيها الفساد والمنكر, كلّمه سيدنا إبراهيم متوسلا:" هل يا ربي تبيد المدينة إذا وُجِد فيها خمسون شخصا صالحا؟"فأجاب تعالى إن من اجل خمسين صالح يعفو عنها.

29.03.2017 מאת: سامي منصور
دجاج بمناقير بولاد

استمر إبراهيم بتوسله إلى أن قال جلّ وعلا:" إني لم أجد حتى عشرةً من الصالحين وعلى ذلك لا بد من إبادة هذه المدينة, فاخرج أنت وقومَك لأنكم من القلّة الصالحة". وبما أن الشيءَ بالشيء يُذكر تذكرت قصة سدوم, لأننا قريبون جدا من صفات وتصرفات أبناء سدوم القدامى, ولكن ولله الحمد ما زالت أكثرية أبناء بلدتي صالحة تخاف الله, الذي بحلمه الواسع ومنِّه وكرمه,وبفضل سيدي أبي عبدالله (ع) وسلمان الفارسي, والكنائس والخلوات, يمتنع عن إبادة هذه البلدة, رغم ما نرى من أمور تُغضِب الله ولا تُرضي عباده المتقين الصالحين.

ونحن, في بلدتي, نعيش واقعا غير مُرْضٍ " بفضل" بضع دجاجات وضعَت لنفسها مناقير بولاد, فصارت تتخيّل نفسَها نسورا حامية لقُنّ الدجاج وكأن النسرَ لا يلتذّ بالتهام  الدجاج . والدجاجة مخلوق جبان يخاف حتى ظلَّه وحين تحسّ بخطر تهرب لتختبئ, لكنها حين تشعر بالأمان يعلو صوتها وتقاتل إخوتها من اجل ريشة سقطَت منها, أو من اجل حبّة قمح .

والدجاجة تحب النبشَ بالتراب علّها تجد دودة تتغذى بها, فإن وجدَتها علا صياحها فخرا وتيها, حتى لو كانت دودة ميّتة. وهكذا, يُخال لي أحيانا أن الله سبحانه جبلَ بعض أهالي بلدتي من طينة غير طينة باقي الشعوب, فتراهم, خاصة في الرخاء والطمأنينة, وقد انتُزِعَت المحبة من قلوبهم, وطغَت فيها القسوة والحسد وحب الذات والتكبر وعدم ذكر الله الواحد الأحد. كما يخال لي أحيانا عودة أيام العوز والفاقة وعهد "أبي درّة" بظلمه وظلامه, بكل ما فيه من دفع الإتاوة والضريبة, علّ تعود المحبة والألفة والتعاون بين الناس.

وبكل أسف نرى البعضَ منا في بلدتي تنطبق عليها صفة الدجاجة,فهي تضع مصلحتها الشخصية ومنفعتها الفردية فوق كل اعتبار, وفي سبيل تحقيقها تحاول أن تدوس كل ما يقف في طريقها, حتى أبناءها فلذات أكبادها, متّخِذةً من الرياء لباسا, ومن النفاق رداءً ومن الوشاية عباءةً. والبعض منا ضليع بإباحة مخالفة القانون, أي قانون, وتراه يحرض اخرين لاختراقه,  خاصة في الشارع حيث يتصرف البعض كالأسد المتكبر وتراه في المدينة حملا وديعا.

 البعض منا مصاب بمرض" الرأي المسبق " والحقد المتوارَث فإذا "كرهَت" هذه البعض إنسانا صبّت عليه اللعنات والمسبات دون أن تعطيه " فرصة أخرى".

بعضنا مصاب بداء العظَمة, فيعتقد بنفسه فوق ما تستحق, ويرى في نفسه الذكاءَ والكفاءة بينما ما يحرّكه هو الأنانية ورفض الحقيقة. بعضنا يدّعي الوطنية لكنه يعمل جاهدا لطمس بلدته وإغراقها.

بعضنا لا يحب نجاح الآخرين بل يحاول أن يحطّ من قدر الناجح, ويضعه في موضع تهكم سواء نجح في علم أو عمل, بل إن هناك من يحاول وضع العراقيل في طريق التقدم. بعضنا كسلان يريد تلقّي الخدمات والأرباح دون أن يحرّك ساكنا, وبعضنا يصاب بالضيق أن لم ينَل مراده وهو قابع في بيته. بعضنا يمتاز بقلّة الوفاء ويعمل المستحيل لعدم تسديد ديونه, وقد اعتاد أن يأخذ دون أن يعطي.

بعضنا عصبي المزاج متقلّب لا يسير على مبدأ واحد,اجتماعي أو سياسي وحتى ديني, فإذا غضب من فلان حتى بدون وجه حق, وإذا لم ينل من فئة ما مرادَه بدّل جلده وانضم إلى فئة أخرى.

بعضنا يحب الغريب ويحترمه لأن " خيرو لبرّا", حتى لو استولى الغريب على أراضيه. بعضنا يعيش كالطفيّلي عالةً على المجتمع فيسرق الماء سواءً للري أو للاستعمال البيتي, دون إعارة أي اهتمام لمجتمعه ودون الخوف من عقاب الله.

بعضنا يهتم بالقشور ويترك اللب المفيد, فالمظاهر الخارجية والمباهاة بما ليس فيه تأخذ مكانا واسعا في حياته, وبعضنا غير موضوعيّ متقاعس يكره حتى نفسه.

بعضنا يدّعي العلم والمعرفة بينما الجهل مطبق عليه من كل جانب, وبعضنا يهتم بالكلام ويتغاضى عن الأفعال. بعضنا قاسي القلب يكره من يفوقه علما أو مركزا, وبعضنا يدّعي الديمقراطية ويفسرها أن من لا يوافقه الرأي صار عدوّا له.

 بعضنا ينبهر بمعسول الكلام فيسير في طريقه دون تفكير, وبعضنا لا يحسن إدارة شؤونه, فينحي باللوم على الآخرين ويتّهم غيره بفشله. بعضنا فقير مادّيا لكنه يحمل نفسه فوق طاقتها, وبعضنا تغلب عليه العاطفة الزائفة فلا يُحكّم عقله. بعضنا يوجّه دربَه تعصب أعمى, وبعضنا ماهر في القيل والقال وإطلاق الإشاعات المغرضة. بعضنا ضليع بإلصاق صفاته السيئة بالآخرين, وبعضنا يتقن فن الكذب والافتراء والتحريض.

بعضنا يحاول الوشاية الكاذبة ضد من هو أسمى مقاما وانصع صفحة, واشرف محتدا بسبب الكراهية العمياء والحسد.  بعضنا يمتاز بالوعود الكاذبة وبعضنا يشتري هذه الوعود رغم يقينه أن لا رصيدَ لها. بعضنا يبني للآخرين قصورا من الأوهام, والبعض يجلس فيها لبناء الدسائس وحياكة المؤامرات.

بعضنا فحل بإيذاء الآخرين, وبعضنا لا يحسن تربية أبنائه, فلا يعني بسؤالهم عن أحوالهم كأنهم غرباء ففقدوا احترام الذات والغير.

 بعضنا يسير حسب بوصلة الحقد والحسد وبعضنا أفقدَه البطر بصيرَتَه. بعضنا يظن الشارعَ ملكا له فلا يعطي حتى حق الأولوية,وبعضنا يغلق الرصيف بلافتة لمحله أو يجعل منه معرضا لبيع السيارات. بعضنا تتملكه الغيرة فيورط نفسه بديون باهظة, وبعضنا يجاري الآخرين على حساب بيته وأولاده.

بعضنا يظهر بمظهر المتديّن الورع في حين أعماله لا تدل على دين أو ورع, وبعضنا جبان لا يجسر على إبداء رأيه بصراحة.

بعضنا يبذّر الأموال في الفنادق الفاخرة والسيارات الفخمة  ويمتنع عن دفع مستحقاته, والبعض يبني دارا كبيرة الحجم يعجز عن دفع ضرائبها. بعضنا يريد المشاريع والتطوير لكنه يأبى التبرع بشيكل أو بشبر ارض, وبعضنا لم يَعُد يكتَفِ بإيذاء الأحياء فيُوجّه احتقاره للأموات.  وأخيرا بعضنا يريد نسورا تحلّق في الفضاء, ولكن هل يمكن للدجاجة, وإن كانت بمنقار بولاد,  أن تفقس عن نسر؟!

תגובות

1. عسفيا לפני 7 שנים
تعابير فذه

מומלצים