مفيد عامر وبراعم المجتمع المدنيّ الطّائفيّ

يلعب المجتمع المدنيّ أو ما يعرف بلغتنا اليوميّة بالجمعيّات الخيريّة وبالعبريّة עמותות دورا هامّا في تطوّر ورفاهة مجموعات ثقافيّة ودينيّة حول العالم، ممّا شجّع عددا من المنظّرين وعلماء الاجتماع تكريس اهتمام واسع في كتاباتهم في العقدين الاخيرين.

28.04.2017 מאת: د. أمير خنيفس
مفيد عامر وبراعم المجتمع المدنيّ الطّائفيّ

في كتابه " نقاشات في أبعاد المجتمع المدني" 1992 ينسب Walzer  التّطوّر الحضاريّ الّذي شهدته أوروبا وشمال القارة الأمريكيّة الى الدّور الحاسم الّذي لعبه المجتمع المدنيّ في هذه المسيرة وخاصّة في القضايا المتعلّقة بحقوق الانسان وتطوير أنظمة ديمقراطيّة.

على المستوى المحليّ تتصدّر دولة إسرائيل لائحة الدّول المتقدّمة في هذا في المجال وذلك مقارنة بعدد السّكان الذين يعيشون في الدّولة. وفق معطيات سلطة التّنظيمات التّابعة لوزارة العدل ( רשם העמותות) هنالك ما يقارب 42,000 ألف جمعيّة مسجّلة بشكل رسميّ في دولة إسرائيل، والتي تقدّم خدمات في شتّى المجالات الحياتيّة، اجتماعية كانت أو اقتصادية وحتّى دينيّة.

وهنا تجدر بنا الإشارة بأنّ مثل هذه الأرقام ليست بغريبة إذا أخذنا بعين الاعتبار عاملين أساسيين في حياة مجموعة الغالبيّة اليهوديّة التي تعيش البلاد. العامل الأوّل يتعلّق بمكانة الصّدقة ( צדקה) وكونها إحدى الفرضيّات الدّينيّة التي تحتمّها الدّيانة اليهوديّة على معتنقيها، خاصّة اتّجاه الفقراء، ما ينعكس بشكل واضح في السّنوات الأخيرة من خلال الأرقام الهائلة والميزانيّات الّتي تحصل عليها الجمعيّات الخيريّة التّابعة للأحزاب الدّينيّة اليهوديّة كحزب شاس ويهدوت هتوراة.

عامل اخر لا يقلّ أهميّة يعود إلى التّاريخ المعاصر وعزم الشّعب اليهوديّ اعادة بناء دولة يهوديّة في ما تعرف بالأراضي المقدّسة ودور الجمعيّات والصّناديق الّتي اقامتها الصّهيونيّة العالميّة خلال فترة الانتداب البريطانيّ من أجل تأمين المصادر الاقتصاديّة والبشريّة من أجل إنجاح المشروع على أرض الواقع، لنذكر منها صندوق المرضى (קופת חולים)، الهستدروت (הסתדרות), الكرين كيمت (קרן קיימת) وغيرهم.

تعود جذور المجتمع المدنيّ لدى الأقليّة العربيّة في البلاد إلى فترة ما بعد قيام الدّولة، حيث قامت بعض هذه الجمعيّات بتقديم يدّ العون لمجموعات فلسطينيّة في مناطق عانت ويلات الحرب ونتائجها في حين يعمل القسط الاكبر من هذه الجمعيّات في عهدنا الحاضر، وكما يشير بروفيسور أمل جمال في كتابه الأخير ( المجتمع المدنيّ العربيّ في إسرائيل) على تقديم الخدمات في قضايا حياتيّة عجزت يد الدّولة أو تقاعست عن تقديمها حتّى الان.

تقدّم بعض الجمعيّات العاملة في الوسط العربيّ خدمات صحيّة للمحلّيين كمراكز الإسعاف "حياة"، وحتّى على مستوى مستشفيات كما هو الحال في النّاصرة وحيفا والقدس، جزء آخر متخصّص في قضايا الأرض والمسكن كالمركز العربيّ للتّخطيط البديل أو في دراسات نظريّة وتطبيقيّة كمركز الجليل ومركز دراسات ومركز مدى، أو قضايا تتعلّق بحقوق الإنسان ومساواة الأقليّة العربيّة كمركز مساواة وجمعيّة عدالة وغيرهم.

ليس سرًا كون الطّائفة الدّرزيّة تعاني من مجتمع مدنيّ فقير ما ينعكس بشكل واضح في عدد الجمعيّات الّتي تقدّم خدمات لأبناء الطّائفة، ناهيك عن ضعف الموارد الاقتصاديّة والإدارة المهنيّة عند الجمعيّات الفعّالة.

ويعود أحد أهم هذه الأسباب إلى غياب ثقافة التّبرّع لدى أبناء الطّائفة أو ما يعرف عند المجتمعات الراقية "بالفنتروبية"، فبالرّغم من وجود نخبة من رجال الأعمال النّاجحين لا نرى لديهم الالتزام بمشاريع اجتماعيّة خيريّة في حين يقتصر دعمهم لمؤسّسات دينيّة. سبب آخر يعود إلى الإدارة غير المهنيّة الّتي تميّز جزء من الجمعيّات وتعامل القيمين عليها كملك خاصّ بدلاً من كونها ملكا عاما يصبّ ذو مصالح جماهيريّة.

هذا الواقع لا ينطبق على السّيد مفيد عامر والجمعيّة التي يترأسها منذ ما يقارب العقد والمعروفة على الملأ باسم جمعية الكولونيل صالح فلاح والتي تأسّست عام 2008 بمبادرة مجموعة قياديّة من خيرة أبناء الطّائفة وتمثيل لجميع القرى الدّرزيّة، واضعة منذ الّلحظة الأولى هدف رفع مستوى التّعليم والثّقافة عند أبناء الطّائفة وتحصيل الرّفاه الاجتماعيّ لذوي الاحتياجات الخاصّة قدر المستطاع.

منذ أسبوعين دعوت للمشاركة في الحفل السّنويّ لتوزيع المنح على عشرات الطّلاب والطّالبات من أبناء الطّائفة والّذين حصلوا على المنحة للعام الدّراسيّ المقبل في بيت بني معروف الجديد في عسفيا، وكم شعرت بالفخر والاعتزاز حين رأيت ادارة الجمعيّة ونخبة من خيرة قيادة الطّائفة تعلن توزيع منح دراسيّة بقيمة ما يقارب المليون شيكل لخيرة أبنائنا والجيل المقبل. 

لا شك بأنّ للمجموعة المرافقة وإدارة الجمعيّة وعلى رأسهم السّيّد سلمان أبو ركن، دور كبير في نجاح عمل الجمعيّة ولكن إن كان لا بدّ من كلمة حقّ فالحقيقة بأنّ الفضل الأكبر يعود للضّابط المتقاعد ورئيس مجلس حرفيش السّابق السّيّد مفيد عامر والذي يقضي أكثر من نصف أيام السّنة في مهمّات خارج بيته وفي جلسات عمل من أجل تأمين الموارد الماليّة المطلوبة لنجاح المشروع سنة تلو الاخرى.

أمّا الإدارة فهي من مسؤوليّة الابن زاهر والّذي يقضي ساعات طويلة في تركيز العمل الاداريّ للجمعيّة حيث تقع على عاتقه مسؤوليّة التّواصل مع سلطة التّنظيمات، الحسابات البنكيّة، التّواصل مع الدّاعمين ، أصدقاء الجمعيّة، الادارة وترتيب الأوراق والملفات الخاصّة بالطّلاب.

بالإضافة للمنح الدّراسيّة لجمعيّة صالح فلاح بصمات دعم سخيّة  لعدد  كبير من المؤسّسات التّعليميّة، تتراوح بين إقامة غرف تدريس شاملة لتعليم لغات أجنبيّة كما فعلت في مدارس ابتدائية في كلّ من كسرى-سميع والمغار، إقامة وتجهيز مكتبة كما فعلت في مدرسة مرشان الابتدائية، تجهيز غرفة حاسوب في مدارس ابتدائيّة في دالية الكرمل وعسفيا، وتجهيز غرفة موسيقى كما فعلت في المدرسة الابتدائية في أبو سنان.

للخلاصة، جمعيّة صالح فلاح والسّيّد مفيد عامر يستحقان كلّ التّقدير والاحترام بداية على الجهود الكبيرة الّتي يكرسونها من أجل تحصيل الموارد الماليّة المطلوبة لانجاح المشروع، وبذلك يمثلون نموذجا ناجحا لتطوّر المجتمع المدنيّ على المستوى الطائفيّ.

ثانياً على كل ما يقدمه من أجل الأجيال الصّاعدة والنّخبة الطّلابيّة في طائفتنا وتأمين الطّاقات اللازمة لاستمراريّة  مسيرتهم الأكاديميّة وأخذ دور مباشر وفعليّ في بناء مجتمع صالح ونخبة قياديّة متعلّمة ومثقّفة.

ثالثاً، للقدوة الاسمى التي يعكسها هذا المشروع في تعاون أطراف من اختصاصات وقرى مختلفة في العمل سويّةً في سبيل بناء طائفة ناجحة ومتقدّمة.  وهنا لا يسعني أن أخفي عليكم السّؤال الّذي راودني في طريق عودتي من عسفيا ، كيف سيكون حال الطّائفة الدّرزيّة فيما لو كان لديها خمسة مفيد عامر وكلّ منهم أخذ على عاتقه موضوعا مركزيّا ذو تأثير مباشر على حياتنا اليوميّة وكياننا؟

مفيد عامر

תגובות

מומלצים