بلدة القطط

القط مخلوق عجيب فهو ذكيّ عندما يرى مصلحةً له, ويتغابى حين تبتعد عنه المصلحة, بل قد يميل إلى الشراسة والقسوة. والقط من فصيلة آكلي اللحم ( المفترسين ) إلا انه كثيرا ما يأنس للإنسان ويحب العيش بجواره, خاصة إذا وجد موردا سهلا لطعامه وشرابه

28.05.2017 מאת: سامي منصور
بلدة القطط

فتراه يجيد التملق ويكثر من الاحتكاك بالإنسان, لينال ما يبغي من طعام وعطف. وهو مولع بصيد الفئران والحشرات, لكنه لا يأكلها بل يلقي بجثثها أمام باب المنزل, كي يلقى استحسانا من رب المنزل, كأنْ لا غنى عنه وأنه الحارس الأمين والخادم المطيع. والمعروف أنّ ليس للقط طواحين فهو يسرع بابتلاع طعامه دون أن يمضغه, كما انه سريع الجري وله قدرة خاصة لتسلّق الأشجار العالية, كي ينهب عشّا أو ليهرب من خطر.

أما أهم ميزة فيه قدرته على الرؤية في الظلام, بل انه يفضّل الظلام عن النور. ورغم كونه مفترسا إلا انه على الغالب جبان, يخاف من يفوقه حجما أو اغرب شكلا, ويستخفّ بمن أقلّ حجما منه كما انه لا يعرف الشبع, وحتى إذا شبع تراه يدافع عن بقايا طعامه بضراوة, فتراه يقوّس ظهره وتنتصب فروته ويموء مواء التهديد, ويبرز براثنه الحادة التي تكون عادة مخبأة تحت جلده.

ومثَل القط يذكّرني بفئات من بلدتي تعمل عمله ولكن ليس لصراع البقاء مثله, ولكن بسبب الأنانية والإحباط والحقد والحسد وقصر الرؤية, فأنا لم أرَ مجتمعا يكره التقدم وينفي الحياة المستقبلية, بل يتقدم بالشكاوى من أجل منع شقّ شوارع حيوية أو منع بناء مدارس حديثة للأجيال الصاعدة, وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن هذه الشخصية أو تلك, ولكن ما حاولَتْ هذه الفئات للإيقاع برئيس سلطة مُنتَخَب بصورة شرعية وديمقراطية, لا تُعَدّ أعمالا إنسانية واجتماعية.

ماذا فعلَتْ هذه الفئات بل ماذا لم تفعل؟ قامت بإرسال مئات الرسائل إلى الجهات الحكومية مليئة بادعاءات كاذبة, عن سرقة واختلاس ورشوة وتهديد وعنف ذهبَتْ كلها أدراج الرياح, وعندما لم تنفع هذه الادعاءات دسّوا له اتهاما خطيرا كالتحرش الجنسي, ضاربةً عرض الحائط القيم الإنسانية وغير عابئة بما كان قد ينجم عن هذا التصرف البذيء, عدا عن التحريض السافر وتأليب المجتمع وخاصة أعضاء المجلس, مما أدى إلى إقالتهم بعد ان قاموا بعرقلة عدة جلسات للميزانية بدون وجه حق بعكس قصد هذه الفئات, التي كان قصدها الإطاحة بالرئيس ولكن في نهاية المطاف ظهر الحق وزُهِق الباطل.

هذه الفئات قناصة ولكن ليس بمهارة القط, إذ أنها تنتظر بجانب المياه العكرة لتصطاد فيها, وعلى الغالب لا تحسن انتقاء الفريسة, وحين ترى انه لا يمكن اصطيادها تنفر منها وتناصبها العداء. والآن " سأقعد اعوج واحكي صحيح " واللي مش عاجبو يبلط الزرقا : ظهرَتْ في عسفيا في الآونة الأخيرة ما يُسمّى " الهيئة الدينية ", وهي مكوّنة من شيخين قائدَين من أصل خمسة.

والسؤال : أين كانت هذه الهيئة عندما كان يجب تدخلها في أمور خطيرة ؟ لماذا لم تُلْقِ الحرمان الديني على سارقي المياه وعلى من لا يدفع مستحقاته ؟ لماذا قاطعَتْ هذه الهيئة جلسة دُعيَت إليها من قِبل المجلس المحلي, للبحث في أمور العنف والسلوك الشاذ المتفشي في البلدة كحالات الطلاق المتزايدة, والعنف والمخدرات؟ ولماذا حضرَت اجتماعا في اليوم التالي عن نفس الموضوع في بيت بني معروف ؟ ألا يُعَد هذا تحيّزا  وتحريضا وانقيادا وراء الشارع ؟ وقد قرأنا ما صرّحَت به الهيئة أن هذه الأمور ليس من اختصاصها, وأنها أقيمت فقط من أجل محاربة " الغول " وهو مجمع المياه, الذي ما زال بمثابة اقتراح ولم يوقّع عليه احد, وكان على الهيئة أن تسمع الطرفين وليس طرفا واحدا له غاياته ومقاصده.

هل هذا هو اختصاص الهيئة الجزئية ؟ ( لقد تغيّب عن الاجتماع في بيت بني معروف الإمام أبو هلال حسني الكزلي, والآباء سمير وإميل روحانا والإمام نزيه كيوف, وبعض أعضاء المجلس الديني), وهذا يدلّ ربما على عدم موافقتهم أو عدم رضاهم عن أفعال اللجنة الشعبية التي تتحدث باسم ما يُسمّى الهيئة الدينية.

وها أنا اقسِم " وعلى عظم رقبتي " انه لو كان الرئيس يحمل اسما آخر من عائلة فلان أو علّان, لكان المجمع خير مشروع لهذه البلدة, ولو حصل البعض على مبتغاهم لكان المجمع عال العال. بعض رجال الدين ربما غُرّر بهم أو لم يزِنوا الأمور بصورة كافية أو انجرفوا مع التيار, وإن لم يكن كذلك فسيكون واضحا وحتى الأعمى يرى ذلك أن هذه الهيئة غير المكتملة سياسية محضة, لأن تصريحاتها وأعمالها لا تمتّ إلى الدين بصِلة.

ويظهر أن هذا الزمن هو زمن الجَيب والمادة والجاه, الذي يكاد يغمر دين التوحيد بعد أن تخلى الكثيرون عن مبادئه السامية, وتعليماته المثلى من أجل مصالح دنيوية رخيصة زائلة.

المجتمع كثير الأخطاء, ضيّق الآفاق وقليل الإيمان, وعلى عاتق رجال الدين الحقيقيين توحيد الصفوف, والدعوة إلى الخير والتسامح وتقويم الاعوجاج بشجاعة الإيمان وقوّته, فالموحّد الديان بتوحيد مولاه شجاع غير جبان, وعليهم الانصياع لقول الحق وفعله. لا تغمسوا السياسة بالدين لئلا يصيبكم ما أصاب الغراب الذي أراد أن يمشي مشية الحجل, فتعثّر في مشيته وكاد يقضي نحبه.

תגובות

מומלצים