إخواني مثلنا نحن الدروز مثل الرجل في البئر

لقد ضرب بلوهر الحكيم امثالا لبوذاسف ابن الملك الهندي ليخرجه من الظلمات الى النور ومن العذاب الى الثواب ومن النار الهاوية الى الجنة العالية  وضرب له مثلا  في معنى الدنيا وغرور اهلها بها " مثل الرجل في البئر"

12.09.2017 מאת: פורטל הכרמל והצפון
إخواني  مثلنا نحن الدروز مثل الرجل في البئر

قال بلوهر زعموا أن رجلا خرج في مفازة، فبينا هو يسعى فيها، إذ حمل عليه  فيل مُغتلم، فانطلق الرجل هاربا منه، موليا عنه، واتبعه الفيل حتى غشيه الليل، فاضطره الى بئر، فتدلى فيها وتعلق بغضنين،  نابتين على شفيرهما، ووقعت قدماه على شيء عهدهما في عرض البئر، فلما أصبح نظر إلى الغصنين فإذا في أصلهما، جرذان احدهما ابيض، والأخر اسود، يقرضان الغصنين دائبين، ونظر الى ما تحت قدميه، فإذا هو بأربع أفاع طوالع برؤوسهن من أحجرتهن، ونظر إلى قعر البئر،  فإذا هو بتنين فاغر فاه يتوقع التقامه، ثم رفع رأسه إلى أصل الغصنين، فإذا في أعلاهما شيء من عسل النحل، فأدنى الغصنين إلى فيه، فذاق من حلاوة ذلك العسل شيئا قليلا فألهاه ما وجد من حلاوة ما تطاعم منها في عاجل لذاتها عن الاهتمام والتفكر بالغصنين الذين هو متعلق بهما،  وقد عاين إسراع الجرذين فيهما وبالحيات الأربع التي اعتمد عليهن لا يدري متى تهتاج به واحدة منهن، وبالتنين الفاغر فاه الذي لا يدري  كيف مصيره عند وقوعه في لهواته ..

فمثل البئر فهذه الدنيا المملوءة آفات وبلايا، والغصنان هذه الحياة المذمومة، والجرذان الأبيض منهما النهار، والأسود الليل، وإسراعهما في الغصنين إسراع الأيام والليالي في الآجال، والأفاعي الأربع أخلاط الجسد التي هي السمام القاتلة ( السوداء والصفراء والدم والبلغم وكل واحدة منها خلط إذا اختل احدث مرضا مزمنا قاتلا)، والتنين الفاغر فاه لالتقامه الموت الراصد، والفيل الأجل الطالب له ، والعسل غرة المغرور بقليل ما ينال الناس في دنياهم من لذة  العيش .

فهذا مثلنا يا إخوتي في هذا الزمان الغرور، اصطلحنا مع عدونا في الداخل ونسينا انه العدو المستور، فغرنا متاع الدنيا الفانية وزينتها،  ونسينا الآخرة وقيمتها، فغرنا حلاوة العسل بالرغم من لسع زنابره، وغرنا طول الأمل بالرغم من انقضاء العمر بسرعة قوارضه، وجهلنا يوم الأجل بالرغم من أخلاطه وتعدد نوائبه، وابتعدنا عن طريق الموت ومتاعبه، ونسينا عهدنا مع خالقنا ونقضنا وحنثنا نواهيه وأوامره، وغرنا الغرور، وأعمانا قصر السرور، وكأننا في نعيم لا يبور، فالي متى هذا النوم والفتور؟ والى متى هذا الظلام والديجور؟ 

إخواني زماننا هذا أنسانا أننا نقترب من يوم القيامة أو يوم الدينونية الذي هو يوم الحساب، والذي فيه تقف الخلائق أمام ربها لتحاسب على أعمالها من خيرها وشرها بعد أن بعث لهم الرسل والرسالات، وعرفهم الفروض الواجبات، وحذرهم من التقصير بها والميل إلى حب الدنيا والشهوات،  كما قال تعالى : " فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم ... وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم" .

إخواني لا تغرنكم هذه الدنيا الزائفة، فهي كالسراب الذي يظنه الظمآن ماء ولكنه سراب لامع لا ماء فيه او ما يسمونه العلماء البيولوجيين بـ " خداع بصري"، كما قال تعالى في مثل الكفار  : " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب" ..

إخواني فلا تخدعنكم زهوة الدنيا بعسلها الزهيد، فما هي الا لحظات ويذهب طعم العسل، ويندم آكله على ما فرط من الزلل وكثرة العلل، ولكن هيهات فيطلب الإقالة فلا يُقَل، ويطلب مهلة فلا مٌهَل، بل كما قال تعالى في كتابه العزيز : " اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر فتول عنهم يوم يدع الداعي إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر".

إخواني لا تظنوا أن حياة الدنيا هي الحقيقة وهي الغاية والنهاية، بل هي دار الاختبار والامتحان وزرع الأعمال، والآخرة هي حصاد تلك الأعمال، فكيف يفرح الزارع بما لم يزرع فكيف يحصد ؟ ولكنه يحصد ما زرعت يداه من خير وشر وإيمان وكفر، وعندها يفرح من زرع خيرا، ويندم من زرع شرا، بل يجزي بالإحسان إحسانا، وبالإساءة عقوبة وعدوانا، ويوفي الأعمال بالكيل والميزان "وليس ربك بظلام للعبيد ".

إخواني لا تصغوا إلى الشيطان وأعوانه، فهو يريد ان يضلكم، وعند دين الله يبعدكم، فهو كما قال عنه تعالى : " ن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير " .

إخواني بقيت أيام قلائل، وكلنا من عالم الدنيا راحل، فهنيئا لمن تزود لأخرته بالفضائل، وتعسا لمن حمَّل على نفسه أحمال الرذائل، فنعيم الآخرة لا ينال إلا بالصبر والاحتمال، في رضى العلي المتعال، وعذاب الآخرة يحصَّل بالضجر والقنط وسوء الأعمال، فهنيئا لمن تفكر وتدبر، وعلم وأبصر، وحاسب نفسه قبل أن يُحاسَب، ووبخها قبل أن توبخه الحضرة الربانية، وتجره الزبانية، إلى النار المخلدة المكوية الأبدية، واتعظوا من مثل الإنسان في البئر، ولا تغتروا بمذاق العسل وتنسوا الغصنين والجرذانين الأسود والأبيض والأفاعي الأربع  والتنين في أعلى وأسفل البئر، واستيقظوا من غفلة العمر، واخرجوا من لجة المعاصي والغمر، إلى شاطئ الأمان والبحر، واستغفروا الله ورسوله وأولي الأمر، قبل أن تحق الحاقة، وتُقرَع القارعة، ويُغلق باب التوبة، ويحل بالمخالفين النقمة، والله ولي النعمة، صديقك من أبكاك، وعدوك من أضحكك، والسلام.   

תגובות

מומלצים