سياسة في كل مكان

التعامل مع السياسة قائم منذ فجر التاريخ وفي شتى أنحاء المعمورة, لكنه كان مقصورا على قلّة من الناس, وهم وجهاء القوم وأغنياؤهم, أما في هذا الزمان فقد أضحت السياسة مركّبا من مركّبات الحياة

15.06.2017 מאת: سامي منصور
سياسة في كل مكان

 ودخلّتْ في كل المجالات, وصار كل غادٍ ورائح يعمل بها حتى أصبحَت رخيصة منفرة مقززة, تعافها النفس لما تحتويه من أكاذيب ومداهنة وتملق ومحاباة ومغالطة, وغير ذلك مما لا يضفي خيرا على حياة المجتمع, بل إنها تعقّد الحياة وتخلق البلبلة والنفور وحتى العداء.

ورغم أن الكثيرين ينفرون من السياسة وطريقها الوعر المليء بالعثرات, إلا أن كثيرين كذلك يخوضون هذا المضمار حتى لو افتقروا إلى الموهبة والقدرة, فالسياسي المتمرس شخص ذو صفات خاصة قد لا تليق بكل ابن امرأة. أما في مجتمعنا المتحذلق البسيط المعقّد تأخذ السياسة حيّزا كبيرا من حياتنا, والكثيرون يقلبون كل أمر وكل حكاية إلى أمر سياسي غالبا ما يكون مغلوطا, لأننا في هذا المجتمع ما زالت تغلب في غالب الأحيان السياسة العاطفية المغلوطة: " أنا واخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب ".

هذه السياسة تدل على ضيق أفق وقلة وعي, فهل إذا كان أخي أو قريبي على خطأ يتوجّب عليّ مجاراته ومؤازرته  والسير وراءه على غير هدى ؟ لقد فلق الله لكل امرئ عقلا يميّز به بين الصالح والطالح, ولكن إذا كانت العاطفة هي التي تجرّنا فلن نصل إلى أي مكان يفيد المجتمع. والعاطفة الزائفة تقلب الموازين إذ سرعان ما تتحول قضية سياسية إلى اجتماعية, والأصعب من ذلك أن قضية  اجتماعية تتحول إلى قضية سياسية, تتخبط فيها الآراء وتتسع شقة الخلاف وقد تتطور إلى عداء.

والسياسة الثانية المتّبعة والمحبذة عندنا هي سياسية " عدوّ عدوّي هو صديقي " , وهذه سياسة خطرة تزيد من رقعة النفور والعداوة, وفيها ينقسم المجتمع إلى جماعات " تتفق " أن لها عدوا واحدا, وفي هذا من الظلم والظلام ما فيه. وقد كثرت عندنا في الآونة الأخيرة ظاهرة الدخيلين على السياسة, وهم يعتقدون في أنفسهم الذكاء والحنكة رغم ما في كلامهم من تهوّر أحيانا, وقد جاء مثل هؤلاء للتذكير " بنجاحاتهم وتفوقهم وانجازاتهم " عن طريق محاولة تهميش غرمائهم, والتذكير " بفشلهم " وقصورهم.

وهناك مَن لا يجرؤ على الدخول للحلبة السياسية جهارا, فيعمد إلى توكيل أناسٍ شغلها الشاغل بذر الفساد والتضليل والتهديدات الجوفاء, وزرع البلبلة وتقويض الحقائق والمسّ بالشرفاء من الناس بكلام بذيء ودعايات كاذبة, وهي تحرص على القيام بالتخريب على شتى أشكاله, فتمنع بذلك سير العيش بنظام وأمان.

ومع الأسف لم تفصح السياسة حتى في مجالس العزاء, فترى في كل مترين مربّعين مجموعات تتكلم بها مع رفع الأيادي, غير عابئة بموقف الموت الرهيب. وعند الخطابة على جثمان الفقيد ينبري بعض السياسيين لتعداد مناقب الفقيد, الذي كان كذا وكذا رغم أن " حارتنا ضيقة وبنعرف بعض".

وفي الأفراح وخاصة في الليالي الملاح ترى السياسة مخيّمة على جو الفرح, فترى الناس حلقات يتداولون بأمور الساعة ناسين لأية مناسبة دعاهم صاحب الفرح, ( وشوفو ما اسمج هالمناظر ).

ومن المنفِر أن حتى أماكن العبادة لم تفلُت من حبال السياسة, فإلى زمن ليس ببعيد كانت للسايس مكانته الخاصة التي تفرضها وظيفته ( كلمة سايس مشتقة من سياسة ).

ووظيفة السايس هي وظيفة دينية اجتماعية, وعلى السايس أن يكون حكيما نزيها صبورا لا يخضع لأية ضغوط من أية جهة, وعمله يجب أن يكون خدمة الناس والاستماع بتؤدة ورويّة إلى مظالمهم ومشاكلهم, ومحاولة حلّها عن طريق الحق. عليه حل الإشكالات والخلافات بعد سماع كافة أطراف النزاع, وليس التسرع بالحكم لفائدة طرف معين, من أجل رؤية سياسية رخيصة, ولا أريد التوسع أكثر في هذا الموضوع.

إن السياسة تدعو إلى الجاه والكبر, وهذا بعكس الدين والروحانية التي تمنع الزخرفة والتزيين, ومِن هنا ثمة سؤال " ينقر " في خاطري لمدة طويلة : لماذا تُعَلّق صورة المرحوم الشيخ أمين طريف, وصورة الشيخ موفق طريف أطال الله عمره فوق ضريح سيدنا نبي الله شعيب عليه السلام ؟ لا احد ينكر أتعاب المغفور له وخلفَه في ترميم وصيانة المقام الشريف, ولكن تعليق الصور الملونة أمر غير مقبول في نظري, والله من وراء القصد.

תגובות

1. ابن الكرمل לפני 7 שנים
مقاله رائعه تجسد واقع اليم.

מומלצים