شهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية

قبل شهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتشديد الاغلاق في اسرائيل وتزامناً مع ذكرى حرب أكتوبر، المحامي زكي كمال : "حرب أكتوبر أكدت أن القوة العسكرية ليست كافية لحماية الشعوب وألغت لاءات الخرطوم ومهّدت الطريق لمعاهدات بين القادة العرب والإسرائيليين".

02.10.2020 מאת: المحامي زكي كمال
شهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية

 


موشيه ديان ابلغ القيادة في إسرائيل انه يخشى ان يضطر للدفاع عن تل ابيب لكن معلومات الجاسوس المصري "جوليات" قلبت الموازين ومكنت اسرائيل من محاصرة الجيش المصري الثالث في هذه الحرب صدمت الشعوب العربية وفهمت ان قياداتها مخترقة وان خيرة ضباطها يمارسون التجسس لإسرائيل مقابل حفنة من المال او ربما احتجاجاً على دوس قيمة الانسان  الشعوب العربية ومنها الشعب المصري فهمت ان أسلحتها وجيوشها لا تكفي لهزيمة اسرائيل واستعادة الحق الفلسطيني  القيادات العربية ادركت ان إمكانية هزيمة اسرائيل عسكرياً غير قائمة على ضوء قوتها العسكرية والدعم الأمريكي غير المحدود  ومصادرها الاستخباراتية داخل قيادات الدول العربية دون استثناء* ترامب يمهد الطريق لعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات اذا ما خسر ومؤيدوه يطالبون بقتل معارضيه* ترامب كاليمين في اسرائيل يسعى للسيطرة على مواقع اتخاذ القرار عبر السيطرة على الجهاز القضائي

بين الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة التي ستجرى بعد شهر ويوم واحد والتي دخلت منعطفها الأخير خاصة بعد اعلان ترامب انه ينوي تعيين القاضية المحافظة ايمي كوني بارنت خلفاً للقاضية الراحلة الديمقراطية روت غينزبورغ في المحكمة العليا الأميركية، وتزامناً مع المناظرة التلفزيونية الأولى بين المرشحين  الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن ، وبين استمرار المحاولات المحمومة في اسرائيل لتسييس الكورونا وتجييرها لخدمة رجل واحد هو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عبر منع المظاهرات عبر قانون " الكورونا الكبير " او التهديد باستخدام أنظمة الطوارئ ، واستمرار الحديث عن "اتفاقيات سلام" بين اسرائيل ودول عربية إضافية وما يرافق ذلك من تبعات ، دارت احداث هذا الأسبوع الذي تزامن مع احياء الذكرى السابعة والأربعين لحرب يوم الغفران السادس من أكتوبر 1973.

المحامي زكي كمال: السؤال وجيه والمعلومات والقضايا التي نحن بصددها هامة جداً وفي نظري يتناسى او يتجاهل ولا يصيب  سجالنا قضية رئيسية وهامة يتضح اليوم انها كانت السبب الرئيسي لما تشهده المنطقة من تحولات إقليمية وما يشهده العالم من اصطفافات وتحالفات كانت حتى قبل سنوات نوعاً او ضرباً من الخيال ، وهذه القضية هي عملياً حرب السادس من أكتوبر في العام 1973 والتي تؤكد كافة المعلومات المؤكدة والمثبتة بوثائق رسمية ومعاهدات دولية انها كانت الدافع المباشر والرئيسي لما نشهده اليوم من معاهدات سلام بين اسرائيل والدول العربية الخليجية ممثلة بالامارات العربية المتحدة والبحرين بانتظار " انفراط المسبحة العربية المترهلة" وانضمام دول أخرى عبر تحييد للفلسطينيين دون ان تتمكن قيادتهم من قراءة الواقع وفهم مجرياته وبالتالي اتخاذ الخطوات الحقيقية والمبادرات المؤثرة او على الأقل المشاركة فيها بدلاً من الاكتفاء بالردود او ردود الأفعال ولعب دور " الصوت الصارخ في البرية"، ناهيك عن تأثير ما جرى في تلك الحرب على زعزعة ثقة المواطنين في اسرائيل بقياداتهم والتشكيك بقراراتها والمطالبة بمحاسبتها عبر لجان تحقيق رسمية تكررت.

المحامي زكي كمال: الحقيقة المثبتة ان التحولات التاريخية لا تحدث بين ليلة وضحاها وان التغييرات السياسية ليست خطوة تنتج من فراغ بل ان هاتين الحالتين هما نتيجة لتراكمات تاريخية سياسية واقتصادية وعسكرية إقليمية ومحلية ودولية على مدار السنوات تبدأ من حدث ما ونقطة معينة.

فهم التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة اليوم وملخصها ان الدول العربية فهمت ان إسرائيل باقية وانه لا يمكن هزيمتها عسكرياً والانتصار عليها تقنياً وبالتالي يجب البحث عن بديل يختزله القول المشهور if you Can Not Fight Them Join Them" " او بالعربية " اذا لم تتمكن من هزيمته ففكر في طريقة للتعايش معه" يستلزم العودة الى ما تمخضت عنه حرب أكتوبر او تحديداً ما لم تتمخض عنه والأسباب التي أدت الى عدم تحقيق هذه الحرب ما كان مرجواً منها.

 احدى نتائج هذه الحرب كانت، بعد 4 سنوات من نهايتها، وهي اتفاقيات كامب ديفيد التي كانت النتيجة النهائية لتحولات سياسية واتصالات سرية بين اسرائيل ومصر بمشاركة يتسحاق حوفي رئيس الموساد في عهد حكومة مناحيم بيغن  ، حكومة الليكود الأولى، وحسن التهامي  المقرب من الرئيس أنور السادات وبرعاية الملك الحسن الثاني عاهل المغرب تمخضت عن زيارة السادات الى اسرائيل عام 1977 وخطابه امام الكنيست وبعدها الاتفاقيات، وبالتالي فإن الحديث عن هذه الاتفاقيات التي شكلت تحولاً جذرياً في سياسة اكبر واقوى الدول العربية، مصر، لا يستوفي أهميته دون الحديث عما تخلل الحرب والتي جاءت عملياً لتحقيق عدة أهداف منها استعادة سيناء والجولان والضفة الغربية او الأراضي المحتلة عام 1967 ، لكنها جاءت بالأساس للثأر للكرامة العربية او كرامة الدول العربية التي مستها حتى النخاع حرب حزيران عام 1967 بقيادة جمال عبد الناصر وهو ما سارت الأيام الأولى من الحرب نحو تحقيقه على ضوء الإنجازات العسكرية الميدانية التي حققها خاصة الجيش المصري من اجتياز وعبور للقناة وتحطيم لخط التحصينات والسواتر الترابية والرملية والاسمنتية  الشهيرة المعروفة باسم " خط بار ليف" خلال الأيام الأولى من الحرب، لكن استخدام اسرائيل لمصادرها الاستخباراتية  او عملائها داخل الجيش المصري بل داخل القيادات المتنفذة في مصر غيرت الصورة من هزيمة محتملة الى اختراق اسرائيلي ومحاصرة للجيش المصري الثالث  وهو ما غير نتائج الحرب ميدانياً وتأثيراتها سياسياً واقليمياً.

المحامي زكي كمال: أشرف مروان ربما كان عميلاً مزدوجاً اعتاد الإسرائيليون تسميته " الملاك" واعتبروه  واحداً من مجموعة عملاء مختارين وصلت تقاريرهم الى رئيسة الحكومة غولدا مئير ووزير الدفاع موشيه ديان وقيادات الاستخبارات العسكرية والموساد وغيرهم ، خاصة وانه سياسي ورجل أعمال مصري، وزوج منى ابنة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر وقُتل في 27 حزيران 2007 إثر سقوطه من شرفة منزله بلندن، وقد زود اسرائيل بمعلومات هامة خلال سنوات استخدمتها اسرائيل رغم ان رئيس او شعبة الاستخبارات العسكرية تجاهل  المعلومات التي قدمها اشرف مروان عشية حرب الغفران واعتبرها مبالغاً فيها مستخدماً العبرة الشهيرة" احتمال ضئيل للغاية لنشوب حرب " او بالعبرية " סבירות נמוכה" لكن المصدر الأهم كان وكما كشفت المعلومات التي سمح بمراجعتها او الكشف عنها من ارشيفات الجيش ، هو ضابط كبير في الجيش المصري اطلق عليه مشغلوه اسم" جوليات"   جنده عام 1969 الجنرال اهارون ليفران، نقل الى اسرائيل معلومات متكررة عن استعدادات مصرية وعربية لحرب محتملة يريد الرئيس المصري محمد أنور السادات من خلالها محو عار حرب الأيام الستة اتضح في النهاية انها تدريبات واسعة النطاق لكنه نقل الى القيادة الاسرائيلية انباء حول ان اقالة السادات لوزير دفاعه في جلسة القيادة المصرية بتاريخ 1973/1/11  تعني عملياً ان مصر تستعد للحرب وواصل نقل المعلومات قبل الحرب رغم تجاهل ايلي زعيرا ، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي آنذاك، لها واصفاً إياها بتدريبات رغم ان "جوليات" قال ان بالإمكان تحويلها الى حرب خلال أيام ، كما واصل نقل المعلومات خلال الحرب وبعد أيام من الهزائم التي مني بها الجيش الاسرائيلي دفعت موشيه ديان الى الحديث خلال جلسات هيئة الاركان العامة عن " احتمال ان يضطر الجيش للدفاع عن تل ابيب" وعن " خطر وجودي لدولة اسرائيل" دفع القيادة الاسرائيلية الى  مناقشة سيناريوهات لمواجهة الأمر منها وقف اطلاق النار ما سيعني انتصار الجيش المصري لأول مرة منذ عام 1948 او محاولة اجتياز القناة ما قد يؤدي الى قتل مئات او آلاف الجنود الاسرائيليين غرب القناة دون حماية او الانتظار حتى يتوغل الجيش المصري في سيناء بعيداً عن غطاء الدفاعات الجوية المصرية ومن ثم مهاجمته  ، لكن "جوليات "  سلم اسرائيل معلومات  حول تحركات  تقوم بها 3 وحدات مظليين من الجيش المصري في منطقة بير قفقفا ( المتلة)  تنوي مهاجمة إسرائيل بتاريخ 1973/10/14-13دفعت برئيس الموساد تسفي زمير لاقتراح انزال مظليين اسرائيليين هناك حيث أراد موشيه ديان شن هجوم فوري بينما قال رئيس هيئة الأركان دافيد العزار( دادو) ان هذه المعلومات هي " المفتاح الذهبي" للانتصار في الحرب وفعلاً تحركت وحدات المدرعات في اليوم والساعة والمكان الذي ابلغ "جوليات" إسرائيل به  وحاولوا اجتياز القناة وكانت الدبابات والطائرات الاسرائيلية بانتظارهم   في معركة طاحنة اسفرت عن تدمير 2000 دبابة مصرية واسر العشرات او المئات من الجنود المصريين وقتل الآف منهم، تلاها عبور القوات الإسرائيلية بقيادة اريئيل شارون الى غربي القناة ومحاصرة الجيش المصري الثالث ، ما شكل عملياً نهاية للحرب بل انقاذاً لدولة اسرائيل التي كانت تلقت سيلاً من الأسلحة الأمريكية تلك الأيام.

المحامي زكي كمال: الاستنتاج المنطقي لقيادات الدول العربية عامة ومصر خاصة ونتيجة لما انتهت عليه الحرب من اتفاقيات لوقف اطلاق النار أبقت الجيش الاسرائيلي في سيناء والجولان هو ان إمكانية هزيمة اسرائيل عسكرياً غير قائمة على ضوء قوتها العسكرية والدعم الأمريكي غير المحدود وعلى ضوء مصادرها الاستخباراتية داخل قيادات الدول العربية دون استثناء ، وبالتالي كانت هذه النتيجة التي لم تتوقعها مصر، نقطة تحول نحو تفكير جديد او إعادة تفكير في العلاقة مع اسرائيل تمخضت عن اتفاقيات كامب ديفيد والاعتراف بإسرائيل بعد 4 سنوات من حرب أكتوبر و 10سنوات من قرارات الخرطوم ولاءاتها الثلاثة"  لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل"  وهي لاءات حولتها نتيجة حرب أكتوبر الى نعم.

حرب أكتوبر ، وهذا ما يجب ان نؤكده كانت نقطة تحول حركت العملية السياسية والاتصالات بين الدول العربية وخاصة بين مصر واسرائيل حتى ان البعض قال انها " كانت حرب تحريك وليس حرب تحرير" أي انها افسحت المجال نحو علاقات سلام كما قال كيسنجر وزير الخارجية الامريكي حينها " ان السلام يأتي فقط بعد حرب طاحنة"، وهذا ما كان حتى بالنسبة لحرب أكتوبر التي خلقت اتفاقيات كامب ديفيد والتي شملت حكماً ذاتياً للفلسطينيين امكن تنفيذه لو قبلها الفلسطينيون وما كانوا سيصلون الى ما وصلوا عليه اليوم من عزلة شبه تامة ، وذلك رغم " المقاطعة العربية لمصر" وطردها من جامعة الدول العربية وهي ردود تندرج ضمن الردود العربية المتسرعة ارضاء للفلسطينيين دون ان تكون لهذه الردود أي استمرارية او رصيد.

من جهة أخرى كان لهذه الحرب وما تكشف عنها وقع الصدمة على الشعوب العربية التي فهمت ان قياداتها مكشوفة ومخترقة وان خيرة ضباطها يمارسون التجسس لصالح اسرائيل مقابل حفنة من المال او احتجاجاً على "دوس قيمة الانسان حتى لو كان عسكرياً لامعا" كما حدث مع الضابط "جوليات" الذي ربما قبل التجسس لإسرائيل احتجاجاً على سوء معاملته وعدم اعتبار حياة الانسان العربي ذات أهمية بل اعتباره مطية للقيادات ووسيلة لضمان سلطتها فقط". الشعوب العربية فهمت ان أسلحتها وجيوشها لا تكفي لهزيمة اسرائيل واستعادة الحق الفلسطيني وفهمت هذه الشعوب ومنها الشعب المصري انه سيدفع لفترة ثمن المصالحة والسلام مع اسرائيل ولكن ليس الى الأبد، اما الفلسطينيون فلم يفهموا مغزى الأحداث ولم يستوعبوا ان اول الغيث قطرة، وان مصر ستكون الأولى وليس الأخيرة وأن اتفاقيات كامب ديفيد اشارت الى كل من أراد ان يفهم حقيقة الأحداث ان الدول العربية ستقبل حلولاً تستوفي شروطها اولاً رغم انها قد لا تستجيب بالكامل للمطالب الفلسطينية خاصة وان اتفاقيات كامب ديفيد تحدثت عن "حكم ذاتي للفلسطينيين" وليس دولة مستقلة وذات سيادة( عنوان واضح وصارخ قبل 43 سنة من اليوم) ، وهذا ما حصل فعلاً فكان السلام مع الأردن دون ان يفهم الفلسطينيون ان الأمور تسير باتجاه انضمام دول عربية الى معاهدات السلام خاصة على ضوء الكشف عن العلاقات الإسرائيلية الخفية مع الامارات والبحرين – التي استضافت بدعم اماراتي وسعودي ورشة المنامة حول صفقة القرن- وقطر وزيارات الوزراء اليها وزيارة نتنياهو الى سلطنة عمان.

المحامي زكي كمال: حرب يوم الغفران كانت الشرخ الأول بين المواطن في اسرائيل وبين قياداته خاصة على ضوء الخطر الوجودي الذي واجه إسرائيل طيلة الأيام العشرة الاولى من الحرب بل واكثر، ومن هنا جاءت لجنة " أغرانات" الرسمية للتحقيق في احداث الحرب والتي تشكلت بتاريخ 1973/11/23  برئاسة القاضي شمعون اغرانات  رئيس محكمة العدل العليا وهي الثانية من لجان التحقيق الرسمية في القضايا السياسية وكانت سبقتها لجنة التحقيق الرسمية في احراق المسجد الأقصى برئاسة القاضي يوئيل زوسمان  نائب رئيس محكمة العدل العليا والتي تشكلت بتاريخ 1969/8/22 وتلتها لجان تحقيق أخرى في قضية مذبحة صبرا وشاتيلا ومذبحة الحرم الابراهيمي في الخليل واغتيال اسحق رابين ولجنة اور لأحداث أكتوبر 2000.

فقدان الثقة هذا وصل ذروته بنتائج انتخابات الكنيست للعام 1977 والتي اسفرت ولأول مرة منذ إقامة الدولة عام 1948 عن خسارة "حزب العمل" ومن معه الحكم والسلطة لصالح الليكود الذي سارع زعيمه مناحيم بيغن بإعلان ترحيبه برغبة الرئيس السادات بزيارة اسرائيل لتحقيق السلام وقال انه مستعد- أي بيغن- لزيارة القاهرة لنفس الغرض، ولكن رغم نتيجة حرب الغفران أدرك بيغن والمواطنون في اسرائيل ان استمرار الحروب لن يجدي نفعاً وان إسرائيل لا يمكنها ان تعيش على حد السيف وبالتالي كان الترحيب والتأييد لاتفاقيات السلام مع مصر.

اسرائيل وعلى الساحة الجماهيرية ما زالت تعيش صدمة حرب أكتوبر حيث يعتمد المواطن الإسرائيلي العادي منذ ذلك الحين نهج التشكيك في دوافع السياسيين والبحث عن خلفيات قراراتهم ومطالبتهم بمنحه الإجابات الشافية حول تصرفاتهم وقراراتهم ما يعني نهاية عهد " تقديس القرارات التي يتخذها السياسيون".

هذا النهج كانت نتائجه بعيدة المدى: انعدام القيادة السياسية في إسرائيل التي يمكنها او تجرؤ على اتخاذ القرارات المصيرية والتي قد لا تحظى بشعبية بين المواطنين أي استبدال القيادة التي تقود بتلك التي تقاد والتي تتخذ قرارات تستجيب لرأي الجمهور او رغباته دون اهتمام بمصلحة الدولة العامة ما  خلق عدم الاستقرار الحزبي علماً ان حالة انعدام الثقة انتقلت من الحلبة السياسية والحزبية الى سلطات أخرى منها الشرطة والمحاكم وغيرها.

المحامي زكي كمال:  طبعاً وبحدة اكثر فما يحدث اليوم من قرارات تتخذها الكنيست حول المظاهرات وردود الفعل عليها والتشكيك في دوافعها واعتبارها محاولة لوقف الاحتجاجات ضد نتنياهو دون أي مبرر طبي او صحي هو الدليل على انعدام الثقة تماماً كما هو عليه الأمر لدى اليهود الحريديم الذين يؤمنون ان القرارات حول الكورونا جاءت لتقييدهم ومنعهم من أداء الشعائر الدينية وليس لأسباب صحية وتماماً كما هو حال اتفاقيات السلام مع البحرين والامارات التي لا يخفي الترحيب بها الشكوك حول دوافعها وفي مقدمتها صرف النظر عن فشل نتنياهو في مواجهة الكورونا وابعادها الاقتصادية ووقف حركة الاحتجاج المناوئة لنتنياهو وهو في هذا يشبه وضع ترامب في أمريكا الذي يحاول صرف النظر عن فشله في مواجهة الكورونا  والوضع الاقتصادي المتردي في أمريكا عبر التحريض على الملونين ومعارضيه.

المحامي زكي كمال: في الولايات المتحدة تجرى الانتخابات مرة كل 4 سنوات الا في حالة وفاة الرئيس او تنحيته عن منصبه وعندها يتولى نائب الرئيس  منصب الرئيس أي انه لا مجال لتكرار الانتخابات كما يحدث في اسرائيل ، ورغم ذلك فإن الانتخابات الحالية في الولايات المتحدة وربما حتى اكثر من سابقتها ترافقها مظاهر سلبية وخطيرة، وربما كان أفضل وصف لما يحدث في أمريكا هو ما قاله الصحافي والكاتب الأميركي توماس فريدمان من أن الولايات المتحدة مقبلة على حرب أهلية ثانية بشكل محتّم، وأضاف أن ما شاهده في الولايات المتحدة مؤخراً يشبه كثيراً ما شاهده في لبنان قبل نشوب الحرب الأهلية.

في مقابلة مع "سي. إن. إن" وصف فريدمان ما يجري بأنّه يفوق الخيال، وقال ان الحزب الجمهوري يعمل للحرب الأهلية بشكلٍ حثيث حين ينزع الشرعية عن نتائج الانتخابات مسبّقاً في حال عدم فوز ترامب بها، وقال الكاتب الأميركي إن الخلاص الوحيد من خطر الحرب ربما يكون في كسب ترامب ولاية جديدة ، ولعل نظرة متفحصة الى تصريحات ترامب حول انه لا يتعهد بقبول نتائج الانتخابات اذا ما تمخضت عن فوز بايدن وقوله ان النتائج ربما لن تظهر حتى بعد أشهر من الانتخابات او ان نتائج الانتخابات سوف يتم حسمها في المحكمة العليا، علماً ان الانتخابات التي تنافس فيها جورج بوش الجمهوري وآل غور الديمقراطي تم حسمها لصالح بوش بقرار من المحكمة العليا،  ولذلك سارع الى اعلان ترشيح القاضية ايمي كوني بارنت بديلاً للقاضية روت غينزبورغ  لترجح كفة المحافظين في قضاتها( 5 محافظين مقابل 4 ديمقراطيين)، رغم ان الديمقراطيين طالبوا بأن لا يتم انتخاب القاضي التاسع قبل الانتخابات تماماً كما فعل الرئيس السابق باراك أوباما، وهنا يبرز وجه الشبه بين الجمهوريين في أمريكا واليمين في اسرائيل فكلاهما يريد السيطرة على مواقع اتخاذ القرار وربما تجاوز المعارضين وذلك يبدا عبر السيطرة على الجهاز القضائي وجعله مطيعاً وموالياً وخائفاً . .

ترامب يشير ومعه مؤيدوه الى ان الديمقراطيين سيعمدون الى تزوير نتائج الانتخابات عبر التصويت في مكاتب وفروع سلطة البريد التي رفضت إدارة ترامب ضخ الميزانيات لمساعدتها بل عينت رئيساً لها من مؤيدي ترامب سارع الى تقليص ساعات عملها، وهذا في مسعى الى التشكيك في نزاهة ومصداقية الانتخابات تمهيداً لحالة قد لا يحصل فيها ترامب على 270 منتخباً او مندوباً من كافة الولايات الذين ينتخبون رئيس الولايات المتحدة. 538

السيرة الذاتية لترامب  تشير الى احتمال ان لا يقبل بالخسارة او ان يتمترس داخل البيت الأبيض وان يرفض اخلاءه او ان يرفض القاء خطاب الهزيمة كما هو متبع وان يرفض المباركة للفائز مما يبقي الفائز "تحت علامات الشك " ، علماً ان بعض مؤيدي ترامب يذهبون الى ابعد من ذلك ويطالبون حتى بعدم اجراء الانتخابات ومنهم  مايكل شوار الذي خدم لمدة 22 سنة في ال " سي. آي. أي" وكان من مطاردي أسامة بن لادن وينشط اليوم بحركة متطرفة qanon ومفادها ان السلطة القضائية والأمنية تتآمر ضد ترامب علماً انه كان قد اعلن تأييده للشاب الأبيض كيل ريتنهاوس الذي اطلق النار على اثنين من المتظاهرين الملونين في ويسكونسون وقتلهما وهذا يتفق مع تلميحات ترامب الى ضرورة الدفاع عن افراد الشرطة حتى أولئك الذين اطلقوا النار على بريانا تيلور وقتلوها خلال اقتحام منزلها لاعتقال شريك حياتها دون ان توجه لهم تهمة القتل او حتى المساعدة في القتل.

مايكل شوار وصف حركة" حياة الملونين هامة" بانها حركة إرهابية وطالب بذبح أعضائها اما زميله روجر ستون فطالب ترامب باستخدام الجيش ضد معارضيه وعدم الاكتفاء بأرسال الحرس الوطني الى مواقع الاحتجاجات الشعبية أي تسييس الجيش الأمريكي لخدمة اهداف ترامب وبقائه في السلطة ووقف الاحتجاجات ضده تماماً كما الحديث المتزايد في اسرائيل عن تسييس الشرطة واستخدامها لقمع معارضي نتنياهو ومنعهم من التظاهر بذرائع صحية واهية تستتر خلفها اهداف سياسية وشخصية.

المحامي زكي كمال: المحكمة العليا في الولايات المتحدة هي الهيئة القضائية العليا وهي صاحبة صلاحيات تصل حد إعادة النظر في قرارات الحكم المركزي وكذلك صلاحية الحسم في الانتخابات الرئاسية وغير ذلك من الخطوات المسموح بها للرئيس الأمريكي وصلاحياته شبه مطلقة ومن هنا جاء اهتمام ترامب بوجود أكثرية محافظة بين قضاتها لضمان دعمهم له علماً ان ترشيح القضاة لهذه المحكمة من صلاحيات الرئيس وحده على ان يتم اقراره في السنات ، مجلس الشيوخ، وهذا مضمون بسبب الأغلبية الجمهورية اليوم هناك.

روت غينزبورغ كانت الإمرأة الثانية التي تم اختيارها قاضية للمحكمة العليا عام 1993 وسبقتها القاضية ساندرة اوكونور التي تم تعيينها عام 1981، وهذا بحد ذاته، كان خطوة غير مألوفة في أمريكا بلد الحريات كما يدعون، حتى ان القاضي المعروف توماس جيفرسون قال كما اقتبست منه روت غينزبورغ في حفل تنصيبها، ان " اختيار سيدة لمنصب قاضية في المحكمة العليا هو تجديد ما زال الجمهور الأمريكي غير مستعد لقبوله وانه هو ايضاً غير مستعد لقبوله" .

غينزبورغ كانت قاضية بارزة في مواقفها وقراراتها وهي اقتبست في حفل تنصيبها اقوال القاضي التاريخي في المحكمة العليا ليراند هاند الذي قال ان القيم القضائية يجب اولاً وقبل كل شيء ان تحتل مكانتها في قلوب المواطنين " وأضاف:" اذا ماتت الحرية في قلوب المواطنين لن يتمكن أي قانون من ايقاظها ".غينزبورغ تبنت نهجاً مفاده " انها غير واثقة مطلقاً من انها محقة" وهو نهج مناقض لنهج" العدالة المطلقة" الذي تشهده النقاشات السياسية والقضائية اليوم في الولايات المتحدة واسرائيل على حد سواء والتي تتعمد  رفض انكار مواقف الآخرين وعدم ابداء أي استعداد لمناقشة وجهة نظرهم وليس ذلك فقط بل ان اراء الطرف الثاني ممجوجة ويتم الاستهتار فيها بشكل يلغي مبدأ الحوار والنقاش الذي يشكل أساس الديمقراطية وروحها ونبضها، ما يعني اننا في إسرائيل مثلاً تحولنا الى مجموعات أو "قطعان" يتسايرون مع التيار ولا يجرؤ على المناقشة او التغريد خارج السرب الا قلة قليلة فقط.  

في اسرائيل تم اختيار اول سيدة كقاضية في المحكمة العليا عام 1976 وهي القاضية مريم بن بورات والسؤال هو ألم يحن الوقت لخطوة كهذه في الدول العربية أي ان يتم اختيار قاضية للمحكمة العليا او محاكم التمييز!!!!

المحامي زكي كمال: منذ احتل التلفاز المكان الأول والأهمية الكبرى في حياة الأمم من حيث دوره في نقل الأخبار والمعرفة وسرد الاحداث، انتهج الساسة في أمريكا خلال الانتخابات وعلى جميع الأصعدة أي رئيس او منافس على الرئاسة او سيناتور او عضو كونغرس ، نهج التنافس في مناظرات تلفزيونية . خلال المناظرة الأخيرة بين ترامب وبايدن إتضح بان العنف اللفظي والجسدي المتفشي في أمريكا لم يتجاوز الساسة حتى على مستوى رئاسة الولايات المتحدة ، حيث تحدث كل من الرئيس ترامب ومنافسه الذي تبوأ منصب نائب الرئيس السابق باراك أوباما ، بلغة لا تليق بمن تعتبرهم قادة الشعوب مثالاً في الاحترام المتبادل والحديث الموضوعي والترفع عن الأحقاد الشخصية ، والكلمات النابية التي تم تبادلها بين ترامب وبايدن هي الدليل عن الدرك المنخفض الذي وصلت اليه القيادات في العالم .

رغم الكلام البذيء اشارت الاستطلاعات الى فوز بايدن على ترامب ( 48% مقابل 41%)  وبما انه من المتوقع ان تتم مناظرات إضافية بين نائب الرئيس الحالي مايك بينس وبين  كمالا هاريس المرشحة لنيابة بايدن ،  ومناظرتان اضافيتان بين بايدن وترامب ، فإنه من المتوقع ان تكون أهمية هذه المناظرات كبيرة وذلك على ضوء ما انتهت اليه المناظرة الأولى  التي أكدت الى أي منحدر وصلت السياسة الأمريكية والقيادة في أمريكا.

 

תגובות

מומלצים