نظرة في الأم

في ال21 من اذار تحتفل الناس بعيد الأم ،  تلك الأم التي أوصت جميع الرسالات الدينية والأنبياء باحترامها وطاعتها،  لعظمة المسؤولية الملقاة عليها ، في تربية الأبناء ، وعنائها الكبير في حملهم داخل أحشائها، وتحملها وصبرها ورضاها بمشيئة الله.

21.03.2021 מאת: منير فرّو
نظرة في الأم

 

قال تعالى : "  والله أخرجكم من بطون أمهاتكم" وقال أيضا : "يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث" وأيضا : "والله خلقكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً" وأيضا : "والله الذي أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون " صدق الله العظيم .

 

يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم  :  

 

          الأم مـــدرسة إذا أعد د تها             أعددت شعبا طيّب الأعراق

 

          الأم روض إن تعهّده الحيـا             بـالـــــري أورق أيما إيراق

 

          الأم أستاذ الأساتذة الـلاتي              شغلت مآثرهم مدى الآفــاق

 

في ال21 من اذار تحتفل الناس بعيد الأم ،  تلك الأم التي أوصت جميع الرسالات الدينية والأنبياء باحترامها وطاعتها،  لعظمة المسؤولية الملقاة عليها ، في تربية الأبناء ، وعنائها الكبير في حملهم داخل أحشائها، وتحملها وصبرها ورضاها بمشيئة الله ، الذي أرادها أن تلد الذكر والأنثى على حد سواء ، لتبقى حكمته نافذة على الأرض ، ولكن عندما نحتفل بعيد الأم ، هذا لا يعني إغفالا لدور الأب ، فالأم لن تكون أمّا بدون فضل وإرادة الأب ، فالأم والأب يعملان باشتراك وتعاون من أجل إسعاد الأسرة ، والله تعالى لم يجعل بين الرجل والمرأة فرقا إلا بالواجبات ،  لأنه تعالى جعل من الذكر والأنثى زوجين بهدف استمرار الحياة وبقاء النسل البشري وكل كائن حي آخر، فالإنسان هو هدف الله في هذا الكون وليس سواه ، ولذلك خصه بالعقل المميّز دون غيره ، وخلقه على أحسن تقويم ، وجعله يمشي على رجلين مما يدل على نبوغه وتفوقه على الكائنات جميعها ،  فلا فضل لنفس ذكر أو نفس أنثى إلا بالأعمال الصالحة ، وحسن الأخلاق ، والأيمان بالله ورسوله ،  والأنبياء المرسلين ، واليوم الآخر، فالمرأة خلقها الله لتكون مطيعة لزوجها فيما يرضيه ، كما فرض على الرجل طاعته بصيانة نفسه عما لا يريده ، وبذلك يكون الزوجان تحت طاعة الله ،  وقد طلب تعالى من المرأة الحصانة بأن تكون محصنة فقط لبعلها، لصيانة نفسها من الرذائل والأمراض ، ولحفظ الأنساب للآباء ،  لئلا يحدث اختلال في الأنساب والاحساب فيفسد نظام الكون ، وتفسد معه أرادة الله ، فتهلك البشرية بهلاك الأنساب والأحساب ، وتفقد الأبوة والأمومة والبنوة ، ويضيع مرجوع الأمور عن أصلها ، ويصير العالم في معناه سفسطائيا لا أصل له ، ولا حقائق يبنى عليها .

 وإذا رجعنا إلى دور الأم فإن دورها يستحق كل تقدير ، واقصد الأم الملتزمة لأوامر خالقها في تربية أبنائها، فتبذل كل ما بطاقتها من أجل إسعاد أبنائها وزوجها، فهي تضحي بنفسها فلا تلتفت إلى بهارج الحياة ، ولا تولي عناية بنفسها أكثر من أبنائها ، لان الأم هي منبع الحنان والرحمة ،  فبمقدار ما تبذله من حنان وعطف ولطف لأبنائها، يعود عليها بالخير في الكبر ، لأنه كما تزرع تحصد ، فكلما كان إهمال الأم لأبنائها أكبر يكون إهمال الأبناء لها في الكبر أكبر وأكبر ، فالأم هي الحضن الدافيء للطفل ،  تغمره بحنانها ودفئها وابتسامتها، ليألف ويأنس بها وتكبر مودته لها ، فهي كالطبيعة التي تحضن الحياة ، وتعطي الأحياء ما يريدون ، من غذاء وماء وهواء ومناظر خلابة ، مما يجعلهم يبادلونها ذات الشعور .

 لقد أوصى الله تعالى بالأم والأب بقوله وقوله حق وصدق : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا " وأيضا : " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير " ، وعندما سئل الرسول عليه السلام عن أحق الناس بإكرامه فقال:" أمك ...ثم أمك ...ثم أمك...ثم أبوك"؟ لان إلام تحمل ابنها داخل أحشائها جنينا متطورا في مراحله تسعة أشهر تتحمله بصبر بالرغم ما تعانيه من آلام وأوجاع أثناء الحمل وأثناء وضع الحمل حتى تراه طفلا يخرج إلى فسيح الدنيا ليكون رجلا أو امرأة، وفي العهد القديم ( التوراة )  والعهد الجديد ( الإنجيل المقدس ) : " احترم أباك وأمك لتطول أيام حياتك " لان رضا الله من رضا الوالدين ،  لقد تغنى الأدباء والشعراء بالأم لأنها المدرسة التي تتخرّج منها الأمم والشعوب، فالعظماء جميعهم ولدتهم أمهاتهم ، منهم الأنبياء والحكماء والفلاسفة فالأمهات هي التي تصنع الرجال ولولاهن لما جاؤا إلى هذا العالم وسطّر التاريخ مجدهم ، فها هي قصة سيدنا موسى مع أمه عندما وضعته في النيل خوفا من أن يقتله فرعون ، وها هي السيدة آسية تحتضنه وتغمره بحنانها، ثم جاءت ولادة يسوع المسيح عليه السلام المخلص البشرية من الخطايا والذنوب والآتي في آخر الزمان ليتم يومه الذي بدأه من أمه الجليلة السيدة مريم روحا قدسيا ،  ثم جاء رسول الأمة محمد صلى الله عليه وسلم  المبعوث بالهدى بدين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون من أمه آمنة بنت وهب والذي اعتز بها ابنها لكونها من خيار القوم بقوله : " أنا ابن العواتق من سليم " ، ثم نسائه أمهات المسلمين رضي الله عنهن وعلى رأسهن السيدة خديجة والسيدة عائشة ، ثم جاءت ابنته فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء العالم لتضع سلالة طاهرة يكون منها المهدي عليه السلام ، لذلك قيل : " الأمومة أعظم هبة خص الله بها النساء " ، وقال سقراط الحكيم : " لم اطمئن قط الا وأنا في حجر أمي " ، وقال أبراهام لنكولن : " أعظم كتاب قرأته : أمي ، و أني مدين بكل ما وصلت إليه وما أرجو أن أصل إليه من الرفعة إلى أمي الملاك " ، وجبران خليل جبران يقول : " إن أعذب ما تتفوه به البشرية هو لفظة الأم ،  وأجمل مناداة في الوجود هي أمي ،  كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالحب والأمل والعطف ،  وكل ما في القلب البشري من الرقة والعذوبة " .

وكما وصف الحكيم الفاضل الامير جمال الدين عبد الله التنوخي الملقب بالامير السيد قدس الله روحه الامراة الحرة الكاملة التي تستحق الاكرام والتقدير والتبجيل وحتى التقديس فقال :

المؤمنة ناظرة في عيبها، مقبلة على ربها، خفي صوتها، كثير صمتها ، لينة الجنان، خفيفة اللسان، ظاهرة الحياء، ورعة عن الخناء، متكرمة عن الاذى، واسعة الصدر، ظويلة الصبر، قليلة المكر، كثيرة الشكر، نقية الجيب، طاهرة من العيب، لا تجبه بداء، ولا تبدأ  بسفه واذى، حليمة، كريمة، رصينة، رزينة، اديبة، نجيبة، قليلة النزق، سهلة الخلق، بريئة من الكذب، بعيدة من العجب، معرضة عن اللهو، راحمة، حازمة، سترة، خفرة، لا منافقة، ولا مكرة، قليلة الجهل، وثيقة بالعقل، رحيمة القلب، خالصة اللب، ان زجرت ازدجرت، وان امرت ائتمرت، تشنأ الصلف، وتبغض السرف، لها قناعة بالعفاف، وايثار بالكفاف، ورحمة بالاهل، ورفق بالبعل، لا تسيء اليه، ولا تغلظ عليه، ولا تكون له حيث النكد، ولا تكلفه ما لا يجد، تضع له خدها، وتخلصه ودّها، لا تملأ منه نظرها، ولا تترك منه خفرها، ولا ترفع طرفها اليه جلالة، ولا تعلي صوتها عليه بحالة، تبتهج بذكره، وتعني بامره، تترك لامره امرها، ولرأيه رأيها، وتصفيه غاية الحب، تؤثره على الام والاب، لا تسر ان تعرف له زلة، ولا تعلم له عثرة، ولا تجفوه في عسر، ولا تقلاه في فقر، بل تزيده في الفقر ودا، وعلى الاقتار حبا، تلقى غضبه بحلم وصبر، ومعاشرته بود وشكر، تكشف له حالها، وتبذل له مالها، فان قال اوجبت له قوله، وان فعل صوبت له فعله،  تصرف على هواه هواها، وعلى رضاه رضاها، ان اساء اليها غفرت، وان آثر عليها صبرت، فهذه الصفات يجب ان يجتمع غالبها في المراة كما في الرجل حتى تصح السعادة الزوجية، وتكون عيشتهم هنية، ودائما يسعى الزوجان نحو السعادة لهما بالوفاق والاتفاق لتصح الابوة والامومة والحياة العائلية فالزواج هو رضاء كلا الظرفين الزوج والزوجة بان يقترنا ويتعايشا ويسعد احدهما الاخر بما يرضي الله والحياة الزوجية اذا بنيت على الايمان بالله كانت موفقة وذات معنى وكل خلل يحدث منه ضرر فسبحان من جعل الازدواج حكمة للانتاج وظريقة للابتهاج بترك الاعوجاج والارتجاج وتصح امومة المراة وابوة الرجل .

 ويقول الشاعر معروف الرصافي : 

 

               أوجب الواجبات  إكرام أمي         إن أمي أحق بالإكـــــــــــرام

 

               حملتني ثقلا ومن بعد حملي         أرضعتني إلى أوان فطـــامي

 

              ورعتني في ظلمة الليل حتى         تركت نومها لأجل منـــــامي

 

              إن أمي هي التي خلقتنــــــي         بعد ربي فصرت بعض الأنام

 

              فــلها الحمد بعد حمدي إلهي         ولها الشكر في مدى الأيام 

 

فالأم هي من نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى ، فله الحمد على ما أنعم ، وله الشكر على ما أودع وقسم ، ولجميع الأمهات عيد أم سعيد ، حرصكن الله بصيانته ، وأدامكن لنا ولأولادكن خير سند، وعزا عليه يعتمد،  ولمجتمعكن خير معطاءات ، لتبقى كما قال الرسول الكريم ، عليه أتم الصلاة والتسليم : " الجنة تحت أقدام الامهات " ، وكل عام وانتن بالف ألف خير ودمتمن . 

 

תגובות

מומלצים