نظرات في الترجمة والقصص المترجَمة للأطفال

من المشاكل والصعوبات التي تَعترِض المترجِم عند الترجمة، أن اللغة التي يُترجَم إليها النص لها طقوسها وشروحها الخاصة، وأنّ كثيرًا من الكلمات في كلّ لغة لا يوجد لها معنى في اللغات الأخرى، لا يوجد المعنى الملائم للمفردات، الاختلاف الثقافي والبيئي، وأيضا وجود الاختلاف في تركيب الجُمل بين اللغات.

21.12.2019 מאת: د. حسام خليل منصور
نظرات في الترجمة والقصص المترجَمة للأطفال

 

نشهد في السنوات الأخيرة نشاطَا ملحوظًا في مجال الترجمة بشكل عام، وترجمة قصص الأطفال من اللغات المتنوعة والمختلفة الأخرى إلى اللغة العربية بشكل خاص، والتي تُترجَم بكثرة خصوصا من اللغتين الإنجليزية والعبرية إلى اللغة العربية وبالعكس.

وهذه المسألة هي مسألة مهمّة في نظري، حيث أنها تُعتبَر إشكالية كبيرة في مجال أدب الأطفال، إذ من جهة واحدة تعطي الفرصة للتعرف على الحضارة والمجتمعات الأخرى، ولكن من جهة ثانية، تكون الترجمة في كثير من الأحيان غير دقيقة وغير صحيحة.

يقول الجاحظ بهذا الصّدد : " ولا بدّ للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة، في وزن علمه في نفس المعرفة، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة واللغة المنقول إليها حتى يكون فيهما سواء وغاية، ومتى وجدناه أيضا قد تكلّم بلسانَيْن، علمْنا أنه قد أدخل الضيم عليهما، لأنّ كلّ واحدة من اللغتيْن تجذب الأخرى وتأخذ منها، وتعترض عليها. وكيف يُمكن تمكّن اللسان منهما مجتمعين فيه، كتمكّنه إذا انفرد بالواحدة، وإنما له قوة واحدة، فإن تكلّم بلغة واحدة استفرغت تلك القوة عليهما، وكذلك إن تكلّم أكثر من لغتيْن، وعلى حساب ذلك تكون الترجمة لجميع اللغات. وكلما كان الباب من العِلْم أعسر وأضيق، والعلماء به أقلّ، كان أشدّ على المترجِم، وأجدر أن يُخطِئ فيه، ولن تجد البتّة مترجِمًا يفي بواحد من هؤلاء العلماء".

ومن المشاكل والصعوبات الأخرى التي تَعترِض المترجِم عند الترجمة، أن اللغة التي يُترجَم إليها النص لها طقوسها وشروحها الخاصة، وأنّ كثيرًا من الكلمات في كلّ لغة لا يوجد لها معنى في اللغات الأخرى، لا يوجد المعنى الملائم للمفردات، الاختلاف الثقافي والبيئي، وأيضا وجود الاختلاف في تركيب الجُمل بين اللغات.

وعدَم التمكّن من إتقان لغة الأم – أي لغة أم – قد يؤثِّر على إتقان اللغات الأخرى، وإذا لم يتمكّن الطالب من فَهْم مهارات فَهْم المقروء بلغة الأم، فسيعجز غالبًا عن فِعْل ذلك باللغات الأخرى، وأيضا في المواضيع العِلْمية مثل الرياضيات والفيزياء التي تحوي مسائل كلاميّة، ويمتدّ ذلك إلى النّجاح أو الفشل في معاهد التعليم العُليا. وفيما يخصّ اللغة العربية كلغة أمّ، يُضاف إلى ما ذُكِر سابقًا، وجود اللهجات المختلفة والمتعدِّدة، واللغة العامية.

ويبقى السؤال: كيف سيتعامَل الطفل أو الطالب المدرسي الذي يتكلم اللغة العربية كلغة أم مع المشاكل والصعوبات الأخرى التي تَعترِض المترجِم عند الترجمة ومع وجود الاختلاف في تركيب الجُمل؟ وهل سيسبّب هذا الأمر له بلبلة وضعفًا في فَهم موضوع اللغة العربية والمواضيع الأخرى واستعمالها في المرحلة الابتدائية وفي المراحل التعليمية اللاحقة؟

بالرّغم من ذلك، تَصدر للكُتّاب قصص وكّتُب مصوَّرة مُفرَدة ومجموعات عديدة من الكُتُب المصوّرة والقصص المترجَمة للأطفال، ويقوم هؤلاء الكتّاب أو ممثلون عنهم ببيْعها أو توزيعها على الحضانات، الروضات، البساتين والمدارس، وتبدأ المربيات والمعلّمات ويبدأ الأهالي أيضا بقراءة وسَرْد هذه القصص على الأطفال والطلاب، ومن ثم يتمّ عرْضها كمسرحية يكون الأطفال ممثلين فيها. والأسئلة التي تُطرح في هذا الصّدد: هل كلّ ما يُكتب ويُترجَم ملائم لتربية وتعليم الأطفال؟ وإن كان الأمر كذلك، ما هي نسبة الملاءمة لهم؟ هل هي كاملة؟ جزئية؟ أم لا توجد ملاءمة بتاتا؟ وعندما نقول ملاءمة، نقصد ملاءمة عمرية (مراحل الطفولة متعددة وكلّ مرحلة تمتاز بخصائص معيّنة)، نحوية، لُغوية، إملائية، تربوية، مجتمعية، نفسية، مضمونية ( رسالتها ومضمونها - واضح، مزدوج، معاكس ومتناقض ) وغيرها. وما هو تأثير هذه الكُتُب المصوَّرة والقصص المترجَمة، على الأطفال حاضرًا ومستقبلا من ناحية سلوكية، تربوية، تعليمية وغير ذلك؟

اعتمادًا على ما تقدّم، أقترِح التركيز خاصة في المراحل العُمْريّة الأولى على القصص العربيّة الأصليّة، وهي كثيرة جِدًا ومضامينها ممتازة إن أًحسِن اختيارها، وذلك حتى التمكّن من أساسيات اللغة العربيّة، وفقط بعدها التوسّع أكثر في القصص المترجَمة. ويَنتج ذلك عن كوْن موضوع اللغة العربية محور تعليم التلميذ في المرحلة الابتدائية، وحتى يتعامل هذا التلميذ مع جميع المواضيع بدون مشاكل، وحتى ينجح في جميعها بصورة جيدة في هذه المرحلة وفي المراحل التعليمية اللاحقة، عليه أن يُتقِن اللغة العربية، إذ تُدرَّس غالبية المواضيع التعليمية في المرحلة الابتدائية باللغة العربية، ومن ذلك، اللغة العربية نفسها، التراث، الموطن، الطبيعة، التاريخ، الجغرافيا، الرياضيات، العلوم وغيرها.

ملاحظة: يعتمد هذا المقال على كِتابي بعنوان : " إضاءات على أدب الأطفال – لماذا؟ كيف؟ إلى أين؟ "، دار الحديث للإعلام والطباعة والنشر، 2019

د. حسام خليل منصور – مُحاضِر وباحِث في مجال أدب الأطفال

 

תגובות

מומלצים