الحكومة الجديدة وانفراط عقد المسبحة القديمة

وسط حالة تعكس مدى الأزمة السياسية والحزبية والبرلمانية التي تعيشها إسرائيل منذ سنوات طويلة وتجلت بأقسى وربما أخطر صورها خلال العامين الأخيرين بأربع انتخابات متتالية دون حسم واضح وحكومة انتقالية طال عمرها بشكل اصطناعي

03.06.2021 מאת: المحامي زكي كمال
الحكومة الجديدة وانفراط عقد المسبحة القديمة

 

تلفها تجاذبات تشكيل وتشكيلة الحكومة القادمة التي تميزها تناقضاتها الداخلية خاصة على ضوء ما شهدته الأسابيع الماضية من احداث بدءً بالعملية العسكرية في قطاع غزة وما سبقها من توترات مقصودة ومفتعلة في بعضها في القدس وما رافقها من صدامات وأعمال عنف متبادلة في المدن المختلطة خاصة والوسط العربي والبلاد عامة ، تلوح في الأفق ملامح مرحلة جديدة تستوجب وقفة خاصة ومدروسة تنتهي الى رسم خطوط عريضة سياسية وبرلمانية واجتماعية تحتمها  وتمثلها المرحلة القادمة التي تبدا في خضم ازمة تبدو غير مسبوقة لم تواجهها الديمقراطية في إسرائيل من قبل.

 

 من المسلمات ان الديمقراطية ليست حالة مفروغاً منها او انها مفهومة ضمناً وأن وجودها كنظام حكم وحياة يعني بقاءها الى الأبد بكامل عافيتها وقوتها وزخمها، بل ان الديمقراطية تحتاج الى الرعاية والاهتمام المستمرين، خاصة خلال الازمات التي تلزم الحكومات ان تكون اكثر حذراً خاصة وان الحكومات غالباً ما تستغل وضع الأزمة، والتي يكون المواطنون خلالها خائفين وتائهين، فتشرع إلى توسيع مدى سلطاتها والحد من المجال السياسي والمدني ، فغالباً ما تكون الديمقراطيات الناشئة  ومنها إسرائيل أو الأقل قوة معرضة أكثر من غيرها الى انتكاسة ديمقراطية لأنها تفتقر إلى المبادئ والمؤسسات والإجراءات الديمقراطية ذات الأساس القوي، مما يجعل دور السياسيين من جهة وخطرهم من جهة أخرى،  أكبر وأكثر أهمية حيث يجب أن يعملوا على حماية المبادئ الديمقراطية ومنع استغلال السلطة أو المال خلال الأزمة/

واضافة الى ذلك فإن الأزمات تجعل قول الحقيقة امراً حاسماً وميزة تفصل الغث عن السمين وتفصل بين القائد الحقيقي والموجه الصادق وبين من ينجر وراء الاحداث ويصبح قشة في مهب الريح، تخشى قول الحقيقة او لا تريد ذلك لمصلحتها ، تقودهم العامة بخلاف القول الشهير" "قل كلمتك وامشِ "، الذي كان عنوان مقالات الأستاذ كامل جميل مروة في جريدة الحياة، التي أسسها، حتى تم اغتياله .

 

ما سبق ينطبق وبنفس المقدار على كافة القيادات في الدولة بدءً من رئيس الوزراء ووزير الأمن الداخلي اللذين  انساقا وراء العامة واطلقا الاتهامات والتهم والتصريحات التي اعتبرها البعض صباً للزيت على النار خاصة بكل ما يتعلق بالعلاقات بين اليهود والعرب في البلاد من جهة، وبين مؤيدي توجهات نتنياهو واليمين السياسية والأيديولوجية والاجتماعية الداخلية والخارجية وبين من يعارضها ويعمل على استبدالها وتغييرها، واعتبرها البعض مجانبة للحقيقة فالصدامات بين المواطنين اليهود والعرب،  وإن كان المواجهة العسكرية في غزة والصدامات في القدس هي الشرارة التي اطلقتها الا ان جذورها اعمق بكثير وتعود الى سنوات طويلة وحيثيات تتعلق بالميزانيات وامكانيات العمل والتعليم ومستوى وجودة الحياة

 

وان الغالبية الساحقة من بين المشاركين في الاحتجاجات  أرادوا التعبير عن موقف احتجاجي جراء الاحداث بينما كان أولئك الذين شاركوا في  النشاطات التي  مست بالممتلكات العامة نسبة ضئيلة للغاية بل اقل من ذلك ، كما ان الأزمة الزمت القيادات العربية بقول الحقيقة والتي تتعلق بمعاني الأحداث والمواجهات وملخصها ان الاحتجاجات وخلافاً لما يمكن تفسيرها جاءت رغم ازدياد توجهات ونزعات الأسرلة، وذلك وفقاً لاستطلاعات اجراها البروفيسور سامي سموحة من جامعة حيفا والتي اشارت الى ازدياد نسبة من يعرفون انفسهم على انهم عرب إسرائيليين من 49% عام 2019 الى 51%  في عام 2020، (مقابل 14% قالوا انهم فلسطينيين  و14% فلسطينيين إسرائيليين عام 2019) ، ما يضاف الى استطلاع المعهد الإسرائيلي للديمقراطية الذي أشار الى ان 65% من المواطنين العرب في اسرائيل يفخرون بكونهم إسرائيليين، وهي النسبة الاعلى منذ عام 2003، مع الإشارة الى انه من المستغرب ان لا تكون أي من الهيئات التمثيلية للمجتمع العربي كلجنة المتابعة او اللجنة القطرية او غيرهما من المراكز والمؤسسات المدعومة أوروبيا او حتى اسرائيلياً هي المبادرة لمثل هذا الاستطلاع، مع الإشارة الى ان المعطيات السابقة تؤكد ما يرصده المحللون من تزايد مظاهر الأسرلة بالتزامن مع تضاعف الجهود الإسرائيلية لتقوية ودمج ما تسميه بالقوى المعتدلة العربية بالمجتمع الإسرائيلي مقابل إقصاء القوى السياسية العربية "المتطرفة"، من وجهة النظر الإسرائيلية.

 

 لا شك أن المواطنين العرب يعانون التمييز والعنصرية في كافة مناحي الحياة، كما انه لا شك بان الأزمات تؤدي الى ابراز حدة المظاهر السلبية والتوجهات المتناقضة ولذلك فإن السؤال هو: أي من التوجهات سوف تنتصر في حالتنا هنا في إسرائيل عامة والمجتمع العربي خاصة، وهل هي توجهات أولئك الذين ينشدون الاندماج والمساواة وبالتالي كانت احتجاجاتهم صرخة استغاثة يطلقها مواطن مقابل حكومة بلاده ام توجهات أولئك الذين ينشدون الاقصاء او التقوقع وتعميق وتعزيز الكراهية، وبالتالي آلم يكن هناك مكان بل وحاجة لإقصاء وإدانة أولئك الذين مارسوا الاعمال العنيفة وتسببوا بالأضرار للمنشآت العامة والممتلكات العامة يحميهم اللثام الذي غطى وجوههم  والذين كان بإمكانهم بل عليهم ممارسة الاحتجاج ورفع صوتهم عالياً ضد العنصرية والتمييز بشكل حضاري يليق بالمطالبين بالمساواة الحقيقية مستعينين بتضامن ودعم وسائل الاعلام والعقلاء من الطرف الآخر، بدلاً من تكريس أجواء التهديد والرعب والتخويف التي مارسها الملثمون دون وازع او رادع ودون ان نتمكن من معرفة ما اذا كانوا متظاهرين حقيقيين ام مندسين ومأجورين الحقوا الضرر وبالتالي " سرقوا الأضواء" الإعلامية بدلاً من ان توجه الى المنفلتين العنيفين الذين ارسلهم اليمين ومنظمة لهافا او "لا فاميليا" والمستوطنين ليعيثوا دماراً وتخريباً.       

 

وإزاء ما سبق  من سلبيات  برزت بشكل مغاير بعض الحالات التي تستوجب الوقوف عندها، ومنها ما حدث مع مديرية النهوض بالبدو التي تلقى رئيسها يائير معيان، وهو يميني التوجهات والمواقف عينه وزير الزراعة السابق اوري اريئيل من حزب بتسلئيل سموتريتش، رسالة كان حاييم يعكوف مهندس المياه قد كتبها جاء فيها انه- يعكوف- وبسبب الهجمات على دولة اسرائيل ومظاهرات المواطنين البدو عامة  ومواطني راهط خاصة والتي وضع رئيس بلديتها في مكتبه صورة لياسر عرفات( وصفه يعكوف بانه قاتل كبير وتمنى ان يمحو الله ذكره) قرر عدم المشاركة في أي نشاطات تشكل تقديم خدمات للمواطنين البدو وتعني تخصيص ميزانيات لهم، فجاء رد يائير معيان انه تلقي بغضب واستياء رسالة يعكوف العنصرية  والمحرضة ضد البدو والتي اشتملت ادعاءات كاذبة مضيفاً ان المسؤولين الإسرائيليين صافحوا ياسر عرفات وبالتالي فإن وضع صورته في ديوان رئيس البلدية لا يعني وصمه بالتطرف وان مواطني راهط مخلصون لدولتهم  ومن هنا فإن ما جاء في الرسالة مرفوض ومقيت يجب الاعتذار عنه، ما دفع بيعكوف للاعتذار من رئيس بلدية راهط فايز أبو صهيبان ، في حادثة تؤكد عمق التوجهات  العدائية للعرب في البلاد  والتي أججتها جهات سياسية يمينية متطرفة واعلاميون ينتمون الى الأحزاب اليمينية خاصة المتدينة وسط حالة من اسكات كافة الأصوات التي حاولت الحديث عن التعايش والعيش المشترك بين العرب واليهود في البلاد، والرد بالمقاطعة والتخوين على من ابدى مواقف معتدلة تحدثت عن ضرورة بناء مستقبل مشترك للشعبين في البلاد، فكان الرد عليهم  تهديد منظم او عداء منظم.

 

إزاء ما حدث ورغم ما حدث بل بسبب ما حدث ولمنع تكراره فإن المهمة الاولى للحكومة القادمة بغض النظر عن وصفها سواء كانت "حكومة تغيير"  برئاسة نفتالي بينيت ويائير لبيد بالتناوب او "حكومة تكريس" برئاسة بنيامين نتنياهو تكرس حكم اليمين والائتلاف الحالي مع الحريديم، يجب ان تكون خلق واقع جديد على الساحتين الإقليمية والمحلية، عبر اختيار واحدة من الإمكانيات الأربع مقابل "حماس" بعد المواجهة العسكرية الأخيرة وهي استمرار الوضع الراهن ما ينذر بصدام قريب او تعزيز قدرة الردع والمس بالحركة بشكل يجعلها تخشى الرد الإسرائيلي  الذي يردعها او انهاء سيطرة "حماس" على قطاع غزة او التسبب بانهيار سلطة الحركة في غزة ما يلزم إسرائيل بعملية عسكرية برية تنهي الوضع الحالي الذي تحولت فيه غزة منذ 2007 الى شبه كيان مستقل بقيادة منتخبة وقوة عسكرية واحدة ، اما الإمكانية الأخيرة فهي انهاء حكم "حماس" ليس عبر عملية عسكرية بل عبر تعزيز السلطة الفلسطينية والتفاوض معها واتخاذ خطوات تمكن السلطة الفلسطينية من العودة الى قطاع غزة كسلطة تحكمها بدل "حماس"، وكل ذلك مع الأخذ بالحسبان موقف الإدارة الأميركية الحالية ، إدارة بايدن، التي ومع  أول مواجهة عسكرية في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين اكتشفت أن هناك بوناً كبيراً يتسع بين الرؤية المنشودة، وبين الواقع المتطور، فكانت الحركة السريعة عقب اندلاع الأحداث في غزة وإسرائيل هي التدخل على الخط تخوفاً من دخول أطراف دولية أخرى تتحين الفرصة.

 

كما بدلت مسارات تحركاتها سريعاً من خلال طرحها لرؤية عاجلة للتهدئة، مع التركيز على الأطراف الإقليمية التي لها خبرات متراكمة في التعامل مع مثل هذه الحالة وفي مقدمتها مصر عبد الفتاح السيسي، وهو ما تم على عجل من خلال تحرك وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والذي حلّ ضيفاً على المنطقة لثبيت الوضع الأمني والمشاركة في تفعيل التهدئة، والتأكيد على الحضور السياسي المباشر ودعم الحلفاء الإقليميين الذين أداروا الأزمة، ونجحوا في التوصل إلى نقطة توازن لخطوة لاحقة، وهو ما سيفرض على الإدارة الأميركية الانتقال من المرحلة الأولى الحالية  إلى الثانية والتعامل السياسي في المنطقة مع ما يجري والإقدام على خطوات فعالة، وترجمة الأقوال إلى أفعال.

 

اما على الصعيد الداخلي وعلى خلفية الاحداث التي شهدتها البلاد فقد أصبح من الصعب في الوقت الحالي على الاقل الحديث عن العيش المشترك او التعايش دون ان يثير ذلك حنق البعض ومعارضتهم بل ومطالبتهم اولاً بفرض السيطرة واثبات السيادة، لكن ما حدث يثير الأسئلة والتساؤلات حول قضايا عديدة أولها كيف يمكن ان تكون في اسرائيل 7 مدن مختلطة  فقط يشكل العرب فيها أكثر من 5% من السكان ( من أصل 172 بلدة ومدينة في اسرائيل)، وهي عكّا، حيفا، الرملة، الّلد، معلوت - ترشيحا، تل أبيب – يافا ونوف هجليل ، يعيش في هذه المدن حوالي نحو مئة وخمسين  ألف عربي يشكّلون حوالي عشرة بالمئة من مجموع العرب في إسرائيل، علماً ان السؤال الحقيقي هنا هو : هل، في إسرائيل أيضا، المدينة المختلطة هي مصطلح من الاندماج أم هي بالذات مصطلح من الفصل. صحيح في هذا السياق اننا نسمع بين الفينة والأخرى عن عنصريين رفضوا او منعوا بيع او تأجير منازل للعرب في العفولة او حريش او غيرهما لكن الحقيقة التي يجب الالتفات اليها هي انعدام وجود العرب في مختلف المدن الإسرائيلية الكبيرة ومنها بيتح تكفا وريشون لتسيون وحولون او المدن التي لا تعرف على انها المدن المختلطة التي نعرفها.

 

الحل هو مدن مختلطة أي اندماج العرب كمواطنين في كافة المدن الإسرائيلية وان يصبحوا جزءً من حياتها العامة، فالمدن "المختلطة" التي يقيم فيها العرب واليهود هي الحل لما تعيشه إسرائيل من مشاعر عداء واقصاء للعرب وهي بالتأكيد ليست المشكلة، فالمجموعات متعددة الحضارات والتوجهات وانماط التفكيرهي المحرك لكل عملية ازدهار وتقدم علمي واقتصادي واجتماعي وثقافي اما الغيتوات فهي الوصفة الأكيدة للفقر والعنف والكوارث والآفات الاجتماعية وغيرها، وأقول ذلك رغم انه يبدو انه من الأسهل بناء مدن منفصلة لكل مجموعة ما يعفي السطة من "ترتيب سلم افضليات بين كافة المجموعات السكانية المختلفة" وهو للأسف ما شرعنته محكمة العدل العليا بقبولها "لجان القبول" في الكيبوتسات والقرى التعاونية والجماهيرية اليهودية في النقب والجليل، وعبر تخصيص غير متساوٍ وغير منصف للأراضي التي تملكها الدولة عبر دائرة أراضي اسرائيل ناهيك عن خصوصية الأراضي التي يملكها الصندوق القومي لإسرائيل الكيرن كييمت وهي لليهود فقط وهي توجهات عززها قانون القومية الذي جعل اسرائيل "دولة لليهود فقط".

 

هذه ما ينتظر الحكومة الجديدة والمسماة بحكومة التغيير او الإشفاء وهي حكومة تختلف مركباتها  وربما تتناقض في التوجهات والتطلعات والمواقف حول قضايا السلام والعلاقة مع العرب في البلاد، لكنها تتفق في قضية واحدة أساسية وجوهرية وكبيرة  ربما هي ألأقوى تتلخص في الاتفاق على ضرورة استبدال حكم نتنياهو واليمين والانطلاق من ذلك الى ما هو أوسع او الى مواضيع تنبثق عن تنحية نتنياهو عن سدة الحكم ومنها العلاقات بين أطياف المجتمع اليهودي التي وصلت حد الغليان والتخوين والتهديد لكل من تسول له نفسه عدم التماهي سياسياً وعنصرياً مع مواقف نتنياهو الذي حوله أنصاره الى زعيم اوحد ومنزه بل ربما نبي منزل وملك لإسرائيل ، علماً ان تبعات هذه التنحية ستكون بعيدة المدى سياسياً وحزبياً فهي تعني ليس فقط قيام حكومة جديدة بل تعني انفراط عقد المسبحة القديمة وحباتها من الليكود واليمين والمتدينين المتزمتين – الحريديم- وهي المسبحة التي امتازت كحكومة باتخاذ قرارات غير مدروسة العواقب وخطوات ربما غير دستورية او قانونية كقانون القومية وغيره كانت احياناً غير مبررة بل ضد مصالح إسرائيل على الصعيدين الإقليمي والدولي وتكفي الاشارة الى ما كان في القدس ومصادرة المنازل في الشيخ جراح وكم بالحري الموقف من الشأن النووي الإيراني الذي يبدو ان نتنياهو مستعد كما قال هذا الأسبوع لصدام مباشر مع الولايات المتحدة  وربما عمل عسكري قد يصب في مصلحة منع تنحيه عن منصب رئيس الحكومة بسببه.

 

انفراط عقد المسبحة القديمة ائتلافياً وحزبياً سيغير الخريطة الحزبية والسياسية عبر تقاسم جديد مختلف للقوة على الساحة السياسية والبرلمانية قد يشكل استمراراً او نقيضاً لما شهدته البلاد منذ اعتلاء اليمين سدة الحكم عام 1977 ابان عهد مناحيم بيغن، وتحديداً كل ما يتعلق باليسار الاسرائيلي او ما يسمى بذلك والذي تضاءل وكاد يندثر منذ ذلك الحين.. والأيام ستحمل الرد.

 

 

תגובות

מומלצים