نداء الى السياسيين كونوا دون حزب وليس دون ضمير

وإن كان الأسبوع الأخير في اسرائيل والمنطقة زاخراً وحافلًا بالأحداث والتطورات السياسية والدبلوماسية دون ان يختلف في ذلك عن الأسابيع التي سبقته وستليه في إسرائيل والمنطقة اللتين خصَّهما الله

09.07.2021 מאת: المحامي زكي كمال
نداء الى السياسيين كونوا دون حزب وليس دون ضمير

 

كما يبدو بعدم الاستقرار السياسي والحزبي وحباهما بتسارع غريب ومرعب احياناً في الأحداث، إلا انه كان اسبوعاً اختلف عن غيره بأمر واحد أساسي ملخصه انه أسبوع تصرف فيه كثيرون من اللاعبين في الحلبة السياسية المحلية والإقليمية وفق مبدا " الضرورات تبيح المحظورات" وهي القاعدة الأصولية المأخوذة من قوله تعالى في سورة الأنعام 119:"إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ"، مع الإشارة الى الاستخدام الخاطئ  والخطير لهذا المبدأ في الحياة السياسية وكأنه مبرر للانتهازية والتذبذب وتغيير المواقف، وهذا ما كان في قضايا أشغلت البلاد والمنطقة في محورها قانون المواطنة واغتيال المعارض الفلسطيني نزار بنات والمصالحة المصرية القطرية وقضية إعادة اعمار قطاع غزة بعد المواجهة العسكرية الأخيرة.

 محاولة ترجمة القاعدة الفقهية سابقة الذكر الى عالم السياسة والسياسيين وهو عالم عادة ما يتناقض مع عالم المبادئ الواضحة والصلبة او تلك التي لا تقبل الشك او التأويل، تقودنا الى الاستنتاج المنطقي بأن صراع المنافع والمصالح وصراع القوى نحو السلطة هي حالة دائمة في السياسة تعبر أفضل تعبير عن الصراع الباطني او الصراع الداخلي غير المرئي في النفس البشرية بين الثوابت السياسية والمبدئية وبين المنافع الشخصية او بين القيم والمبادئ التي يطلقها السياسيون والسلطات الحاكمة في مختلف الدول خاصة تلك الديمقراطية التي تتبع  مبدأ التعددية والانتخابات والحسم الحزبي ، مع تفاوت مساحة الديمقراطية الحقيقية فيها، حول  المصلحة الوطنية بعيدة المدى التي تعتمد التمسك بالمواقف مع قبول الرأي الآخر أي رأي المعارضة ، من جهة وبين اعتبارات سياسية ضيقة قوامها البقاء الحزبي والسياسي وإرباك الخصوم في أحسن الأحوال او إسكات صوتهم في أحوال أخرى.

هذا الصراع يبدو انه تم حسمه في منطقتنا منذ سنوات عبر تبني مفاهيم وأساليب عمل سياسي في بعض الدول والمواقع تلغي المعارضة وترفض كل ما لا يتفق مع "مواقفنا ودوافعنا ومصالحنا"  ، أي اننا في بلادنا والمنطقة نعيش في عالم يتم فيه اختصار الراي العام والموقف السياسي بين نعم او لا( في بلادنا تم ذلك عبر اربع حملات انتخابية دارت حول نعم او لا نتنياهو)   أو انعدام الرأي كما قال مارتن باج ،رغم ان التأييد أو المعارضة هما تحديد لا يُطاق لمسائل معقدة كتلك التي تشهدها المنطقة عامة ناهيك عن ان هذا التحديد بين نعم او لا فقط يشكل مساً بالمعارضة خاصة وانه في نظر البعض سرعان ما قد يتحول الى حالة من الفرز العشوائي بين " من معنا" من جهة "ومن ضدنا" من جهة أخرى  ، او بين المخلص والنزيه انتماءً وموقفاً ومنطلقًا وبين ذلك الذي يشكل صوتاً مختلفاً وربما نشازاً يجب حصره وتقليص حيزه او اسكاته حتى لو كان عبر تصفيته جسدياً، أي ان "معارضة الحكومة والسلطة وأصحابها في العالم العربي  مهما ارتكبوا من أخطاء وانتهاكات وجرائم بحق شعوبهم ومهما ظلموها وتجاهلوا وجودها واحتياجاتها، هي خطأ لا يتم غفرانه كما جاء في قول فولتير :" من الخطير أن تكون على حق عندما تكون الحكومة على خطأ".

 هذا ما حدث في حالة الناشط الفلسطيني المعارض نزار بنات وغيره من شخصيات معارضة فلسطينية او من الدول العربية القريبة والبعيدة في حالة تشكل استمراراً لنهج قمع المخالفين او تصفية المعارضين  بدلًا من مقارعتهم الحجة بالحجة ومحاولات الإقناع أو الاقتناع ، وهي الحالة التي ترافق وتلازم الحياة السياسية والحزبية في العالم العربي منذ مئات السنوات لكنها تفاقمت وزادت حدة وخطورة منذ ما تم الاتفاق على تسميته مجازاً بل بشكل منافٍ للواقع الربيع العربي، خاصة وانه كان شتاءً عاصفاً او خريفاً تساقطت معه ورقة التوت عن محاولات "الديمقراطيات الكبرى في العالم" غرس بذور الديمقراطية في العالم العربي لتكون النهاية حريق لا يبقى ولا يذر ودول ارادت الديمقراطية او اريد لها الديمقراطية والحرية وإنهاء الحكم الانفرادي والفردي فتحولت الى ركام تصول وتجول فوقه حركات أصولية دينية تبطش وتقتل او حكام امتطوا صهوة  الديمقراطية او التطلعات اليها  وصولاً الى حكم الرجل الواحد.     يبدو جليًا أن بين العالم العربي وإسكات الأصوات المعارضة عروة وثقى وصلة لا تنقطع وهو الأمر وللأسف في حال الفلسطينيين وحركتهم الوطنية منذ مطلع القرن الماضي حتى اليوم، كما حدث ابان عهد المفتي الحاج امين الحسيني خلال  الثورة العربية والتي تم فيها تصفية وقتل نحو 3500 من معارضي الحاج الحسيني بتهمة او بجريرة مناوءة التوجهات الوطنية ، وهو ما استمر بعد قيام دولة إسرائيل عبر تصفيات جسدية للمعارضين ، علماً ان تصفية المناوئين "دخلت" معجم المصطلحات الاسرائيلية بكل ما يتعلق بعمليات اغتيال النشطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة خاصة في العقود الأربعة الأخيرة  وفي أماكن أخرى كما حدث في محاولة الاغتيال الفاشلة لخالد مشعل في عمان عام 1996، ابان عهد حكومة بنيامين نتنياهو وكان آخرها خارج إسرائيل  اغتيال محسن فخري زاده رئيس المشروع النووي الإيراني في طهران في تشرين الثاني من العام  الماضي 2020 .

لم يقتصر إسكات المعارضين والمعارضة في العالم العربي على إسكات الأشخاص بل وصل حد إلغاء الآراء والمواقف ومنعها بل اعتبارها جريمة وتصرفاً لا يتفق والمصلحة العامة او يشكل مساً بالوطن واحتياجاته، ما وصل حداً غير مسبوق من تبرير تصرفات وتوجهات وتصريحات الحكام والسلطة الحاكمة حتى لو كانت تلك غير معقولة وحتى لو كانت اعلان الحرب على دولة عربية شقيقة او مقاطعة دولة عربية او " قلب الموازين وتحويل الخسارة الى نصر مبين" وهو ما شهدناه في قطاع غزة بعد انتهاء المواجهة الأخيرة وما سمي عملية" حارس الأسوار" ، والذي اعتبرته حركة" حماس" نصراً كبيراً احتفلت به وليس ذلك فحسب بل انها اسكتت كافة الأصوات المعارضة والتي ربما ارادت لفت الانتباه الى حقيقة ما لحق من دمار بقطاع غزة، خاصة الاضرار التي لحقت بنحو 16800 وحدة سكنية  وصلت حد تدمير 1800 منها نهائياً واعتبارها غير صالحة للسكن إضافة الى 1000 هدمت بشكل تام ولا يمكن ترميمها، ما يستوجب تخصيص مبلغ يزيد عن 400 مليون دولار لإعادة البناء والترميم سواء كان ذلك ترميم المباني او تعويض الخسائر التي لحقت بالقطاع الاقتصادي والصناعي، ناهيك عن تدهور الحالة الاقتصادية للمواطنين وانخفاض معدل الدخل للفرد وبشكل متواصل منذ عام 2007 وحتى اليوم ليبلغ 300 دولار شهرياً ، إضافة الى تدهور حصة القطاع من الناتج الوطني الفلسطيني من 37% عام 2006 الى 20% اليوم، ما يعني ان الضرر الذي لحق بالاقتصاد في القطاع بلغ 16.7 مليار دولار بين الأعوام 2007 وحتى 2018 .

خطورة هذا النهج، أي اسكات الأصوات المعارضة في القطاع، ستزداد حدة هذه المرة خاصة وان تجارب الماضي اكدت ان الدول العربية تصبح بعد كل مواجهة عسكرية، أقل حماساً واستعداداً لضخ الأموال والميزانيات لصالح إعادة اعمار القطاع مع الإشارة الى ان هذه الدول وخاصة الخليجية منها كانت تعهدت عام 2014 بتدويل 3.5 مليار دولار لهذا الغرض ، 2.5 مليار منها جديدة ومليار من تعهدات سابقة، وهذا كله قبل ان تسوء العلاقات بين الفلسطينيين من جهة وبين الدول الخليجية وخاصة الامارات والبحرين من جهة أخرى بسبب اتفاقيات الصلح مع إسرائيل وكذلك علاقة حركة " حماس" مع قطر وايران وتركيا، ما ينذر بأن استعداد الدول العربية والخليجية لتخصيص ميزانيات لإعادة الإعمار سيكون هذه المرة اقل مما سبق هذا ان كان هناك استعدادٌ أصلاً ،خاصة وان الراي السائد هناك ان مليارات الدولارات التي تم تحويلها على مدار عشرات السنوات الى الفلسطينيين لم تصل الى عنوانها الصحيح وهدفها المرجو بل انها لم تؤد اصلاً الى تقديم الشكر والعرفان من قبل الفلسطينيين بل الى مشاعر من العداء والكراهية، هذا  إضافة الى  ان الحماس العربي تجاه القضية الفلسطينية بدأ يخف تدريجياً بما في ذلك تحركات وتطورات إقليمية ستصب ليس في صالح حركة " حماس" ومنها مثلاً التقارب بين مصر وتركيا من جهة وبين مصر وقطر من جهة أخرى ، وبالتالي قد يتضح او انه من المؤكد ان يتضح ان " الانتصار بكل ثمن الذي أعلنته حركة "حماس" فور انتهاء المواجهة العسكرية الاخيرة   سيتضح هزيمة وخسائر لا يمكن تعويضها عملاً بقول  انطون تشيخوف:" لقد اكتشفنا أن السلام بأي ثمن لا يكون سلاماً بالمرة".

السياسة بلا مبادئ كانت واحدة من الأشياء التي اعتبرها المهاتما غاندي انها تدمر حياة الإنسان ورغم ذلك أصبحت هذه السمة السائدة والملازمة للسياسة، التي تحكمها المصالح وهي متغيرة ، وهذا ما اتضح من التقارب الأخير بين مصر وقطر وزيارة حاكم قطر  الأمير تميم للقاهرة ولقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي،  وزيارة سامح شكري وزير الخارجية المصرية الى قطر وتعيين سفير بمرتبة خاصة هناك وهي مرتبة سفير فوق العادة، وهو تقارب سريع ومفاجئ جاء بعد قطيعة كانت سريعة ومفاجئة بنفس المقدار انضمت فيها مصر الى الامارات والسعودية والبحرين في مقاطعة قطر منذ العام 2017، ما قد يؤدي بقطر الى تغيير سياستها وتقليص او وقف الدعم لحركة "حماس" منعاً لخلاف مع الدول العربية والخليجية التي تعتبر قطر حتى  اليوم عاملاً مقرباً من حركة "الإخوان المسلمين " التي تنسب الدول الخليجية اليها نشاطات تمس بالاستقرار الشرق اوسطي عبر تعاونها مع ايران وغيرها، ما يعني باختصار ان حركة "حماس" هي ما يفصل بين قطاع غزة وبين أي مستقبل او افق مستقبلي تتمكن فيه تلك المنطقة او البقعة من التقدم والتطور والازدهار ، وذلك من منطلق ان "حماس" تفضل تخصيص عشرات بل مئات ملايين الدولارات لصالح اهداف عسكرية وتطوير الوسائل القتالية وحفر الأنفاق بدلاً من تخصيصها لصالح المواطنين ورفاهيتهم وتطورهم ورفع مستوى حياتهم، وإقامة المصانع وتوفير أماكن العمل ، وهي سياسة يبدو انها لن تتغير خاصة على ضوء ما رافق المواجهة العسكرية الأخيرة والتي تعتبر "حماس" نتائجها بمثابة نصر عسكري وسياسي جعلها في نظر الفلسطينيين حارساً للقدس والاقصى والشيخ جراح بل ومحركاً للمواطنين العرب في اسرائيل، خاصة وان الاستطلاعات الأخيرة تشير الى ان 89% من الفلسطينيين يعتبرون ما حدث في الأقصى وشرقي القدس عامة والشيخ جراح خاصة السبب الاول في نشوب المواجهة العسكرية وما رافقها  يليه المواطنون العرب في اسرائيل الذين يعتقد 86% من الفلسطينيين انهم السبب الثاني في اندلاع الأحداث، بينما تحتل "حماس" المركز الثالث بنسبة 75% فقط.

وعودة الى السياسة بلا مبادئ، لا بد من الإشارة الى الخلاف بين إسرائيل والحكومة البولندية من مشروع قانون أقره مجلس النواب البولندي يقضي بتطبيق مبدأ التقادم على دعاوى المواطنين اليهود لاستعادة ممتلكاتهم التي استولى عليها النازيون، وهو قانون يقول منتقدوه في إسرائيل إنه سيجعل من الصعب على اليهود استعادة الممتلكات التي استولى عليها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية واحتفظ بها الحكام الشيوعيون بعد الحرب، ولو كانت السياسة تعتمد المبادئ والأخلاق لتراجعت إسرائيل ، على غرار معارضتها هذا القانون، عن تشريعات مماثلة شرعتها وشرعنتها حكوماتها وبرلمانها ومنها قانون "أملاك الغائبين" الذي يشرعن عملياً الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين والعرب سواء الذين تم تهجيرهم او انهم رحلوا عام 1948 من قراهم ومدنهم الى دول عربية مجاورة او الى مدن وقرى أخرى داخل إسرائيل ويسلبهم حقوقهم ومقومات حياتهم، او حتى قانون "منع لم الشمل" وما يسمى خطأً "قانون المواطنة" الذي يسلب المواطنين العرب والفلسطينيين حرية الحياة واختيار شريك الحياة، خاصة وانه اتضح خلال التصويت على القانون لتمديده وما سبق هذا التصويت ان الدوافع وراءه ديموغرافية وليست امنية وانها تصب في نفس خندق قانون القومية الذي يريد تكريس يهودية الدولة دون ديمقراطيتها ودون ضمان أبسط حريات غير اليهود خاصة وان قانون العودة يسمح لكل يهودي حتى ان لم يولد في اسرائيل بالحصول على مواطنتها الكاملة فور قدومه اليها دون تحديد هوية شريك حياته ودون اخذ جنسية او عرق شريك الحياة بالحسبان، ولكن بدلاً من ذلك صوت معظم الائتلاف، باستثناء عضوين الى جانب الائتلاف بينما صوتت المعارضة اليمينية والليكودية والمتدينين ضد تمديده ليس من منطلق ضميري او من موقف مبدئي او ضمير يرفض المس بحقوق الفلسطينيين بل من باب المناكفة الحزبية الضيقة أي انه فضل البعض في كلا الحالتين "التخلي عن ضميرهم" بدلاً من التخلي عن حزبهم ومكانتهم خلافًا للقول الشهير لكمال جنبلاط:" إذا خُيِّر أحدكم بين حزبه و ضميره، فعليه أن يترك حزبه و أن يتبع ضميره ، لأن الإنسان يمكن أن يعيش بلا حزب ، لكنه لا يستطيع أن يحيا بلا ضمير" في تعبير ساطع عن ان الضمير والمبادئ من جهة  والسياسة من جهة أخرى، هما في منطقتنا وبلادنا " خطان متوازيان لا يلتقيان".

خلاصة القول هنا هو انه صحيح ان السياسة عند أهلها غايتها تحقيق الممكن، أما الإصلاح فهو تحقيق ما يبدو أنه غير ممكن، لكن على الساسة هنا في بلادنا وفي المنطقة والعالم ان يعرفوا أن الإصلاح يصعد من الأدنى الى أعلى وان لا اصلاح دون معارضة تقارع السلطة وتصحح مسارها عبر حوار ونقاش وتبادل للآراء دون إقصاء، فإن نمت رعيتهم وشعوبهم وتطورت وتمكنت من حرية الموقف والتعبير وحرية الضمير كلما تحسنت احوالهم وأحوال بلادهم،  كما عليهم ان يفهموا أن الفساد يهبط من الأعلى الى الأسفل فإن هم فسدوا وتخلوا عن القيم وتجاهلوا المصلحة العامة وقمعوا المعارضة وأسكتوها ، فسدت رعيتهم وشعوبهم وبلادهم ولو بعد حين.

 

 

תגובות

מומלצים