نظرة في عظمة الخالق جلت عظمته

عظمة الخالق تظهر في كل مخلوق من مخلوقاته دون استثناء، وكل عظمة تتناهى في دقة تقنيتها لا يشوبها عيب ولا يدخلها خلل ولا تحديث، بل باقية ببقاء الدهر لا تتغيّر إلا بأرادة باريها تعالى في كبريائه، وتعاظم في جبروته، وتفرد في ملكوته، فوجب علينا الاقرار به والاعتراف بالعبودية له.

14.03.2019 מאת: منير فرّو
نظرة في عظمة الخالق جلت عظمته

 

" والذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا"!!!

أولا لا بد من الاعتراف باني عبد لمعبود، ومخلوق لخالق، لا املك من الحول والقوة سوى العجز والضعف والتقصير، والاعتراف إقرارا وضرورة لرب الأرباب، مالك الرقاب، المنشيء والمعيد الأواب ، ولرسوله خير البرية وصحبه أصدق من أجاب، لان الحول والقوة لمن بصنعته خبير بصير، لقوله تعالى : " ألم نخلقكم من ماء مهين‏ فجعلناه في قرار مكين‏ إلي قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون‏ "، فالعبد عاجز عن إدراك مبدعه إلا ما أجاز له خالقه أن يدركه من خلال رسله،  والذين هم عبيد مقرون بعجزهم وضعفهم عن عشر عشير معشار من ذات الخالق الذي قال عن ذاته العظيمة في القران : " ليس كمثله شيء "،  وكيف يكون له مثل، وهو خالق المثل، ومبدع الفرع  والأصل؟  فعظمة الخالق لا تحد ولا توصف، فلا للعقل البشري طاقة ولا استطاعة في درك عظمته تعالى،  ولكن العقل يقر ويعترف بأن إتقان الصنعة تدل على عظمة الصانع،  وان إبداع هذا الكون وتسييره  على أكمل نظام  تجعلنا نخضع أمام عظمة مهندسه ومصممه ومنشئه، ونعترف بأنه خالق عظيم، وقادر عليم، وصانع حكيم، لا ينكره إلا من غلب عليه الجهل، واوبقته نفسه في عالم  السفل، فنعوذ منه تعالى من الشك والشرك والجحود، ونلوذ برحمته التي وسعت كل شيء وفاقت كل حد ومحدود

أما بعد فاني استعين بالله، وبكتابه المنزل في الادلال والاستدلال على عظمته، وعظيم قدرته، لان القران هو خاتم الشرائع السماوية،  جاء ملخصا لكل شريعة سبقته، ومتمما لها، ومعترفا بكل نبي ورسول أرسله الله لخلقه، فهو رحمة للعالمين وكل العالمين دون استثناء،  وفيه من كلام الله، ما هو قاطع الحجة، ومثبت المحجة، فهو كاملا مكتملا بجميع سوره وآياته وأعشاره وأخماسه من الوعد والوعظ والوعيد، وكلام الرشد الرشيد، ففيه من ناسخ ومنسوخ لإعتقادات وما سلف من عادات فاسدات، ومحكم ومتشابه من آيات وبيّنات، وقصص سالفة وحكايات، وأمثال وحكم دامغات، يدركها كل إنسان على قدر طاقته، ويهتدي بهدايها وفق استطاعته، فالآيات البينات التي انزلها الله في كتابه المجيد كثيرة، ومعانيها كبيرة، تدل على جلال عظمته، وواسع رحمته، وعظيم علمه ومعرفته، فيما كان وما يكون، واطلاعه على ما في الكون ممن خفي وعلن، وانكشف للعين واستتر، لان تحت كل صنعة من صنعته حكم وأمثال، ومعان تحير بها العقال والجهال، كما قال تعالى : " والذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا فقنا عذاب النار "، وأيضا : " "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب "

فالآيات التي أنزلها تعالى في كتابه المجيد، فيها من الإعجاز البلاغي واللغوي لنتمكن من خلالها فهم قدرته تعالى، ونستوعب دقتها، فسرد القران للآيات العظيمة التي تدل عظمة الله وقدرته من خلال صنعته الكونية، وخلقه لها بدقة متناهية، تعجز عقول البشر لو اجتمعت على استيعابها، فلكل كائن حي يعيش في البر أم في البحر له طريقته في العيش، ورزقه على الخالق، وكل يعتاش على الآخر بطريقة صراع البقاء، مشكلا سلسلة حياة مغلقة تحافظ على التوازن البيئي لتستمر الحياة على الكوكب الأرضي،  وهذه هي حكمة الحكيم المبدع والمصور لكائناته، والموحي لها أسلوب حياتها، لا تغيره الدهور، ولا الأعوام والشهور،  وأيضا دوران الكواكب والأفلاك والنجوم والنيازك  وسبحها في الفضاء، كل لها ميقاتها وفلكها وسمائها، ونظام دورانها دون احتكاك ولا تصادم لتخدم الأرض وما عليها من المعادن والنبات والحيوان وبالتالي الإنسان، الذي هو مراد الخالق من هذا الكون، كما قال تعالى : " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ أولم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد" (فصلت 53)، وأيضا : " وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربّك بغافل عمّا تعملون" (النمل 93)،  وأيضا :  "ياأيّها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حقّ قدره إنّ الله لقويّ عزيز" (الحج 73). 

وما أعظم قوله تعالى في خلقه للإنسان في سورة المؤمنين (12-14 ) "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثمّ جعلناه نطفة في قرار مكين ثمّ خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثمّ أنشأناه خلقا أخر فتبارك الله أحسن الخالقين"، وهذا التصوير من خلال هذه الآية تبين صحته في عصرنا هذا من خلال التصوير بالأشعة الكهرومغناطيسية أشعة X، أو الأشعة السينية’، أو أشعة رونتجن للجنين وهو في بطن أمه

فعظمة الخالق تظهر في خلقه، وكل شيء في الكون هو عظمة بحد ذاته، وعظمة مفرد عظمات، وجمعها عظمات، فكيف تكون عظمة خالق هذه العظمات؟ وهو القائل : " ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " ( الروم )، وقال تعالى : " وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً"، ومن هذه الآية تظهر فيها عظمة من عظمات الخالق وحكمته البالغة والمتناهية، فأصل المرج الإرسال والخلط، والبحرين هما الماءان الكبيران، أحدهما بحر في باطن الأرض، وهو البحر السجور المشتعل، والبحر المحيط، وثانيها البحر الحلو والبحر المالح المعدني المكوّنات في باطن الأرض، فالخالق تعالى خلق في باطن الأرض بحرا تحيط به، وخلق في ظاهرها بحرا يحيط هو بها بالكامل، وقد مرج تعالى البحرين أي أرسلهما في مجاريهما كما ترسل الخيل في المرج وهما يلتقيان، وعذب  فرات البليغ العذوبة حتى يضرب الى الحلاوة، والأجاج نقيضه أي المالح، وهو تعالى بقدرته يفصل بينهما ويمنعهما من التمازج، لقوله تعالى " وجعل بينهما برزخا"، أي حاجزا يمنع اختلاط الماء العذب الحلو مع الماء الاجاج المالح كيلا تبطل منافعهما لأجل مصالح العالم، وإتمام نظام الكون،  فهو تعالى " جعل بين البحرين حاجزا"، لئلا يفسد العذب منهما بالاختلاط، وليحصل لهما أيضا الانتفاع بذلك الحاجز، فلو جعل الخالق الماء حلوا محضا، ولم يجعل منه قسما مالحا، لظهرت تعفناته، وانتشر فساده، ولأنتنت الأرض ولم تعد صالحة للسكن،  وفسدت تكوّنات الكائنات، وتعطلت المولدات الثلاث.

لقد اكتشف العلماء والباحثون مؤخرا بعد 14 قرنا من نزول هذه الآية في القران إثبات صحة هذا القول الإلهي، واثبتوا وجود برزخا يفصل بين المياه العذبة والمياه الحلوة. 

فالآيات التي تدل على عظمة الخالق لا تعد ولا توصف، فكل ما تراه أعيننا من أشياء وجزيئات هي من صنع الله ذي القدرة والكمال والعظمة والجلال لا ينافسه عليها احد، وكل شيء خلقه تعالى يوجد تحته أشياء لا نهاية لها، وكلما استطردنا في العلة، نستدل على العال لتلك العلة، وهو الخالق، فعظمته تعالى فوق كل عظمة، وقدرته فوق كل قدرة، وهو القائل : " وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديرا" (فاطر 44)، وأيضا : "قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا" (مريم 9.)، وأيضا : "إنّ في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبثّ من دآبّة آيات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون تلك آيات الله نتلوها عليك بالحقّ فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون" (الجاثية 3-6)، وأيضا : "وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا" (الفرقان 2)، وايضا : "والسماء بنيناها بأيد وإنّا لموسعون" ( الذاريات 47)، من هذه الاية اتضح أن السماء في توسع دائم وتجدد ليس كما اعتقد العلماء أن السماء ثابتة، بل اتضح انها كالبالون يتسع كلما ملأناه هواء، وايضا : " والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدّرناه منازل حتّى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلّ في فلك يسبحون" (يس 38-40)، وايضا : وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مرّ السحاب صنع الله الذي أتقن كلّ شيء إنّه خبير بما تفعلون"( النمل 88)، وايضا : "الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور" (الملك 3)

فالتصميم الكوني للعالم وهو عالمين، العلوي أي السماء وما تحويه من أفلاك ونجوم وكواكب وسموات،  كما قال عنها تعالى : " والسماء ذات الحبك "، أي السماء المزينة بزينة الكواكب، والحبك القوة السارية الممسوكة بها الأجرام، والعالم السفلي أي الأرض اليابسة منها، والبحر من عالم الجماد المعادن والصخور وعالم النبات وعالم الحيوان وعالم الإنسان، فيه من الاعتبار والتفكر في مدى عظمة هذا الخالق الذي أبدعها بغير الة ولا مثال صورة موجودة، بل أبدع الكون من لا وجود الى وجود، أي من عدم الى وجود بوجوده السابق الأزلي، بلا بداية، والباقي بلا نهاية، وعلمه الوسيع الذي لا يزداد الا من حيث نحن البشر، وكما قال تعالى عن النحل التي هي عبرة لمن يعتبر: " وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون"، يعترف العلماء اليوم أن دماغ النحلة الواحدة يحوي أكثر من 850000 خلية، وحجمه لا يتجاوز رأس الدبوس! في كل خلية من خلايا هذا الدماغ هناك كمبيوتر صغير، في داخله برنامج عالي الدقة هو الذي يرشد النحلة في أداء عملها وكأنها مخلوق مبرمج مهمته جمع الغذاء وصنع العسل الذي تم جمعه من رحيق الأزهار المختلفة ليصبح منه شرابا طيبا مذاقه، شافيا لمن يشربه، لأن النباتات هي عبارة عن فوائد وفيتامينات مضادة للأمراض وعليها يعتمد الإنسان في صناعة الأدوية، فأقام المصانع ذات المساحات الواسعة والملوثة للبيئة والألات والاجهزة المختلفة والأيدي العاملة من الأطباء والخبراء، بينما الخالق جل وعلا أوحى لأضعف مخلوقاته أن تجمع رحيق الأزهار والأشجار، وعروش العنب في السهول والجبال دون تدميرها، ولتطبخها داخلها، وتخرجها من بطونها عسلا شهيا فيه شفاء للناس، تضعه في أقراص الشمع التي تصنعه على شكل سداسي وليس دائري ولا مربع لتختزل مساحة القرص ويتسع عسلا أكثرا ومبنيا على هندسة عجيبة تثبت فيها عظمة الموحي لها، عدا على أنها تقوم بطريقة غير مباشرة بتلقيح الأزهار لتنمو وتزداد وتعطي ثمارا للإنسان والحيوان.

فعظمة الخالق تظهر في كل مخلوق من مخلوقاته دون استثناء، وكل عظمة تتناهى في دقة تقنيتها لا يشوبها عيب ولا يدخلها خلل ولا تحديث، بل باقية ببقاء الدهر لا تتغيّر إلا بأرادة باريها تعالى في كبريائه، وتعاظم في جبروته، وتفرد في ملكوته، فوجب علينا الاقرار به والاعتراف بالعبودية له إنه نعم من وجد، وخير من عبد، ونستغفره على كل زلة، ونعوذ به من كل شر وعلة، وأخيرا وكما قال تعالى : "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (غافر 57) صدق الله العظيم . 

 

פורטל הכרמל

תגובות

מומלצים