مدينة دالية الكرمل

مدينة فلسطينية جميلة يقع جبل الكرمل في السدس الشمالي من ساحل فلسطين ويمتد متطولاً من ساحل البحر باتجاه الداخل مسافة 22 كم على محور شمالي غربي جنوبي شرقي.

15.01.2018 מאת: ابو رمضان سعادة- غزة
مدينة دالية الكرمل

وهذا الاتجاه الذي يؤلف زاوية واضحة مع خط الساحل الفلسطيني بالإضافة إلى تقدم نهاية الجبل الشمالية الغربية مسافة 5 كم في البحر ذو أهمية اقتصادية وبشرية كبرى.

فقد أوجد شماليه خليجاً محمياً طبيعياً هو خليج عكا* أو حيفا عكا الذي ليس له مثيل على امتداد الساحل الفلسطيني.

ويقرب شكل الجبل من مثلث قاعدته في الجنوب ورأسه المدور في الشمال الغربي. وهو محاط من الشرق والشمال الشرقي بنهاية سهل مرج ابن عامر وسهل عكا* على امتداد مجرى نهر المقطع*.

وأما من الغرب فتنتهي سفوح الجبل عند أطراف السهل الساحلي الذي يضيق تدريجباً حتى ينعدم بروز الجبل في البحر. وينتهي الجبل في الجنوب عند وادي ياقون أحد روافد نهر المقطع اليسرى، ويرتفع بتدرج متزايد من الشمال الغربي (150-200-300م) باتجاه الجنوب الشرقي (400 -450-500م) حتى يصل إلى أعلى قمة فيه (546م) قرب خربة عين الحايك شمالي غرب بلدة عسفها.

وتبقى الارتفاعات في حدود 450-500م حتى أطراف وادي ياقون الذي يسيرعلى ارتفاع 100-125م وسطياً. وأما الأراضي المحيطة بالجبل في السهول المذكورة فتقع على ارتفاع 10-25م عن سطح البحر.

وهكذا فان جبل الكرمل بارز فوق ما حوله بروزاً واضحاً دعا إلى تسميته بالجبل رغم ارتفاعه القليل الذي يجعله من التلال* لا الجبال.

وتتميز سفوحه الشرقية-الشمالية الشرقية بكونها أشد انحداراً واستمراراً من سفوحه الغربية المحددة بالكثير من الأودية ذوات الرؤوس المتوغلة بعيداً في جسم الجبل. وهي تفصله إلى كتل تلية-جبلية صغيرة بارزة القمم كتلك المرتفعة حتى 458 و479م حول بلدة دالية الكرمل.

ويقسم جبل الكرمل إلى شطرين أولهما هو الكرمل الأعلى المساير للأجزاء الشمالية الشرقية وثانيهما الكرمل الأدنى في الجنوب الغربي.

ويتيح ارتفاع الجبل عما حوله استقبال كميات من الأمطار تصل إلى ما بين 600 و700مم بالإضافة إلى الندى والرطوبة، مما يساعد على انتشار غطاء نباتي مؤلف من أحراج يغلب عليها البلوط والصنوبر الحلبي.

ب- نشأة جبل الكرمل وتكويناته الجيولوجية: جبل الكرمل من حيث التضاريس والتكوين الجيولوجي امتداد شمالي غربي لجبال السامرة. ولكنه يختلف عنها من حيث البنية والتركيب.

فالصدع الكبير الممتد بين جنين وحيفا يفصل بين سهخل مرج ابن عامر وسهل عكا حيفا في الشمال الشرقي، وبين كتلة جبل الكرمل وكتلتي الكفرين وأم الفحم اللتين تكونان استمرار الكرمل باتجاه السامرة.

والكتلتان الأخيرتان مفصولتان عن الكرمل والسامرة بفواصل بنائية تضريسية واضحة تجعلهما مستقلتين عن جبل الكرمل غير تابعتين له.

تسود جبل الكرمل صخور كلسية وكلسية – دولوميتية ترجع إلى الفترة الممتدة من الحقبة الجيولوجية الثانية إلى الكريتاسي (التورون – السينومان) بالإضافة إلى بقاع صغيرة متفرقة من الصخور البركانية من نوع اللطف عائد للكريتاسي أيضاً.

وقد تعرضت الطبقات الصخرية الكريتاسية لعمليات تشويش وتخلع كبيرين نتيجة الحركات النباتية (التكتونية) التي ضربت الجبل في الحقبة الثالثة الجيولوجية بالصدوع والانكسارات التي يحفل بها الجبل ويتجاوزعددها 20 صدعاً.

وأهم هذه الصدوع صدع جنين حيفا الذي سبب نشوء صفحة الجبل الشديدة الانحدار المطلة على سهل مرج ابن عامر وسهل عكا – حيفا، وسبب كذلك ارتفاع الجبل في أجزائه الشرقية أكثر من ارتفاعه في أجزائه الغربية.

ظهر أثر الصخور* المذكورة والصدوع الكثيرة في أشكال الجبل التضريسية ظهوراً واضحاً. فحيث تظهر الصخور الكلسية والدولوميتية تنتشر أعمال التجوية والتضاريس الكارستية من خفوس ومغاور يحتوي بعضها على شواهد وآثار للانسان القديم.

هذا إلى جانب انحباس الينابيع الكثيرة، ولا سيما في الكرمل الأدنى وأقدامه، من جراء ترشح مياه الأمطار في الصخور المنفذة لها.

وتزداد الصورة وضوحا في الأودية المخددة لسفحي الجبل وهي أودية ذات تصريف مزدوج قصيرة شبه مستقيمة قليلة الروافد على السفح الشمالي الشرقي، وأطول وأكثر عدداً وروافد على السفح الجنوبي الغربي.

وتكثر المقاطع العرضية العميقة الضيقة الخانقية في الأودية التي شقت طريقها ضمن الصخور الكلسية الدولوميتية في حين تبدو مقاطع الأودية التي تسير في الصخور البركانية الضيقة عريضة ذات جوانب لطبقة الانحدارات وقيعان منبسطة.

ويظهر دور الصدوع في تكون الخفوس الكثيرة وفروق الارتفاعات بين كتلة ناهضة وأخرى خافسة، وفي فرضها على كثير من الأودية خطوط سير متفقة مع امتدادات الصدوع، وفي خلق كثير من الجروف القائمة التي يساعد نوع الصخر على بقائها.

جـ- جبل الكرمل في التاريخ: لجبل الكرمل أهمية كبرى في التاريخ ترقى إلى العصر الحجري القديم المعروف العصر البليوليتي (رَ: العصور القديمة).

وعندما قررت سلطات الانتداب البريطاني بناء ميناء حيفا سنة 1928 واحتاجت إلى الأحجار تقتلعها من سفوح الكرمل اعترضت دائرة الآثار لوجود عدد من المغاور القديمة التي لم يعرف بعد مدى أهميتها وكلفت بعض المنقبين القيام بحفريات في بعض المغارات ودراسة أهميتها التاريخية.

وقد قام بهذه المهمة الأولى شارلز لامبرت وديميتري برامكي (رَ: الآثار، علماء) فبدأ الحفر على نطاق ضيق في مغارة اسمها (الواد). وبعد ثلاثة أسابيع ظهر جلياً أن لهذه المغارات أهمية أثرية كبرى.

فقد عثر فيها على عدد كبير من الأدوات الصوانية غير المألوفة دعيت فيما بعد بالصناعة الناطوفية نسبة إلى وادي النطوف الواقع قرب قرية شقيعة في منطقة الرملة حيث عثر على هذا الطراز من الأدوات الصوانية لأول مرة.

وعثر عدا ذلك على قطعة عظم محفور عليها عجل صغير يرضع ضرع أمه. وقد فاقت هذه الاكتشافات على ضآلتها كل حساب وأظهرت أن هذه المغاور تحتوي على آثار غاية في الأهمية ودفعت السلطة إلى العدول عن إقامة المحاجر لبناء المرفأ بقرب هذه المغاور بعيدة تبين لها أن من الضروري متابعة الأبحاث على نطاق واسع.

وكلفت دائرة الآثار العالمة دوروثي غرود D.Garrod إجراء الحفريات لأنها هي التي كانت في السنة السابقة قد اكتشفت الصناعة الناطوفية في وادي النطوف.

وقامت دوروثي بحفريات في سفوح جبل الكرمل على مدى عدة سنوات حفرت أثناءها ثلاث مغارات هي مغارة الطابون في أعلى الوادي، ومغارة السخول، ومغارة الواد في سفوح الجبل حيث أجريت الأبحاث الأولى.

وآزرت هذه الحفريات المدرسة البريطانية للأثار القديمة في القدس والمدرسة الأمريكية لدراسات ما قبل التاريخ (رَ: الآثار، مدارس ومؤسسات بحث).

عثر في مغارة الطابون على تسع طبقات أثرية ترقى الأولى إلى العصر آلتياسي، والطبقات الخمس التالية إلى العصر الأشولي الأعلى، والطبقات الثلاث التي بعدها إلى العصر الفلوازومستيري، تعلوها طبقة. عليا تعود إلى العنصر البرونزي.

وعثر في الطبقات الفلوازومستيرية على بعض الهياكل العظيمة البشرية التي تعد حلقات تطور بين الانسان النياندرتالي (يدعى الآن الانسان العاقل). وقد أثبتت الهياكل العظيمة التي وجدت في أوروبا وكانت معاصرة لهياكل مغارة الطابون أن الصراع بين الانسان العاقل (الإنسان النياندرتالي) والإنسان العاقل حصل في فلسطين.

وعثر في مغارة السخول أيضاً على الهياكل العظيمة ذاتها. فهاتان المغارتان أظهرتا إلى حيز الوجود بعض ما غاب من حلقات في تطور الانسان من العنصر النياندرتالي إلى العنصر البشري الحديث.

أما في مغارة الواد فلم تظهر إلا بقايا من العصر الحجري المتوسط المعروف بالعصر المسوليتي. وقد وجد هذه المغارة عدد من العظام المحفورة بشكل عجول شبيهة بالقطعة التي وجدت أول مرة وظهر أنها كانت تستعمل أيدي مناجل.

والأدوات الناطوفية التي وجدت في مغارة الواد صغيرة جداً، ولذلك سميت “ميكروليثية” ويغلب عليها الشكل الهلالي. وكانت الواحدة تجمع إلى جانب الأخرى لتكون منجلاً أو سكيناً أو مقشطة، وكان بعضها يستعمل مخارز أو حفارات.

وظهر أن أهل مغارة الواد اعتنوا بموتاهم فدفنوا معهم جميع ممتلكاتهم وكانوا يزينون أنفسهم بالخرز المصنوع من الدنتاليا أو الفيروز ويتعاطون الحياكة والخياطة. فقد عثر في مغرة الواد على دبابيس وابر مصنوعة من العظام.

وفي العصور التالية شهد جبل الكرمل جحافل الجيوش المصرية التي مرت تحت قدمه في طريقها إلى الشمال بين عهد الأسرة الثانية عشرة والأسرة الثامنة عشرة. وكان المصريون يسمون الجبل “أنف الغزال”. فالفرعون سنوسرت الثاني سار بجانب جبل الكرمل عندما شن حملته على المدن السورية في الشمال.

والفرعون تحتمس الثالث قطع الجبل من ممر عارونا (وادي عارة حالياً) عندما هزم الأمراء السوريين والفلسطينيين* قرب مجدو* (تل المتسلم حالياً).

وورد اسم جبل الكرمل كذلك في رسائل تل العمارنة* ونقوش رعمسيس الثاني في المعبد الذي أقامه في الأقصر (طيبة القديمة). احتفاء بالنصرالوهمي الذي ادعى احرازه على الحثيين في معركة قادش سنة 1293 ق.م.

ويدل هذا كله على أن جبل الكرمل لم يكن سدا مانعا في وجه الغزاة الذين التفوا حوله أو اجتازوه كما فعل تحتمس الثالث (رَ: الفراعنة).

وكان من عادة الكنعانيين (رَ: كنعان) التعبد للاله بعل في الأماكن المرتفعة، ومنها جبل الكرمل. فكانت لجبل الكرمل قداسته. ولطالما قام الكهنة الكنعانيون القرابين على مرتفعاته.

وروت التوراة* أسطورة النزاع بين النبي ايليا وكهنة الاله بعل وتقهقرهم أمام جبروت يهوه. ورغم ذلك بقي جبل الكرمل مكاناً مقدساً تقام فيه الطقوس الدينية تمجيداً للاله بعل. وكان هنالك عراف يوحي برغبة الاله بعل حتى ان الامبراطور فسباسيانوس استشار العراف قبل اعتلائه العرش في القرن الأول.

وكان جبل الكرمل مأوى للمضطهدين في جميع العصور أوى اليه المسيحيون الأولون هرباً من اضطهاد اليهود والرومان. وعندما أعلن الامبراطوران غليريوس وقسطنطين السماح للمسيحيين بممارسة دينهم بحرية أقيم ديرعلى جبل الكرمل وأنشئت كنيسة كرست للنبي ايليا ورد ذكرها لأول مرة في عهد الامبراطور يوستينوس الثاني سنة 570م.

وعندما شن نابليون حملته المشهورة على مصر أعاد بناء الدير واستعمله مستشفى لجنوده. وبعد هزيمة نابليون أضرمت النار في الدير وبقي مهدوما حتى سنة 1827 فأعيد بناؤه ولا يزال قائماً حتى الآن.

د- السكان والعمران: الأمطار الهاطلة على الجبل غزيرة، ودرجات الحرارة فيه ذات متوسط سنوي يراوح بين 18 درجة مئوية و21 درجة مئوية.

ومتوسطها في كانون الثاني بين 10 درجة مئوية و13 درجة مئوية، وفي تموز بين 24 درجة مئوية و 26 درجة مئوية. وعدد ليالي الندى 180 – 250 ليلة في السنة. والسهول ممتدة على جانبي الجبل، والبحر قريب، وخليج حيفا محمي طبيعياً.

وقد وفر ذلك كله للمنطقة جميع شروط البيئة الطبيعية المناسبة للسكنى والعمل. ولهذا جذب جبل الكرمل الانسان منذ القديم فأقام عنده وعمره. وكثافة سكانه مرتفعة تتجاوز في الوقت الحاضر 1.000 ن/كم2.

وإذا ضمت أحياء وضواحي مدينة حيفا المنتشرة على نهاية الجبل الشمالية الغربية واستثنيت مدينة حيفا وضواحيها قلت هذه النسبة لأن بقية التجمعات السكانية صغيرة تتناثر على السفوح الغربية أو عند أقدام السفوح الشرقية.

 وأهم القرى الغربية بلدة دالية الكرمل وبلدة عسفيا. ومن قرى الأقدام الجبلية بلدة الطيرة* وعين حوض في الغرب ونشر وياجور في الشرق.

ووما يسترعي النظر التوسع المتزايد لمدينة حيفا باتجاه الجنوب الشرقي. وتتناثر في الجبل مراكز مختلفة ومساكن متفرقة مخصصة لراحة واصطياف سكان مدينة حيفا والمناطق المجاورة.

وترتبط المراكز السكانية في الجبل وحوله بطرقات للسيارات على مورين متفقين مع محور الجبل نفسه. وتساير الطريق الأولى أقدامه الشمالية الشرقية بين حيفا وجنين* وتسير الثانية وسط الجبل بين حيفا وعسفيا.

وترتبط الطريقان بطريق الساحل وطرقات مرج ابن عامر بوصلات عرضية (رَ: الطرق). ويماشي خط السكة الحديدية الساحل ويدور حول الجبل في رأس الكرمل ليربط حيفا بمراكز الساحل الفلسطيني شمالاً وجنوباً (رَ: السكك الحديدية).

أما نشاط السكان فمتعدد الجوانب يتمثل بالزراعة* المتنوعة على السفوح المدرجة والبقاع المنبسطة وأطراف الأودية حيث تنمو الخضر والفواكه والحبوب. وتربى الأبقار والأغنام في أنحاء الجبل المختلفة وأقدامه.

ولكن أعداداً كبيرة من سكان قرى الكرمل يعملون في المعامل والمؤسسات الاقتصادية المختلفة في مدينة حيفا القريبة.

وأخيراً فإن جبل الكرمل منتجع صيفي جميل بمناظره وغطائه النباتي وإطلاله على ما يحيط به من سهول وسواحل يجذب إليه السكان والسياح للاصطياف والراحة أو لممارسة الرياضة البحرية والاستجمام بمياه البحر المتوسط القريب.
 

תגובות

מומלצים