اسرار كرسي الاعتراف

13.05.2019 מאת: نبيل عودة الناصرة
اسرار كرسي الاعتراف

 

من المعروف ان رجال الدين من جميع الطوائف، هم خطباء مؤدلجون ويعرفون كيف يثيرون الاهتمام بخطبهم الدينية او خطب المناسبات الاجتماعية.

الأب جبرائيل أنهى عمله الذي استمر أربعة عقود كاملة ككاهن، وحان الوقت ليخرج للتقاعد.

كان كاهنا محبوبا من الجميع، لا يفوت مناسبة عائلية، فرحا او حزنا دون ان يشارك ويلقي خطبة تشد الاهتمام، بل والكثير من عباراته أضحت مستعملة كأمثال حكيمة.

حين علمت طائفته انه قرر الخروج للتقاعد، قرروا ان ينظموا له حفل وداع وتكريم.

دعيت كل شخصيات البلد للمشاركة في تكريم الأب جبرائيل ووداعه، طبعا، كما هو متوقع.. اكتظت القاعة بالحضور.
الذي حدث اثناء الاحتفال ان قائد سياسي مرموق من البلد تعوق عن الحضور، كان من المتفق عليه، بصفته شخصية تمثيلية هامة من نفس البلد، ان يلقي كلمة في حفل التكريم والوداع، ومنعا من الثرثرة حول أسباب تعوقه، التي كانت ظاهرة معروفة، ربما هي تقليد لمن يصير زعيما سياسيا، قرر الأب جبرائيل ان يلقي خطبة تمهيدية حتى يمنع القيل والقال حول تعوق الزعيم السياسي. وقف على المنصة وأجال نظره بالحضور، وبعد ان هدأ التصفيق العاصف قال:

حين وصلت هذه البلدة قبل اربعة عقود، اول انطباع لي كان من اول شخص دخل الى الكنيسة ليعترف بذنوبه كي يغفر له الرب ما ارتكب من أخطاء، وما زلت أعزائي اهل هذه البلدة الكريمة، اذكر اعترافه حتى اليوم .. 
وتابع يقول:

اعترف ذلك الشخص بذنوب كثيرة تفاجأت ان شخصا واحدا قادرا على ارتكابها دون ان يؤنبه ضميره، اعترف أولا بانه كان يسرق النقود من والدية بشكل دائم خلال سنين طويلة ويريد من الله ان يغفر له خطيئته لأن والدية على شفا الموت ولا يريد دفنهما قبل ان يعترف امام الله بما ارتكب من ذنب كبير ويتلقى الغفران والصفح من الله. بعد أن تردد قليلا أضاف ذلك الشخص، انه يخاف ان لا يغفر له الله اذا لم يعترف بكل ما ارتكبه من أخطاء أخرى في حياته، فهو سرق أيضا أموالا من مشغله وانه مارس الجنس ايضا مع زوجة مشغله، وانه باع السموم لطلاب المدراس من اجل المال الذي كان همه الأول والأخير في الحياة، وانه سبب إصابة زوجة مشغله بمرض جنسي، وبذلك أصيب مشغله أيضا بنفس المرض .. لذلك يشعر بتأنيب ضميرـ وجاء ليعترف ويطلب الغفران والتوبة من الله.

توقف الكاهن قليلا ثم تابع:

هذا الشخص هو المعترف الأول الذي اعترف بذنوبه أمامي وامام الله، من الصعب ان أنسى اعترافه بما ارتكب من ذنوب، وكأن الله مجرد صفحة بيضاء يغفر لمن يعترف وهو خطأ كبير . المحاكم تفرض السجن على جرائم اقل من جرائمه، فكيف سيغفر له الله كل هذه الذنوب، بل الجرائم؟ قال انه لم يعد بحاجة ليسرق المال، بل بدأ يتبرع ويساعد لعل الله يصفح عن ماضيه. طبعا شجعته ان يمضي بطريق الخير... لكني عرفت فيما بعد أشخاصا اخرين مستقيمين وانقياء وجاهزين لمد يد المعونة للمحتاجين، وهذا الانطباع الذي بقي في ذاكرتي من عملي في بلدتكم الجميلة وأهلها الطيبون ..
عند هذا المقطع دخل الزعيم السياسي للقاعة فوقف الحضور مصفقين له بل والبعض اطلق هتافات تمجيد لحضرته .. 
وزع الزعيم ابتساماته على الحضور ملوحا لهم بيديه، وجاء يعانق الكاهن، الذي اخلى له المنصة بقوله:

سيد الخطابة قد وصل وهو شرف عظيم لي ان يشارك سعادته بكلمة في حفل تكريمي بمناسبة انهائي أربعة عقود من العمل الكنسي في هذه البلدة الكريمة".

 افتتح الزعيم كلمته كالعادة بالاعتذار عن تأخره بسبب قضية هامة كان يعالجها، وهي جملة ربما كررها بدون انتباه في عشرات اللقاءات التي شارك فيها سابقا. ثم قال وهو يحيط كتف الكاهن بذراعه:

اريد اليوم ان اكشف لكم سرا، إني كنت الشخص الأول الذي اعترف لأبونا الخوري بأخطائه حين استلم كنيسة بلدنا..." 
وضجت القاعة بالضحك...

 

آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها  Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108

תגובות

מומלצים