الكتل الشعورية في ديوان "موت كفّ على غسيل نجمة للشاعربياض أحمد"

17.06.2018 מאת: د أنور غني الموسوي
الكتل الشعورية في ديوان "موت كفّ على غسيل نجمة للشاعربياض أحمد"

إن الفارق الأهم بين المقطوعة الشعرية و غيرها من الكتابة هو الحضور القوي للبعد الشعوري الاحساسي في النص. فالقصيدة ليست فقط مجموعة تراكيب دلالية افهامية و إنما هي في الواقع كيانات شعورية مرتبة في النص. وهذا هو البعد التعبيري للكتابة بل أحيانا يكون التركيز و الاهتمام للبعد الاحساسي فتتحقق التجريدية.

أحمد بياض شاعر مغربي أجاد كتابة القصيدة التعبيرية، و حققت نصوصه انسيابية جيدة تقترب من الفكرة النموذجية لقصيدة النثر المقومة بالأفقية و السردية و التعبيرية بل نجد أحيانا لمحات تجريدية في كتاباته وهذا ما سنتتبعه في ديوانه " موت كفّ على غسيل نجمة".

إن الكتابة الفنية تمرّ بثلاث مراحل تطورية فهي تنتقل من التوصيل المعتمد على الدلالية و الافهامية كعامل تعبيري وهي المرحلة الدلالية الافهامية وهي مرحلة بدائية إلى حالة اجتماع الدلالية و الاحساسية كعوامل تعبيرية وهذه هي المرحلة التعبيرية وهي مرحلة متوسطة إلى حالة تعاظم البعد الاحساسي و الشعوري و خفوت البعد الدلالي الافهامي وهذه هي المرحلة التجريدية وهي التجلي الأعظم لسحر اللغة.

بخصوص الكتابة التعبيرية نجد ملامحها و عناصره متوفرة و بقوة في ديوان " موت كفّ على غسيل نجمة". ففي قصيدة " طُقُوس عَرَاءٍ فِي وحْشَةٍ بِدائِيّة " يقول الشاعر:

" نَيْسان يَأتِي بِثَوبِ الصّمت‚ قَطَرَاتُ نَدَى مُحْتَشِمة عَلَى أَرَامِل الزّهر٠وَنَجْمَةٌ مِن فُولاَذ تَزْرَعُ ثَمْرَةَ الحَنِين: هَكَذَا الصبْرُ بِلَوْن ثِمَارِ المَغِيب ‚ علَى جَسَدِ اللّيْلِ وَطُقُوسِ العاصِفة."
هنا نجد زخم شعوري واضح و متجل و نلاحظ أن النص يتكون في حقيقته من كتل شعورية و ليس فقط وحدات لغوية دلالية.

في قصيدة " ريح الصمت " أيضا نجد قوة الحضور الشعوري في قوله :
" بريح الصمت تنسج الأوراق النحيفة وكرها على ريش الأرض; وتعانق الأقدام المبحوحة هواء السقوط."

هنا نلاحظ النفوذ و العمق الذي حققه النص بسبب القرب الملحوظ في التعبير مع محافظة النص على قوته الفنية و مستواه الشعري.

في قصيدة " موت كفّ على غسيل نجمة" " يقول الشاعر:
"مدينة تبحث عن أطفالها حين يتلو الدمع آيات الفراق‚ وشيب القضبان على محاجر المسالك‚ طفلة حلم على انفطار الجسور ووهم المشارف في ليالي الأنهار."

وهنا أيضا نلاحظ الحضور القوي و التجلي الواضح للزخم الشعوري مكونا كتل شعورية بارزة مرتبة في الزمان و المكان النصي.

إن هذا الفهم المهم للقصيدة و هذا التحول الفكري في اللغة يفتح أفقا جديدة في الكتابة بل في الحضارة الإنسانية حيث يتحول النص من كتل دلالية إلى كتل شعورية وهذا هو البعد التعبيري للكتابة.

اما اللمحات التجريدية في كتابات أحمد بياض فانا نجدها متحققة في نصوص من ديوانه " موت كفّ على غسيل نجمة" بتركيز عال و تجل قوي للبعد الاحساسي و خفوت الغايات الدلالية و الافهامية. ففي قصيدة " شوق مبتور " يقول الشاعر:

" لهجة متصوفة على شفتي بئر، ترعى حلم الأطفال؛ حين يبحر النشيد في مملكة الدخان. 
رماد جارح؛ وشم مبتور ولغة الحنين هواء القميص. " 

وهنا نجد تعاظم البعد الاحساسي و الكتلة الشعورية مع خفوت الغاية الدلالية و الافهامية للنص وهذا هو العامل التجريدي في النص ، و لقد اعتمد الشعر لغة سريالية لتجاوز حاجز الإفهام و غايات النص الدلالية كما هو ظاهر.

و أيضا نجد تجل ّ تجريدي في قصيدة " نشيد الرمل " حيث يقول الشاعر:
" غربة على وجنة الريح؛ قيظ وقيد في الليالي البعيدة على وسمة الخريف. \حبات رمل منفردة؛ تلثم خد الصحراء على كف الشمس. \حنين طين إن صحا على شرفة الرماد".

نجد اللغة التجريدية هنا متجلية بالوصفية الاحساسية حيث لون الشاعر نصه بمفردات ذات بعد شعوري و إيحائي تستقل في تحقيق الإثارة و الاستجابة الجمالية، مما يحقق تعاظم البعد الاحساسي، و بخفوت الغايات الدلالية الافهامية تحقق التجريدية.

لقد بينا في كتابنا " الكتابة التجريدية" إن التجلي التجريدي للغة لا يشترط الغموض و الانغلاق على مستوى سطح اللغة كما قد صورته الحداثة و التنظيرات الأولى عن الشعر التجريدي، بل إن ما يحقق التجريد هو تعاظم البعد الاحساسي الشعوري في النص و خفوت لغايات الدلالية و الافهامية فيه وهذا لا يتعارض مع انسيابية و سلاسة النص كما يكتبه شعراء مجموعة تجديد و الشعر السردي

 

תגובות

מומלצים