حافظة الشعر العربي

30.03.2020 מאת: عبد الكريم احمد الزيدي العراق
حافظة الشعر العربي

 

(الحلقة الثالثة)


سأفرد هذه الحلقة في توظيف الشعر وأغراضه لعصر ما يسمى بصدر الإسلام ، وذلك لاهميته وغيابه عن كثير من الأدباء والشعراء لما يميزه من دور فاعل في اغناء الشعر العربي والأدب بشكل عام وتوجيهه بما يتفق ويلائم عصر الدعوة الإسلامية ومفاهيم الخلق الإسلامي الذي طال الشعر الذي سبقه من عصر ليجدد في روحه معاني القيم ومكارم الأخلاق .

وقبل البدء بمفهوم العصر هذا ، اود ان اذكر بان ماسمي بالعصر الجاهلي كان اصطلاحا مجازيا لا يعني الجهل بمفهومه ولكنه قصد معايير الأخلاق من مجون وطيش وعصبية قبلية بما لايوافق الخلق العربي وقيمه الإنسانية .

فقد وردنا كما اسلفت من أدب وشعر تلك الحقبة التاريخية انفس الشعر العربي وأجوده لقمة فصاحته وبلاغته وهو تراث يحق للعرب التفاخر به لما فيه من قيم بليغة نبيلة ، وقد قيل عن الشعر في صدر الإسلام انه ربما ضعف او مرض او خفت بريق وهجه وفقد معايير الفصاحة والبلاغة ، ولكن الحقيقة غير ذلك تمامًا فقد جاء الإسلام ليشذب النفوس ويهذبها ويرفع عنها ولينقل في موضوعنا الشعر الى منحى وحال ثاني يترفع فيه عن المجون والتطاول والمبالغة غير الحقة في التوصيف والدلالة والغلو والإغراق والتشويه والى ما ذلك من بذيء القول وفاحشه ، وهذا ما اكد عليه ابن سلام في طبقات فحول الشعراء ورددها من بعده ابن خلدون في مقدمته وكتاب العبر ، فالشعر في صدر الإسلام جند في الدعوة والفتوحات والجهاد وقد تصدى له الكبار من الشعراء المخضرمين الذين عاصروا الجاهلية والإسلام أمثال حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة

فقد تميز الشعر في هذه الفترة وعهد الخلافة الراشدة بوضع معايير وقياس لأغراضه في المديح والفخر والهجاء والرثاء والغزل والى غيره ، بعيدًا عن المقولة التي اشتهر بها الشعر الجاهلي (اعذب الشعر اكذبه) التي عرفت الغلو والمبالغة والكذب هنا لا يعني المعنى الأخلاقي بذاته وإنما التخييل والمبالغة في التصوير مجازًا لحدود الرفض وعدم القبول به ، فالمبالغة بدرجاتها كما ورد عن القزويني (الغلو،الإغراق والتبليغ) كلامًا لا يقبله العقل والواقع كما ورد في قول الشاعر مادحا :

وأخفت أهل الشرك حتى انه
لتخافك النطف التي لم تخلق

لا كقول الشاعر في المبالغة المقبولة بالعقل ولكنها غير متوافقة مع الواقع فيقول:

ونكرم جارنا ما دام فينا
ونتبعه الكرامة حيث مالا

وقد هذب الإسلام في الشعر وأغراضه وجعل الصدق والخلق فيه أساسًا وقاعدة لبنائه، كما ورد عن حديث النبي صل الله عليه وسلم ( ان من الشعر لحكمة) بمعنى ما  فيه من القيم والأخلاق التي تتفق مع مبادى الدين وأحكامه وليس ما سبق من مجون وكذب ودجل وغلو ، كما قال عليه الصلاة والسلام ( لأن يمتلأ جوف احدكم قيحًا حتى يرينه خيرا من ان يقول شعرا) وهذا ما جاء في قول الله سبحانه وتعالى ( والشعراء يتبعهم الغاوون . الم تر انهم في كل واد يهيمون . وأنهم يقولون ما لا يفعلون. الا الذين امنوا وعملو الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا . وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون).

وعودة الى اختلال العرب وشعرائهم إبان الدعوة ونزول القران الكريم وانبهارهم بهذا القول الذي تناقلوه على انه شعرا او سحرًا لما فيه من بلاغة وفصاحة ومفردات لم يعهدوا لها سمعا من قبل ولا قدرة على مجاراته او الإتيان بمثله ، هذا الذي استوقف الكثير منهم قبل ان يعودوا اليه ثانية كما جاء على لسان الشاعر لبيد بن ربيعة الذي قيل انه توقف عن الشعر بعد اسلامه ولم يقل الا بيتًا واحدا:

ما عاتب المرء الكريم كنفسه
والمرء يصلحه القرين الصالح

بعد ان كان قد علق على جدار الكعبة قصيدة له يطالب بها بدم اخ له قتل وكان مطلعها:

الا كل شيء ما خلا الله باطل
وكل نعيم لا محالة زائل

ولكن الإسلام في حقيقته قد وظف الشعر بمعيار الصدق والدعوة وعدم المغالاة والمبالغة في القول، كما دعى الرسول عليه الصلاة والسلام إبان وصوله يثرب مهاجرا اليها وقد اجتمع اليه الانصار (ما يمنع القوم الذين نصروا الإسلام بأموالهم وأسلحتهم الا ينصرونه بالسنتهم) دعوة واضحة لشعرائهم بنصرة الدين والدعوة حتى اختار من بينهم من يقوله ليرد على قريش وشعرائها الذين ابتدوا الهجاء على لسان ( ابو سفيان بن الحارث، ضرار بن الخطاب و عبد الله بن الزمعجرة) حتى انبرى لهم حسان بن ثابت بقصيدة جاء فيها:

عدمنا خيلنا ان لم تروها
تثير النقع موعدها كداء

يبارين الاسنة مصعدات
على أكتافها الأسل الظماء

تظل جيادنا متمطرات
تلطمهن بالخمر النساء

فأما تعرضوا عنا اعتمرنا
وكان الفتح وانكشف الغطاء

وإلا فاصبروا لجلاء يوم
يعز الله فيه من يشاء 

وتفيض فيه الحمية لنصرة من دعاه ويقبل عليهم ليزيد القول ، فيقول:

أتهجوه ولست له بكفء
فشركما لخيركما الفداء

هجوت مباركًا برا حنيفا
امين الله شيمته الوفاء

فمن يهجو رسول الله منكم
ويمدحه وينصره سواء

فأن ابي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء

وفي موقعة أخرى دعاه النبي صل الله عليه وسلم ليهجو قريشا "أهجهم يا حسان فان شعرك اشد عليهم من وقع السيوف " فقال فيهم:

لساني صارم لا عيب فيه
وبحري لا تكدره الدلاء

فنحكم بالقوافي من هجانا
ونضرب حين تختلط الدماء

على اننا لا ناتي بما ذهب اليه الكثير من النقاد والكتاب وكبار اللغة ولغويها ، كما ذكر الاصمعي عن وجهة نظره في شعر حسان بن ثابت انه خفتت حدته وبريق وهجه بعد إسلامه لأن هذا الشاعر نفر اللفظ الوحشي والغريب وعبارات المبالغة والغلو ، ولان شعره بعذوبة الوصف وادب مفردته وهجر ألفاظ الغريب والمستهجن من اللغة.

واما ماورد عن كعب بن مالك الذي رد على هجاء ابن الزمعجري :

أبقى لنا حدث الحروب بطيه
من خير نحلة ربنا الوهاب

بيضاء مشرقة الذرى ومعاطنا
حم الجذوع غزيرة الاحلاب

عرضت علينا فأشتهينا ذكرها
من بعد ما عرضت على الأحزاب 

حكما يراها المجرمون بزعمهم
حرجًا ويفهمها ذوو الالباب

حتى أتم في متنها أبياتًا أعجبت النبي عليه الصلاة والسلام فقال له ( لقد شكرك الله ياكعب على قولك هذا :

جاءت سخينة كي تغالب ربها
فليغلبن مغالب الغلاب

اما شاعر الرسول عبد الله بن رواحة الذي اسلم على يد مصعب بن عمير وشهد بدر وأحد والخندق وبايع بيعة الرضوان وكان احد القادة الثلاث في غزوة مؤتة التي استشهد فيها، وكان شعره سيفًا مسلطًا على رقاب المشركين فيقول:

خلو بني الكفار عن سبيله
خلو فكل الخير في رسوله

نحن ضربناكم على تأويله
كما ضربناكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله

وكان النبي عليه الصلاة والسلام يرتجز بكلمة عبد الله بن رواحة :

والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا

فإنزلن سكينة علينا
وثبت الاقدام ان لاقينا

ان الألى قد بغوا علينا
وان ارادوا فتنة ابينا 

وهنا لابد لنا من عودة سريعة لابرز شعراء هذه الحقبة واقتضاب ما أمكن من شعرهم قبل ان نختم الحلقة هذه لنستطرد الحقب التي تلت وتوالت ونبين مسار بنية وتنظيم الشعر بمرور كل حقبة وتاثيرها على شعرنا العربي.

وبهدف اختصار السيرة الشعرية لاهم الشعراء فإنني سأذكر شيئا عن اهمهم منهم
 كعب بن زهير الذي شهد بدر وقاتل الرسول حتى فتح مكة وكان له اخا اسلم قبله فهجاه هجاء مرا اذى فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام ،فقال يهجو أخيه بجير :

الا ابلغا عني بجيرا رسالة 
فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا

شربت مع المأمون كاسا روية
فأنهلك المأمون منها وعلّكا

وخالفت أسباب الهدى وتبعته
على اي شيء ويب غيرك دلكا

على خلق لم تلف اما ولا ابا
عليه ولم تدرك عليه اخا لكا

ولم يزل كعب بن زهير على شركه حتى فتح مكة فاسلم بعد ان هدر النبي دمه ، ورجع يستشفع لنفسه بلاميته المشهورة التي سميت بالبردة بعد ان خلعها النبي عن كتفه وكساه بها، وهي تستهل بالغزل وتنتقل الى طلب الرجاء والعفو والأمل بالصفح والعفو عنه، حيث يقول:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم اثرها لم يفد مكبول

وما سعاد غداة البين اذ رحلوا
الا اغن غضيض الطرف مكحول

ثم ينتقل ليضيف:

يسعى الوشاة بجنبيها وقولهم
انك يا ابن ابي سلمى لمقتول

وقال كل خليل كنت آمله
لا الفينك اني عنك مشغول

فقلت خلو سبيلي لا أبًا لكم
فكل ما قدر الرحمن مفعول

وينتقل من الغزل والوشاية الى الندم والاعتذار وشعر الحكمة والرضا بالقدر حتى يمتدح الرسول عليه الصلاة والسلام بفصاحة وجزالة شعرية راجيًا العفو عما بدر منه:

أنبئت ان رسول الله اوعدني
والعفو عند رسول الله مأمول

مهلا هداك الذي اعطاك نافلة
القران فيها مواعيد وتفصيل

وهذه القصيدة اشتهرت كثيرا لتعود صياغتها على يد الشاعر البويصيري بأجمل وأعذب ما قيل في رسول الله 
ومطلعها:

مولاي صل وسلم دائما ابدا
على حبيبك خير الخلق كلهم

أ من  تذكر جيران بذي سلم
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

اما الحطيئة وهذا كنية شاعرنا الذي لقب بها لقصره ودمامته ولا يعرف عن إسلامه بعد فتح مكة على شاكلة كعب بن زهير أم انه تاخر في إسلامه وله باعا في المديح والهجاء ، فيقول:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها
واقعد فانك انت الطاعم الكاسي

وله أيضًا قصيدة لاستعطاف الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه بعد ان حبسه ، فعفا عنه بعد ان أخذ عليه عهدًا ان لا يعود الى الهجاء ثانية ، فقال فيها:

ماذا تقول لافراخ بدي مرخ
حمر الحواصل لا ماء ولا شجر

غيبت كاسبهم في قعر مظلمة
فاغفر عليك سلام الله يا عمر

انت الأمين الذي مَن بعد صاحبه
القت اليك مقاليد النهى البشر

وهنا سأكتفي بهذا القدر من الإسهاب الذي ورد لزاما لاهميته ولكي امضي معكم الى متن وختام الموضوع ان شاء الله في منشور اخر.

تقبلوا مني كل آيات الود والامتنان ولما لقاء متجدد باذن الله تعالى.

حافظة الشعر العربي
(الحلقة الثانية)

 

ولكي اكون حيادي الطرح والتحليل ، فإنني سأذكر شيئا عن أوائل ما وصلنا من الشعر وأفضله ، لأتارك لكم الرأي في القراءة والفهم ومدى تلذذ القارئ للصورة وجملها الشعرية ومعاني وصفها وحقيقة بيئتها التي ولدت منها.

وسأبدأ اولا بذكر شيء من نصوص الشعر الجاهلي التي يتقدمها ( المعلقات) التي سميت بهذا الاسم لانها كتبت بماء الذهب وعلقت على ستار الكعبة لمكانتها وبلاغتها ، فيما قيل انها سميت كذلك لانها علقت في الأذهان وهذا التعليل الراجح لتسميتها.

فقد قيل ان افضل الشعر هو شعر امرؤ القيس اذا ركب والنابغة اذا رهب والأعشى اذا طرب وزهير اذا رغب ، ولنرى المعلقة الأولى لشاعرها امرئ القيس حيث يقول:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل 
بسقط اللوى بين الدخول فحومل

فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمأل

ترى بعر الارام في عرضاتها
وقيعانها كأنه حب فلفل

ثم ينتقل الى ذكر محبوبته فيقول:

أفاطم مهلا بعض هذا التذلل
وان كنت قد ازمعت صرمي فأجملي

وان تك قد ساءتك مني خليقة
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

أغرك مني ان حبك قاتلي
وأنك مهما تأمري القلب يفعل

وما ذرفت عيناك الا لتضربي
بسهميك في اعشار قلب مقتل

ثم يذهب في الوصف بجمال من احب الى قوله:

وجيد كجيد الريم ليس بفاحش
اذا هي نصته ولا بمعطل

وفرع يزين المتن اسود فاحم
اثيث كقنو النخلة المتعثكل

ليعود الى وصف الليل وحاله بأجمل الصور فيقول:

وليل كموج البحر إرخى سدوله
علي بأنواع الهموم ليبتلي

فقلت لما تمطى بصلبه
وأردف اعجازا وناء بكلكل

الا أيها الليل الطويل الا انجلي
بصبح وما الإصباح منك بأمثل

حتى ينهي معلقته بوصف جواده وقوته فيقول:

على قطن بالشيم ايمن صوبه
وايسره على الستار فيذبل

وألقى ببيسان مع الليل بركه
فأنزل منه العصم من كل منزل

ولعل القارئ هنا يذهب به الفكر الى غياهب اعجاز اللغة ومفردتها ويتوه في استنباط معناها والقصد وان كانت في وقتها تكاد تكون مفهومة لعام الناس وأهل البادية .

ولكي لا اترك لهذا المنزل دالة او باب فاني سأعرض أيضًا مثالًا اخر عن شاعر اقرب الى القارئ من سواه والذي خلدت معلقته حيث يقول:

هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم

اعياك رسم الدار لم يتكلم
حتى تكلم كالاصم الاعجم

ثم يذهب شاعرنا ليذكر حبيبته التي باح باسمها لنتعرف على شخصيته فيقول:

يادار عبلة بالجواء تكلمي
وعمّي صباحا دار عبلة واسلمي

دار لآنسة غضيض طرفها
طوع العناق لذيذة المتبسم

ويعود الى راحلته ليرسم لنا جمالها بوصف دقيق لين فيقول:

وحشيتي سرج على عبل الشوى
نهد مراكله نبيل المحزم

هل تبلغني دارها شدنية
لعنت بمحروم الشراب مصرم

وينتقل شاعرنا بعد ان افاض بوصف راحلته الى الفخر والفروسية فيقول:

هلا سألت الخيل يا ابنة مالك
ان كنت جاهلة بما لم تعلم

اذ لا ازال على رحالة سابح
نهد تعاوره الكماة مكلم

ثم لينتقل سريعا ويقول:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لانها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم

لينهي شاعرنا ( عنترة بن شداد) قصيدته العصماء متحسرا ان لو مات قبل ان ينتشي بضرب عدوه، فيقول:

الشاتمي عرضي ولم اشتمهما
والناذرين اذا لقيتهم دمي

ان يفعلا فلقد تركت اباهما
جزر السباع وكل نسر قشعم

لقد وجدت في هذه القطعة الشعرية المنتقاة وفق وصف قائليها من الشعراء الفحول الأوائل مجالًا مفتوحا للمراجعة والدراسة المستفيضة دون ان استكمل الحلقة لباقي اصحاب المعلقات بهدف ايجاز المراد منها ، ولعل الهدف اصبح جليًا لدى القارئ بمدى الفروقات اللفظية وأسلوب وطريقة النظم للشعر في ذلك الوقت وتأثير البيئة على اختيار الحدث وفطرة وتمكن هذه الفئة المختارة من الشعراء على التوصيف والإشارة وانتقاء الاستعارة والتشبيه بما يتعذر علينا نحن الذين نتصدى للشعر خوض التفاصيل وتمثيل دورهم في النظم والبناء.

وهذا ما سنراه لاحقًا في انتقال الصيغة الشعرية وبناءها الى مسار اخر اقل تبليغ في معنى اللفظ ومراده حينما ننتقل بالشعر الى عصور احدث وبيئة تكاد تحتك بالحضر اكثر مما هي عليه في البادية وتأثير كل هذا على نمط الشعر وتوصيفه برغم التزام قاعدته واصله .

وهنا سأكتفي بهذا القدر من الإسهاب لكي امضي معكم الى متن وختام الموضوع ان شاء الله في منشور اخر.

تقبلوا مني كل آيات الود والامتنان ولما لقاء متجدد باذن الله تعالى.

 

الحلقة الاولى قراءة النص الشعري

يغيب على البعض منا قناعة تقبل بعض النصوص الأدبية وخاصة الشعر منها لعدم معرفته في كيفية قراءة النص وفهم محتواه ومراد كاتبه والوقوف على حلاوته ومغزاه...

وهذا العيب في التقبل ليس بسبب ضعف النص الأدبي ولا متانة بناءه او فكرة حدثه، وإنما يعود الى ثقافة قراءته والاستفادة من موضوعه..

ولأهمية الموضوع أتمنى ان ينتبه كتابنا وشعرائنا والمتلقين الى اهم الملاحظات في القراءة،ومنها:

١.أن يقرأ النص ونفس القارئ مهيأ ومتفرغ لجو وروح القراءة والمتابعة.

٢.يقع نظر وفكر القارئ اولا الى عنوان ومطلع النص الأدبي قصة كان او شعرا او نثرا،وهذا يعني ان يستنزف الكاتب ما فيه من طاقة وحنكة ومهارة في صياغة هذا المطلع بافضل ما يمكن وان يضعه امام قارئه بإخراج الفنان المتمكن بشد انتباه وفكر وقلب المتلقي له..

٣.اجتهاد الكاتب في اختيار الحدث وبناءه كاملا في مخيلته قبل المباشرة بكتابته،وحين يكون الاختيار واقعا ملموسا يسهل على المتلقي قبوله والتمتع بقرائته،اما اذا كان الاختيار خلقا  وخيالا من كاتبه فان الامر يصبح اكثر صعوبة واجتهاد ،اي الكاتب،سيعتمد على تمكنه وقدرته وخبرته في توظيف مخيلته ورسمها بما يراعي فيها نظرة وتقبل المتلقي لها.

٤.يتطلب تقبل المتلقي للنص في بساطته وفهم مفرداته وجمله ومعانيه،وهذا لايعني بالضرورة اختيار بسيط المفردة ولكن في فهمها ضمن جملة كتابتها واختيارها صحيحا في قبولها.

٥.ان يترتب الحدث حسب وقت ومكان وقوعه في تسلسل النص وجمله ليشد القارئ اليه من جهة وان لا يشتت تفكيره ومتابعته من جهة اخرى..
وان لا يغيب على الكاتب أهمية التركيز في المعنى والقول لان سواه، يمكن ان ينفر منه المتلقي خاصة في الإسهاب اللا مقبول.

٦.في اختيار النص الصحيح يستوجب الانتباه الى حسن التوصيف وتوظيف مفردات جمل النص بوصف قريب لمخيلة وخيال القارئ وتقريب معاني هذا الوصف الى الملموس في واقع ونظر المتلقي فيأخذه من خيال كاتبه الى واقع متلقيه.

٧.ولابد من الاهتمام بشكل رئيس بالاشارة في النص الى مقصود قريب من فهم وادراك المتلقي واستعارة ما امكن من فهم وادراك القارئ بما يحيطه من تفاصيل حياتية او بنيوية او خلقية..وربط الاشارة الى المقصود باستعارة ما يقربها اليه من موجود.

٨.ويبقى الحس في النص هو الاداة التي يراهن الكاتب عليها ويجمع فيه كل أدواته في التعبير والبلاغة والبناء
ويوظفه بحرفية المتمكن والواثق في صناعته ومهنته وهذا يأتي في فطرة الكاتب وموهبته،فكلما فاض الحس على النص كلما تقرب به من متلقيه وقارئه.

٩.على الكاتب ان يضع جل اهتمامه في خاتمة الحدث التي يلخص فيها ما يؤول اليه نصه والغاية من كتابته ليريح به فكر ونظر المتلقي عناء المتابعة والجري في جمل ومفردات ومعنى النص..
وهنا يظهر جليا مهارة وحنكة وفطرة الكاتب وقدرته في اخراج نصه بافضل ما يمكن ويريح بالتالي متلقيه.

  ربما بينا في اكثر من مناسبة ان اهتمام الكاتب ببناء ووزن النص الشعري وقافيته لايعني نجاحه في تقبل المتلقي له،وإنما حلاوة وجمال هذا البناء وطراوة موسيقاه الى اذن المتلقي..
وان يكتب القاص او الشاعر الى اكبر مجموع من القرّاء وليس لفئة معينة من متذوقي الأدب والشعر خصوصا،فالأدب لايختلف كثيرا عن الفنون الانسانية الاخرى في الموسيقى والرسم والنحت وغيرها


آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها  Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108

 

תגובות

מומלצים