الحدّ الفاصل بين الصعود إلى القمّة وصَوْنها وبين الانزلاق نحو الهاوية

هي مقاربات ومقارنات ضروريّة، وإن كانت قد لا تروق للبعض، بين حالات ثلاث تحكمها عوامل الزمان والمكان والهدف، تؤكّد، مرّة لن تكون الأخيرة، أن السياسة الخارجيّة وحتى الداخليّة للزعماء، ليست جزءًا من عالم مثاليّ، بل العكس تمامًا، وهي ليست أيديولوجيا، بل إنها تعبير عن مصالح قد تكون آنيّة أو بعيدة المدى، تتغيّر وتتحوّل ويمكن وصفها بأنها "الراهن المتحوّل"،

04.10.2025 מאת: المحامي زكي كمال
الحدّ الفاصل بين الصعود إلى القمّة وصَوْنها وبين الانزلاق نحو الهاوية

 

 أو أنها معارك ومواقف سياسيّة يتحكّم فيها الإطار الزمنيّ، والإطار المكانيّ، وهناك من يدمجهما في إطار واحد تحت مسمّى الإطار الزمكانيّ، والأهداف المرجوة، وهي قصيرة المدى أو بعيدة المدى. وأن الدول في عصرنا الحاليّ لم تعد بالضبط كما وصفها الكاتب والمنظّر والفيلسوف والسياسيّ فريدريك آنجلز، أحد آباء النظريّة الماركسيّة، كيانًا بسيطًا وثابتًا وواضح المعالم يتألّف من شعب وإقليم وسيادة، بل إنها تأتي على شاكلة قادتها وزعمائها، تتغيّر معهم وتتغيّر توجّهاتها بتغيّر قياداتها، أوّلًا وقبل كلّ شيء جماعات ومصالح وقوى تتحكّم بسياساتها، وتجعلها تبدو أحيانًا غير منطقيّة وغير مفهومة، وتستوجب دراسة ومراجعةً خاصّة للحالات الثلاث سابقة الذكر. وهي مشاركة قادة ثلاثة لدول ثلاث هم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيليّ وأحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، الرئيس السوريّ ودونالد ترامب الرئيس الأميركيّ. أما  العوامل فترتبط بالزمان وهو الذكرى السنويّة الثانية لهجمات السابع من أكتوبر 2023 والحرب التي تدور منذ عامين في غزة، والمكان هو اللقاء السنويّ للجمعية العموميّة للأمم المتحدة  والهدف يختلف بينهم ويتفاوت فالشرع يتحدّث إلى العالم الواسع ويريد تعميق قبوله العالميّ وشرعنته الدوليّة وترسيخ انتقاله الحادّ من لباس الناشط في القاعدة وجبهة النصرة، إلى بزّة السياسيّ واللباس الدبلوماسيّ،  أما نتنياهو فمشاركته جاءت لهدف مختلف  فهو يدرك العزلة الدوليّة التي أوصلت الحرب وحكومته وائتلافه وقراراته المتعلّقة بها. وكلها كما يتّفق الجميع وخاصّة تلك المرتبطة ارتباطًا مباشرًا بإصراره على مواصلة الحرب وإفشال صفقات التبادل ورفضه وقف إطلاق النار وتجاهله التسونامي السياسيّ وسيل الاعترافات بالدولة الفلسطينيّة. وهي تجيء

من منطلق سياسيّ ضيّق خلاصته الإبقاء على حكومته وائتلافه في ظلّ تهديدات الأحزاب اليمينيّة الاستيطانيّة بقيادة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتيتش، ويدرك أن الخروج منها منوط بما لا يريده، وبالتالي وإزاء ذلك، فإن جلّ ما يمكنه أن يفعله هو، بلغة المقامرين، "زيادة مبلغ المراهنات وخطورتها"عبر اتّهام العالم كلّه بالضعف والانهزام ودعم الإرهاب والتغاضي عن فظائع السابع من أكتوبر، متحدّثًا بالأساس إلى قاعدته الجماهيريّة والسياسيّة والحزبيّة، والجمهور الأميركيّ وعلى رأسه  دونالد ترامب، الرئيس الأميركيّ غير المتوَقّع، عبرخطوات استعراضيّة، أشغلت الغالبية العظمى من وقت ومدّة خطابه، فكان نصيب المخطوفين منها أقل من عشرة بالمئة، رافقه إصرار غريب على إجبار المواطنين في غزة على الاستماع إلى كلمته، وتحويلهم رغمًا عنهم إلى جمهور مستمعين لخطابه الذي رفضت معظم وفود الدول إلى الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة الاستماع إليه، في تأكيد على أن نتنياهو يريد فعلًا أن تتحوّل إسرائيل إلى " إسبارطة الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة". أما الحالة الثالثة فهي الرئيس ترامب، الذي كان خطابه وكما هو متوقّع، حديثًا للذات ومع النفس، واستمرارًا لنهجه المتمثّل بتصريحات تقترب من التهديد والوعيد، ومحاولة قلب الواقع رأسًا على عقب، وإظهاره كما يريد هو، بمظهر من لا يلتزم بالبروتوكولات والمراسم الدبلوماسيّة ومن لا يقيم لزعماء العالم وزنًا، ومن يتّخذ القرارات الغرائزيّة والمتسرّعة التي لا تعود بالفائدة بل بتعظيم الأنا فقط.

 


قالوا إن دوام الحال من المُحال، لكنّ أحدًا لم يتخيّل أن استحالة دوام الحال ستكون بهذا المقدار وربما بهذه السرعة، وهذا صحيح بالنسبة لبنيامين نتنياهو  وحالة إسرائيل بعد عامين من  الحرب، وصحيح بالنسبة للرئيس السوريّ أحمد الشرع بعد تسعة أشهر من استلامه مهامّ منصبه أو الاستيلاء، ،  بكلمات أصحّ، على السلطة بعد انهيار نظام بشار الأسد، فمن كان يصدّق أن الأوّل، أي نتنياهو ، وباقتراب الذكرى السنويّة الثانية لاندلاع الحرب في غزة،  وبعد ان وقف العالم بكافّة دوله تقريبًا ومن كافة قاراته إلى جانب إسرائيل، رافضًا فظائع "حماس" موافقًا ربما على اعتبار الهجمات جريمة حرب طالت النساء والمدنيّين والأطفال، ومؤيّدًا بالكامل لحقّ إسرائيل في الردّ العسكريّ غير المحدود، وربما ردّ الصاع صاعين لحركة "حماس"، بل وتزويد إسرائيل بما تحتاج من دعم سياسيّ ومساعدات عسكريّة غير محدودة، وبعد قافلة الحجيج إلى إسرائيل والتي شارك فيها زعماء الدول الأوروبيّة  الذين رحّبوا بنتنياهو ودعموا مواقفه، أن يضطرّ نتنياهو هذا ومقابل نفس الدول، إلى اتّباع طريق التفافيّة في رحلته إلى الولايات المتحدة خشية أن يتم اعتقاله من قبل دول كانت في الصفّ الأوّل لمؤيّديه ومؤيّدي إسرائيل، ومنها بريطانيا وألمانيا وفرنسا التي أعربت عن قبولها لمرور طائرة رئيس الوزراء في سمائها، لكنّه رفض هو  ذلك  خشية أن تضطر لتنفيذ هبوط اضطراريّ هناك، ومن كان يصدق أن السيل الجارف من التأييد لإسرائيل سيتحوّل بعد عامين إلى سيل جارف ضدّها، وإلى اعتراف دوليّ بالدولة الفلسطينيّة، فعشية وصول نتنياهو إلى الأمم المتحدة، صوّتت 142 دولة لصالح إقامة دولة فلسطينيّة، بينما عارضتها 10 دول فقط،

 

كل هذا بعد عامين من هجمات "حماس" التي اعتبرتها دول العالم"   افظع اعتداء على اليهود منذ الحرب العالمية الثانية،  لتنتقل إسرائيل من موقع الضحية  والدولة المتنوّرة والديمقراطيّة التي هاجمتها جماعات أصوليّة، بل ظلاميّة كما وصفتها دول الغرب عامّة، إلى موقع الظالم والمعتدي  الذي يواصل قتل المدنيّين، ويعمل على التطهير العرقيّ والإبادة الجماعيّة وفق تقارير هيئات الأمم المتحدة، وإلى من تتمّ مقاطعته في كلّ مكان ويتمّ طرد مواطنيه من منشآته السياحيّة ومن المشاركة في معارض كانت إسرائيل مشاركة بارزة فيها دائمًا، وهكذا وخلال عامين تحوّلت إسرائيل من "منارة ديمقراطيّة" تدافع عن الغرب المتحضّر مقابل الشرق المتوحّش، أو الحركات الإسلاميّة المشبعة بالكراهية، إلى دولة  تُقاطَع في كلّ مكان تقريبًا، وأصبح اسمها مرادفًا لجرائم الحرب، وقتل  المدنيّين، والإبادة الجماعيّة، وما إلى ذلك، وليتحوّل شعار نتنياهو وحكومته" النصر المطلق" في نظر العالم إلى شعار يعني تفريغ غزة من سكانها وجعلها باعتراف الوزراء في حكومته منطقة غير قابلة للحياة، وفوق كلّ ذلك نقل إسرائيل من مرتبة الدولة التي تدافع عن وجودها وترفض الحروب إلا إذا كانت دفاعيّة، إلى دولة أصبحت مغرمة بالحرب، ولا تخفي مساعيها التوسعيّة ومواقف وزرائها الداعية إلى احتلال مناطق من لبنان وسوريا وجعل قطاع غزة "منجمًا وذخرًا عقاريًّا" وإعادة الاستيطان فيه، ناهيك عن تحويلها من منارة للهايتك والصناعة والعلم والتقدّم والحريّة إلى اسم مرادف للإقصاء وعدم الرغبة في التعامل معه، وفوق ذلك التسبّب لليهود في العالم بالملاحقة وزيادة مظاهر العداء لهم والكراهية. وباختصار من دولة تتربّع على عرش الدعم غير المسبوق، وتقف في مقدّمة سلم المدعومين دوليًّا إلى دولة تجد نفسها، بعد عامين من الحريب، في غياهب الرفض والإقصاء، ويجد رئيس وزرائها نفسه في غياهب الملاحقة ورهينة لأوامر اعتقال، ومن دولة يخطب الجميع ودها، إلى دولة منعزلة تغادر وفود عشرات الدول قاعة الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة رافضة حتى الاستماع إلى خطاب رئيس وزرائها.

 


هذا  أمر يستوجب التساؤل والاستغراب خاصّة وأن نتنياهو نفسه يدرك أكثر من غيره، أنه بسياساته ومواقف حكومته، وبمرور عامين على هجمات السابع من أكتوبر ، قطع حبل الودّ مع معظم الدول الأوروبيّة وكذلك الدول العربيّة بما في ذلك تلك المنضوية تحت "اتفاقيّات أبراهام"، وأنه أعاد إلى الوراء وبعشرات الخطوات دولًا أرادت الانضمام والتطبيع، وأنه يهدّد اتفاقيّات سلام مع المملكة الأردنيّة الهاشميّة وجمهوريّة مصر العربيّة، وأنه أعاد بسياساته هذه إلى الواجهة قضية الدولة الفلسطينيّة بعد أن ظن الجميع وبشكل يقارب التأكيد، أن هجمات السابع من أكتوبر 2023 وأدت حلّ الدولتين ومسألة الكيان الفلسطينيّ المستقلّ إلى غير رجعة، وأن إسرائيل ستتمكّن الآن من تدمير "حماس" وضمّ مناطق الضفة الغربيّة وغور الأردن وفرض الحلول في لبنان  وسوريا وإيران واليمن وسط دعم عالميّ وتفهّم دوليّ وتأييد أميركيّ واضح، فكان الردّ بعكس ذلك، فاستمرار  الوضع الراهن واستمرار الاعترافات بدولة فلسطين ، معناه أن نتنياهو سيصبح "والد الدولة الفلسطينيّة" ولذلك أتساءل : من كان ليصدق أن "طوفان الأقصى" وفظائعه سينتهي  بعد عامين، إلى فيضان دبلوماسيّ من 142 دولة، بمن فيهم حلفاء لإسرائيل ، صوّتوا إلى جانب الاعتراف بدولة فلسطينيّة مستقلّة، ومن كان يعتقد، إسرائيليًّا، حتى في أسوأ أحلامه أن نتنياهو والذي سبق واعترف بحل الدولتين أكثر من مرة، منها خطابه بجامعة بار إيلان  في حزيران 2009، وفي عام 2013 في  كلمة أمام مركز بيغن السادات بجامعة بار إيلان، وفي 2015 أمام ممثّلي الدول الأوروبيّة، وكذلك عام  2016 في منتدى سابان في الولايات المتحدة، كما خاض مفاوضات على حلّ الدولتين مع الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس ومنها  بقيادة وزير الخارجيّة  الأميركي الأسبق، جون كيري وصولًا إلى  مسوّدة وثيقة أمريكيّة تضمنت إقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة إلى جانب إسرائيل وعاصمتين في القدس( رفضها الفلسطينيّون لاحقًا) ثمّ عمل على إجهاضه، سيكون ذلك الزعيم الذي يعيد الدولة الفلسطينيّة إلى الواجهة، مع وصول الولايات المتحدة إلى مرحلة يعلن رئيسها علنًا وبصراحة أنه شخصيًّا لن يسمح لنتنياهو وإسرائيل بضمّ الضفة الغربيّة، لتتحطّم أحلام سموتريتش ومجلس المستوطنات الاسرئيليّة في الضفة  الغربيّة، والملخّص هو أن السياسات هي المتغيّر وأنها "الراهن المتحوّل" فنتنياهو  الذي تجنّب الحروب، ولم يتورّط في مغامرات عسكريّة، وسعى إلى دعم " حماس" ورعايتها وتموّيلها بعشرات ملايين الدولارات القطريّة ما دام ذلك يخدم مصالحه الخاصّة، واحتوى "حزب الله" إيمانًا منه بأنه بذلك يضمن  حكمه، قد تغيَّر  بعد أن تغيَّرت الأمور، فاستمرار الحرب وعدم وقف إطلاق النار هو ما يضمن اليوم بقاء حكومته. تعدّدت السبل والهدف واحد.
في المقابل،

وعلى سبيل المثال فقط، جاء خطاب أحمد الشرع الرئيس السوريّ، مرتديًا بدلةً جديدةً نسي العالم معها أو تناسى ماضيه القريب واسمه أبو محمد الجولاني. والذي اعتبرته أميركا إرهابيًّا مطلوبًا، مع مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، وذلك عقابًا له أو ردًّا على المذابح والأعمال الإرهابيّة، في عرف أميركا وأوروبا، والتي ارتكبها، ومتناسية أنه كما يبدو لم يتغير كثيرًا حيث أضيفت إلى "سجله الحافل" وبعد استلام السلطة في سوريا مذابح ضد العلويّين في الساحل الشماليّ، ومجزرة  ضدّ الدروز، في منطقة السويداء خاصّة، وانطلاقًا  ممّا جاء في بداية مقالي من اعتبار السياسة تعبير عن مصالح  آنيّة أو بعيدة المدى، تتغيّر وتتحوّل يمكن وصفها بأنها "الراهن المتحول"، أو أنها معارك ومواقف سياسيّة يتحكّم فيها الإطار الزمنيّ، والإطار المكانيّ، وجد الشرع نفسه "عريسًا في يوم عرسه" ينتظر الكثيرون لقاءه والتقاط الصور معه،

والاجتماع به والترحيب بعودة سوريا إلى حضن العالم الحرّ، خاصّةً وأنها المرّة الأولى التي يشارك فيها الرئيس السوريّ في اجتماعات الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة، بعد قُرابة 6 عقود، سبقتها كلمة الرئيس نور الدين الأتاسي التي جاءت بعد هزيمة حزيران  عام 1967 ، وبعدها توقّف عمدًا نظام حافظ الأسد وبعدها بشار نجله حتى نهاية العام 2024، عن حضور اجتماعات الجمعيّة العامّة مدّعين أن هذه المشاركة لن تكون قبل حلّ الصراع العربيّ الإسرائيليّ، واستعادة الأراضي السوريّة المحتلة عام 1967( ما يشبه قول دافيد بن غوريون عن الأمم المتحدة أنها فارغة من المضمون)، لكنّ الحقيقة قد تكون مختلفة، وهي أن التغيب عن اجتماعات الجمعيّة العامّة، جاء تخوّفًا من انقلاب عسكريّ وانشغال الزعماء بحروبهم الداخليّة مع المناوئين  داخليًّا لهم، بعكس أحمد الشرع الذي يريده العالم، وتخطب واشنطن ودّه وتدافع عنه وترفع العقوبات الاقتصاديّة والسياسيّة عنه، فيردّ عليها بخطاب يتوجّه فيه إلى العالم  ويقدّم "شهادة حسن السلوك" ، بلغة عربيّة فصيحة ونبرة صوت من يتقن فن الخطابة ويعد بنقل بلاده، بمساعدة ضروريّة وحتميّة وواجبة من دول العالم,

من غياهب النسيان  والظلم والتأخّر، إلى مرحلة جديدة تعود معها سوريا إلى كوكبة الشعوب الراغبة في الحياة، وليس ذلك فقط بل الساعية إلى السلام والتوافق مع الجيران بمن فيهم إسرائيل، وصولًا إلى الهدوء والاستقرار.. رئيس يعود ببلاده من ظلمة الانغلاق والانعزال والإقصاء إلى نور الاعتراف والقبول والعلاقات السليمة والسلميّة، ورئيس وزراء انتقلت إسرائيل معه، وربما بسببه، من رأس سلّم التأييد إلى حضيض المقاطعة والإقصاء والنبذ، ومن موقع الضحيّة والتي تعرضت لفظائع لا يحتملها عقل، إلى دولة متّهمة بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعيّة.


أمّا ثالثهم ترامب، فهو نفسه دون رتوش، رئيس يعرف أكثر من غيره، يواصل سياسة إهانة الزعماء من مختلف دول العالم، وهذه المرّة بشكل جماعيّ،  يهاجم الأمم  المتّحدة  بشكل غير مسبوق متّهمًا إيّاها بالضعف وعدم القدرة على إحلال السلام، متناسيًا أن بلاده عامّة وإدارته خاصّة هي التي أفرغت هذه المنظمة من مضمونها، وأوقفت دعمها الماليّ وانسحبت من بعض منظّماتها وهيئاتها، وأن إرادتها خاضعة لها، مطيعة لسياساتها بما فيها تلك المتعلّقة بإسرائيل والنزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ،

 فأضعفتها وجعلتها منصّة للخطابات التصريحيّة، دون أي إمكانيّة للمساهمة في وقف النزاعات وإحلال السلام، وليس ذلك فقط بل ألمح الى رفضه جهودها وتقاريرها حول الاحتباس الحراريّ ومشاكل البيئة، بعبارات يؤكّد فيها أنه، القوة الوحيدة، وأنه لا يأبه لغيره من الدول العظمى ومنها الصين وروسيا، وفوق ذلك ينشغل بألاعيب سياسيّة وقرارات غرائزيّة يتحدّث فيها ، كما نتنياهو، إلى قاعدته الانتخابيّة ومنها سحب تأشيرة الدخول من الرئيس الكولومبيّ لارتدائه كوفيّة حمراء اللون.

 


مقارنة بين ثلاثة قادة، في نفس الزمان والمكان، ولكن مع اختلاف الهدف، أحدهم تحدّث إلى ذاته  وعن ذاته والسلّم الكهربائيّ، متناسيًا القضّية الأساسية التي تشغل العالم وهي الحرب في غزة، وهو ترامب، وثانيهم هو الرئيس الشرع الذي يطلب الصفح ونسيان ماضيه السيّئ، يتحدّث باسم بلاده الممزقة والمنقسمة على ذاتها  وشعبه الذي قال إنه يحمل على عاتقه مسؤوليّة وقف الحروب التي عاناها، ووضعه على طريق النمو والازدهار والعودة إلى مصاف الشعوب الراغبة في الحياة، ولذلك يريد بناء علاقات سليمة مع أكبر عدد من دول العالم، لينقذ شعبه  ونفسه، وثالثهم نتنياهو الذي يعلم ويعرف حقّ المعرفة أن "حماس" تلقت ضربةً قاصمة وغير مسبوقة،  وأن لا خطر على الإطلاق من تكرار  هجمات السابع من أكتوبر آخر، فإيران ضعيفة وسوريا تفكّكت و"حزب الله" يحاول لملمة الجراح، وإسرائيل هي قوّة إقليميّة، بل دوليّة لن يغامر أحد بمواجهتها عسكريًّا، كما أنها قوّة كبرى اقتصاديًّا وتكنولوجيًّا، ورغم ذلك يرفض وقف الحرب فهدفه الرئيسيّ من هذه الحرب ليس تدمير "حماس" أو  إنقاذ الرهائن، بل  ضمان سلطته وإنقاذ نفسه، وائتلافه، وحكومته حتى لو كان الثمن مقاطعة دوليّة وإقصاء وأزمات اقتصاديّة وتراجع لمكانة إسرائيل الدوليّة ونبذ لباحثيها ورياضييها، وتنافر داخليّ ينذر بصدام بين الخصوم السياسيّين وتقزيم وضرب الجهاز القضائيّ وإضعاف للسلطات المختلفة وضرب لمفاهيم الاستقامة والشفافية، نحو هيمنة المصالح الخاصّة على المصالح العامّة عبر سيطرة تامّة على الحياة السياسيّة  بواسطة تشريعات وقرارات تضمن سلطته الوحيدة، وكونه صاحب القرار في كلّ شيء، وعن هذا قال كارل ماركس :"أي فئة تطمح إلى الهيمنة يجب عليها أوّلًا التمكّن من السلطة السياسيّة لتمثّل بدورها مصالحها الخاصّة كأنها المصلحة العامّة ".

 


والسؤال الذي يجب طرحه هنا، بل إبقاؤه على طاولة البحث علنًا نعتبر، هو هل تعلَّم العالم والشرق الأوسط خاصّة، أن جبهات الرفض والتزمّت الدينيّ والسياسيّ وإلغاء الآخر على أرضيّة دينيّة وعرقيّة وطائفيّة وقوميّة، واعتبار الإرهاب والكبت السياسيّ والفكريّ والعسكريّ والدينيّ، الوسيلة الوحيدة لإدارة السياسات ومواجهة الأمور والسيطرة على الشعوب وضمان البقاء السياسيّ، هي الخطر بعينه الذي يتهدّد الشعوب التي أفرزت هذه القوى والقيادات التي لا تؤمن بقيمة الإنسان، ولا تقدِّس سوى  السلطة والسيطرة، التي تجعل المواطن والإنسان وقودًا لمطامع وطموحات قيادات فاسدة مبنيّة على الكراهية؟


أجل، من المفروض والأجدر بناء الإنسان على أسس متينة من التربية والأخلاق والاستقلال الفكريّ والإنسانيّ، انطلاقًا من كون الشعوب لها الحقّ والحرية بالعيش بكرامة وأمن وامان، وليس تحت طائلة العنف والقمع والإرهاب، والقتل المتبادل من أجل القتل فقط، لا سيّما وأن كافّة الحروب ومنذ فجر التاريخ انتهت بعد استنزاف مقدرات وقوة الشعوب ، خاصّة تلك الحروب المتكررة ومنطقتنا خير مثال على ذلك، ولنتذكر بأن أغنى الناس في العالم هو الذي يملك الصحّة والأمان وراحة البال.
 

תגובות

מומלצים