خاطِرَةٌ الْبُنْجُورُ الشَّرْقِي

19.05.2022 מאת: بروفيسور لطفي منصور
خاطِرَةٌ الْبُنْجُورُ الشَّرْقِي

 

 

خاطِرَةٌ الْبُنْجُورُ الشَّرْقِي

 

اِعْتَدْتُ أَكْثَرَ مِنْ عِقْدَيْنِ مِنَ الزَّمانِ عَلَى زِيارَةِ مَقْهَى سَمارَة، لِشُرْبِ الْقَهْوَةِ وَالْتِقاءِ الْأصْدِقاءِ مِنْ شَتَّى الْمَشارِبِ، وَتَناوُلِ كَثيرٍ مِنَ الْمَواضيعُ، تَعْلُوها اللُّغَةُ، وَالشِّعْرِ، وَالْأَدَبُ، والنَّحْوُ، والتّاريخُ، وَأَحْداثُ السّاعَةِ، وَنَقْضِي ساعَتَيْنِ مِنْ أَجْمَلِ  ما في الْحَياةِ مِنْ بَهْجَةٍ وقَناعَةٍ وَرِضًا.
 

وُقُوعُ الْمَقْهَى في وَسَطِ الْمَرْكَزِ التِّجارِيِّ في الْمَدِينَةِ يُسَهِّلُ عَلَى الْأَصْدِقاءِ الُوُصُولَ إلى الْمَقْهَى، خاصَّةً أولَئِكَ الَّذينَ يَأْتُونَ مِنَ الْمُدُنِ الْمُجاوِرَةِ.
 

حَلَّ رَمَضانُ هَذِهِ السَّنَةَ، وَكَالْعادَةِ أُغْلِقَتْ أَبْوابُ الْمَقْهَى نَهارًا، وَفُتِحَتْ لَيْلًا. وَقَدِ اعْتَدْتُ ألّا أَخْرُجَ مِنَ الْبَيْتِ لِأَسْمُرَ لَيْلًا، بَلْ أَبْقَى فِيهِ مَعَ العائِلَةِ، إلّا في الْمُناسَباتِ الَّتي لا بُدَّ مِنْها.
 

أَخَذَ بَعْضُ الْأَصْدِقاءِ يَتَّصِلُونَ بِي لِنَلْتَقِيَ
 

 

في سَهْرَةٍ رَمَضانِيَّةٍ في الْمَقْهَى أَوْ في غَيْرِهِ خارِجَ الطِّيرَةُ وَالْقَريبَةِ مِنْها. وكانوا يَرْغَبُونَ أنُ يَكُونَ في مَقْهَى أروما الْمُقامِ عَلَى أَرْضِ الطِّيرَةِ في ضاحِيَةٍ تُسَمَّى حانوتا تُطِلُّ عَلَى الْبَلَدِ.
 

أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنِّي في هَذِهِ الْأَيّام لا أَتْرُكُ الْبَلَدَ في هَذِهِ الأَجْواءِ الرُّوحانِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ، أَلا تَجْذُبُكُمْ هَذِهِ الأَضْواءُ الْمُلَوَّنَةُ التي زُيِّنَتْ بِها الشَّوارِعُ والْمَحَلّاتُ التِّجارِيَّةُ، والدَّوّاراتُ وَ الْمَآذِنُُ، كَيْفَ نَتْرُكُ هَذِهِ الْبَرَكَةَ والْقَداسَةَ؟
 

إنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْأمْرِ بُدٌّ فَلْنَلْتَقِ في البُنْجورِ الشَّرْقي السَّاعَةَ التّاسِعَةَ مَساءً، لِأنَّ الْمَقْهَى الْآنَ يَعُجَُ بِالزّائِرينَ.
 

كُنّا سِتَّةً وَأنا سابِعُهُمْ عِنْدَما أخذْنا أَماكِنَنا في الصَّالَةِ الصَّغيرَةِ. بَهَرَتْنا الأضْواءُ السّاطِعَةُ والْمُتَوَهِّجَةُ بِأَلْوانِها السّاحِرَةِ. الْبُنْجورُ الشَّرْقِيُّ هُوَ عِبارَةٌ عَنْ كنديتوريا وَمَقْهًَى، فِيهِ وَجباتٌ خَفيفَةٌ، وَأَنْواعٌ مِنَ الْكَعِكِ وَالْخُبْزِ وَالْمُعَجَّنات، مِنْها مُخَمَّراتُ البُنْجور، فيما أَظُنُّ نُسِبَتْ إلى الشَّرِكَةِ الَّتِي تُنْتِجُها.

 

وفي الطِّيرَةِ بُنْجوران غَرْبِيٌّ في الْمَدْخَلِ الغَرْبيِّ، لِلْوَجَباتِ الْكَبيرَةِ. لَيْسَ فِيهِ مَقْهًى، والشَّرقِي في الْمَدْخَلِ الشَّرْقِيِّ بِجِوارِ الدَّوّارِ الثّالِثِ.
 

 

جَلَسْنا حَتَّى الْحادِيَةَ عَشْرَةَ لَيْلًا، تَحَدَّثْنا عَنْ أَبي الْعَلاءِ الْمَعَرِّي وَتَعَصُّبِهِ الشَّدِيدِ للشّاعِرِ لِلْمُتَنَبِّي، في حادِثَتَيْنِ وَقَعَتا لَهُ. الْأُولَى عِنْدَما قِيلَ لَهُ إنَّ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَالْمَغارِبَةَ يُطْلِقُونَ عَلَى الشّاعِرِ ابْنِ هانِئٍ مُتَنَبِّي الْغَرْبِ، وَأسْمَعُوهُ بَعْضَ شِعْرِهِ، وَكانَ قَدْ فَرَغَ مِنْ شَرْحِ ديوانِ الْمُتَنَبِّي الَّذي أَسْماهُ "مُعْجِزُ أَحْمَد" (طُبِعَ في مُجَلَّدَيْنِ) فَاسْتَشاطَ غَضَبًا وَقالَ: "ما أُشَبِّهُهُ إلّا بِرَحًا تَطْحَنُ قُرونًا لِأَجْلِ الْقَعْقَعَةِ الَّتي في أَلْفاظِهِ".
 

 

والثّانِيَةُ عِنْدَما كانَ في بَغْدادَ في حَلَبَةِ أِحَدِ الْوُزَراءِ، وَكانَ يَعِيبُ شِعْرَ الْمُتَنَبِّي. فَقالَ أبو الْعَلاءِ: "لَوْ أَنَّ الْمُتَنَبِّي لَمْ يَقُلْ إلّا الْقَصِيدَةَ الَّتي مَطْلَعُها: الكامل
لَكِ يا مَنازِلُ في الْقُلُوبِ مَنازِلُ

أَقْفَرْتِ أَنْتِ وَهُنَّ مِنْكِ أَواهِلُ لَكَفاهُ هَذا.
 

 

اسْتَغْرَبَ الْحاضِرونَ كَلامَهُ، لِأَنَّ الْقَصيدَةَ مِنْ أَواسِطِ شِعْرِ الْمُتَنَبِّي وَلَيْسَتْ مِنْ عُيونِهِ. فَقالَ الوَزير: راجِعُوا أَبْياتَ الْقَصيدَةِ لِنَرَى ما فيها.
فَوَقَعُوا عَلَى بَيْتٍ فيها هُوَ:
وَإذا أَتَتْكَ مَذَمَّتي مِنْ ناقِصٍ
فَهِيَ الشَّهادَةُ لي بِأَنِّي كامِلُ

 

فَصاحَ الوَزيرُ قائِلًا: جُرُّوا هذا الْأَعْمَى وَأَخْرِجُوهُ، إنَّهُ يَعْنِي هذا الْبَيْتَ.
 

وَانْتَقَلْنا لِذِكْرِ لُزومِيّاتِ الْمَعَرِّي، والْحَدِيثُ يَطولُ.

 

 

آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها  Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108

תגובות

מומלצים