ما بين البيئة، نمو الاطفال والابعاد المستقبلية

لكلٍ منا ابناء او احفاد نسعى كي تتوفر لهم الاجواء السليمة لنمو وارتقاء وتطور يليق بقدراتهم وبتحديات ما يدور من حولهم من تطورات تضعهم في موقع الفرص المتساوية اسوةً بالآخرين سيما في زمنٍ يسابق العلمُ والتكنولوجيا والتقدم العلمي الادبي والثقافي الوقتَ.

22.04.2021 מאת: د. رضوان منصور
ما بين البيئة، نمو الاطفال والابعاد المستقبلية

 

مما لا شك به ان للبيئة الاجتماعية التي تنمو بها الاطفال وترتقي وتتعلم اساليب التعامل مع الاخرين، تأثير جذري على ابعاد انجازاتهم المستقبلية. ولانكشاف الطفل للبيئة المحيطة تأثير كبير على نمو دماغه وتطوره السليم اضافةً الى تطور الجهاز العصبي لديه. فوجود الطفل تحت ظروفٍ ضاغطةٍ بشكل مستمر يُعيق تطوره السليم ويمسُ بتطور قدراته الفكرية الادراكية وبمهاراتِهِ الاجتماعية والجسدية.

تمحورت الابحاث في هذا الصدد في المراحل الاولى حول تأثير البيئة في البيت وفي المؤسسات التعليمة والتربوية على نمو الاطفال الا ان المحيط البيئي المؤثر يتسع الى بيئات عديدة أخرى مثل البيئة السكنية ككل في الحي والقرية، الاجواء العامة بها، كيفية المعيشة تحت السلطة المحلية في توجهه الخدمات وسياسة السلطة المركزية على صعيد الحكومة ووزراتها ثم ما الى ذلك..

من ضمن ما استخلصت الابحاث العلمية بأن المجتمع الذي يفتقر إلى الموارد والإنشاءات وإمكانيات العيش العصري المتطور، يُقلل من امكانيات اتاحة الفرص وفسحها امام افراد المجتمع الذي يعيشون به، مما يؤثر سلباً على نمو وارتقاء الاطفال به، وهذا التأثير السلبي له ابعاد كبيرة وينتقل من جيلٍ الى جيل (Cupta, el. al. 2007).

الا ان التجسير على هذه الفجوات قابل فيما لو تداخل الاهل وافراد العائلة بشكلٍ مكثفٍ بما يدور حول تنمية الاطفال ولو أقيمت منظماتٍ جماهيريةٍ فعّالةٍ تدعم النمو ولو تواجد الشعور بالأمن والامان في مكان السكن ولو أُقيمت في الاحياء اماكن لهو وتسلية للأطفال (Ward, et.al. 2016).

في أحد الابحاث الذي تمحور في نمو وارتقاء الاطفال وتأثير المحيط لهم، عليهم. تم اختيار خمس بيئات لها صلة بنمو الاطفال وتطورهم. بيئات تشمل حلقات متعددة منها المباشرة ومنها ما يتعلق بسلم افضليات اصحاب القرار وموجهي النهج السياسي على الصعيد المحلي او على صعيد الدولة وعليه شمل البحث البيئات التالية: البيئة البيتية، البيئة في الحي، تأثير افراد المجتمع المحلي، مدى تأثير الخدمات والمنشئات الناجمة عن السلطة المحلية وعن الموارد وسياسة الدولة بكل ما يتعلق بنمو الاطفال وارتقائهم Goldfield, et. al 2017.

طريقة البحث هذا ربطت بين البحث الكمي والبحث الجَودَوي, من تعبئة استمارات وفحص مُعدَّلاتها الحسابية والروابط التي تتواجد بينها ومن تحليل لقاءات ومقابلات حوارية تمخضت بما يلي:

البيئة الاقتصادية: تشير الابحاث بان هناك علاقة قوية بين الوضع الاجتماعي - الاقتصادي الذي يعيش به الطفل وبين نموه وارتقائه وعلى الاخص في جيل الطفولة المبكرة فالعيش في حي فقير يختلف كلياً عن كون الطفل يعيش في حيٍّ ثري غني ومستقر فالأحياء الفقيرة تفتقر للمنشئات والمؤسسات التي تساعد وتدعم النمو السليم وتخدم الارتقاء الحسّي، العاطفي والفكري ومنه يستقي الطفل اساليب تعاملٍ مع الاخرين تدخله في حلقات القصور والشعور بالنقص (2002 ,Badley & Corwyn). على سبيل المثال انكشاف الطفل في الجيل المبكر الى قصور اقتصادي يؤثر على المحفزات والاغراءات الحسية لديه سلبًا والتي بدورها تؤثر على تطور دماغه وبالتالي على قدراته الفكرية، وحين نضيف الى ذلك سكن مهاجرين قليلي الامكانيات والموارد، او اقليات اثنية فإنها ستُحدث تغيرًا ديموغرافيًا وتوزيعًا مُغايرًا للموارد والخدمات حيث تمس بالضرورة بمستحقات بقية سُكان الحَّي فيما لو كان تواجد المهاجرين في وضع اقتصادي متدنٍ وكم بالحري حين يكون المهاجرون والاقليات في مواقع الجنوح او التصرف الجنائي. ان تواجد الاطفال في هذه البيئة السكنية يؤثر على نمو الاطفال في مجالات عديدة مثل مجال الصحة، الرفاه الجسدي، والرفاه الاجتماعي من مهارات اجتماعية، عاطفية، حسية وقيم.

البيئة البنيوية: هذه البنية من ضمن صلاحيات السلطة وشركائها المحليين وهي تشمل مكان السكن، الامن على الطرق، وسائل نقل جماهرية، حدائق عامة، اماكن لهوٍ للأطفال، مؤسسات تربوية ثقافية، حضانات وروضات مجهزة بمعدّات والعاب تعليمة وتفكيرية حديثة وعصرية ام لا. لهذه البيئة تأثير كبير في صقل وتطوير المهارات الاساسية، الاجتماعية، العاطفية والفكرية.

البيئة الخدماتية: ماهية وجودة الخدمات التي تُقدمها السلطة المحلية، مدى مهنية الخدمات، مدى الاصغاء الى احتياجات المؤسسات التربوية من حضانات وروضات ومدارس ابتدائية قياسًا بإعطاء اجوبة وخدمات مهنية وموضوعية لهذه الاحتياجات وتأثير هذه البيئة على نمو الاطفال وتطورها له باع واسع.

تشير الابحاث العصرية وتولي اهتمامًا كبيرًا الى الاحتياجات الحسية العاطفية والاجتماعية لدى الاطفال في سنواتها الاولى سيما لأهمية الانتباه، الاصغاء، بث الشعور بالدفيء والتعامل الودي المُحب والحاضن ولشخص، لتوجيه، لثقافة وقدرات الحاضنة ومربية الاطفال دور فعّال في نمو وتطور الطفل الحسّي والاجتماعي. وللأطفال احتياجات فردية، كلما تم الانتباه اليها واعطاء اجوبة داعمة لها، كلما هي الاخرى خدمت الجانب الحسّي، دعمت في ثقة الطفل واعطته الشعور بالأمان وعززت من قدراته الذاتية ومن استقلاليته (Gallagher, Dadisman, Farmer, Huss & Hutchins, 2007).

من هنا اهمية مهنية الكوادر التي تُربي وترعى الاطفال، تهيئتها ومرافقتها بدورات استكماليه على الصعيد المحلي والقطري.

البيئة الاجتماعية: ان التوجه البيئي يشدد على مدى تأثير الجانب الاجتماعي والمحيطي على نمو الاطفال فالثروة الاجتماعية ورأس مالها من علاقات اجتماعية وانسجام جماهيري، ولُحمة اجتماعية، تخدم التصور الادراكي للأمن والامان ولماهية التصور الجنائي والاجرامي ولما يجوز ولا يجوز لدى الاطفال، الى جانب تصور العلاقات الحميمة في مكان السكن، سيما في الحي او القرية وكلها تؤثر على كيفية العلاقات بين الاطفال أنفسهم.

فالبيئة الاجتماعية التي تنمو بها الاطفال وترتقي هي التي تؤثر على مدى تطور مهاراتهم الاجتماعية وعلى كيفية التعامل مع الاطفال الاخرين. هذه المهارات ترافقهم في مراحل متقدمة لأعمارهم. والتداخل المُسبق، المُبكر والاستمراري في مرحلة الجيل المُبكرة، عندما يكون الدماغ في وضع مرنٍ جدًا يكون ناجعًا اكثر بكثير من ان يكون بجيل متقدم بسن الطفولة.

بيئة السلطة المركزية: السلطة المركزية هي عامل مُحرك لدعم وتشجيع المداخلة الجماهيرية ومشاركة المواطنين والتنظيمات الاجتماعية المهنية الداعمة للنمو السليم لدى لأطفال. السلطة المركزية مسؤولة لإقامة أُطر رقابة حول ما يدور في السلطة المحلية بما يتعلق ببرامج عمل لجيل الطفولة وكيفية تنفيذها على ارض الواقع. يمكنها ايضًا تذويت نهج الحوار من حول الطاولات المستديرة لطرح مواضيع حديثة وعصرية حول نمو وارتقاء الاطفال في جيل الطفولة المبكرة الى جانب تمويل خطط عمل، خدمات وابحاث متجددة.

نجد في الابحاث ما يُشير الى انه كلما كان تداخل واستثمار من قبل السلطة المركزية بما يتعلق بالأطفال في الجيل المبكر كلما كانت نتائج جيدة لنمو الاطفال وتطورهم واكتسابهم مهارات، مما يؤكد ان دور السلطة المركزية اساسي وجوهري لدفع التغيير المطلوب والمستوى المنشود ككل وعلى الصعيد المحلي (O'Toole, K. 2003). 

مُجمل الابحاث تُشير الى ان ايجاد دراسات وخطط عمل مُثلى للأطفال في الاجيال المُبكرة والسعي لتقليص المسِّ بنموهم وارتقائهم، هم اهداف سامية تستحق ان نخوضها كبداية حيوية ((Chan M.2013. فجيل الطفولة المُبكرة يُشكل فترة حتمية في حياة الطفل، من خلالها باستطاعة المحيط والبيئة ان تؤثر عليه بشكلٍ مطلق، سيما على نموه الفكري والادراكي بما في ذلك نمو دماغه (Hertzman, C.2004) والأطفال التي تترعرع في بيئة ايجابية حميمة منفتحة منذ ولادتها وحتى جيل ثمانية سنوات تتلقى اسسًا متينة تُرافقهم وتُعزز نموهم وارتقائهم الجسدي، الاجتماعي، العاطفي، الادراكي والفكري (Heckman, J.2006).

 من هنا يجدر بنا توسيع رقعة البحث من محور عامل الطفل، العائلة والمدرسة الى حيِّز البيئة الجماهرية والتي هي ايضًا عامل وجهاز مهم في تهذيب وتحسين نتائج النمو والارتقاء المبتغاة. فالمبدأ واضح وهو انه علينا ان نبحث ونُنقب كي ندرك ما هي الامور التي تؤثر ايجابًا على نمو الاطفال وارتقائهم، ثم بناء خطط عمل مُجدية وتنفيذها على ارض الواقع. حينها يصبح بمقدورنا توجيه النهج الافضل، المنشئات الاحسن والاستثمارات التي تدفع وتقدم النمو الايجابي لدى الاطفال وما يتبقى علينا فعله هو ان نترجم هذه الابحاث الى خطوات عملية والى برامج عمل ترتقي بالأطفال الى حيِّز أفضل لهم ولمستقبل منير للجميع.

 

תגובות

מומלצים