بين الدرزية والتوحيد, د: نواف الشبلي, السويدا
الدرزية هي حال جميع المذاهب و الطوائف و الملل عندما تنغلق طاقتها الحيوية و تتقوقع صورتها الإنسانية عند أشباح أو أصنام أو صور تتعبد لها و تقف عندها وحدها، بحيث تصبح مرجعيتها الوحيدة دون غيرها بغض النظر عن التطور بالزمن،فقد يعتقد طالب الصف الأول بأن ختام العلم هو حروف الهجاء التي تعلمها، و هكذا يقف عندها و تتضخم الأنا و يكبر الجسم و هو لا يزال بذلك المستوى من الوجود عبارة .
عن شجرة قزمة لا يرميه أحد بحجر فشجرته محرومة من الثمر إذ لم تتم لها ملايين الشروط الصحيحة بالوجود لتكبر و تزهر و من ثم تثمر، و هكذا يصبح الفرد المتوقف تطوره عند حد عقيدته و على ما وجد عليه آباءه و أجداده من حروف هجاء فقط، يصبح ضعيف العقل، فهو لم يدخل بمسائل و تمارين الرياضيات و لا المعادلات الصعبة بالحياة و هو لم يطور رؤية الهندسة الفراغية و لا منظومة الDNA الأحدية فيصيح في الشارع متكبرا برؤيته ضخامة جسمه و قوة سلطة ساعده ليقول : (لا يوجد أحمق مني و لا أكبر من غبائي و لذا تكبرت ) ،فمحاكمته غير منطقية و لذلك تراه يحكم بما تظنه الحواس فيعتقد بسبب كبر حجم جسمه الناجم عن عدم التطور المتوازن بمختلف الأجسام الباطنية عبر الزمن بأنه القادر عقيدته هي الوحيدة التي بها صفة القاهر، لذا تراه يحكم و يكفر و يتهم الآخرين الذين يمكن أن يكونوا على وشك الخروج من صفوف الدراسات العليا مثلا.
و حتى هؤلاء أي طلاب الصفوف العليا قد تنعكس بهم الطاقة يوما و يتربعون على سفح الجبل دون الوصول لقمته و ذلك بسبب نفس المرض الذي هو تضخم بالأنا و الذات و عدم التطور المتوازن بكل المقامات .
فلا يعني أبدا حفظ آيات الكتب المقدسة و غيرها أن صاحبها قد وصل لليقين أو لرؤية رب العالمين و تجلي تلك الصورة الكونية به، بل قد يكون مجرد ركوب على الموجة التوحيدية للتعبير الأناني عن أشياء هو نفسه عالق بها و غير عامل على تطبيقه لمفترضاتها، فيحدث التناقض الكبير بين الباطن و الظاهر و تحدث الصراعات داخل النفس بسبب الفراغ الروحي لعدم تجليه سبحانه لعقله الندسي، فتهجم على تلك النفس طفيليات طاقية من هنا و هناك و تأخذ تجسدا باسم جماعات و تيارات و مذاهب باسم الدين و الروحانيات، و تنقاد هذه النفوس من جديد بسياسة الحشود التي تتجمع طاقاتها لتصبح بتوجيه أو عدم توجيه مصدرا أساسيا لمرض قلة السلام على الأرض عموما و بالمكان المحدد خصوصا، فما هو داخلي أي بداخل النفس سينعكس على ما هو خارجي حكما!!!!
أما التوحيد:
فهو ممارسة الحكمة أي تطبيق عملي للحكمة بالحياة و قمة الحكمة هي المحبة اللامشروطة و هذه تدل على أن الفرد قد وصل حقا لرؤية إرادة إلهية خلف الأحداث، فتراه متوحدا مع ذاته و لايرى رسوم أشخاص و لا صور و لا يتأثر بأذى أو حقد أو حسد أو كبر فهو موحد نقي تحول لمرآة صقيلة ستعكس تماما ما بنفوس الآخرين من طبائع ضدية و التي أولها و أعظمها المعاندة و التي يتولد منها الاستكبار و حرارة المعصية و برودة الظلم و أخيرا الجهل و هكذا عندما .
يصبح الجهل قائدا للنفس يقفل الدماغ على هذا الطبع و يصبح بدائرة لينعكس على الفرد بالمشاعر السلبية و الأفكار الهدامة للحقيقة الكونية التوحيدية.
فالتوحيد هو تجربة عرفانية تتم في أي نفس بشرية و من أي دين أو مذهب كانت على مقدار درجتها و الصف المدرسي المتربعة عليه ، فلا يحق لنفس وصلت للصف السابع مثلا أن تنظر بعين السخرية اتجاه نفوس الصف الأول بالحياة فإنها بتلك اللحظة تفقد توحيدها و يتجدد الظاهر بقلبها فتنقلب طاقتها لتقع بمرض تضخم الأنا القاتل و هنا السقوط من على سفح الجبل أشد خطرا من الوقوع بقيعة الفرحين المنهترين على أنفسهم و لذلك قيل بأن المرتدين عقابهم أكبر و أعظم من طلاب الصفوف الظاهرية الأولى.
فالموحد مدرسته كونية عالمية لكونه يقدِّر الكل و يخدم الكل و يحب الكل، فهو يرى نورا متدرجا في نفوس كل البشر و لو أنه غائب ذلك النور عن أعين باقي البشر، و هنا بالذات يصبح التوحيد مصدر إشعاع لكل الأديان و المذاهب فهو جوهرها.
فالتوحيد توحد بداخل النفس مع الذات الواحدة في الجميع و هو تطابق تام بالفكر والقول و العمل يعرفون أنفسهم.
فمن كان متطابقا مع هذا الثالوث أصبح أهلا للنجاح في أول و أعظم المفترضات التوحيدية و التي بها يصح التوحيد و بدونها لن ينفع شيء و هي صدق اللسان الذي من خلال مستوياته كلها كصدق حق يستطيع الإقرار الحقيقي بالصورة بالباري كتجربة رؤية، و ليس كمجرد اعتقاد أو فكرة، و من كان صادقا مع نفسه متوحدا مع ذاته أصبح بشكل طبيعي حافظا لإخوانه و الذين يمثلون كل البشر أو طائفة الإنسانية جمعاء، و هنا ترتفع به الطاقة ليصبح بريئا من عبادة العدم!!!!!
فيعبد المولى موجودا من خلال معاملاته اليومية مع كل الناس و هذا يحتاج لقوة روحية لتنفيذ الدين المعاملة و مبدأ الحكيم ساي بابا(عندما تهين أو تؤذي أو توجه الشتائم للآخرين تذكر بأنك تدعو الألم لزيارة نفسك لأن الآخرين ليسوا آخرين بل هم ذاتك).و مبدأه في أحبب الكل و اخدم الكل و في ساعد ابد ا و لا تؤذِ أحدا !!
و لننظر لواقعنا المعاش ونتفكر بالجهل و الضعف و المرض بكل مستوياتنا، فإذا كان طعامنا الذي نأكله غير متوازن مع العناصر الخمسة و التي هي تجسدات مادية بالكون المادي للحدود الخمسة الروحانية, فكيف سيصح لنا التوحيد، .
و هنا كلمة مايراه الأخيرة قد تقع على تجربة الرؤية الباطنية العرفانية و لذلك لا يمكن أن تصح هذه النظرة التوحيدية بدون صفاء نفس و نقاء فكر و سعة قلب، و الغريب هنا أن الفرد سيحكم على الآخرين من خلال نفسه و ما يراه فالذي سيطر عليه الضد بطبائعه لن يرى سوى الضدية و الأضداد، و من سيطر على نفسه الطبائع العقلية فيصبح بها جميلا فيرى كل ما في الوجود جميلا ... فالموحد لا ينزل عادة لدائرة الضد و إذا حدث و نزل فإنه سيفقد توحده مع نفسه و سيدفع رد فعل كارما بمعاناته لفترة من الزمان.
و لكي يحدث انطلاقة حقيقية ما علينا إلا الانطلاق من التوحيد بنظرته الكونية العالمية أولا و لا يجب علينا الانطلاق من الدرزية فيحدث معنا ما حدث مع أبي جهل و أبي لهب و نشتكين الدرزي ،
إن الذي حدث عبر التاريخ بإتباع هكذا أشخاص ظاهرهم ديانة و باطنهم خيانة كان السبب الرئيس لكل الصراعات الدموية و الطائفية ألم يتآمر جنود الضد على السيد المسيح و الرسول محمد و على الحلاج و أبي ذر و على عمار و الداعي عمار.
إن أصحاب الفتن و الجور في أرض العرب كانوا و لا زالوا عبر التاريخ يُرجّعون صدى الرجع الأول لطبائع الضد اللعين فتنعكس على الواقع كما انعكست في مسجد ريدان بمؤامرات و مؤتمرات خيانة كادت أن تودي بحياة أسياد الكون أي أسياد أنفسهم لولا رحمة ربي!!!!!!!!
فإنشاء الله نكون ممن وقعت عليهم المحنة في مسجد ريدان و إنطاكية و فلسطين و لا نكون ممن كانوا سببا أو محرضا أو من لهم يد بذلك الشر الذي سيتكرر مع بني البشر مادام الليل و النهار و ما دام الخير و الشر...و في الختام السؤال الصعب السهل مع عدل الإله بالتخيير؟
من نحن ؟و ماذا نريد أن نكون : دروزا أم موحدين؟؟؟؟؟!!!

















