العواقب الوخيمة للتزّمت القوميّ والتعصّب الدينيّ

لقد بدت مئات الصور الواردة من قمة الدول العشرين الغنية في العالم المعروفة باسم G20 ورديّة ومتفائلة، والتي شاركت فيها الدول الأقوى اقتصاديًّا في العالم، ومنها فرنسا وألمانيا وأمريكا والسعودية والصين والبرازيل وتركيا، ومئات الصور التي غطت صفحات الصحف المكتوبة

05.11.2021 מאת: المحامي زكي كمال
العواقب الوخيمة للتزّمت القوميّ والتعصّب الدينيّ

 

أو الموجات التلفزيونيّة المفتوحة من مؤتمر المناخ في غلاسكو بإسكتلندا، والذي شاركت فيه نحو 200 دولة منها إيران وإسرائيل، ممثلة بزعمائها وقادتها. وبدت كذلك كأنها تبشر بعهد جديد من السلام والتعاون والتفاهم، إلا أنها تعكس بما دار في أروقتها وساحاتها وعلى هوامشها، حالة مختلفة تمامًا إن لم تكن مناقضة.

 

سيل الابتسامات وتسونامي المصافحات هو الغطاء الخارجي والمظهر الإعلاميّ لهذه المؤتمرات، لكن الحقيقة مغايرة، وملخّصها خلافات، بل عداوات أحيانًا في كافّة القضايا والمسائل التي عالجتها، بدءًا بانبعاث الغازات السامّة والملوثة، وتأثيراتها على التدهور المناخيّ في العالم وارتفاع منسوب البحار بما ينذر بغمر عشرات المدن الساحليّة في العالم، وارتفاع معدّل درجات الحرارة بدرجة ونصف كلّ عام، وتضاعف مظاهر التصحّر، مرورًا بالشأن النوويّ الإيرانيّ الذي كان حاضرًا رغم غياب الرئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي، وذلك عبر لقاءات واجتماعات أميركيّة أوروبيّة انتهت بعد سنوات من إدارة ترامب، التي ساد فيها الخلاف والشقاق بين الطرفين، إلى بيانات موحّدة ومشتركة أكدت الموقف المشترك لأوروبا وأميركا في عهد جو بايدن من إيران، وهي بيانات يجب التمعّن في معناها العام، وليس فقط في تفاصيلها بصفتها تحمل رسالة لدولتين: الأولى إيران التي شهدت انتخابات فاز فيها التيار المتشدّد وفاز " جلاد طهران" إبراهيم رئيسي بالرئاسة خلفًا لحسن روحاني المعتدل، والثانية تركيا التي تعيش حالة تشبه حالة إيران في العموميّات وتختلف في التفاصيل فعلاقتها جيدة مع أميركا (الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، التقى الرئيس الأميركي جو بايدن في روما على هامش قمة مجموعة العشرين )، رغم التوتر بينهما بسبب حيازة تركيا منظومة دفاع روسية، رغم انتمائها إلى حلف شمال الأطلسيّ، لكنّها سيئة تتسم بالتشكيك والتنافر مع أوروبا، رغم أن تركيا عضو في حلف الأطلسيّ، وعلى الرغم من تراجع إردوغان أخيرُا عن طرد عشرة سفراء غربيين بينهم السفير الأمريكيّ، لمطالبتهم بالإفراج عن المعارض التركي عثمان كافالا المسجون منذ أربعة أعوام من دون محاكمة.

 

كانت الصور مخادعة وكانت الابتسامات زائفة تعكس حالة ربما جديدة، تقول فيها أوروبا وأميركا معها إنّ العصر الحديث والعلاقات الدوليّة والأعراف والقوانين الديمقراطيّة لا تحتمل أنظمة دكتاتوريّة لا تكتفي بقمع الحريات أو تحديدها، بل تقرن ذلك بتوجّهات تخلط بين المشاعر القوميّة والتطرّف أو التزّمت الدينيّ  ومنها إيران وتركيا، فعلاقات تركيا بأوروبا، وهي جزء منها جغرافيًّا عملًا وقولًا، أو هكذا، على الأقل، أرادها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، الذي صاغ تركيا الحديثة بعيدًا عن جذورها الشرقيّة حضاريًّا ولغة ودينًا أو توجّهًا، فأرادها علمانيّة غربيّة، دون أن يجدي ذلك نفعًا،  فموقف أوروبا من تركيا لم يكن إيجابيًا منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وخلال الحرب العالميّة الأولى.  فقد بنّت أوروبا موقفها ونظرتها إلى العثمانيّين، باعتبارها دولة إسلاميّة، أو تمثّل التوجّهات الإسلاميّة والخلافة، طوال فترة الدولة العثمانيّة منذ تأسيسها وحتّى تفكيكها، بل إنّها لا تزال تنظر إلى تركيا، وريثة الدولة العثمانيّة، على أنّها دولة لم تنقطع صلتها بتاريخها العثمانيّ الشرقيّ والإسلاميّ، والدليل على ذلك أنّ الاتحاد الأوروبيّ انتهج سياسة المماطلة والممانعة لدخول تركيا الاتّحاد الأوروبيّ، على الرغم من أنّها قوة في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وعلمًا أنّ قادة الدول الأوروبية لا يخفون مخاوفهم إزاء دخولها الاتّحاد.

 

كان ملف انضمام تركيا إلى الاتّحاد الأوروبي وما زال عالقًا منذ عقود، دون أن يحصل أيّ تقدّم حقيقيّ يشير إلى أنّ أنقرة اقتربت بالفعل من الانضمام الكامل للاتّحاد، وعلى الدوام، خطوات بناء الثقة وتلبية شروط الاتّحاد تتقدّم في بعض الملفات، وسرعان ما تتدهور في ملفات أخرى.  ومع تصاعد وتراجع الخلافات بين عام وآخر يبقى التقييم الجوهريّ أنّ الاتّحاد الأوروبيّ لن يقبل بتركيا دولة كاملة العضويّة تحت أيّ ظرف من الظروف، وأنّ ما يحصل هو محاولة للتعاون واحتواء الخلافات، إذ إنّ الكثير من الدول الأوروبيّة لا تخفي رفضها المطلق والتام لضمّ تركيا للاتحاد، لأسباب مختلفة، لا يتردّد بعض السياسيّين الأوروبيّين في التأكيد على أنّ أبرزها يتمثّل في أن تركيا دولة مسلمة، وأنّ ضمّ دولة تحتوي على أكثر من 80 مليون مواطن مسلم يعتمد نظام الحكم فيها على الدمج بين القوميّة المتطرّفة، التي تتجسّد في رغبة أردوغان بإعادة مجد الإمبراطوريّة العثمانيّة، التي أطاحت بها الحرب العالمية الأولى، بعد سنوات وُصفت فيها بأنّها "الرجل المريض"، و بين الفكر الإسلاميّ المتطرّف لحزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان (خاصّة وأنّه منذ مجيء حزب العدالة والتنمية في عام  2002 تحوّلت سياسة تركيا من العلمانيّة إلى تبني فكرة الخلافة الإسلاميّة، أو بالأحرى استعادة الدولة العثمانيّة، وهو ما يعرف بالعثمانيّة الجديدة، إذ يهيمن على توجّهات الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان حلم إحياء الإمبراطوريّة العثمانيّة، وفي معظم خطبه يستخدم تعبير "نحن أحفاد العثمانيّين" إلى الاتّحاد الأوروبيّ من شأنه أن يغيّر التركيبة الديموغرافيّة والسياسيّة وموازين القوى داخل الاتّحاد، خاصّة إذا ما أُضيف ذلك إلى تدفّق ملايين اللاجئين من سوريا وليبيا وأفغانستان والباكستان وغيرها من الدول العربيّة والإسلاميّة، وهو موقف أوروبيّ تعود جذوره إلى الخلاف التاريخيّ المزمن بين تركيا العثمانيّة الضعيفة خلال الحرب العالميّة الأولى وبعدها، وتحديدًا إبادة وترحيل المسيحيّين  الأرمن والأشوريين والروم، الذين شكّلوا قبل الحرب العالمية الأولى 20% من سكان تركيا، وتقلّص عددهم بفعل الملاحقات والإبادة والترحيل الى 2%  بعدها،  كما جاء في كتاب خاصّ للأستاذين درور زئيفي وبيني موريس، علمًا أنّ المؤرّخين يشيرون إلى إبادة وترحيل مليون ونصف حتى مليوني مواطن تركيّ مسيحيّ.

 

البيان المشترك حول التعاون الأميركيّ – الأوروبيّ يحمل رسالة كبيرة المغزى في هذا الشأن، إذ يتناغم مع وصف الرئيس الأمريكيّ جو بايدن، في الرابع والعشرين من نيسان، مقتل 1,5 مليون أرمنيّ على يد السلطنة العثمانيّة عام 1915 بأنّه إبادة، لتنضمّ أميركا بذلك إلى دول عديدة عددها نحو 30 دولة منها لبنان، وسوريا، واليونان، وفرنسا وغيرها ما زالت تذكر المذابح، التي نفّذتها السلطات التركيّة عشية الحرب العالمية الأولى 1914- 1918، حين بلغت الدولة العثمانيّة مرحلة الانهيار الوشيك، في وقت سطع فيه نجم شعوب خاضعة لها، بينهم الأرمن، إذ يقول محمد رفعت الإمام في كتابه "القضية الأرمينيّة والدولة العثمانيّة" إنهم ، أي الأرمن، بلغوا في القرن الــــ 19 درجات متقدّمة من الازدهار على جميع الأصعدة، حتى إنّه قال إنّ العثمانيّين كانون يتحدّثون باللغة التركيّة ويفكّرون بالأرمينيّة،  وإن بزوغ شمس الأرمن فجّر الغضب في نفوس العثمانيّين، الذين لم يستوعبوا حقيقة أنّ آخر أقليّة مسيحيّة تحت سلطتهم تفوّقت عليهم، فقرّر وزير الدفاع حينها أنور باشا التعجيل بتنفيذ ما يعرف بـ"المخطط الطورانيّ"، للإفلات من حرج هزائمه المتكررة، واستغل أنور باشا تحالف الأرمن مع جيش القيصر الروسيّ، واتّهمهم بالخيانة العظمى، في مسار يشبه إلى حد كبير مخطط السلطان العثمانيّ عبد الحميد الثاني، الذي اتّهمهم بإثارة الفتنة الطائفيّة، قبل أن يبدأ بتصفيتهم على مراحل، وبالفعل صدرت أوامر إبادة الأرمن من أجل الاستيلاء على أراضيهم، لتبدأ واحدة من أبشع جرائم التاريخ، ويقول موقع الأرشيف الوطنيّ البريطانيّ إنّ شهود عيان، من المبشّرين الألمان و المسؤولين القنصليّين من الفاتيكان وإيطاليا واليونان، كشفوا عن وقوع أعمال مروّعة في جميع أنحاء الأناضول خلال الفترة المتبقية من عام 1915،  مثل إبادة 150 الفًا من مسيحيي إزمير في أكتوبر 1919، ولم يكن مصير أولئك الذين نجوا من القتل الجماعيّ أفضل، إذ لم ينج ما يقدر بنحو 400 ألف من المهجّرين جنوبًا من الجوع والمرض اللذين حصدا المزيد من الأرواح، علمًا أنّ هذه الأعمال مهّدت الطريق للدولة القوميّة الأكثر تجانسًا، والتي أصبحت في النهاية جمهوريّة تركيا الحاليّة، فبحلول نهاية الحرب العالميّة الأولى، اختفى أكثر من 90 % من الأرمن في الإمبراطورية العثمانيّة، وتم محو العديد من آثار وجودهم السابق، ومُنحت منازل وممتلكات الأرمن المهجورة في شرق الأناضول للاجئين المسلمين، وبالتالي يمكن القول أنّه كانت للإبادة الجماعيّة للأرمن أسباب قصيرة الأمد، منها أنّ طرد وقتل مئات الآلاف من الأرمن في 1915-1916 كان استجابة فورية لأزمة الحرب العالميّة الأولى، ولم يكن نتيجة لخطة طويلة الأمد للقضاء على الشعب الأرمنيّ، إلا أنّ أسبابها العميقة  وبعيدة المدى تعود إلى الدمج الخطير في تركيا الحديثة بين الدين، أي دولة إسلاميّة صافية، وبين التزمّت القوميّ، أي تركيا للأتراك وإعادة مجد الإمبراطورية العثمانيّة،  ومن هنا منبع إصرار الرئيس التركي رجب طيب  أردوغان على تكرار التاريخ" عام 2023" وهو العام الذي ينتهي فيه مفعول اتفاقيّات الاستسلام، التي وقعتها تركيا أمام الدول الأوروبيّة بعد هزيمة الحرب العالميّة الأولى، وانهيار سيطرتها على أوروبا والشرق الأوسط، رغم الادّعاءات العلنيّة بأنها دولة علمانيّة غربيّة وديمقراطيّة.

 

هذه الإبادة التي شهدتها سنوات ما قبل وبعد الحرب العالمية الأولى تُقارن بالإبادة التي تعرض لها اليهود خلال الكارثة النازيّة، لكنّ الفوارق واضحة، وهي أنّ ما حصل في تركيا تمّ على مدى نحو 30 عامًا بشكل متقطّع، وخلال عهد ثلاثة زعماء، هم السلطان عبد الحميد صاحب التوجّهات الإسلاميّة -الدكتاتوريّة ،  وإبّان عهد حركة تركيا الفتاة (جمعية الاتّحاد والترقي) خلال الحرب العالميّة الأولى بقيادة طلعت باشا وأنور باشا، وبعده فترة التزمّت القوميّ بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، وبمشاركة المدنيّين، أي أنّ المواطنين الأتراك لعبوا دورًا واضحًا، وساهموا وشاركوا في عمليات الإبادة، التي قُتل  فيها المسيحيون ورُحّلوا فسيطروا على أملاكهم، وهو ما حصل في الشرق الوسط أيضًا خلال الربيع العربيّ، الذي تحوّل إلى محنة خطيرة بالنسبة لمسيحيّي الشرق الأوسط، الذين يقدر عددهم بستة عشر مليون شخص. فمن جهة حظيت الثورة في مصر بتأييد واسع من جانب المسيحيّين الأقباط ، أملًا في أقامه نظام سياسيّ أكثر عدالة ، وفي استئصال التمييز الطائفيّ وحماية الأقليّات، لتكون النتيجة غير ذلك من ملاحقة واعتداءات، ومن جهة أخرى أسفرت النتائج المرحليّة للربيع العربيّ عن تعزز مواقع الإسلاميّين الراديكاليّين، أو المتطرّفين في المنطقة  بأسرها، ما جعل الطوائف المسيحيّة في مصر وسورية ولبنان تشعر بقلق شديد على مستقبلها، لأنّها تخشى من المصير الذي تعرّض له مسيحيّو العراق، وهو ما حدث قبلها في السودان التي شهدت حربًا بين السودان المسلم وجنوب السودان المسيحيّ، ناهيك عمّا يحدث في دول الخليج التي تخلو بعضها من المسيحيّين إطلاقًا، أمّا كارثة اليهود فدامت خمس سنوات ونفّذها أفراد قوّات ألمان دون تدخّل ربما للمدنيّين.

 

الرسالة الثانية كانت موجهة إلى طهران، خاصّة وأنها جاءت خلال قمّة العشرين التي قاطعها الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي  التقى بايدن فيها المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الفرنسي عمانوئيل ماكرون،  بهدف تنسيق المواقف حول النوويّ الإيرانيّ مؤكّدين في بيانهم الختاميّ أنّ تغيير موقفهم من إيران سيكون ممكنًا فحسب، إذا غيرّت إيران مسارها، كما جاء في  البيان الذي صدر عقب اجتماعهم  على هامش قمة مجموعة العشرين، بأنّهم يحثون الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على اغتنام هذه الفرصة، والعمل بنية صادقة حتى يمكن الوصول بالمفاوضات إلى نتيجة عاجلة.

 

هذا البيان بلهجته العامة وتفاصيله يزداد أهميّة، خاصّة وأنّه  يجيئ بعد الهجوم السيبرانيّ على محطات الوقود الإيرانيّة الأُسبوع الماضي، وفي أعقابه توقّفت محطات الوقود في كافّة أنحاء إيران عن العمل بسبب تعطيل النظام الموحّد، لتوزيع الوقود ومنظومة الدفع الإلكترونيّ، ما أدى إلى شلل كافة المحطات، وإلى اصطفاف طوابير من آلاف السيارات تنتظر تزويدها بالوقود،كذلك تعطلت بعض المصانع والمواصلات العامّة توقفت ليوم واحد على الأقل. وقد أعلنت الشركة الوطنيّة لتوزيع المحروقات في إيران بعده أنّ نحو 50 في المئة من المحطات عادت للعمل، في حين أعلن رئيس منظمة الدفاع المدنيّ في إيران، غلام رضا جلالي، أنّ هذا الهجوم نفّذته الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وفق التحليلات الاستخباريّة الإيرانيّة ، بينما ربطت وكالة أنباء فارس شبه الرسميّة الهجوم بالذكرى الثانية للاحتجاجات الجماهيريّة، التي اندلعت في جميع أنحاء إيران عام 2019، بعد أن رفعت الحكومة سعر البنزين بنسبة %50 ، علمًا أن منظمة العفو الدوليّة أشارت إلى أنّ هذه المواجهات أسفرت عن قتل أكثر من 300 شخص .

 

ورغم الهجمات السيبرانية المتواصلة على إيران، ومنها على منشآت نفطيّة ومنشآت نووية وميناء بندر عباس وشبكة القطارات وغيرها، إلا أنّه يبدو من الواضح حدوث أمرين، أولهما فشل الآمال التي علّقها أو يعلّقها منفّذو هذه الاعتداءات والهجمات، على أن تؤدّي إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتدهور في إيران، وتقنين النفط والمنتجات الغذائيّة، وتخصيص نحو 50% من ميزانية إيران أي قرابة 65 مليار دولار، لدعم المنتجات الغذائيّة والاستهلاكيّة (السوبسيديا)، إلى ثورة أو انتفاضة أو احتجاجات ضد السلطات الإيرانيّة التي لم تتنازل بعد عن حلمها بنشر ولاية الفقيه، وتعزيز تواجدها العسكريّ في سوريا ولبنان واليمن وغيرها، وسعيها إلى أسلحة نوويّة على حساب مواطنيها ورفاهيتهم وتعليمهم خاصّة على ضوء العقوبات التي تفرضها أميركا على شخصيات إيرانيّة وحسابات مصرفيّة وعوائد تبلغ مليارات الدولارات ، علمًا أنّ الحكومة الجديدة تشمل عددًا كبيرًا من مسؤولي الحرس الثوريّ الإيرانيّ وفيلق" قدس" والمخابرات الإيرانيّة، منهم وزير الخارجية أمير عبد لهيان ووزير الداخلية أحمد وحيدي ووزير الإسكان رستم قاسمي ووزير الدفاع محمد رضى اشتياني وغيرهم، ما يعني استمرار وتعاظم العقوبات الجماعيّة والشخصيّة واستمرار تدهور الأوضاع، أما الثاني فهو أنّ أنظمة الحكم،التي تشكّل مزيجًا من التزمّت القوميّ والتطرّف الدينيّ، لا تسمع صوت العقل ولا تفهم العلاقات الدوليّة، بل إنّها لا تتزحزح قيد أُنملة عن أهداف وضعها قادة لا علاقة لهم بالسياسة ولا يفهمون ديناميكيّة العمل الدبلوماسيّ، وهذا ما يتّضح من ردّ إيران على تصريحات أميركا وأوروبا حول الاتفاق النوويّ، وكما قال المتحدث باسم الخارجيّة الإيرانيّة سعيد خطيب زاده إنّ أفعال إدارة الرئيس جو بايدن تناقض ما يعلنه الأمريكيّون عن نيتهم في العودة إلى الاتّفاق، وأنها   تطالب واشنطن لإثبات نيّتها من خلال وقائع ملموسة على الأرض، وتوفير الضمانات السياسيّة والحقوقيّة التي يجب أن تقدّمها واشنطن لضمان عودة إيران إلى المفاوضات، وقوله أيضًا :"نحن نقبل العودة إلى تعهداتنا، عندما نتأكّد فقط من عودة واشنطن بصورة قطعيّة".

 

 خلاصة القول: عندما يمتزج التزمّت الدينيّ بتعصّب أيديولوجيّ قوميّ عند سلطة حاكمة، فإنّه يخلق شروط اشتعال الحروب الداخليّة والخارجيّة وأشكال العنف المختلفة من القتل والاغتيال، بل يبرر ويشرعن قتل وإبادة كلّ مختلف في الانتماء ومخالف في العقيدة والموقف والرأي. والتاريخ الحديث عامر بالأمثلة على ذلك، فالفاشية والنازية وداعش والستالينيّة أسماء ورموز للقوّة والهمجيّة التي تغتال الإنسان لمجرد اختلافه، وبغض النظر عن عرقه ودينه، أمّا في الشرق فيختلط ما هو دينيّ بما هو سياسيّ فيفسد الوعي، بل ويفسد الانتماء الوطنيّ أو القوميّ، ليحلّ محلّه انتماء دينيّ وفكريٌ ودينيّ لا يعبأ بالأرض ولا بالتاريخ ولا باللغة، ولا حتى بالسيادة والاستقلال والكرامة الوطنيّة،  فهل هناك من يعتبر??

 

يبدو أنّ حقيقة الشعوب المتديّنة كما كتب الكاتب جوستاف لوبون: " لا تشعر بتأنيب الضمير عندما ترتكب خطأ أخلاقيًّا أو قانونيًّا، لأنها نشأت على مفهوم أنّ العبادة تمحي الذنوب".

 

תגובות

1. עוד לפני 2 שנים
מאמר טוב מאוד

מומלצים