بناء الإنسان قبل انتخابات البرلمان

لم يكن قرار السلطة الفلسطينية الأسبوع الماضي حول الغاء أو تأجيل الانتخابات العامة مفاجئة بل انه كان المتوقع الوحيد الذي بلغ حد المؤكد تمامأ كما لم يكن رد حركة "حماس" وغيرها من الفصائل التي قدمت قوائم مرشحيها مفاجئأ بل انه كان المتوقع تمامأ حتى لو تفاوتت الردود ،لكن هذا القرار كان فرصة نموذجية وممتازة للبحث مجددأ في قضية وتقنية اتخاذ القرارات السياسية ومنطلقاتها ودوافعها والعلاقة المتناقضة بين الأسباب المعلنة للقرارات والأسباب الحقيقية لها

06.05.2021 מאת: المحامي زكي كمال
بناء الإنسان قبل انتخابات البرلمان


لم يكن قرار السلطة الفلسطينية الأسبوع الماضي حول الغاء أو تأجيل الانتخابات العامة مفاجئة بل انه كان المتوقع الوحيد الذي بلغ حد المؤكد تمامأ كما لم يكن رد حركة "حماس" وغيرها من الفصائل التي قدمت قوائم مرشحيها مفاجئأ بل انه كان المتوقع تمامأ حتى لو تفاوتت الردود ،لكن هذا القرار كان فرصة نموذجية وممتازة للبحث مجددأ في قضية وتقنية اتخاذ القرارات السياسية ومنطلقاتها ودوافعها والعلاقة المتناقضة بين الأسباب المعلنة للقرارات والأسباب الحقيقية لها خاصة اذا كانت هذه الأسباب المعلنة لا تعدو كونها اعذارة ليس إلا.

وكما أن الإعلان لم يكن مفاجئة لم تكن تبريراته مفاجئة خاصة وأنها اعتمدت قضية عدم وجود حكومة جديدة في اسرائيل وتعذر اجراء الانتخابات في القدس سيبأ ومبررة لتأجيلها الى موعد لم يحدد بعد، علمأ اعلان هذا المبرر جاء تزامنا مع الأحداث والمواجهات في مدينة القدس في تزامن دفع البعض إلى اعتباره عذرأ خاصة وان هذين الأمرين ليسا جديدين فإسرائيل دون حكومة جديدة منذ اكثر من عامين ويبدو أن ذلك سيتواصل إلى فترة أخرى إضافية أما تعذر اجراء الانتخابات في القدس فليس بجديد ايضا فإسرائيل لم تعلن موافقتها تماما كما لم تعلن رفضها، ناهيك عن أن الإعلان بصيغته التي قررت تأجيل الانتخابات بسبب رفض إسرائيل السماح لمواطني القدس بالتصويت" يشكل في نظر البعض اعترافأ فلسطينية بان اسرائيل هي صاحبة السيطرة في القدس فلماذا لا يتم اجراء الانتخابات مثلا عبر التصويت في صناديق اقتراع في القرى المحيطة بالقدس او التصويت الكترونية لمن أراد، وان الانتخابات للسلطة الوطنية رئاسة وبرلمان لن تجري الا بموافقتها، في اعلان يشكل تسليما بان القدس ليست جزء وبأن السلطة الفلسطينية بعيدة عن اتخاذ قراراتها بيدها

وكم بالحري أن الانتخابات السلطة الفلسطينية عام 2006 جرت بعد أن وافق على ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إهود أولمرت بطلب من الإدارة الأميركية لو أدركت السلطة الفلسطينية هذه المعاني بعيدة المدى للانتخابات لفهمت عملية أن قضية الانتخابات في القدس لا تتعدى كونها العذر الواضح والشفاف بل المكشوف وليس السبب الحقيقي رغم انه المعلن، وبالتالي فإن هذا الإعلان يجسد بشكل تام القول الشهير لجورج واشنطن" أن تسعة وتسعون بالمئة من حالات الإخفاق تأتي من الذين تعودوا تقديم الأعذار" وقول بنيامين فرانكلين "أن من يكون جيدة في خلق الأعذار لا يكون جيدة في أي شيء آخر"، كما انه الدليل الواضح على الأسباب الحقيقية لهذا الإعلان والتي ملخصها أن حركة "فتح" ارادت بهذا الإعلان انقاذ ماء وجهها وإنقاذ نفسها مستغلة " العذر او المبرر المقدسي" خاصة وأنها كانت تعرف بشكل واضح لا يقبل الشك أو التأويل انها ستخسر هذه الانتخابات وهو ما كان واضحا لكل من في رأسه عينان خاصة في إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية.

حركة "فتح" أدركت أن هذه الانتخابات والتي تشكل شرطأ من شروط مفاوضات المصالحة مع "حماس" تجئ في وقت يعاني فيه الفلسطينيون الفقر والبطالة والمرض ويتعرضون إلى اعتداءات من المستوطنين في الضفة الغربية عبر ما يسمى " تدفيع الثمن" والتي تشمل اعتداءات على المواطنين من المسنين والأطفال وغيرهم، كما يعتقد فيه الفلسطينيون وغيرهم على نطاق واسع الآن أن عملية التفاوض بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية قد انتهت.

فالسلطة الفلسطينية - التي أقيمت في العام 1994 تحت قيادة ياسر عرفات الذي كان رغم هذه الاتفاقيات غارقة في دوره العسكري كرئيس منظمة التحرير الوطني عبر النضال المسلح( اتفاقيات ردت عليها "حماس" بسلسلة عمليات تفجير) كهيئة مؤقتة لمدة خمس سنوات للإشراف الإداري مع دور في ضمان الأمن الداخلي، بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة قد فات موعدها قبل ثلاثة وعشرين عاما، كما أنها جردت من كل هدف كما أن التفويض الذي منح للرئيس الفلسطيني محمود عباس ، وهو نقيض عرفات من حيث التوجهات خاصة وانه لم يكن ذات مرة من دعاة النضال المسلح والعسكري بل من دعاة التفاوض والمفاوضات السلمية، عبر طريق الانتخاب قد انتهى منذ سنوات وبدلا من أن تتطور الأوضاع السياسية إلى كيان دولة، أصيبت بالخمود، حول السلطة الفلسطينية إلى كيان يجهد لتوفير الخدمات العامة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.

ولايزال التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل قويأ، كما أن الانشقاق بين السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها "فتح" في الضفة الغربية وبين غزة التي تسيطر "حماس" على الحكم فيها، حرم الفلسطينيين من وجود قيادة موحدة كما أن القيود التي تفرضها إسرائيل على الحركة إلى داخل الضفة الغربية وفي أرجائها، تعيق التنمية الاقتصادية والضبط الإداري، وتواصل إسرائيل ومصر فرض قيود قاسية وشبه كاملة على حركة البضائع والناس، داخل غزة وخارجها.

السؤال الذي يجب أن يطرح هو: هل فشلت السلطة الفلسطينية في مناطق سيطرتها في الضفة الغربية ورغم مليارات الدولارات من الدعم الدولي في بناء مجتمع فلسطيني يتمتع بالاستقلالية او يقترب حتى من ذلك وهل فشلت أيضأ في بناء مجتمع يملك مقومات العيش الكريم وامكانيات العمل والكرامة الاقتصادية، أو مجتمع تسوده الديمقراطية والحرية ويستطيع خوض انتخابات ديمقراطية وحرة سواء للبرلمان أو الرئاسة ، يشارك فيها الجميع من حركات وفصائل وأفراد، دون اقصاء ، في أحسن الأحوال، لمن يخالفها الرأي أو تنحيته واخراجه خارج أي توافق وطني واجتماعي وديمقراطي كما حدث مع استبعاد ناصر القدوة من صفوف حركة "فتح" وقبله محمد دحلان وإطلاق النار باتجاه منزل نزار بنات مرشح قائمة الحرية والكرامة 

والسؤال الأهم هل فشلت في بناء الإنسان الذي يمكنه بجدارة واستحقاق ووعي ومعرفة ممارسة الحق الديمقراطي او قيادة تفهم معنى الديمقراطية والتعددية والحرية والانتخابات ممارسة وفعلا وليس قوة ، تمامأ كما يمكن السؤال هل فشلت حركة "حماس" في غزة في خلق مجتمع فلسطيني غزي معافي تسوده نسبة ولو ضئيلة للغاية من الحرية الإعلامية وحرية الرأي والتعبير ( انظر حادثة الاعتداء على الصحفية رواء مرشد لأنها لم تكن ترتدي الزي الإسلامي او مستقل اقتصادية وتشغيلية ما جعل مواطنيه كالكرام على موائد اللئام ينتظرون الدولارات القطرية بمواققة إسرائيلية وينتظرون الكهرباء والدواء والبضائع من إسرائيل،، نفس إسرائيل التي تعلن "حماس" جهرأ أنها تحاربها ، ناهيك عن أن الانتخابات جاءت وسط حالة مشابهة في غزة والضفة ، كما جاء في دراسة لمعهد مالكوم - كارنيغي للشرق الأوسط( مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي) ضمن حالة عامة تسود الدول العربية (ومنها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة "حماس" في غزة) تعني اعتماد السلطة الحاكمة نهجأ خطيرة يعتمد توفير الخدمات الاجتماعية ودعم المواد الاستهلاكية والوظائف الحكومية، مقابل مشاركة ضئيلة، أو عدم المشاركة على الإطلاق، من جانب المواطنين في اتخاذ القرار - بما معناه عقود اجتماعية تقوم على أساس المساومات السلطوية، ناهيك عن أن الوضع في غزة والضفة لا يختلف عن الدول العربية من حيث إدارة الشؤون الداخلية فكلها تقريبا تخضع الأنظمة حكم أوتوقراطية ، سواء في أساليب السيطرة عبر اقامة أجهزة استخبارية وأمنية قوية وبذل الجهود الضخمة للإيهام بشرعيتها السياسية، ما يمثل تحديا صعبة في دول عربية عرفت بكراهيتها للمؤسسات الديمقراطية.

ومع تزايد الروابط بين القوتين السياسية والاقتصادية في كثير من البلدان العربية، تنامت شبكات المحسوبية القوية، كما أن النزاع العربي الإسرائيلي والحرب الباردة كانا حجر عثرة كذلك في طريق التنمية المؤسسية، مثلما كانا ذريعة لغيابها تماما كما كان استمرار النزاع الإسرائيلي الفلسطيني مبررأ وعذرا لمنع الديمقراطية والانفتاح والاستقلال الاقتصادي فمن سيطالب بالقوت اليومي إذا كان رحى حجر الاحتلال يثقل كاهله، أي أن الديمقراطية اضطرت للانتظار حتى الاستقلال الذي لم يحصل. إزاء ما سبق من الواضح أن حركتي فتح " و"حماس" نسينا او تناستا عمدا أن الاعتماد على أموال الدعم الخارجي، التي تزيد وتنقص بقرار مانحيها او أوضاع الدول الاقتصادية أو بفعل ضغوط دولية على المانحين، يعني منع أي إمكانية لتنمية مجتمع مزدهر ومنتج يمكنه أن يطمح على الأقل إلى مقدار معين وإن لم يكن كاملا من الاستقلال السياسي والاقتصادي والفكري والأكاديمي والاجتماعي ورفضتا الاقتداء بنماذج سياسية واقتصادية جديدة، يطلب خلالها من المواطنين أن يضحوا بمزايا المعونة الاجتماعية التي اعتادوا عليها مقابل استقلال ووعي فكري وسياسي لأنهما ادركتا أن هذا التغيير سيوقف السيطرة التامة على المواطنين وسيخلق مواطنين بعضهم على الأقل سيطالب بالمساءلة، والعدل، وبدور أكبر في القرارات المتعلقة بالقضايا الوطنية، وهذا بالنسبة إلى الزعماء الذين اعتادوا منذ أمد بعيد على ممارسة السلطة المطلقة سیمل مصيدة خطرة - من صنعهم هم أساسأ - وهم لن يجانبوا الصواب إذا اعتقدوا أن طريق الإصلاح السياسي والاقتصادي سيؤدي إلى فقدان جانب من السلطة والنفوذ.

ولذلك، يواصلون باستثناء قلة منها، التشبث بالوضع الراهن السيء حتى لو أسفر ذلك عن نتائج كارثية وفق الحساب الفصائلي أو الحركي فإن حركة "فتح" هي الخاسر من تأجيل الانتخابات خاصة وان الحكومة القادمة في إسرائيل قد لا تختلف عن الحالية من حيث التوجه والسياسات تجاه الفلسطينيين عامة والقدس خاصة، أما "حماس" فهي ربما الرابح جراء التأجيل الذي لم يرافقه أي تحسن في الأداء الحكومي الإداري او الاقتصادي او الامن الشخصي في الضفة الغربية، التي تعيش اليوم وضعا يشبه ما في غزة من مشاكل اقتصادية وصحية وتشغيلية عادة ما تصب انتخابيا في مصلحة الحركات والتوجهات الدينية كما نرى في إسرائيل والمجتمعات الفقيرة التي تشكل ارضا خصبة لترعرع النزعات الدينية وبعضها متشدد، لكن الخاسر الأكبر هو المواطن الفلسطيني الذي أراد دولة فاضطر للاكتفاء بسلطة مقصوصة الجناح واراد استقلالأ فعاش فقرة وانعدام أماكن العمل وبحث عن سلام فوجده وهما وتمني امنأ شخصية فواجه اعتداءات متواصلة واراد حرية حركة في دولته ووطنه لينتهي به المطاف إلى "كانتونات فلسطينية" تغلقها الحواجز وبحث عن مستقبل مشرق ومختلف ليواجه قيادة ترفض التغيير والسماح لقوى جديدة بالبروز وتصر على التمسك بمقاليد الحكم حتى دون انتخابات بأسباب أو بأعذار تغيرت وتبدلت والنتيجة واحدة..

البقاء في السلطة دون منح المواطن إمكانية الحديث والتعبير عن الرأي او حتى أدني حد من المشاركة السياسية بل دون بناء الإنسان لممارسة هذه المشاركة متجاهلة ان الانتخابات ستكون زينة وشكلية إذا لم يسبقها بناء الإنسان الواعي والقادر.. فبناء الإنسان يجب أن يسبق بناء البرلمان بل أنه الشرط الأول الانتخابات تسفر عن برلمان وقيادة وتقود إلى الاستقلال الحقيقي، وانتخابات تجرى رغم كل الظروف ودون حجج او أعذار، فهل علينا الإشارة هنا، ما قد يغضب البعض، الى بعض الشعوب التي بنت مؤسساتها الاقتصادية والأكاديمية والسياسية والعسكرية هنا في منطقتنا هذه قبل ان يكون لها كيان سياسي بل تمهيدا لبناء هذا الكيان؟

رغم ما سبق لا بد من كلمة حق تجاه الرئيس الفلسطيني الدكتور محمود عباس وسياسته العقلانية والموضوعية وسيره على خطى المهاتما غاندي، الذي استطاع تحرير الهند من الاستعمار البريطاني ليس بالسلاح والنار والحديد وإنما بالكلمة والنضال الفكري والجماهيري والعقائدي ، وهنا تجدر الإشارة إلى أن عباس وبقراره تأجيل الانتخابات دون تعيين موعد جديد محدد، وبعد دراسة معمقة مع تقارير أمنية من جهات مختلفة وصل إلى قناعة بأن تأجيل الانتخابات يوقر فرصة لحساب الذات لحركة "حماس" وحركة "فتح" وباقي الفصائل والقوائم بل وللفلسطينيين كافة ، وفرصة قد لا تتكرر لوضع برامج تفضي إلى رفع ودفع الاقتصاد وبناء الإنسان وبناء دولة مع مؤسسات ومقومات استقلال تمكنها عند الاعتراف بها بشكل كامل ومن مجلس الأمن الدولي ، أن تكون قدوة للدول الحضارية ، ويبدو أن الدكتور محمود عباس يعتقد انه بقراره هذا تأجيل الانتخابات ، أنقذ الشعب الفلسطيني من مأساة كانت قد تحدث جراء انتخابات تؤدي الى نتائج ترفضها الكثير من الفصائل ما قد يؤدي إلى حرب أهلية استطاع محمود عباس بقراره هذا منعها.
 

תגובות

מומלצים