ببغاء الملك
ببغاء الملك
قصة قصيرة
كان في زمن ليس عنا ببعيد أمير شاب كان ابيه الملك قد تقدمت به العمر وعزم على التنازل لأبنه ليكون خليفته
ولما علمت الحاشية والرعية برغبة الملك العجوز اخذت بالتزلف والتقرب من الامير الشاب طمعا بمنصب او ولايه او وزارة تدر الخير وحليب السعادة لمن يفوز برضى الملك القادم
كانوا كلهم اقرباء واصهار وبني عم وابناء كبار وزراء ابيه
فأثقل الهم قلب الملك القادم ايهم يختار وكيف يختار وقد اوصاه ابيه بخلاصة حكمة عهده يابني لاتختر لوظائفك وولاتك الا اهل الجد والاتقان والثقه ولاتوليهم الا بعد ان تمتحنهم
وهاان الملك قرب التتويج يتمشى في حدائق القصر وقادته قدماه الى الاسطبلات الملكيه
فاذا هو بسائس الخيل يداعب عرف فرس غراء ويحدثتها وهي مستكينة براسها بين يديه وتحمحم وتهز برأسها كأنما تجيب عليه
استغرب الامير واقترب من السائس سائلا وهل تفقه الخيل ماتحدثها به
التفت السائس فاذا بالامير امامه فحياه كما تقتضي تقاليد القصر
ثم اجابه نعم يامولاي الخيل تفقه مانقول قد قال هذا الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام
اقترب الامير من الفرس واخذ يطعهما من جزر كان هناك
ثم خطرت ببال الامير فكرة فسئل السائس ياترى هل تستطيع فرسنا هذه ان تكون في عوني في اختيار كبار موظفي الدولة
ففهم السائس مايمر به الأمير فرد قائلا
يامولاي ان تستشر الفرس تفتيك ولكنها عن اقناع الناس لاتغنيك ففي الناس لجاجه وغرور وانما الفرس للحرب كسابه لكن ألسن الناس بالكذب معواجه وان شئت يامولاي جئتك بما يكفيك الحاجه ويوفيك القصد ويعفيك من الحرج وعتاب القريب الحبيب
فقال الامير وكيف أأتمنك على امري
فقال السائس يامولاي انما انا سائس للخيل تربيت بين اسطبلاتها والفت الحيوانات والمزراع وتنقلت في الخدمة بين البيوت والدور والقصور ولاعلم لي الابهذه العجموات افهمها وتفهمني فأن وفقني الله الى قضاء قصدك اقمتني وان لم اوفق صرفتني ولن اعدم اصطبلا يضمني وخيلا تحدثني
فكر الامير وقال كلام حسن فأتني بما قلت
فقال السائس يامولاي امهلني ثلاثة اشهر فطلبك ليس يسير والوقت به كفيل
فقال نعم لك ذلك
ومضت الايام والملك العجوز ينتظر ميعاد ابنه لتوليه العهد
ومضت الثلاثة اشهر كمر البصر واتى السائس على الوعد ومثل بين يدي الامير خالي الوفاض فانزعج الامير وقال للسائس وهو في بلاط القصر بين الحاشية اين ماوعدتني به
لم يخفى انزعاج الامير عن السائس لكنه اجاب بتأدب جم يامولاي ان فرسك المصون الغراء قد عافت الطعام لعلها استوحشتك فزرها علها تجد بعض السرور وتنقذها من المهالك
ففهم الامير الأمر واعجب بتلميح السائس
فقال له اذن فلتطعهما جزرا كالعادة وازورها اذا مافرغت وصرف السائس من بلاطه
وفي العصر زار الامير اسطبلات القصر واستقبله السائس كما يليق وقاده الى احد مهاجع الخيل وهناك على مجثم خشبي وقف طائر ببغاء درة خضراء حمراء المنقار صفراء العينين وردية القدمين معنقة بخط اسود يمتد من رقبتها الى منقارها الاسفل
استغرب الامير وقال ماذا افعل بطير ببغاء وكيف يعينني على ماطلبت
فقال السائس انظر يامولاي ان هذا الطير تربى على الحرية ولم يوضع في قفص قط وانما يجلس على مجثمه لألفته بي وان شاء طار وفارقني الى اقرانه في الغابات وقد روضته ولقتنه بالحكمه كلمتين فبحكمته الاعانه والامانه والصيانه لما ترومه منه
فخذه وألفه عليك ثلاثة ايام فأن انس بك فضعه قرب مجلسك واسئله رأيه فيمن تقدم اليك بطلب الوظيفة والوزارة يفتك في امرك وينقذك من الحرج
وشرح له السائس كيف ستتم المهمه فأخذه الملك ومضى
وبعد ثلاثة ايام استوى الامير في مجلسه والطير الى جانبه واستدعى الحاشية الى بلاطه
اخذ رجال الحاشية يمتدحون طير الامير وجماله وصفاته بما لايخطر على البال من مدائح
لكن الامير فاجائهم اذ قال لهم ان طيري هذا كان في كنف قاضي أمين وتعلم من مجالسته فصل الخطاب في المجرمين والطيبين
واستدعاء كبير الشرطة فقال له أأتني من عند قاضي العاصمه بثلاثة مجرمين مدانين وبثلاثة تم تبرئتهم ثم ادخلهم علينا ولاتنبئنا بشأنهم
ففعل صاحب الشرطة ذلك وادخل الرجل الأول
فأذا بالببغاء يصيح سارق.. سارق ..سارق
ونظرالامير والحاشية الى صاحب الشرطة فقال نعم صدق الببغان هو كذلك
وادخل الرجل الثاني فصاح الببغاء بريئ..بريئ..بريئ فقال صاحب الشرطه صدق الببغان هو كذلك يامولاي
وهكذا تعرف الببغان على كل لص وسارق وبرئ كل ممن وجبت له البرائه
وهنا اخذت رجالات الحاشية تكيل المديح والثناء على حكمة الببغان ممعنة في التطبيل والتهليل والتمجيد
وهنا قال الأمير اكتب ياحاجب القصر انه برضئ الامير وثناء رجال البلاط قررنا ان يكون هذا الببغان هو مستشارنا في اختيار مسؤلي وكبار وزراء ورجال الدولة فكل من يرى نفسه اهلا للوظيفه فليتقدم للببغان فأن قال ببرائته عيناه واعطيناه منصبا ومن قال بجرمه وذنبه سجناه او فليبث حجته للببغان فأن لم يقتنع الطير اقمنا عليه الحد المعلوم
فأسقط في يد رجال البلاط من الطامعين للمسؤلية فما من يد خليه من الذم ولم تغل من سابق قريب او بعيد من مال الدولة
ولم يكن لأشجعهم جرئة ان يتقدم ليضع نفسه تحت حكم طير ناطق
ولم يكن لأحد منهم مهما بلغ مقاله واحتياله وتطبيله وتنفيله من حجة بالغه يدافع بها عن نفسه امام تهمة الببغان التي بانت حكمته للخصوص والعوام
لهذا تحرج الجمع ولم يتقدم احد
فغضب الامير وقال يارجال القصر انتم اقرب المقربين للدولة فأن لم يتقدم منكم احد فاني اوشك ان اسيئ الظن بكم وان تقاعسكم عن التقدم للمهام العظيمه لهو ذنب وجرم بحد ذاته يستحق العقاب
وهنا تعاظم حرج البلاط وازداد الوجوم وانعقدت الألسن عن الاجابه واكتفى الكل بما اصابه .
آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108


















