سفر الحرف بين النهد والسيف
إضاءة في:" سفر الحرف بين النهد والسيف" للشاعر: نسيم عاطف أسدي. دير الأسد.
الكاتب الناقد: محمد علي سعيد- طمره/ عكا
الكلمة التي قرأتها يوم تكريمه في المعهد الموسيقي في عبلين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية، شكرا صادقا لكل من بادر وساهم في انجاز هذا النشاط الحضاري، وخاصة فرقة الكروان المضيفة، وتحية دافئة للحضور الكريم.
قل لي بماذا تحتفل أقل لك من أنت، نحتفي ونحتفل بتكريم شاعر موهوب وطموح من شباب شعبنا الصابر والصامد.
في هذا المساء نلتقي على حب الأدب ما استطعنا إليه سبيلا، نلتقي لأننا نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا، نلتقي هذا المساء في أمسية أدبية فيها ما يستحق الحضور ونلتقي لنستحق الحياة كما وكيفا.
يهتم النقد الحديث وللدقة الحداثي بالنصوص المرافقة للنص الأصلي، ويعتبر العنوان بشطريه الخطي والشكلي أبرز هذه النصوص المرافقة، وذلك لأن الكاتب لا يضع عنوان منجزه اعتباطا أو بالمصادفة، ناهيك عن مكانه في أعلى فضاء الغلاف عادة مما يدل على أهميته.
فالعنوان هو أول نقد يمارسه المؤلف نفسه للكتاب بمجمله، وهو آخر لقاء له معه قبل تحريره من ملكيته الخاصة، وفي الوقت نفسه هو أول لقاء مع القارئ يثير انطباعا عاما ويستفز قدرات القارئ.
فالعنوان هو عتبة النص الأولى ومفتاحه الدلالي وكأنه بمضمونه ومكانه عبارة عن لامبة خافتة أو قوية الضوء ولكنها تشير تلميحا إلى الحقل الدلالي للمضمون العام للكتاب وليس الى التفاصيل.
عنوان الديوان هو: (سفر الحرف بين النهد والسيف) فالكلمات أو القصائد تتحرك كبندول الساعة بين النهد وهو الدال ومدلوله الانثى، والسيف وهو الدال ودلالته المذكر بتشبيه مادي واضح. وبدون جهد فالعنوان يوحي بمضمون الديوان وهو الغزل اللاعذري والحب الحسي الشبقي، وبالإمكان ملاحظة التأثر المباشر بشعر نزار قباني.
هذا بالنسبة للعنوان الخطي وأما الشطر الثاني من العنوان وهو العنوان الشكلي الفني فكان عبارة عن لوحة فنية من نصف وجه للفتاة المعشوقة بخلفية حالمة، وفيها تتوحد عناصر غير البشرية لتحل محل عناصر الوجه البشري في فنية رائعة ولها دلالات يضيق الوقت عن تحليلها حاليا، فالأنف فراشة والفم وردة والعين ورقة وردة حالمة غامضة، ويؤطرها غصن ورد.
هذه الدلالات تهمس لنا بأن قصائد الديوان ناهيك عن مضمونها الغزلي العام ستتميز بالغنائية والدفء العاطفي والحلم الشفاف.
ولفت انتباهي اسم الشاعر: نسيم عاطف أسدي، ويا لروعة هذا التوجه السيميائي الحديث بتفاصيله المتجددة:فالاسم نسيم دلالة الشعر المنعش والندي والدافئ والجمال والخيال.
والاسم: عاطف دلالة الشعر الطافح محبة وعطفا وحنوا.
والاسم أسدي: دلالة القوة في بناء القصيدة نتيجة التمكن اللغوي والبلاغي والعروضي وباقي العناصر الجمالية.
وقراءة متبصرة أكثر لسيميائية العنوان تقول لي: من الممكن أن يكون لمفردة السيف دلالتان، الأولى كما أشرنا للحب الحسي، والثانية للقوة والشجاعة والسيف كان وسيبقى من صفات شجاعة العربي، وعليه فإني أتوقع أن أقرأ قصائد وطنية في الديوان.
بالاعتماد على المقارنة بين اسم الديوان واسم المؤلف وقفت على بعض المميزات التي أتوقع أن أجدها في الديوان، وبمزيد من التبصر انتبهت الى عنصر التثليث في الاسمين، فاسم الشاعر من ثلاث كلمات، واسم الديوان من ثلاثة وحدات قرائية. والتثليث من عناصر الفكر لدى الديانات الأرضية والسماوية فالديانة الاسلامية ( الدال وهو الله، والدليل وهو القرآن الكريم والمستدل به وهو النبي وأتباعه من المسلمين المؤمنين). وفي الديانة المسيحية (بسم الآب والإبن والروح القدس، آمين). وفي الأدب الحديث يعتبر من عناصر التشويق واستفزاز ثقافة القارئ، وعليه أتوقع أن أجد عنصر التثليث في بناء اشعار الديوان.
بعد قراءتي لنصوص قصائد الديوان، من الممكن ان أقول وبكل ثقة، لقد قرأت ديوان أكثره شعر غزلي غنائي مادي حسي الصور، يعكس وكذلك بعض القصائد الوطنية القوية والحادة كالسيف، وكذلك بعض القصائد التي تعالج قضايا اجتماعية: كالخيانة الزوجية والزواج بالإكراه والغير المتكافئ. كما وأني وجدت عنصر التثليت موجودا بوضوح.
نظرا لضيق الوقت، سأقدم ملاحظاتي بالأسلوب البرقي، وأعد بأن أتناول الملاحظات بالتفصيل مستقبلا عندما يتوفر لي الوقت والجهد.
المدرسة النزارية: شاعرنا ما زال متأثرا ببعض صور نزار قباني، والتقليد للنماذج الكبيرة حقا ليس مأخذا، وهكذا بدأ جميع الكبار، وعلى الشاعر أن يبدأ بالتحرر من سجن القصيدة القبانية نحو الاستقلالية.
موقف الشاعر نرجسي وذكوري، وليس حضاريا يرى بالمرأة عنصر مشاركة وبناء وله استقلاليته. (كل النساء وتنحني لشبابي ص13... أتركت بحرا موجه لا ينتهي ص34... هذه تناديني وتلك تودّني، ولصدرها أخرى تشد وثاقي ص58... لو أدفع العمر لهم ثمنا وأشتريك ص11.و... )
جمال في التعبير وروعة في الصورة، كثيرة هي التراكيب اللغوية والصور الشعرية التي أعجبتني، ومنها: ( اسرق الشمس من السما وأطويها كتابا من حرير ص11.
أجمع في سلال الورد أشلاء حلمي ص23... أرسلت سهم هواك وردي الشذى ص28... وأنا الزهور ملأت عمرك بالشذى ص58.. فوقي تنفتح الأحلام ويسافر لحن البرقوق ص60.. و... ).
التفاؤل اساسية في قصائده وخاصة الوطنية: (يا شاعري ص67.. ما بعد الانتصار ص72... الله أكبر يا مصر ص75.. )
التناص فالظاهرة قديمة ولكن التقعيد والقوننة حديثة، وهي تعكس ثقافة كل من الشاعر والقارئ، نجد الكثير من التناص مع شعر نزار قباني، ومع الأساطير عشتار ص 10.. وتناص مع قصة النبية الكذابة سجاح ومسيلمة الكذاب وكيفية إيمانها به ودخولها في الإئتلاف معه، طلبت الوصل في وقت عصيب فكوني للذي تبغين كوني. ص10).
التثليث: وهو من عناصر التشويق والاستفزاز الثقافي والفكري، استفاد منه الشاعر كثيرا: (الآن أخرج ويداك والكلام والنهد ص14.. دمي وريقي وكحولي ص15... خبز وماء وهواء ص15... يا حيرتي وتألمي وتوجعي ص20... فيه الخيبة والحسرة والسهام ص23... وتألمي وتشققي وتكسري ص34... الماء والهواء والتراب ص50.. أن نجتمع ونشرب ونأكل ص50... بالكحل والبخور والحناء ص67 و... ).
تراسل الحواس، وهي من عناصر الجمال في القصيدة الحديثة، لم يستفيد منها الشاعر كثيرا، ومن أمثلتها ( يهب الشوق من عينيك برقا.. ويسطع جسمك الحراق نارا.. وأسمع ثورة الشيطان تحيا. ص9. تراسلت الحواس في الصورة من حاسة البصر الى الذوق واللمس وانتهت بالسمع).
وملاحظات أخرى. حبذا لو كان العنوان كالآتي: سفر الحروف بين النهود والسيوف، وفي نصوص القصائد ومضامينها ما يدعم هذا التحبيذ.
من المفضل أن لا يشرح الشاعر موقفه من كتابته الشعر، فالأمر فيه مزالق أكثر من إشكال، فكفى المبدع أن يبدع وينام ملء جفونه ويترك وجع الرأس للقارئ العادي أو الناقد.
بقصد لم أتطرق للأوزان لعدة أسباب منها تنوع أوزان القصائد، من البحر الى التفعيلة الى النثرية، وكذلك لعدم معرفتي الجيدة في علم العروض.
واخيرا وليس آخرا.. لقد نجحت يا صديقي وابن صديقي في ديوانك هذا لسبب بسيط أنك تجاوزت فيه ديوانيك السابقين بنسبة مقبولة، وهذا يكفيني. كما وأني أستشرف لك وبثقة كما استشرفت لآخرين ما خيبني استشرافي أبدا.. أستشرف لك مستقبلا سيكون لشعرك فيه المكان والمكانة، ولا أقول هذا من باب المجاملة أبدا ولكن لأني أرى وأجد فيك ثالوث الابداع الأدبي وهو: الموهبة والثقافة والتمكن اللغوي الجمالي. أتمنى لك العمر العريض والمديد والعيش السعيد والمجيد ودوام العطاء المفيد وهذا أكيد أكيد...أمثالك يعتز شعبنا ويفتخر، لأنه بأمثالك تستمر راية الشعر الحقيقي خفاقة.
معذرة على الإطالة، وشكرا للحضور الذي تحملني فالشاعر صديق وقريب.
آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108


















