لماذا تدَّعي القيادات النصر، بينما تُهزَم شعوبها؟

وما زالت أسئلة كثيرة تنتظر الجواب، بعد أسبوعين من الهجوم الإيراني على إسرائيل بمئات المسيَّرات وعشرات الصواريخ، والذي اعتبرته طهران رسمًا ايرانيًا واضحًا لقواعد اللعبة وموضّعَةً جديدة للخطوط الحمراء في المنطقة، واعتبرته إسرائيل بهرجة إعلامية وردًا استعراضيًا فاشلا تمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية من رده وصده ،مستعينة بتحالف فوري ضم اميركا ودول أوروبية وعربية

27.04.2024 מאת: المحامي زكي كمال
لماذا تدَّعي القيادات النصر، بينما تُهزَم شعوبها؟

 

وما تلاه من رد إسرائيلي مختصر وموضعي قالت عنه إسرائيل انه مؤلم وفعَّال وعرضته ايران على انه بمثابة خطوة تصريحية هدفها " رفع العتب" او "كفى الله المؤمنين شر القتال" ،حتى ان هناك من يعتقد ان العالم  ما زال في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة بعد استعراض القوة المتبادل وإن كان محدودًا،

والذي  لم يخرج بعد عن حدود  اللعبة المتعارف عليها، او حدود المقبول والمعقول وما يمكن تحمُلُهُ ،واقصد هنا الأسئلة التي تتجاوز حدود الحالة العينية الضيقة، أي حدود الفعل ورد الفعل، وما اذا كانت الأحداث ذات العلاقة تشكل بداية لحالة جديدة وبداية تغيير جذري في قواعد الاشتباك بين إسرائيل وايران ، وهي قواعد غير مكتوبة تجعل من الصعب التنبؤ بنوايا الطرف الآخر كما يزيد من صعوبة قياس ردود أفعاله وحدودها ،

الى الحالة الاوسع والسؤال الأهم بل والمصيري حول الدور الأميركي خلال التوتر الحالي وتحديدًا ذلك الدور الذي سبق الرد الإيراني وخلاله وما بعده وصولًا الى الرد الإسرائيلي المختصر والمحدود مكانيًا وزمنيًا، وبعده السؤال حول أبعاد ومعاني الرد الإيراني من منظورها الواسع، بمعنى وجود قيادة يمكنها بدوافع غير واضحة، لها من التفسيرات الكثير وكلها سيئة ارتكاب عمل كهذا، أي اطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه دولة أخرى، إضافة طبعًا الى السؤال الأكبر حول حدود القوة  العسكرية وضوابط استخدامها،

على ضوء التهديدات الشاملة من الجانب الإيراني التي تحدثت عن رد واسع وكبير  وجباية الثمن من إسرائيل وسيادتها، خاصة وان طهران اعتبرت اغتيال القيادي البارز محمد رضا زاهدي،  قرب القنصلية الإيرانية في دمشق، مسًا بسيادتها واعتداءً على قنصليتها وهي في العرف الدولي اراضٍ إيرانية خالصة، وعلى ضوء الحديث الإسرائيلي عن ضرورة الرد على طهران وفي عقر دارها بشكل يجعلها تفهم ان قواعد اللعبة قد تغيرت، وهو حديث اصطدم كما يبدو بالواقع، الذي  يستوجب إعادة  النظر في كافة المواقف والتصريحات المتعلقة بأمرين أولهما وهو الأهم، مدى صحة المواقف الإسرائيلية المعلنة ومنذ عام 1948، والتي كررها كافة رؤساء الوزراء والقادة في إسرائيل منذ دافيد بن غوريون وحتى بنيامين نتنياهو اليوم، وملخصها ان إسرائيل ستدافع دائمًا عن نفسها بنفسها ودون الحاجة لأحد وبالتالي فإن ردودها على أي هجوم عليها، او قراراتها المتعلقة بالحرب والسلم هي قرارات تتخذها لنفسها وبنفسها، وهي فرضية غير صحيحة، او رواية صاغتها إسرائيل لنفسها دون حق، وتكفي مراجعة تاريخية بسيطة لنقضها،

وثانيهما قضية القوة واستخدامها في الخلافات والصراعات، وتحديدًا في الحروب والمواجهات العسكرية المعاصرة، والحديث هنا ليس عن القوة المباشرة  فقط بل القوة  غير المباشرة، بمعنى تفضيل  تضمين القوة، أي ان يفهم الخصم مضمون القوة الكامنة او القائمة دون الحاجة الى إظهارها فعلًا، عملًا بالقول " واللبيب من الإشارة يفهم".

 

 


الدور الأميركي والذي اتضحت معالمه الاولى فور اغتيال محمد رضا زادة في دمشق عبر تصريحات رسمية ، وشكلت مزيجًا من اللوم على ارتكاب عملية الاغتيال دون إبلاغ الولايات المتحدة مسبقًا بذلك، ودون تعاون في الأمر، كما كان في حادثة اغتيال قاسم سليماني التي كان من المخطط لها ان تتم بالتعاون بين البلدين قبل ان تتراجع إسرائيل بقيادة نتنياهو عن المشاركة وفق اعترافات الرئيس الأميركي ، حينها دونالد ترامب،   ومن التحذير لإيران من مغبة أي رد غير محسوب، وتجنيد الدول الأوروبية وجهات إضافية لتهدئة الغضب الإيراني وإقناع طهران ان واشنطن قد تضطر الى المشاركة الفعلية في التصدي لهجوم إيراني وربما اكثر من ذلك، وبذل الجهود لمنع ضربة استباقية إسرائيلية كان من الممكن ان تكون الشرارة التي لا يريدها احد لأنها ستشعل مواجهة واسعة وشاملة ، ومن ثم المشاركة الفعلية في التصدي للهجوم الإيراني والذي كان حجمه مفاجئًا لإسرائيل وليس للولايات المتحدة، وضمان عدم وقوع إصابات بشرية واضرار لا يمكن السكوت عليها،

وبعدها ممارسة كل ضغط ممكن على إسرائيل لضمان الرد الموضعي وعدم الانجرار وراء أصوات دعت الى تحطيم القيود  وتجاوز الحدود، وهو ما كان في النهاية، وكلها تحركات ومواقف تؤكد امرين أولهما ان اميركا بإدارة جو بايدن لا تمارس لعبة كسر القوالب ولا تكسير العظام، بل انها تحاول مسك العصا من طرفيها او ممارسة سياسة العصا والجزرة، فهي تمنح إسرائيل الدعم الكافي السياسي والعسكري  والمادي وتشحن اليها أسلحة هناك من هدد بوقفها او طالب بذلك، وترفق ذلك باستعداد لمساعدة إسرائيل فعليًا عبر بوارج وسفن حربية في مياه المتوسط والخليج الفارسي والبحر الأحمر، وهذه كانت الجزرة،  وبالمقابل تحذر من تصرف إسرائيلي غير محسوب يشعل حربًا لا تريدها واشنطن اليوم عشية الانتخابات الرئاسية، تضطرها الى تشتيت انتباهها بين الحرب في أوكرانيا وتلك في غزة وتلك المباشرة بين إسرائيل وايران،

وربما غير المباشرة عبر حرب على الحدود الشمالية بين إسرائيل وحركة "حزب الله"، بمعنى ان اميركا اهتمت اولًا بمصلحة اميركا وبعدها مصالح غيرها، او انها طوَّعت مصالح وقرارات ونوايا غيرها، وتحديدًا إسرائيل وايران ،

خدمةً لمصالحها ، لتكون هي الرابحة الكبر ، فهي اولًا أثبتت انها حليفة إسرائيل ورادعة لها في نفس الوقت، وخصم محتمل لطهران وناصح امين في نفس الوقت، وربما حليف مستقبلي فأعداء اليوم قد يكونوا أصدقاء الغد بما في ذلك إسرائيل التي كانت اعز أصدقاء ايران حتى الثورة الخمينية، وصاحبة القول الفصل اقليميًا وعالميًا عبر تحالف إقليمي وعالمي من سبع دول شاركت إسرائيل في صد الهجوم، والأهم من ذلك انها حافظت على شعرة معاوية مع طهران وقبلت بعدم زج دول الخليج ، جارات ايران المباشرة، في هذه المواجهة لتحقيق امرين أولهما عدم إثارة الخلافات مجددًا بين الطرفين وبالتالي احتمال عودة الصين وروسيا الى موقع التأثير،

وثانيهما إبقاء قنوات الاتصال المستقبلية مفتوحة مع طهران منعًا لتحطيم القوالب والهرولة نحو قنبلة نووية ، وهي هرولة تحاول واشنطن جاهدةً إبطاءها عبر إزالة عقوبات اقتصادية وغيرها ،بمعنى ان اميركا أبدت "اهتمامًا خاصًا"  بإيران وإسرائيل في نفس الوقت وربما بنفس المقدار بعكس ما كان حتى العام 2020، أي نهاية عهد ترامب. 

 

 


اهتمام اميركا الخاص بإيران، او بكلمات أصح، طريقة التعامل معها، تؤكد ان واشنطن تدرك حقيقة النظام في ايران منذ ثورة الخميني عامة في نهاية سبعينيات القرن الماضي، والذي اهتم  قبل كل شيء بنشر تعاليم الثورة وفق الرؤية الخمينية،  وفي العقود الثلاثة  الاخيرة خاصة مع ازدياد اهتمام ايران بامتلاك السلاح النووي واقتران ذلك بتمدد أطرافها واذرعها الى لبنان والسيطرة على مقدراته وتحركاته عبر حركة "حزب الله" التي تمولها وتحركها طهران والتي بدأت، وبشكل مخطط ومدروس،

حركة اجتماعية وسياسية ما لبثت ان تحولت مرحليًا،  الى قوة عسكرية لا يستهان بها ومن ثم تيار سياسي فاعل في البرلمان يمكنه تحديد هوية رئيس مجلس الوزراء وحتى رئيس الدولة، ويشكل جيشًا ثانيًا في البلاد تأتيه الاوامر من طهران التي ينفذ مصالحها، والى العراق عبر "حزب الله" العراقي ومليشيات شيعية مسلحة أخرى،

واليمن عبر الحوثيين،  وسوريا عبر تقاسم السيطرة مع روسيا، وبالتالي تدرك واشنطن انها امام حالة خاصة، من الأفضل لها أي لواشنطن ان تكون الطرف الوحيد الذي يقف في مواجهتها، حتى لو كان الأمر يتعلق بالسلاح النووي وتهديد امن إسرائيل، واطلاق الصواريخ والمسيَّرات مؤخرًا يثبت صحة التخوف الأميركي من القيادة الإيرانية او تصرفاتها غير المحسوبة، والمتمثلة بإطلاق مئات الصواريخ تجاه إسرائيل دون اكتراث للنتائج والتبعات العالمية والإقليمية والمحلية، سياسيةً كانت ام عسكرية ام اقتصادية، فالقيادة الإيرانية  كانت هنا متهورة وغير  مسؤولة ،

إذا هي كانت قررت إطلاق الصواريخ والمسيَّرات باتجاه دولة ما رغم تحذيرات الولايات المتحدة من انها قد تتدخل فعليًا  للدفاع عن إسرائيل مع دول في العالم،  ورغم انها تعرف ان ذلك يعني او سيعني إيقاع مئات وربما آلاف القتلى واضرار مادية أخرى ليس في إسرائيل فحسب بل في دول أخرى طالتها هذه الصواريخ  ومرت من سمائها، ومنها سوريا والعراق والأردن وغيرها،

ما كان سينذر ربما بحرب إقليمية  ستوقع عشرات آلاف القتلى الإيرانيين ويهدم المنشآت الصناعية والنفطية وربما النووية، وإذا كانت قررت إطلاق هذه الصواريخ رغم معرفتها بقدرات إسرائيل الدفاعية ويقينها ان الولايات المتحدة ودول أخرى ستقف في صف واحد وبالتالي فإن الأمر لن يتعدى كونه ،

مسرحية واضحة البدايات والنهايات، فهي قيادة تمتهن الكذب والغوغائية والضحك على الذقون، عبر التضحية بمئات ملايين الدولارات وتهديد أمن شعبها، خدمة لمصالح قيادات لا يهمها سوى بقائها في السلطة واستمرار كونها عاملًا  يثير القلاقل والتوترات وربما يلعب بالنار حتى تكاد تلامس اطراف عباءته، وهي بذلك قيادة خطيرة على شعبها وبلادها والمنطقة والعالم، بل قيادة تمس بشعبها عبر قدرتها الغريبة على تأليب العالم ضده، وهو ما أثبتته حقيقة التحالف الذي وقف امام هذه الهجمات ومنها دول كانت بشكل او بآخر في صف ايران أثناء خلافها النووي مع الولايات المتحدة، وما كانت نتيجته عقوبات اقتصادية جديدة فرضتها دول في العالم على ايران.

 

 


والشيء بالشيء يذكر، فتعامل اميركا مع الأمر ومن الجانب الذي يخص إسرائيل، قبل الهجوم الإيراني  وبعده، يستوجب الوقوف عنده، رغم انه  بشكل او بآخر،  استمرار لنهج بدأته واشنطن منذ السابع من أكتوبر ، هو الإعلان بشكل لا يقبل التأويل عن انها ستدافع عن إسرائيل قبل ان تدافع تلك عن نفسها، وهو اعلان عادة ما يحتمه اتفاق تعاون استراتيجي ودفاعي بين بلدين،

وهو اتفاق لم يتم توقيعه بين اميركا وإسرائيل حتى اليوم، لأسباب سنعود اليها، لكن هذا الموقف وبجزئيته المتعلقة بالمواجهة العسكرية الحالية مع ايران، يكشف امورًا عديدة منها تيقن الإدارة الأميركية الحالية، وربما على ضوء ما يجري في غزة وإصرار إسرائيل وحكومة نتنياهو الحالية على رفض أي فكرة لوقف اطلاق النار وتعنتها في قضية اقتحام واجتياح مدينة رفح وفيها اكثر من مليوني لأجيء، وموقف نتنياهو من المفاوضات المتعلقة بصفقات تبادل المحتجزين،

إضافة الى ما يجري في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر وهو ما يمكن وصفه بانه احتلال من جديد لها واستيطان بدعم حكومي واعتداءات للمستوطنين ووحدات من الجيش، وهو ما كان الرد الأميركي عليه قاسيًا، وتمثل بعقوبات على جمعيات استيطانية ومستوطنين اشارت تحقيقات الخارجية الأميركية الى اعتداءاتهم المستمرة على الفلسطينيين، ووصلت ذروتها بفرض عقوبات على وحدة " نيتسح يهودا" واعضاؤها من المتدينين المتزمتين الذين ثبت اعتداؤهم اكثر من مرة على مواطنين فلسطينيين، يحمل احدهم الجنسية الأميركية انتهى الاعتداء الى موته بعد احتجازه لساعات رغم البرد القارس ، وهو عمر عبد المجيد أسعد في الثمانيات من عمره، وهي خطوة تؤكد ان الإدارة الأميركية الحالية، وربما بفعل قرارات محكمة العدل الدولية حول تصرفات الجيش الإسرائيلي في غزة،

واحتمال إصدار أوامر ومذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين منهم ربما رئيس الوزراء،  تدرك ان بعض التصرفات الإسرائيلية ترقى الى حدٍ يستوجب الرد والعقاب، وان إسرائيل والتي كانت بالنسبة للولايات المتحدة ابنا مدللًا حظي بالدعم دون حساب، أصبحت اليوم اضافة الى ذلك ابنًا، تخشى الولايات المتحدة جموحه وتهوره،

او قيامه بردود فعل غير محسوبة العواقب، تجيء لخدمة اهداف ضيقة وربما سياسية وحزبية وشخصية، لا تأخذ بعين الاعتبار المخاطر والعواقب ولا المصالح الإقليمية والأميركية، ومنها الرد على الهجوم الإيراني ، بشكل يضطر طهران وحلفائها للرد ومنهم روسيا والصين، وربما "حزب الله" ما يعني حربًا إقليمية او حتى عالمية، وذلك لدوافع سياسية مردها مواقف وتصرفات الحكومة الحالية ومركباتها المتطرفة التي تريد حربًا طاحنة وطويلة، في غزة والضفة الغربية ولبنان وايران (والأخيرة تخشاها الولايات المتحدة خاصة،

لأن نشوب حرب بين إسرائيل وايران  سيدفع أسعار النفط للارتفاع مما يضر بمصالح الولايات المتحدة)، باعتبارها الطريق الى النصر المُطلق والخلاص، وفوقها الوسيلة الوحيدة لضمان بقاء الحكومة الحالية والائتلاف الحالي، وليكن الثمن مهما كان، فبقاء الحكومة الحالية، يخدم اهدافًا متعددة شخصية وحزبية  لمركباتها المختلفة، وفي هذا نوع من التشابه مع القيادة الإيرانية الحالية. 

 


إسرائيليًا كان الرد على الهجوم الإيراني، واعتباره مع التصدي الناجح للهجوم الصاروخي مساء السبت انتصارًا، استمرارًا لحالة تكررت في السابق عبر حروب خاضتها إسرائيل مع الدول العربية انتهت الى نتائج غير واضحة وغير محسومة اعتبرتها إسرائيل وكذلك الطرف العربي نصرًا كلٌ من وجهة نظره، منها حرب العام 1956، والتي تسميها إسرائيل "حملة كاديش" ويسميها العرب العدوان الثلاثي، والتي انتهت الى نتائج غير واضحة بمعنى انها لم تُحسم بشكل واضح ، ما أتاح لطرفيها اعتبارها نصرًا، وكذلك حرب أكتوبر 1973، والتي ما زالت إسرائيل تحتفل سنويًا بانتصارها وكذلك الدول العربية وخاصة مصر، وحرب لبنان عام 1982، والتي تعتبرها إسرائيل نصرًا على المقاومة الفلسطينية وتعتبرها الحركات الفلسطينية مثالًا للصمود والتصدي، وكذلك الحرب الحالية الدائر رحاها في قطاع غزة، والتي تحولت الى "مواجهة عسكرية متواصلة بوتيرة منخفضة"، يمكن لكل طرف فيها ادعاء النصر، خاصة اذا كانت الاهداف غير واضحة تتغير بتغير السياسات والمصالح، وهي فوق ذلك حرب تؤكد أكثر من غيرها، بشكل ينذر بسوء العواقب، ان إسرائيل الحالية، تحاول بأساليب عسكرية غير مبتكرة تمت تجربتها في الأسبق وخطط ثبت فشلها، تحقيق اهداف غير ممكنة بل مستحيلة منها القضاء بواسطة عملية عسكرية على حركة "حماس" التي تشكل تيارًا فكريا وسياسيًا، ينضوي تحت اطار " الإخوان المسلمين" وهي تجربة اثبت التاريخ القريب فشلها، والأمثلة كثيرة منها "القاعدة" و"طالبان"  وداعش وغيرها ، بمعنى انها تحاول اليوم أن تُحصّل عن طريق الحرب نتائج يمكن فقط تحقيقها بوسائل سياسية وهي انهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بكامله او حتى بشقه المتعلق بقطاع غزة، وتتعمد محاولة إلغاء الطرف الآخر وفرض رغبة وإملاءات المنتصر الكامل في معركة لم ينته، ولم تحقق فيها النصر بل بالعكس فالنتائج على ارض الواقع تثبت ربما عكس ذلك، وهي بذلك إنما تؤكد  أنها لم تذوت المفاهيم الجديدة لتوازن القوى، فهي ما زالت غارقة في مفهوم توازن القوى الكلاسيكي  الذي يرى التفاعل الدولي كلعبة صفرية، قوامها النصر التام والهزيمة المطلقة، بينما التوازن الجديد يراها ذات مضمون غير صفري قوامه تحقيق الأهداف الكبيرة والفهم ان ذلك من نصيب طرفي كل نزاع.

 

 


وقوف اميركا الى جانب إسرائيل هذه المرة، يؤكد زيف الحديث عن "دولة مستقلة ذات سيادة" تتخذ قراراتها بنفسها وتدافع عن نفسها بنفسها، فالقافلة غير النهائية من السفن والطائرات المحملة بالأسلحة ومن كافة الأنواع، تؤكد ان فرضية او ادعاء الدفاع عن النفس بقدرات ذاتية، غير صحيحة بل كاذبة الى ابعد الحدود، فالولايات المتحدة هي التي وفرت الأسلحة لإسرائيل ومعها دول اوربية منها بريطانيا وألمانيا، وهذه حقيقة واقعة كانت قد تكررت عام 1956 وكذلك عام 1973، تم إخفاؤها بعد ذلك عبر مخازن أسلحة كبيرة وضخمة تملكها الولايات المتحدة في إسرائيل ، تشكل بالاتفاق بين الطرفين، مخزوناً يمكن لإسرائيل استخدامه في حالات الحرب، لكن الأمور تغيرت هذه المرة بعد ان تم افراغ هذه المخازن، وارسال محتوياتها الى الجيش الاوكراني، ضمن المساعدات الأميركية والدولية لأوكرانيا لمواجهة العدوان الروسي، ، وبالتالي فإن  تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزراء حكومته أن إسرائيل ستتخذ قراراتها بنفسها،  وستفعل كل ما هو ضروري للدفاع عن مواطنيها، هو تصريح لأهداف سياسي، ليس له رصيد، فهم يدركون في قرارة انفسهم ان الولايات المتحدة هي الضامن والضمان الوحيد لأمن إسرائيل، وان التطورات الإقليمية وخاصة اتفاقيات الصلح والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية، تلك التي كانت وتلك المنتَظَرة اسرائيليًا، هي نتيجة للمواقف والرغبات الأمريكية، وأن عدم توقيع اتفاق تعاون دفاعي، هو مصلحة إسرائيلية وأميركية في نفس الوقت، فهو يلزم إسرائيل بالتنسيق مع اميركا قبل أي عمل عسكري ذات صلة، كمهاجمة ايران او غيرها او شن حرب ضد "حزب الله" الذي يمكنه ارهاق إسرائيل بمئات آلاف الصواريخ الدقيقة، وهو ما لم يحدث هذه المرة بمعنى انه سلاح يمكن لإيران استخدامه في أي مواجهة مستقبلية مع إسرائيل، ستكون ربما اقسى يستخدم فيها الطرفان كافة قدراتهما العسكرية، المباشرة وغير المباشرة، وهو ما قال عنه ويقول تشارلز ليستر، الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، من  إن الدرس الكبير الذي يجب استخلاصه هو أنه ما لم تستخدم إيران قدراتها الكاملة دفعة واحدة، فإنها مجرد داوود، وليست جالوت، في هذه المعادلة .

 

 


خلاصة القول : بعكس الصدام مع "حماس" في السابع من أكتوبر، والذي حطم كافة الحدود والخطوط الحمراء، ودفع الفلسطينيون في غزة ثمنه بستة اشهر ونيف من الحرب والدمار، دون ان تتحقق الاهداف التي وضعتها" حماس" رغم استمرار التصريحات حول نصر فلسطيني" لا تأكيد له على ارض الواقع، وبالمقابل الحديث في إسرائيل عن انتصار وكسر لحركة "حماس" وقدراتها العسكرية والسلطوية، وهو ايضًا حديث في الهواء، بالحرب مستمرة و"حماس" تعود الى شمالي القطاع، وقادتها ما زالوا يتحكمون بزمام الأمور، اللهم الا الحديث عن احتمال انتقال قياداتها في الخارج من قطر الى تركيا، و هي خطوة لها دلالات إقليمية وليست محلية، فإن الصدام العسكري محدود النطاق بين ايران وإسرائيل، لم يصل حد كسر قواعد اللعبة والخطوط الحمراء، بل انتهى حاليًا الى نتيجة يمكن لكل طرف اعتبارها فوزًا ونصرًا، فطهران وفت بوعيدها اطلاق الصواريخ على إسرائيل ومهاجمتها، وهذا انتصارها، وإسرائيل ردت باعتراض كافة الصواريخ ومسيَّرات ايران ، دون خسائر واضرار وهذا انتصارها العسكري والتكنولوجي، اما الولايات المتحدة فقد انتصرت سياسيًا وعالميًا واقليميًا بتحالف عربي أوروبي سباعي رد هجوم ايران، وبضغط دولي منع ردًا إسرائيليًا يجر المنطقة نحو حرب، كما انتصرت بمنع مواجهة متعددة الجبهات، ومراضاة إسرائيل باستخدام الفيتو لمنع انضمام دولة فلسطين الى الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية...  وباختصار صدام واحد انتهى الى فائزين ثلاثة، والسؤال: ماذا سيحدث في الصدام القادم وهل يمكن الحفاظ الى الأبد على معادلة "الفوز للجميع"؟ وهذا ضرب من المستحيل، فمن سيكون الخاسر المرة القادمة؟ ومتى؟ وكما قال جبران خليل جبران البُغضُ جُثّة راقدة , فمن منكم يريد أن يكون قبرًا ؟ وعليه حالنا في هذا العالم بانه يوجد تناقض بين أنتصار القيادات وخسارة الشعوب.

 

תגובות

מומלצים