"درجات التّجديد على مدارج الأدب"
"درجات التّجديد على مدارج الأدب"
The renewed presntation of the word
العرض المُجدَّد للكلمة
"نظرة في معراج الأدب المنصوريّ
شذرات الابتكار والتّّجديد
في رمزيّة ،سرديّة ودروس البروفيسور Lotfy Mansour لطفي منصور
تعدّدت وتنوّعت أجناس الإبداع المنصوريّة،فسكب قلمه الماسيّ أروع ما يُقرأ من فرائد،عبارات وأفكار أتحفت فكر وروح المتلقّي إثراء وتسرية.
ولمّا تألّق هذا اليراع والفكر وجب على محبّي الأدب الأصيل امتشاق قلم النّقد تحليلا فتقديرا.
لهذا السّبب وليس وحده وددت أنا تلميذته الفخورة وقارئته النّهمة المعجبة بتطرّف بشخصه وأدبه أن أعرض هذا الجانب التّجديدي في أدبه الفخم والجمّ .لا يخفى على قرّاء البروفيسور البعد الإبداعي العبقري ،عبقره هنا ليس واديا بعيدا أو رمزا شريدا بل هو مكنون روح إنسانيّة وأدبيّة أصيلة تجلّت طاقتها الخلّاقة في ابتكارات كتابيّة سامقة لافتة كما سنثبت لاحقا بصدق وبرهان لا بمجاملة وبهتان.
ولمّا سقط النّصّ أيّ نصّ عند خلوّه من الإبتكار وميله إلى التّكرار والإجترار يكون قد سما نصّ أستاذنا وعلا على أجنحة التّحليق والبريق لامتلائه بذهبيّ الفكر وكريستاليّ اللّفظ والتّنميق.فيما يلي سأورد أمثلة من قصصه القصيرة، خواطره ودروسه لتبيّن درجات تجديده الصّاعدة أبدا ،وعليها نصعد نحو مراقي الأدب الماجد والخالد.
قال شيخ نقّادنا محمود مندور فيما قال عند تعريفه بمفهوم التّجديد الأدبي أنّه"العودة إلى النّفس الإنسانيّة كمنبع أصيل للأدب" بمعنى آخر إنّ الأدب الحداثي الذي يمتّ إلى توثيق التّجربة الإنسانيّة يجب أن يكون ذلك الفنّ الذي ينبع من روح صادقة أصيلة غايتها نقل إلى صقل،،وإلّا ضاع التّأثير والتّغيير،وها هو أستاذنا المبدع في قصصه القصيرة الممتعة إلى أبعد الحدود، ينتقي لبطلاته أسماء رمزيّة ويخلط الأدب الرّامز بالواقعي، "فتكون" نغم"هي بطلة إحدى قصصه القصيرة تلميذته التي تتّصل به فجأة وتطلب لقاءه وذلك بعد مرور أعوام من الانقطاع وتلتقي به في مقهى الدّوار السّابع ،وأنا أجزم بأن التّجديد يرسل ضوءه في شيئين،الأوّل أنّه أبقى الأسم الحقيقي للبطلة ولم يغيّره في القصّة وهو بحدّ ذاته تجديد معنوي يظهر صدق المصدر فتكون القصّة مرآة وكاميرا تثير فضول القارئ وتجذبه وتشحذ حواسّه فيشغل تفكيره في سبب عدم تغيير الإسم،وهنا تتجلّى عبقريّة كتابيّة،ولمعة تجديديّة لأن التّجديد كما أره هنا هو في وضع القارئ في حالة تدفعه لخلق تجديد في تفكيره لفهم الأسباب المؤديّة لعدم تغيير الإسم.وثانيا قول الكاتب"فالصّوت ليس غريبا عليّ" ليس صدفة ولا عشوائيّا كتب ذلك أستاذنا ،لأنّ القصّة قصيرة ولكلّ حرف فيها خصّص مكان وغرض معنويّ وأنا أرى التّجديد هنا في جلب الانتباه لوظيفة الموسيقا في الإسم من جهة،ومن أخرى في تعليم وإعلام القارئ بنفسيّة وطباع الكاتب الذي لا ينسى تلميذته بل ويجعل من التّجربة معها غرضا أدبيّا يخلّد هذه التّجربة وإن لم يكن التّجديد في ذكر الماضي لصقل الحاضر رسالة إنسانيّة وأدبيّة فماذا يكون إذا؟
نعم أدب رامز في قصص خالدة فها هو أستاذنا يختار الفراشة لتكون بطلة قصّته في نصّ تحت عنوان"قصّة صغيرة كبيرة" إذ يورد فيه أستاذنا حوارا بين نحلة وفراشة،السّابقة تلوم الأخرى على دخول حقلها والإعتداء على ملكها.نعم وردت أساطير على ألسنة الحيوانات ،لكن أستاذنا مضى قدما في رمزيّته فتكلّمت الحشرات وهي رموز العطاء والجمال،الرّقة والشّفافيّة،فهل أرقّ من مشهد نحلة تحطّ على زهرة؟ وهل سحر يفوق جمال طيران وشكل الفراشات؟ نعم تجديد في سرد ووصف،وأكثر فالفراشة هنا ترمز إلى الجانب الرّوحي في العطاء ،فالوجود لا يعتمد فقط على غذاء الجسد بل أيضا على الغذاء الرّوحاني الذي يبرئ من التّعاسة والإضمحلال الرّوحي.الفراشة رمز البقاء عكس الهلاك والتّلاشي.
كم أثرانا هذا النّص بجماليّات معنويّة على بساط لفظي
انظروا قول أستاذنا"فرشت الفراشة جناحيها فكأنّ الرّبيع اجتمع عليها بأزهاره ووروده"هذا الجناس في فرشت والفراشة وحصر الربيع بجماله في جمال جناحيها هو ابتكار وصفي ينعش الرّوح ويسمو بها إلى عالم السّحر المسكر.
ماذا نقول بعد في تجلّيات التّجديد والخلق في الصّناعة الأدبيّة المنصوريّة ،فها هو أستاذنا يتحفنا بمعراجه المنصوري
الذي يضيف درجة أخرى على درجات تميّزه الإبداعي،انظروا أصالته المزدانة بالحداثة والابتكار في خواطره العذبة ،.في نصّ بعنوان"قاطفة القرنفل"،حيث نكاد نثمل من رصفه اللّفظي وتركيبة خاطرته المتلألئة ناثرة لمعة حرفيّة وبعدا معنويّا يحلّقان بنا في آفاق الكتابة السّاحرة،بل والمجدّدة فكيف يكون التّجديد إن لم تأخذنا حروف اعتدناها ومفردات ظننّاها عاديّة نحو قمم الإحساس المختلف غير العادي،أكاد أجزم بأنّ كلّ متذوّق للشّعر والنّثر سوف تسكره طلاوة وموسيقا البنية النّحويٍة واللّفظيّة
لهذا الأستاذ المتمكّن المبحر في عالم الكلمة،بل في محيط الفرائد المميّز.انظروا قوله "وأضحت القرنفلات في غريبة
حيرى تنظر موت الزّؤام الصّارم
وأخذت تذوي كما يذوي سنا المقل"
يا لعظمة الإنشاء الذي ينشئ قارئا متعلّما ينطبع من المفردات فتنطبع فيه وتحفر طعمها في روحه إلى لا غياب،تجديد نعم لأنّ كلّ ما يلفت وتشرقه الذّاكرة لا يكون مألوفا بل جديدا عليها
درجات التّجديد عند أستاذنا عالم البيان بائنة كشموخ شجر بان من قلم بان.ترجّل أستاذنا وأتانا بنظرة تجاوزت نظرته الأكاديميّة وإن كانت قد استندت عليها فنثر دروسه الثّقافيّة المضمّخة بفلسفته وفكره
السّامي ليجمع بين درجاته العلميّة ودرجاته الإبداعيّة،ليتمخض درسا إنسانيّا تثقيفيّا يخلق إنسانا تجدّدت ثقافته ونمت معرفته،يا له من تجديد..سابرهن نظرتي هنا بسبيلين الأوّل تعدّد دروسه النّحويّة التي يشرح فيها قواعد اللّغة ويعرب فيها ما يورد من جمل وأبيات شعر منتقاة،والثّاني إشرافة على إشراقة تنويريّة تشعّ من بعض دروسه الفلسفيّة التي غايتها تثقيف تبليغ وتأثر. في نصّ تحت عنوان"دعوة لحبّ الوطن" تختال بلاغة أستاذنا وفصاحته مختلطة بأعظم دعوة ومعنى في الوجود وهو حبّ الوطن،نرى فيها خروجا عن المألف إذ تتعدّى معاني ونظرة النّص المعرفة الأكاديميّة للبروفيسور إلى تطبيق أدبي إنساني لها،جاء في رونق سجعي لفظي مائز على أثير معنوي أصيل.نعم تجديد فعندما يكون الكاتب والقائل عالما يكون تأثير الكلمة من أعظم المواقف،فلكلّ قائل هيبة ومصداقيّة وكم هي سريعة الاستيعاب أقوال العظماء.نعم فرائد لغويّة جاءت في قالب عقيقيّ بارق لا يصبّه إلا قلم قد مرق على ما قدم وما تجدّد من أدب وفكر.هذا هو التّجديد المنصوري، الذي يتجسّد في القالب اللّغوي الذي يجمع في لوحته قوس قزح الأزمنة الأدبيّة بمستوى كتابي إبداعي لا يضاهى،انظروا درسه في التّربية العقليّة وتنمية التّفكير وتطويره،فيه. توبيخ ولوم لتغييب دور العقل المخترع في أمّتنا،ودعوة للالتحاق بركب العلم بل والخيال الخلّاق الذي لولاه لما كان ابتكار ولا إبداع.وهل هنالك تجديد أعظم من الفكر الملهم الذي يحث ّ نحو حثّ خطى الإرادة الإنسانيّة إلى معرفة وتعريف "وظيفة الإنسان على هذه الأرض
،.."اليوم لا يكتفي الإنسان في المأكل والمشرب بل أن يتطوّر في كافة مجالات العلم بل ويغزو الفضاء كما يشاء له الله.على الانسان برأي أستاذنا "والولوج إلى الكون الشّاسع".
تجديد منصوريّ كيف؟ ببساطة شديدة فإنّ القارئ الحاذق عندما يرى بانوراميّة أدبيّة دائريّة محورها عقل عالم كبير، أقسام دائرتها شرائح لفظية عذبة، فكريّة منطقيّة ،إنسانيّة عميقة وإلهاما محفزّا على التّفكير يكون القارئ قد تجدّد معرفيّا وتعريفيّا وفهم
a word means a world كما يقال بالإنجليزيّة
بأنّ الكلمة قد تعني أو تحوي عالما.
في نصّ فلسفيّ دينيّ عميق تحت عنوان "وكأنّ عرشه على الماء"يدخلنا أستاذنا إلى تجديد أدبيّ خارق،،إذ يبرز أستاذنا هنا ليس كأديب لغويّ وحسب بل كعالم وباحث إسلامي مخضرم يجمع جوانب شخصيّته العلميّة والإنسانيّة والفكريّة ليشرح آية من سورة هود وهي من أصعب الآيات فهما . فيورد نظرية وحدة الوجود التي سبق بها ابن عربي الغرب ويشرح بمعرفة عالم مبحر آيات مثل"وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ" وغيرها،ويستطرد شرحا بأنّ العرش هو روح الله.غايتي من هذا العرض هي تبيين قدرة عالمنا في تدبّر القرآن وتحليله بمنطق وأدلّة علميّة قد لا يصلها سوى علّامة قدير مثله.
وأيضا قدح وقدة التّفكير النّقدي التّحليلي عند القارئ وهو تجديد في توجّه وتوجيه العلماء لقرّاء القرآن الكريم .
بيّنا أعلاه معنى التّجديد الأدبيّ في الحرف المنصوريّ،ولكن دعونا نعطي أستاذنا المبدع حقّه وأن لا ننسى فوق هذا وذاك أن أعظم تجديد لأستاذنا هو دأبه وسعيه لرأب الفجوة بين العلم والواقع،اللّغة والشّارع عندما نجح في خلق الإنسجام بينهما في تقريب
العالِم إلى القارئ العادي والفصحى إلى رفوف القراءة اليوميّة والأكاديميا إلى المجتمع عامّة
.سيذكر التّاريخ مشروع أستاذنا في إحياء اللّغة والفكر التّقدّمي في زمن من أصعب الأزمنة التي مرّت بها أمّتنا
جعله الله في ميزان حسناته.
خلاصة القول هنا أنّ الأدب الأصيل كالشّمس في كلّ إشراقة صبح جديد تصنع حياة جديدة
.وهكذا هي نصوص أستاذنا على أنواعها
في كلّ نص نلمس ومضة جديدة،وفكرة جديدة وشعلة جديدة متجدّدة تنير دروب فكرنا وتسرّي عن نفوسنا وتصنع منّا قارئا أكثر علما وأوسع أفقا.
آمال ابو فارس المربية الاديبة والشاعرة, المسؤولة عن زاوية المنتدى الثقافي. يمكنكم الاتصال بها Amlabo@walla.com او على هاتف 0549026108


















