القمر غير الثابت

26.10.2025 מאת: الدكتور حاتم جوعيه المغار
القمر غير الثابت

 

مهلا،لا تقسم بالقمر،القمر غير الثابت،
 

المتغيّر في دائرة مداره شهريّا،كي لا تثبت أنّ حبّك مثله متقلّب"  
 

".هذا قول شكسبير في خالدته  "روميو وجولييت"

.شرفة القلم المقمر ،بنور بدر ودائرة علم موسوعيّة.
هكذا جاءت خاطرة البروفيسور المبدع منصور،في تعامله النّثر مع القمر،
سنرى فيما يأتي شرحا لبنية هذا النّص الأدبي المكوّنة من 
تفليق لقمر الحرف الدّريّ،وغناء من اللّفظ القيثاريّ
وتحليق في سماء الفلسفة ولغز الوجود وطلسمه.كلّ هذا 

 

في جلسة من سكب خاطره وما يجول في قلبه وفكره من أمور  لقد جنّح قلمه الفذّ بمفردة القمر،وصعد به  شخصنة وتجريدا كرمز    عند الشّعراء والأدباء ملهم للإحساس مطرب، فكوكبا محسوسا  بتعريفه العلميّ من صخور وتراب
وأجلّ ما أوصلنا إليه معراج هذا القلم
هذا الفكر الفلسفي الزّخم،في خاتمة الخاطرة
من طرح لظلمة الطّبيعة البشريّة التي تفقد بوصلة التّفريق بين القبح والجمال.
وكم كان التّقاطع الأدبي جليّا بين كتابات شكسبير وأديبنا الأريب،فكلاهما يملك عنان الحرف وجمال الطّرح وعمق الفلسفة والرّسالة الأنسانيّة.
كلاهما ناغى قلمه وفكره وخياله القمر،كلاهما غازل وعاتب القمر،كلاهما تأمّلا وجوده الحسيّ الملموس ككوكب حجريّ،ومؤثّر في سلوك وحظوظ البشر .
وما أقربهما هنا في نظرتهما إلى تقلّباته ،حركاته وغموضه.
نعم أستاذنا يكتب  كأنّه يعزف،بل هو عازف الحروف المبهر،،تقرأه ولا يصمد لك إحساس،تهتز على نغمات حرفه المشاعر فها هو يقول:
ْهَلْ سَمِعْتَ الدِّيكَ أَطالَ الصِّياحٌ"
وَقَدْ بَدا في الْأُفِقُ نُورُ الصَّباحْ
ما صاحَ إلَّا نادِبًا لَيْلَةً
وَلَّتْ مِنَ الْعُمْرِ السَّرِير الرَّواحْ 
أَحْيانًا يَطُولُ لَيْلٍي، فَيَقْذِفُني السَّرِيرً إلَى شُرْفَةِ الْبَيْتِ، خاصَّةً وَالْقَمَرُ بَدُرٌ، فَأَعْمَدُ إلَى كُرْسِيِّ الرّاحَةِ، مُسْتَقِبِلًا الْبَدْرَ بِوَجْهي.
سُكُونٌ أرْخَى سَتائِرَهُ مِنْ حَوْلِي، لا أَسْمَعُ نَبْسًا، وَلا حِسًّا، وَلا نَقِيقًا، أَخْلُو أَنا وَالْقَمَرُ. أُمْعِنُ النّظَرَ في ضَوْئِهِ الْفِضِيِّ، كَصَحْنِ مَرْمَرٍ احْتَوَى حُبَيْباتِ عَنْبَرٍ.
كُلَّما أَمْعَنْتُ نَظَرًا وَتَأَمُّلًا فِي الْبَدِرِ زادَ تَسْبِيحي الْخالقَ الْمُوجِد لِهَذا السِّراجِ الْعَجيبِ.
تَنْتابُني الْخَواطِرُ فَأُناجِيهِ وَأَقُولُ: أَيُّها الْجَمالُ الْعَجِيبُ! الَّذِي لا يُضاهِيهِ جَمالٌ فِي دُنْيانا لِماذا تُخْفي حُسْنَكَ عَنّا، وَتَذْوِي كّذي الضَّنَى أَنْهَكَهُ الْوَجْدُ، حَتَّى نَعْدَمَ وُجُودَكَ؟
يا مِثالَ الْحُسْنِ أَلَمْ يُشَبِّهُوا الْوُجًوهَ الْحِسانَ بِكَ ، يا بَدْرَ السَّماءِ، وَجَمِيلَ الضِّياء، يا مَصْدَرِ إلْهامِ الشُّعَراءِ، وَمُفَجِّرَ مَكامِنَ الْعِشْقِ وَالْحُبُّ. أُصْمُدْ فِي ضِيائِكْ، لِتَخْتالَ فِي سَمائِكْ.

حرفه والقمر جيران( ولتعذرني فيروز والرّحابنة  إن قلّدت عنوانهم ) كلاهما عال لا يطال،منير يختال محيّر للعقول فيه استفزاز،
يستهلّ أستاذنا  النّص بصدحة كصدحة الدّيك جميلة منبّهة وللنّفوس موقظة،يصف الهدوء بحروف مهموسة يقطر منها عسل لفظي يثمل القلوب،انظروا أقواله"أخلو أنا والقمر" مفجّر مكامن العشق" بل خذ سكرة من تشبيه عجيب للقمر مبتكر ما له مثيل:
".صحن مرمر احتوى حبيبات عنبر"
القمر بدائرته يشبه صحنا،ونوره حبيبات 
وكأنّ عطرها بلغ إحساسه.يا لقوّة التّعبير،فأساس التّشبيه منطقي وعلمي،اذ كان العنبر شمعا وهو أيضا مصدر نور،والأدهى رائحته التي أراد بها أستاذنا  أن يظهر كون القمر مصدرا روحانيّا ملهما للشّعراء،وهو شيء عظيم.
نعم حرفكم والقمر جيران،منه استعار نوره وله أعار نغماته،فأن كان للمبدعين مطرب فهو حنجرة حروفكم.
يذهلنا قلم أستاذنا بمعراجه عندما  يدوّخنا سموّا في معراج سرده من نشيد وصفي لخلجات الرّوح والخاطر المثملة لخيال القارئ  صاعد بنا إلى أفق الوصف في الرّحاب الأدبي 
الشّاسع ليتألّق القمر كقصيد المحال
انظروا عبقريّة النّقلة،التي لا يعيها وعينا لكنّها تعيه،بل تأتي منساقة تلقائيّة في تيّار كتابيّ ممغنط وهو أسلوب منصوريّ وسمة بارزة من سماته:
"يا ابن الشّمس! روى علماء عنك أنك أرض وجبالٌ وأودية وأعماق"
ابن الشّمس"
انتقلنا للتّجسيد والمحسوس فهو ابنها،كيف لا وضياؤه من نورها"،
ولكن هذا التّجسيد والتّكثيف لم يقلّل من طراوة وطلاوة الحرف،وهذا شيء عظيم.
فهو وإن كان جمادا ميّتا يبقى مصدر السّحر والجمال في نظر الكاتب الذي هو شاعر،والذي يمتلك إحساسا وحسّا مرهفا أكثر من غيره انظروا من  قوله أسفلا،"لو قالوا ما قالوا ،لا يهمّني" يا لشموخ الثّقة،ويا لعمق الإحساس،شموخ وعمق هما ما يصنع الكاتب المختلف والإنسان المختلف إيجابا،بل ما يصنعا ملح الأدب  الإنسانيّة جمعاء  فهل من طعم للحياة دون وجود الفكر والحسّ والفعل  نعم الفعل السّامي،الذي هو ركيزة التّغيير ولجام الشّر وسوء التّفكير:

هَلْ صَحيحٌ ما قالُوا عَنْكَ أَنَّكَ خالِ مِنَ الْهَواءِ. حَتَّى لَوْ قالُوا ما قالُوا وَسَقَطُوا عَلَيْكَ لا يَهُمُّني. يَكْفينِي لُجَيْنُكَ.
أَيُّها الْغالي لا بَأْسَ عَلَيْكَ، فنحْنُ بَنًو الْأرْضِ نَرَى كُلََ شَيْءٍ غَرِيبٍ أَوْ بَعيدٍ جَمِيلًا. وَكُلَّما اقْتَرَبْنا مِنْهُ زادَتْ قَباحَتُهُ حَتَّى نُصابَ بِعَمَى الْأصْباغ، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ الْقُبْح والجمال

 باغتتنا ها هنا أعلاه قفزة إلى ساحة الفلسفة وفسحة الرّوح  فجاء  الحرف حداثي وفّق ما بين عراقة الإنشاء وعصرنة صقله وحقنه بما سما من فكر وعلم آنيّ،فكان النّص مرآة مطابقة 
 لمفاهيم الحاضر حيويّا وغنيّا  بلا إخلال
  Relevant
، انظروا خاتمة التّساؤل الفلسفيّ والطّرح القوي لطبع  البشر الشّقيّ،والعجيب أنّه مهما قسا البشر على القمر وكذا طبع البشر  فكاتبنا سينحاز لصفّه ويهجر نكران النّاس لجماله. هو بعدالكاتب التّأمّلي الحِرَفيّ قد ألقى بتساؤل قد يكون شكوى قد يكون قرارا،لكنّهما لوجودنا الأخلاقي والفكريّ زلزال زلزال.

ونعود للسّرقة،وما كانت السٍرقة ها هنا إثما ولا عدوانا،ألم يقل  المسيح ع أنّه نبيّ سيأتي كاللّص
أي دون أن يشعر به أحد.. ألم يكن بروميثيوس سارقا للنّار من 
الآلهة ليضيء بها دروب البشر،تنير عقولهم ويستهدون 
بنورها دروب العلم والمعرفة.نعم لقد سرق قلم أستاذنا من القمر
 
ضياءه وبهاءه  وحبسه في سويداء حروفه فكان الحرف ساطعا مؤثّرا أنار دهاليز الفكر التائه في وسنة غياهب الزّيف الكذب والقبح.
وسخّر سراج الكون لإضاءة سبل القلم في نسج قصيد المستحيل.
نعم المستحيل الذي هو إسدال ستائر الظّلمة على نور جمال القمر.
كانت لنا وقفة مع خاطرة مقمرة بنوراميّة من تدويرات البروفيسور منصور الأدبيّة المعروفة، محورها القمر ومدارها جوانب روعة وجوده الرّوحاني والجسماني ،المتفرّع من قلمه إلى ملهم للشعراء وقادح للفكر  بحكم بعده وجماله إلى مستفزّ للعقول ،بحكم كثافته ،فكيف  لمن يأخذ ضوءه من الشّمس أن يستهدي به البشر،وكيف يمسمر حواسّنا من أصله من تراب وحجر.؟

 

وهل لحركة العقل المتّقد الدّؤوب إلّا معراج الأدب من مستقرّ؟
 

الناقدة نافلة مرزوق عامر من البقيعة

شاعرُ الكادحين  والمناضلين 

 

תגובות

מומלצים