نظــــــــــــــــــرة فــــــي الحـــســــــــــــــــد !!!

جميع الرسالات السماوية ذكرت الحسد وحذرت منه وذلك لأجل خطورته وما يعقبه من شرور ومكائد كونه نابع من وساوس النفس الأمارة في السوء، والحسد هو احد مهلكات النفس الثلاث وهي : العجب والكبر والحسد، كما أن مهلكات الجسد ثلاث: الأكل والشرب والنكاح.

16.12.2009 מאת: منير فرّو
نظــــــــــــــــــرة فــــــي الحـــســــــــــــــــد !!!

والحسد إذا استولى على الإنسان أهلكه إذا لم يتداركه وينزعه من لبه وفكره، يقول تعالى في كتابه العزيز: " قل أعوذ برب الفلق ، من شر ما خلق ، ومن شر غاسق إذا وقب ، ومن شر النفاثات في العقد ، ومن شر حاسد إذا حسد "، وفي الكتاب المقدس جاء تحذير من الحسد واعتبره خطية تؤذي صاحبها واكبر مثال لحسد الشياطين والتجارب هو مثال أيوب الذي حسده الشيطان والحق به الكثير من الضربات آملا في أن يضعف ولكن الله أنقذه ، وقد ورد في 1 بطرس 1 2: 1 إذ يقول الوحي الإلهي: " فاطرحوا كل خبث وكل مكر والرياء والحسد وكل مذمة .."

وفي 1 كورنثوس 13 يقول الرسول بولس:" المحبة لا تحسد" ،وفى التوراة أيضا كما جاء في مزمور 37: 1-8: النهى عن الحسد، وهو تمنى زوال نعمة الغير والعمل على إزالة النعمة بالمكائد المادية " لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعاً يُقْطَعُونَ وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ. اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ. وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ. سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ.

انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ. " وقال الرسول صلعم : " إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب "،أ و :" لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً أو :"لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا"، أو:"لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد"، أو :" ثلاثة لا ينجو منهن أحد وقلّ من ينجو منهن: الظن والطيرة والحسد"

لا يمكن اعتبار الحسد بأنه ظاهرة ، وإنما هو شرّ كامن في النفوس ، يتحرك في النفس البشرية بسبب ما يختلج فيها من أفكار سوء ،  وتلك الافكار نابعة من وقوع النفس الخيرة الانسانية صريعة تحت شهوات الجسد واهوائه الخسيسة ، مما يجعل قلب الانسان مرتعا للشيطان وحبائله ومكره ، فيقوده الى التهلكة ،  واول ما يظهر اثر الشيطان على الانسان هو الحسد الهدّام ، فيجعله نمّاما ومغتابا ولجوجا وحجوجا ومحتجا ومعترضا لكل ما يصيبه من مصائب ونوائب والتي هو سببها ، لان الانسان ما يصيبه من خير الامور وشرها ترجع اليه لقول القران : " وان ليس للانسان الا ما سعى "

فالخير والشر يخرجان من قلب الانسان الى خارجه وليس من خارجه الى داخله كما قال يسوع –ع- في الانجيل المقدس : "  ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان ثم فسر ذلك بقوله : بعد أن كل ما يدخل الفم يمضي الى الجوف ويندفع الى المخرج ، وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر ، وذاك ينجس الإنسان ، لأن من القلب تخرج أفكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف ، هذه هي التي تنجس الإنسان وأما الأكل بأيد غير مغسولة فلا ينجس الإنسان " لذلك الحسد هو من أفكار الانسان الشريرة التي تخرج من قلبه الى جوارحه فتنجسه وتشينه  وهو أخطر من فعل القنبلة النووية كما قال الشاعر : 
 
                  إصبر على كيد الحسود             فإن صبرك  قاتله 
                  فالنار   تأكل    بعضها             إن لم تجد ما تأكله
 
فالحق سبحانه يأمرنا بالاستعاذة من شر الحاسد ، وشره كثير، فمنه ما هو غير مكتسب وهو إصابة العين، ومنه ما هو مكتسب كسعيه في تعطيل الخير عنه وتنقيصه عند الناس،وربما دعا عليه أو بطش به إلى غير ذلك، لذلك يعرّف الحسد باسم العين، أي الإصابة بالعين،  فيقال : رجل عائن،  أو معيان، أو عيون أي شديد الإصابة بالعين،وقد أثبت العلم الحديث الإصابة بالعين، حيث تكلموا عن أشعة غير مرئية  تخرج من عين الحاسد فتصيب من يحسد، وتستطيع أن تأثر في الماديات

يقول الرسول صلعم :"استعيذوا بالله من العين ، فإن العين حق"، ويقول أيضا : " العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا"،  فالإيمان بالعين والحسد وارد عند جميع الطوائف والشعوب وله ذكر في جميع الأديان ، وكل له طريقته في علاجه، كالرقويات والتعاويذ والتحاويط والحروز وضرب المندل وغيرها من صناعة تماثيل وأشكال كالعين الزرقاء وكف اليد ذات الخمسة أصابع  لطرد العين الشريرة، قالت طائفة إن العائن إذا تكيّفت نفسه بالكيفية الرديئة انبعثت من عينه قوة سميّة تتصل بالمعين (المحسود) فيتضرر

وقيل : " لو علم المحسود ما للحاسد عليه من نعمة لتذكر النعمة "، فالحاسد لا يحسد أحدا إلا على نعمة كان الله قد منّ على ذلك العبد المحسود، فجاء فعل الحاسد بحسده هذا تذكارا للمحسود بأن عليه أن يتذكر نعمة الله عليه ويحمده على تلك النعمة، لقوله تعالى : " لإن شكرتم لأزيدنكم "، فدوام النعمة بالشكر للمنعم المتفضل الجوّاد الكريم الذي نعمه لا تعد ولا تحصى، والحسد موجود داخل كل إنسان، فالإنسان هو حاسد ومحسود، لذلك على الإنسان أن يخمد الحسد الذي بداخله ليرتاح ويريح ، ويحفظ النعمة

والحسد هو نوعان محمود، والمذموم، فالمحمود أن تنظر الى أخيك وتحسده على النعمة التي هو فيها، ولكنك لا تتمنى زوالها عنه، بالعكس فأنك تتمناها لنفسك وتتمنى بقاها لأخيك، والمذموم هو حسدك لأخيك على النعمة التي أعطاه إياها الله ،وتتمنى زوالها عنه لتنتقل اليك، وهذا من ضعف الإيمان بالله وكفرانا بنعمه، لأن الحسد من المعاصي العظيمة ، ومفسدة للدين والدنيا، لأنه كما قيل : " الحسد معصية عاجلة،لأنك في غم الحسد، والمحسود في دعّة النعمة "، وأكبر إذا لا حسد إلا على نعمة، ويكفي بالحاسد أنه يغتم وقت سرورك، لذلك الحاسد فهو دائما وأبدا في غم دائم، وحزن لازم ، وحسرة لا تنقضي، لذلك الحاسد عدو لنعمة الله تعالى، وساخط على رزقه ، وهو تعالى الرزّاق والقاسم للنعم، وعلى العبد المؤمن أن يرضى بما قسمه الله تعالى

الحسد هو دائما السبب في هلاك الإنسان، وهذا ما نراه بوضوح في عصرنا هذا، العصر الذي أظهرت فيه الدنيا جميع خيراتها، مما أوقع الفتنة بسبب حسد الناس لبعضهم، في تفاخرهم في مأكلهم، مشربهم، وملبسهم، وتفاخرهم أيضا في الدور والمساكن النساء الأولاد ومقتناياتهم للسيارات الفخمة وغيرها من الكماليات التي يزخر عصرنا المادي فيها، فأخذ الناس يحاكون بعضهم البعض لمجرد الغيرة والحسد، مما أثار البغض بين الإخوة والأخوات، الأهل ،الأقارب والجيران، وأيضا جعل البنوك تسترقهم وتستعبدهم وتسلب أملاكهم بسب القروض التي أخذوها وعجزوا عن تسديدها

والحسد موجود أيضا بين أصحاب الصنائع والتجار والفقهاء والعلماء وبين أتباع الديانات كل يريد أن يظهر أنه على دين الحق وغيره باطل، مما يحدث تطرفا دينيا خطيرا وهو ما يسمى بالأصولية، وهي سبب مشاكل العالم وعدم استقراره، لأن التطرف الديني سبب للارهاب، وليس لأحد حق أن يتهم الاخر بالارهاب لانه بذلك يرتكب عين الارهاب، ولا تبرئة هنا لأي دين فالجميع مشتركون في الأصولية الإرهابية لمخالفتهم لمفهوم أديانهم ، وأيضا بين النسوة بسبب تفاخرهن في الأناقة والجمال والرفعة،

وللحسد أسباب عديدة منها العداوة النابعة عن البغض، والتعزز وهوأن يثقل على الشخص أن يترفع عليه غيره، و التكبر والإستكبار وعدم الإنقياد لغيره ، والعجب والإعجاب وهو الجزع من تفضيل أحد عليه لتساويه في الخلقة، و الخوف من فوات النعم والمقاصد المرغوبة، وهو التزاحم على مقصود واحد كتزاحم الاخوة في نيل المنزلة عند الأبوين، أو كتزاحم التلاميذ لنيل المنزلة عند المعلم، وحب الرئاسة والجاه وهو أساس كل المشاكل في المجتمع لما يحدثه من نزاعات تؤدي الى تفكيك المجتمع  ، وهو التفرد بجاه دون غيره ، للحصول على منزلة في قلوب الناس ، وأيضا الكره أن يكون له في ذلك نظير، والسرور بزوال النعم على غيره، وكأنها مأخوذة منه وغيرها من دوافع الخبث وظن السوء والمزاحمة على بلوغ مطالب دون الاخرين، وكل هذا يبعث في نفس الحسود الحقد مما يدفعه الى التشفي والإنتقام

والحسد لم يسلم منه احد حتى الأنبياء  وقصص الحسد كثيرة ومتنوعة كحسد إبليس لآدم-ع- واستكباره عليه لما رأى له من منزلة عند باريه، فحسده إبليس على ذلك، مما دفعه لأن يأبى أمر الله تعالى، بالسجود والطاعة لخليفته على الأرض الذي صنعه بيديه وهو ادم لقوله في الكتاب : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين "، وهذا الاستكبار الذي هو نابع من الحسد والذي هو الكفر بالخالق، كان سببا لطرد إبليس من الجنة، ولعنه من بداية الكون إلى يوم الدين، وبقي آدم ينعم في الجنة،  ثم جاء حسد قابيل لأخيه هابيل بسبب تقبل الله تعالى لهدية هابيل، لأن سيدنا هابيل قدم أحسن ما عنده من المواشي(لأنه كان راعيا) قربانا له تعالى، وقابيل لم يخلص في قربانه فقدم ما هو غير صالح من المزروعات(لأنه كان مزارعا)،  مما جعل هناك حسدا من جهة قابيل لأخيه هابيل انتهى بقتل قابيل لهابيل، وكان هذا أول جريمة قتل تشهدها البشرية،كما قال تعالى : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين"

ثم جاء حسد أبناء سيدنا يعقوب لأخيهم يوسف مما دفعهم إلى الخلاص منه، وبيعه إلى القوافل الذاهبة إلى مصر، وحدث ما حدث،لقوله تعالى : " إذ قال يوسف لأبيه ياأبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ... قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين"  وحسدهم هذا جعلهم أيضا يكذبون على والدهم بأن الذئب قد أكل أخيهم يوسف حتى تبين فيما بعد كذبهم، وصحة حب والدهم لإبنه، الذي لولاه لما تمت نعمة الله على بني إسرائيل، وخروجهم مع موسى من أرض مصر،وأيضا عندما نزل أبناء سيدنا يعقوب –ع- الى أرض مصر ثانية حذرهم من أن يحسدوهم أهل مصر فقال كقوله تعالى في القرآن : " وَقَالَ يَا بَنِىَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ"  ،وأخيرا أحسن الوقاية من الحسد الاستعاذة من شر الحاسد ،تقوى الله عز وجل والإخلاص له والتوكل عليه، الصبر على الحاسد والعفو عنه ،لا يخاف المحسود من الحاسد، التوبة من الذنوب ،الإحسان للحاسد وتحذير الحاسد في حال معرفته أعاذنا المولى من الحسد والحساد .

תגובות

2. ش לפני 16 שנים
ا ا ا لا ق
1. ابو العنان לפני 16 שנים
وفقك الله يا شيخ منير

מומלצים