اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون

ها نحن نقترب من عيد الاضحى المبارك وهو عيد القربان عيد تجديد العلاقة بالرحمن والتقرب منه بنفوس طائعة مخلصة معترفة بالذل والافتقار وبالعجز والتواني في طاعته في اسمى هدف خلقها في الوجود لاجله وهو معرفته تعالى الخالق والمصور وعبادته بقوله تعالى : "ما خلقت الجن والانس الا ليعبدون".

03.07.2020 מאת: منير فرّو
اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون

 

يقول الحكيم ارسطوطاليس:

ليس الآمر بالخير بأسعد به من المطيع، ولا المتعلم بأسعد من المعلم له،  ولا الناصح أولى من المنصوح،  إن أفضل ما أنت تاركٌ من هواك ما أنت مصيبٌ من لذته و السرور به،  وأفضل ما يقسم للناس من معايشهم في الدنيا إن الواهب لم يرض لنفسه من الناس إلا بمثل الذي رضي لهم به منه،  فإنه رحمهم و أمرهم بالتراحم، و صدقهم و أمرهم بالتصادق، وجاد عليهم وأمرهم بالجود، وعفا عنهم و أمرهم بالعفو، فليس قابلاً إلا مثل الذي أعطاهم، و لا آذنٌ لهم في خلاف ما أتى إليهم".

 قال تعالى وهو عزّ من قائل : " اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون  ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون".

اخواني اليوم عمل بلا حساب، وغدا حساب بلا عمل، اليوم يكون الزرع، وغدا يكون الحصاد، فهلا حاسبتم انفسكم قبل ان تُحاسَبوا؟ وهلا عملتم عملا يكون فيه غدا نجاتكم؟ وهلا زرعتم زرعا يكون فيه غدا وفرة حصادكم ؟

اخواني لقد قال الله وهو اصدق القائلين : " ان الساعة لاتية لا ريب فيها "، وهل عندكم ريب من قول ربكم فيه تشكون؟ وهو القائل : " كلا سوف تعلمون  ثم كلا سوف تعلمون  كلا لو تعلمون علم اليقين  لترون الجحيم".

اخواني ان الله عز وجل تسمى بالرّحمن والرّحيم، وهما اسمان مختصان به تعالى، لا احد يجوز له ان يتسمى به غيره تعالى، وهما اسمان مشتقان من الفعل (رحم)، وهما صيغة مبالغة، فالرحمن على وزن فعلان، والرحيم على وزن فعيل، تدلان على الكثرة والزيادة في الصفة، وهما من صفات الكمال المطلقة له تعالى، وهو تعالى رحمن في الدنيا، ورحيم في الاخرة، فهو رحمن للطائع والعاصي، والمؤمن والكافر، يرزق الكافر والمؤمن على حد سواء، ولا يؤاخذهم بذنوبهم، ولا يعجل جزاءهم  في الدنيا، ولكن في الاخرة مختلف،  فهو تعالى في الاخرة رحيم بالمؤمنين فقط، الذين امنوا به في دار الدنيا، وامنوا برسله وباليوم الاخر، وعملوا الصالحات، والكفار والمشركون مطرودون من رحمته الى ابد الاباد، وسخطه نازل عليهم جزاء لكفرهم ولعصيانهم لاوامره بالرغم من تبليغهم وارشادهم وامهالهم، واغدائه عليهم النعم والارزاق، التي لا تعد ولا تحصى، والصحة  والايات التي تدل على وجوده تعالى وعظمته وقدرته، التي يعجز النطق ان يعبر عنها بالكلام، او ان تدخل في الخواطر والاوهام، او ان يدركها الجنان والافهام، كقوله تعالى : " هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا"، فهو تعالى خلق كل شيء في هذا الوجود من كوكب ارضي وأفلاك وكواكب ونجوم وبحار وعلى اتم نظام من اجل الانسان، الحيوان العاقل الناطق، ليكون اشرف المخلوقات وارقاها، وسخر له كل الاشياء، ومن اجل ذلك فرض عليه الطاعة ليتشرف عن سائر المخلوقات بالعبادة لله تعالى، الخالق العظيم، القادر المقيم.

 لقد نعت تعالى ذاته بالرؤوف، وحاشاه من كلمة ذات، لقوله : " ليس كمثله شيء"، فهو منزه عن الصفات، لان كل صفة تحتاج الى ذات، وهو كما قلنا منزه عن الذوات، والرؤوف صيغة مبالغة من اسم الفاعل رائف، وهو الموصوف بالرأفة فعله رأف، يرأف، رأفة، فهو رؤوف، والرأفة في حق الإنسان أن يمتلئ قلبه بالرقة وهي أشد من الرحمة، رحمة، فرأفة، وقيل بل شدة الرحمة ومنتهاها، والرأفة رقة القلب، مشاعر العطف والرحمة، والرحمة تسبق الرأفة، والرأفة منزلة تأتي بعدها، فلان رحيم، فإذا اشتدت رحمته فهو رؤوف، أو الرأفة آخر ما يكون من الرحمة يعني في أعلى درجات الرحمة الرأفة، لذلك قدّم الله تعالى الرأفة على الرحمة تقديم أهمية بقوله : " جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" والرؤوف هو الذي يدفع السوء عن عباده، يجلب لهم الخير، يحفظ لهم سمعهم، وبصرهم، واختصاصاتهم، لكن هناك معنى جديد أن اسم الرؤوف يتعلق بالوقاية، وأن اسم الرحيم يتعلق بالعلاج، قبل أن تقع المصيبة الله رؤوف بعباده، إياك أن تقع في هذا الخطأ، لئلا تستحق هذا العقاب، فالرؤوف رأفته وقائية، أما الرحيم بعد أن تقع المصيبة، بعد أن يقع العبد في ذنب كبير، في أكل مال حرام، الله رحيم به، فالرحمة بعد الوقوع والرأفة قبل الوقوع، الرحمة علاجية والرأفة وقائية، الرحمة تخفيف الألم عن المصاب بينما الرأفة هي الحيلولة بين المتعطف عليه وبين الوقوع في الشدة. لذلك  يقول تعالى ذو المانة والاحسان: " وان الله ليس بظلام للعبيد " وظلام شديد الظلم وهي صيغة مبالغة والمعنى كقوله جل وعلا : " ان الله لا يظلم مثقال ذرة" أي ان الله في غاية من العدل وهو غاية الكمال وهنا نفي الظلم عن الله أي انه عادل  .

اخواني تجنبوا غضب الله بالاقبال على اوامره والادبار عن نواهيه والعمل بما يرضية، فلا مهرب من حسابه، وهو ما من شك اننا اصبحنا على باب ذاك الحساب، الذي لا عين رات، ولا اذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لان علم الحساب ملكوتي لاهوتي، لا تدركه الابصار، ولا تعيه العقول، لانه لم يحدث ان حاسب الله الخلق حسابا في مثله، فهو نهاية النهايات " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب"، و"يوم  لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم"، و" يوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا".

اخواني "اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور  إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير".

اخواني  فقد  بلغ العصر آخره، وحكم فيه خالقه وقادره،  وزهق الحق وعلا عليه الباطل باطنه وظاهره، وظهرت سرائر الخلق وبانت ما اكنته ضمائره، وعما قليل يظهر الجزاء  ويعرف العامل عمله  أوله وآخره، حقه وباطله، ولا يضيع  مثقال ذرة ناهيه وآمره، فطوبى لمن اصلح مثواه، واتخذ من الدنيا ما ينفعه في اخراه، يوم لا مرد لقضاه، ولا دافع لبلواه، ولا خلاص لانسان مما جناه .

اخواني توبوا  الى خالقكم ما لكم من اله غيره، " اقترب للناس حسابهم "،  قبل " أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين  أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين  بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين  ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين  وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون " كل اضحى وانتم الى خالقكم اقرب.

 

תגובות

מומלצים